النمل والنحل تبني بيوتها والطيور المهاجرة وثعابين الماء تعود إلى أوطانها
264- من الذي منح النمل والنحل بناء بيوتها، والطيور المهاجرة وثعابين الماء أن تعود إلى أوطانها؟
ج: الذين يدرسون سلوك هذه الحشرات وتلك الطيور يجدون عجبًا في سلوكها فمثلًا:
النمل الأبيض – النحل – الطيور المهاجرة وثعابين الماء
1- النمل الأبيض: رغم إنه لا يبصر، ولا يتعرض لضوء الشمس، فإنه يبني بيوته كتحفة معمارية رائعة يبلغ ارتفاعها 5 أو 6 أمتار، وتجد في بيوته نظام للتهوية، وغرف للجو الحار وأخرى للجو البارد، وغرف لليرقات وممرات..
2- النحل: يبني خلاياه بشكل سداسي منتظم جدًا، ويعمل في هذا جميع أفراده، فلو توقف أحد الأفراد يأتي الآخر يستكمل العمل من حيث انتهى سابقه، وقد وُجِد أن هذا النظام السداسي يحتاج كمية أقل من الشمع في بناء الخلايا، ويسمح بتخزين كمية أكبر من العسل، وقال داروين نفسه ” ويصل إلى مسامعنا من علماء الرياضيات أن النحل قد توصل بالفعل إلى حل لمشكلة عويصة، وأنه قد صنع خلاياه على الشكل الصحيح لتستوعب أكبر كمية ممكنة من العسل، مع أقل استهلاك ممكن للشمع الثمين المستخدم في التشييد، وقد كان من اللافت للنظر أن أي عامل ماهر مزود بأدوات التركيب والقياس، سوف يجد أنه من الصعب جدًا عليه أن يصنع خلايا من الشمع على الشكل الصحيح، مع إن هذا يتم إنجازه بواسطة مجموعة من النحل تعمل في ملجأ مظلم.. كيف يستطيع النحل أن يقوم بعمل جميع المستويات والزوايا اللازمة!!”(1).
كما قال داروين أيضًا ” إن ما يزيد من صعوبة فهم الكيفية التي يتم بها صنع الخلايا، أن هناك أعدادًا كبيرة من النحل تعمل كلها مع بعضها البعض، وبعد أن تعمل نحله ما لمدة قصيرة من الزمن في خلية ما، فإنها تذهب إلى خلية أخرى، وبهذا الشكل، وكما أعلن ” جوبر ” فإننا نجد عددًا لا حصر له من الأفراد منهمكين في العمل حتى عند ابتداء العمل في أول خلية..
ويبدو أن العمل في التشييد نوع من التوازن المبرم بين العديد من النحل، كل منها تقف بطريقة غريزية على نفس المسافة النسبية عن بعضها البعض، وكلها تحاول أن تحفر كرات متساوية، وبعد ذلك تبني..
وقد كان من المدهش حقًا ملاحظة أنه عند قيام إحدى الصعوبات، مثل عدم تطابق قطعتان من المشط (القرص) عند زاوية، فما أكثر المرات التي قد يقوم فيها النحل بالهدم ثم يقوم بإعادة البناء لنفس الخلية بطرق مختلفة، وفي بعض الأحيان قد يعود إلى شكل سبق له وأن تم لفظه من قبل”(2) وقد أرجع داروين هذه المهارة العجيبة إلى الغريزة، ولكنه لم يتساءل من وضع هذه الغريزة في هذه الحشرة بالذات؟!!
3- الطيور المهاجرة وثعابين الماء: الذين درسوا نظام الهجرة لدى بعض الطيور وثعابين الماء تلامسوا مع عظمة الخالق الذي أودع هذه الكائنات تلك الإمكانات الجبارة، فمثلًا أسماك السلمون تخرج للحياة من المياه العذبة وتتجه للمياه المالحة لتعيش حياتها، وحينما يحين وقت التكاثر تقطع هذه الأسماك رحلة 4000 كم من المكان الذي تعيش فيه إلى المكان الذي خرجت منه للحياة في المياه العذبة، متخطية كل العقبات مثل الأمواج والتيارات المضادة…
ثم تضع الأنثى نحو 3000 – 5000 بيضة، والذكر يقوم بتلقيحها، وبعد أن تكون هذه الأسماك قد بدأت رحلتها وهي لونها أحمر براق تصل في نهاية المطاف بعد رحلة الأربعة آلاف كيلومتر وقد أسوَّد لونها، وأُنهكت وتآكلت زعانفها الذيلية، وتتعرض للموت حتى تفيض مياه النهر بمثل هذه الأسماك الميتة، بينما تبدأ الصغار رحلتها عبر آلاف الكيلومترات لتصل إلى المكان الذي عاش فيه أسلافها، وهلم جرا..
