ما هي الأسطورة؟ وما هي نظرة العلماء لعلم الميثولوجيا؟
266- ما هي الأسطورة؟ وما هي نظرة العلماء لعلم الميثولوجيا؟
← ملاحظة: تم مناقشة 265 سؤالًا في الكتب الثلاث السابقة.
ج: الأسطورة وجمعها أساطير وتعرَّف على أنها أباطيل(1) وكلمة أساطير تقابل في اليونانية “ميثولوجيا ” MYTHOLOGY، والشق الأول من الكلمة “ميثو ” MYTHO مأخوذة من الكلمة اليونانية MUTHO وتعنى حكاية تقليدية عن الآلهة والأبطال، والشق الثاني LOGY وتعنى علم.
ويرى الدكتور سيد القمنى أن الأساطير -في الفهم الكلاسيكي- هي مجموعة خرافات وأقاصيص عن الأبطال في غابر الزمان، بحسب تخيلات وثقافة العصر الذي صيغت فيه فيقول “وعادة ما نجد في الأساطير مشاعر إنسانية جياشة أو أحاسيس، وتصوُّرات ومواقف، تطلعنا على فلسفة الإنسان في الوجود، وعلى محاولات الفكرية الأولى، والتي تتضمن خلاصة تجاربه وماضيه.. وعليه فنحن نرى الأسطورة تسجيلًا للوعي الإنساني واللاوعي في آن واحد..
يمكننا المجازفة بالقول أن الأسطورة وإن اشتملت على أحلام وانفعالات وتصوُّرات وأخيلة، فإنها اشتملت أيضًا على حقائق يمكن أن تنكشف بوضوح إذا عرفنا كيف نفسرها.. (تعتبر) الأسطورة السجل الأمثل للفكر وواقعة في مراحله الابتدائية.. الأسطورة لا يمكن لأحد أن يدَّعى حق تأليفها، فهي مجهولة الأصل والمؤلف -بل وأحيانًا- المنشأ والتاريخ”(2).
ويرى البعض أن الأسطورة تختلف عن الخرافة، فقالوا إن الأسطورة هي معالجة شعرية خيالية لمادة تاريخية، بينما لا ترتبط الخرافة بالتاريخ(3) فالأسطورة تظهر في نص أدبي جذاب، وغالبًا في أبيات شعرية، وقد قام “هوميروس” الشاعر اليوناني بتدوين معظم أساطير عصره في الإلياذة والأوديسة، ويقول د. كارم محمود “يرى ” والاس ستيفن Wallas Steven أن للأسطورة تلك الخاصية التي تُعزى إلى الشعر”(4) ..
فالأسطورة تعبر عن نفسها بالمبالغة تارة، والإعجاز تارة أخرى، وأيضًا تنزع الأسطورة نحو التمثيل والتشخيص والتجسيم “فالوسيلة المتاحة أمام الأسطورة هي وسيلة التمثيل الحسي، ومن هنا تتخذ الآلهة في ضوء الأساطير مظهرًا إنسانيًا “(5).
ويقول الدكتور عبد الحميد أحمد زايد في مقدمة ترجمته لكتاب جيمس بريتشارد “يجب أن ننظر إلى الأسطورة بعين غير تلك العين التي ننظر بها إلى الخرافات أو الروايات أو الحكايات، فالأسطورة حقيقة ميتافيزيقية جُسدت، وسوف نرى أن الأقدمين من المصريين والبابليين والفينيقيين وغيرهم من شعوب الشرق الأدنى كانوا لا يكتفون بسرد الأساطير كأقاصيص…
بل تجدهم مثلوها على مسارح الحياة في دور العبادة أو الخلاء، فالبابليون مثَّلوا انتصار مردوك في أول السنة الجديدة ليُظهِروا انتصاره على الفوضى وسميت هذه “ملحمة الخليقة ” وهي تنادى بأن الآلهة وقعت في صراع مع بعض الوحوش وقد قهر مردوك أمهم نعامة”(6). لقد اعتقد البابليون أن العالم يعاد تجديد خلقته في كل عام، وفي فارس كان الملك يقف في عيد النيروز(7) يقول: هذا يوم جديد من شهر جديد من سنة جديدة، وأن ما يلي من الوقت يجب تجديده، وأسطورة عذابات الإله “تموز ” كانت تتلى في أعياد الربيع.
ويقول القس صموئيل مشرقي “لكن المدرسة الحديثة أعلنت أن الأسطورة لا تعنى بالضرورة خرافة أو شيئًا لم يحدث بل تعنى لغة خاصة يعبر بها عن حقائق معينة عندما تعجز اللغة العادية أن تتكلم عنها”(8).
ويرى الأب سهيل قاشا أن الأسطورة جاءت لتُعبَر عن عجز الإنسان في تفسير الأمور المحيطة به تفسيرًا علميًا، فتصوَّر أن وراء كل أمر مبهم لم يدركه إلهًا، فقال أن هناك آلهة للنار، وللرياح، وللشمس، وللقمر، وللنجوم، وللبرق، وللرعد، وللمياه، وللعالم السفلى.. إلخ
وأخذ الإنسان ينسج حول هذه الآلهة الوهمية القصص الوهمية التي تناقلها الخلف من السلف حتى صارت أسطورة يعتقد بها الجميع، ويقول الدكتور لانج “لقد كان الناس في العصور القديمة يقولون قصصهم تبعًا لنظرتهم الخاصة للأشياء وأسلوبهم في تفسير الأمور(9).. ويقول الدكتور “مويللر “.. “إن الإنسان البدائي لم يكن يفكر كما نفكر نحن، بل ولم يفكر بالطريقة التي نتصوَّر نحن الآن أنه كان يفكر بها أيضًا”(10).
حقًا لقد تباينت نظرات المفكرين للأسطورة، فعلى سبيل المثال:
1- هناك من نظروا للأسطورة على أنها خرافة ووهم، حملت جانب فكرى وروحي ضئيل.
2- هناك من نظروا للأسطورة على أنها تمثل أعمق منجزات الروح الإنسانية، والعقل الإنساني البكر، الذي لم يخضع للفحص العلمى ولا للعقلية التحليلية.
3- قال البعض أن الأسطورة هي “علوم عصر ما قبل العلوم “.
4- قال البعض أن الأسطورة هي تعبير عن الواقع الذي يعيشه الإنسان، فمثلًا الأسطورة البابلية “أينوما إيليش ” تظهر الكون على هيئة دولة يحكمها الآلهة حكمًا شوريًا، وتُتخذ فيها القرارات عن طريق الاقتراع، ولكن رغم أن هؤلاء الآلهة أذكياء وخالدون إلاَّ أنهم يخطئون ويتصارعون ويقتتلون ويُذبحون.
5- قال بعض فقهاء اللغة أن الأسطورة هي “مرض في اللغة ” وأنها محاولة عقيمة للتعبير بالألفاظ عن أمر لا يمكن التعبير عنها بالألفاظ.
6- قال تايلور أن هناك حضارة بدائية، ولكنه أنكر وجود ما يُسمى بالعقلية البدائية، وقال أن عقلية الإنسان البدائي لا تختلف عن عقلية الإنسان المتحضر(11).
أما عن نظرة الإنسان لعلم الميثولوجيا، فيقول الأستاذ رشدي السيسي أن علم الميثولوجيا “له كافة خصائص العلم وسماته التي تميّزه عن غيره، وتحدد له مساره، وتُقيم له كيانه.. وقد أقام العلماء والباحثون هذا العلم الحديث على دعائم من أربع نظريات محدَّدة، لا محيص لأى باحث في هذه الأساطير أن يبسطها ويتفحصها ويأخذ بجميعها أو بأصلها، وهي بترتيب أهميتها كما يلي:
1- نظرية الأسفار المقدسَّة: وهي تذهب إلى أن جميع القصص الأسطورية، في كافة أنحاء العالم، مشتقة من روايات الكتب المقدَّسة، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. أو بتعبير أكثر دقة، مستقاة من ذات النبع الإلهي النقي التي استقت منه أسفار التوراة مضمونها، ولكن الوقائع الصحيحة اُستترت وتغيَّرت، بل انحرفت وتشوَّهت بما أقحمه عليها عدو الخير من دنس وإفساد..
ويقول سير رالف رالي في كتابه “تاريخ العالم ” أن آلهة الأساطير اليونانية “عطارد ” Mercury مبتكر الرعي، وفولكان ” Vulcan مبتكر الحدادة، و”أبوللو” Apollo مبتكر الموسيقى، هم بالترتيب أسماء الأعلام التي وردت بأسفار التوراة المقدَّسة “يوبال” Jubal، و”طوبال” Tubal، و”طوبلكايين” Tubal cain، وأن التنين الذي ورد ذكره في أسطورة التفاحات الذهبية اليونانية هي الحية التي أغوت حواء، وإن بناء برج بابل هو محاولة العمالقة ضد السماء، وغير هذه وتلك من المطابقات المماثلة بين رواية الأسفار المقدَّسة الصحيحة ورواية الأساطير الْمحرَّفة المشوَّهة.
2- النظرية التاريخية: وهي تذهب إلى أن الأشخاص الذين ورد ذكرهم بالأساطير، كانوا يومًا ما كائنات بشرية حقيقية، وأن الأساطير والروايات الخرافية المنسوبة إليها ليست سوى زيادات وزخارف أُقحمت في عهود متأخرة..
3- النظرية المجازية: وهي تفترض أن جميع أساطير الأقدمين مجازية ورمزية، بمعنى أن بعض الحقائق الدينية أو الأدبية أو الفلسفية أو التاريخية أخذت شكل المجاز أو الرمز، ولكن بمرور الزمن أستوعبها الناس على أساس ظاهرها الحرفي..