ويقول الدكتور “كريسي موريسون”.. ” إن الطيور لها غريزة العودة إلى الموطن، فعصفور الهزاز الذي يعيش بالأبواب، يهاجر جنوبًا في الخريف، ولكنه يعود إلى عشه القديم في الربيع التالي، والحمام الزاجل، إذا تحيَّر بعض الوقت من جراء أصوات جديدة عليه وهو في رحلة طويلة داخل قفص، فإنه عند خروجه يحوم برهة ثم يقصد قدمًا إلى موطنه دون أن يضل.
وثعابين الماء متى اكتمل نموها، هاجرت من مختلف البرك والأنهار لعدة آلاف من الأميال في المحيط قاصدة كلها إلى الأعماق السحيقة جنوبي جزيرة برميودا وعلى ساحل أمريكا الشمالية الشرقي وهناك تبيض ثم تموت. أما صغارها، تلك التي لا تملك وسيلة (بعد موت أمهاتها) لتعرف بها أي شيء سوى أنها في مياه قفرة، فإنها تعود أدراجها وتجد طريقها إلى كل نهر أو بحيرة أو بركة صغيرة حيث كانت أمهاتها، ومتى أكتمل نموها دفعها أيضًا ذلك القانون الخفي إلى الرجوع إلى نفس الجزيرة لتبيض ثم تموت هي أيضًا، وليستأنف صغارها أيضًا نفس الدور.
ومن ثمَ لم يحدث قط أن صُيد ثعبان ماء أمريكي في مياه أوربا، ولا ثعبان ماء أوربي في مياه أمريكا.. فهل الذرات والهباءات إذا توحدت معًا في عصفور أو حمامة أو ثعابين ماء، يكون لها حاسة التوجه وقوة الإرادة اللازمة للتنفيذ، أم هو الله الذي خلقها بهذه الغريزة ويوجهها في طريقها حتى لا تحيد عن مسلكها”(3)(4).
ويقول الأستاذ ميشيل تكلا أن ” هجرة ثعبان السمك المصري الذي يقطع أربعة آلاف ميل إلى أماكن وضع البيض في أعماق المحيط بالقرب من جزر الهند الغربية، ولكي يصل إلى المحيط الأطلسي لا بُد له أن يعبر البحر الأبيض ويعثر على مضيق جبل طارق، فكيف يفعل ذلك؟ لا يزال العلم غير قادر على تفسير هذه الظاهرة، والبحث متواصل لحل هذا اللغز، وليس أمام العلماء من شيء غير إرجاع هذه المقدرة الفذة إلى قوة الغريزة وفعلها..
الحقيقة إن الخالق العظيم وضع إبداعه في جينات مخلوقاته من الحيوانات والطيور.. فحكمة الحيوان تنبع مما غرسه فيه الخالق من غرائز. وإثباتًا لذلك فإن حيوان الخلد لديه تقنية فريدة في أنواعها لضمان إمداد نفسه بالغذاء الطازج من الديدان الأرضية الرطبة والملتوية، وإذا قتل الخلد الديدان التي يقتنصها فإنها تذبل في الحال وتتقلص ويصبح لا طعم لها، وبدلًا من ذلك يقوم الخلد بنزع نهاية رأس الدودة، وهو في هذه الحالة لا يقتلها بل يجعلها غير قادرة على الهرب، وهو يعمل ذلك بوحي من الغريزة..
كما إن لنوارس البحر طريقة فنية لفتح المحار المُحكم الغلق تثير أحيانًا دهشة الإنسان لقوة فعل الغريزة، يلتقط النورس محارة مغلقة ويطير بها إلى علو شاهق، ثم يلقي بها فوق صخرة فتنكسر على الأثر، ثم يهبط بسرعة البرق لالتهام محتوياتها.. وقد زودت الطبيعة طائر الغطاس أو كما يسمونه بالغواص الجهنمي بقدر كبير من البراعة في إخفاء عشه الذي يبنيه فوق المستنقعات، فعندما تقع عيناه على عدوه يتجه نحوه يسحب على الفور حصيرة من النباتات الغضة ويغطي بها عشه، ثم يغوص في الماء دون أن يحدث أي رجة، ويعود إلى الظهور بعد مائة قدم من المكان”(5).
أما رحلة الطائر الحمل من أستراليا لليابان لكاليفورنيا بأمريكا والعودة فإنها تدعو للعجب العُجاب، ويقول دكتور موريس بوكاي (الذي طالما هاجم الكتاب المقدَّس مرددًا أقوال أرباب مدرسة النقد الأعلى) إن ” جيه هامبورجر ” J. Hamburgar في كتابه ” القوة والضعف”..