4- النظرية الطبيعية: وبمقتضاها كانت عناصر الهواء والنار والماء هي محط العبادة والدين.. وقد جعل اليونانيون بخيالهم الخصيب، الطبيعة بأكملها مأهولة بكائنات غير مرئية، وزعموا أن كل شيء ابتدأ من الشمس والقمر والبحر، حتى أصغر ينبوع ونهر، كان يحظى بعناية إله معين يرعاه ويحميه من كل سوء..
لقد كان توماس بلفنش Tomas Bulfinch الأمريكي هو أول من عالج موضوع الأساطير بطريقة علمية منظمة ومبسطة، فأصدر فيما بين عامي 1855، 1862م كتبه الثلاثة “عصر الأساطير” و”عصر الفروسية ” و”أقاصيص شارلمان” فكان هذا الإنتاج أبسط تمهيد منهجي لعلم الأساطير ودراستها، وأهمية مؤلفات بلفنش أن مؤلفها توصَّل فيها، بدراسات العلمية المستفيضة، إلى إثبات ما سبق أن قرَّره “سير رالف رالى ” Sir Ralph Raleigh في كتابه “تاريخ العالم ” في النصف الثاني من القرن السابع عشر، عن طريق الحدس، من أن جميع الأساطير والقصص الشعبي، بكافة أنحاء العالم، مشتقة من قصص الأسفار المقدَّسة، وليس العكس كما يزعم “جيمس فريزر ” في كتابه المشوَّش “الفولكلور في العهد القديم “(12)..
ويرى د. سيد القمني أنه من أشهر الباحثين في مجال الأسطورة “موللر ” K.O. Muller الذي أعتبر أن الأسطورة تصوير لأحداث حقيقية واقعية، ويُسمى هذا المنهج بالمنهج اليوهميرى، وتابَعة في نفس المنهج مع بعض الاختلافات الجزئية كل من “جاكسون ” Jachson و”أولدن برج ” Olden Berg.
وقد أعتبر “ماكس موللر ” Max Muller أن الأسطورة صورة من صوُّر الفكر تحدث بواسطة اللغة، ويعتبر أ. ب. تايلور E.B.Taylar من أشهر مؤسسي المدرسة الأنثرويولوجية والتي تسعى لجميع الأساطير المتشابهة في مجموعات للوصول إلى علم حقيقي لهذه الأساطير، وأعتبر “هربرت سبنسر ” Herbert Spencer صاحب فلسفة التطور أن الأساطير نصوص من عبادات الأسلاف(13).
وقد أوضح د. سيد القمني آراء مختلف المدارس في الأسطورة فقال ” إن هذه المدارس في مجملها تتبع واحدًا من مناهج ستة هي:
1- المنهج اليوهيمري: الذي يعد أقدم تلك المناهج، ويرى الأسطورة قصة لأمجاد أبطال أو فضلاء غابرين.
2- المنهج الطبيعي: الذي يعتبر أبطال الأساطير ظواهر طبيعية تم تشخيصها في أسطورة اعتبرت بعد ذلك قصة لشخصيات مقدسة.
3- المنهج المجازى: بمعنى أن الأسطورة قصة مجازية تخفى أعمق معاني الثقافة.
4- المنهج الرمزي: الذي يرى الأسطورة قصة رمزية تُعبّر عن فلسفة كاملة لعصرها، لذلك يجب دراسة العصور نفسها لفك رموز الأسطورة.
5- المنهج العقلي: الذي يذهب إلى نشوء الأسطورة نتيجة سوء فهم أو خطأ أرتكبه مجموعة من أفراد في تفسيرهم أو قراءتهم أو سردهم لراوية أو حادثة أقدم.
6- منهج التحليل النفسي: الذي يحتسب الأسطورة رموزًا لرغبات غريزية وانفعالات نفسية”(14).
_____
(1) راجع مختار الصحاح طبعة 1926 ص298، والمصباح المنير طبعة مكتبة لبنان 1987م.
(2) الأسطورة والتراث ص25، 26.
(3) راجع كمال الصليبى – خفايا التوراة وأسرار شعب إسرائيل ص25.
(4) أساطير التوراة الكبرى وتراث الشرق الأدنى القديم ص17، 18.
(5) المرجع السابق ص20.
(6) نصوص الشرق الأدنى القديمة المتعلقة بالعهد القديم ج1 ص6.
(7) رأس السنة الفارسية.
(8) مصادر الكتاب المقدَّس ص60.
(9) أثر الكتابات البابلية في المدوَّنات التوراتية ص235.
(10) المرجع السابق ص235.
(11) راجع الأب سهيل قاشا – أثر الكتابات البابلية في المدوَّنات التوراتية ص232، 233.
(12) مجلة الكرازة في 15/ 8/ 1975 ص6، 7.
(13) راجع الأسطورة والتراث ص32، 33.
(14) الأسطورة والتراث ص33، 34.