” أمسك صياد سمك ياباني في 27 مايو 1955م طائرًا كان مُعلَّمًا بحلقة تحمل تاريخ 14 مارس من نفس السنة، وذلك في جزيرة بابيل بأستراليا، ويُعرف هذا الطائر في هذا الجزء من العالم باسم Mutton – Bird ” or Short – Tailed Shearwater (الطائر الحمل أو جَلَم الماء قصير الذيل) وكان الإمساك بهذا الطائر بداية سلسلة اكتشافات أدت إلى تصحيح المعلومات الخاصة بالرحلة الضخمة التي يقطعها هذا الطائر المهاجر في كل سنة.
وتبدأ نقطة انطلاقه من ساحل أستراليا، ومن هناك يطير شرقًا فوق المحيط الهادي ثم يدور في اتجاه الشمال على طول ساحل اليابان حتى يصل إلى بحر بيرنج Bering Sea حيث يستريح بعض الوقت. ثم ينطلق بعد هذه الوقفة، ولكنه يتجه جنوبًا هذه المرة، ليظل طائرًا بمحاذاة ساحل أمريكا حتى يصل إلى كاليفورنيا. ومن هناك يطير في طريق عودته فوق المحيط الهادي ليعود من حيث بدأ. هذه الرحلة السنوية التي يقطعها هذا الطائر، والتي تتخذ شكل العدد (8) ويبلغ طولها 15000 ميل، لا تختلف في مسارها ولا في التواريخ التي تتم فيها.
فالرحلة تستغرق ستة أشهر وتنتهي في الأسبوع الثالث من شهر سبتمبر على نفس الجزيرة، وفي نفس العش الذي تركه الطائر منذ ستة أشهر مضت.
أما ما يحدث بعد ذلك فهو أدعى للعجب: فعند عودة هذه الطيور تبدأ في تنظيف أعشاشها ثم تتزاوج وتضع الأنثى بيضتها الوحيدة في غضون الأيام العشرة الأخيرة من شهر أكتوبر. وبعد شهرين يفقس البيض وتخرج الأفراخ وتنمو بسرعة، فعندما يكون عمرها ثلاثة أشهر ترقب آباءها وهي تنطلق في رحلتها الرائعة، وبعد أسبوعين أي في منتصف أبريل تقريبًا تنطلق الصغار بدورها في طريقها الذي سلكه آباؤها بنفس المسار الذي سبق بيانه.
أما ما ينطوي عليه كل ذلك فهو جلي واضح: ففي داخل المادة التي تنقل الصفات الوراثية لهذه الطيور، والتي تحتويها البيضة، لا بُد وأن توجد كل التوجيهات اللازمة لهذه الرحلة. وقد يقول بعض الناس أن هذه الطيور تسترشد بالشمس والنجوم وباتجاه الرياح السائدة على طول طريق الرحلة ذهابًا وإيابًا، ولا شك أن هذه العوامل لا تبرر الدقة الجغرافية والزمانية التي تتم بها الرحلة.
وليس هناك ما يدعو للشك في أن التعليمات الخاصة برحلة الخمسة عشر ألف ميل مُسجلة – سواء مباشرة أو بصورة غير مباشرة – على الجزيئات الكيميائية المستقرة في نوى خلايا هذه الطيور، وتقوم بإصدار الأوامر.
فكيف يمكن أن نتصوَّر القدر الهائل من المعلومات الشفرية – التي يلزم بالضرورة أن تكون مُتكّيفة مع عدد هائل من الظروف والأحوال المختلفة، يدخل في حسابها كلها البيئات المختلفة التي تجتازها الطيور، كل طائر بمفرده وبغير مُرشِد من أستراليا إلى بحر بيرنج ثم العودة – ملتزمًا التزامًا صارمًا بجدول زمني غاية في الدقة؟ كيف يمكننا حتى أن نُعبّر عن العدد الخيالي من الأوامر التي يلزم أن تصدر على مدى ستة أشهر، وهي أوامر تتغير -حتمًا- وفقًا للظروف، خاصة مع تبدل الأحوال المناخية؟
ولا بُد أن تكون العدة قد أُعدت لأي طارئ مُحتمل الوقوع، ولا بد أن يكون قد وجد مكانه في رصيد المعلومات التي يحملها شريط الـDNA ومثار العجب بالنسبة للمرء هو كيف تم تخطيط هذا البرنامج وكتابته أصلًا، وهل من مخلوق يعلم الإجابة؟”(6).
_____
(1) أصل الأنواع ص 419.
(2) المرجع السابق ص 426، 427.
(3) العلم يدعو للإيمان ص 111 – 124.
(4) أورده برسوم ميخائيل – حقائق كتابية جـ 1 ص 216.
(5) جريدة وطني في 5 نوفمبر 1995م.
(6) أورده موريس بوكاي – ما أصل الإنسان؟ ص 86، 87.