كيف تناولت الأساطير السومرية قصة خلق الإنسان؟ وكيف خُلقت حواء؟
كيف تناولت الأساطير السومرية قصة خلق الإنسان؟ وكيف خُلقت حواء؟
كيف تناولت الأساطير السومرية قصة خلق الإنسان؟ وكيف خُلقت حواء؟
275- كيف تناولت الأساطير السومرية قصة خلق الإنسان؟ وكيف خُلقت حواء؟
ج: هناك عدة أساطير سومرية عن قصة خلق الإنسان، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وفي إحدى هذه الأساطير نجد الآلهة يحملون عبء العمل، حتى ملُّوا من هذا، فراحوا يرفعون شكواهم للإلهه “نمو ” سيدة المياه الأولى، وذرفوا الدموع أمامها، فوضعت “نمو ” هذه الدموع على راحة يدها، وخاطبت ابنها الإله “إنكى ” المضجع بجوارها لكيما يحل مشكلة أبنائه وإخوته من الآلهة، فإقترح “إنكى ” خلق إنسان من طين ليحمل عبء العمل عن الآلهة، على أن تطبع الإلهة “ننماخ ” صورة الآلهة على هذا الإنسان، حتى لا يشعر أنه غريب عن الآلهة.
ولأجل خلقة الإنسان عُقد حفل كبير حضره كل الآلهة، وشربوا فيه الخمر وسكروا، وهتفوا لإنكى الذي اقترح صنع إنسان ليحمل العناء عن الآلهة، ولكن الإلهة “ننماخ ” امتلأت بالغيرة والغيظ من “إنكى”، ولاسيما أنها الموكلة بتكوين الكائنات، وحدث تنافس وتحدى بين الإلهة “ننماخ ” والإله “إنكى ” عمن يصنع الإنسان صنعًا حسنًا..؟
أخذت “ننماخ ” حفنة من الصلصال وصنعت ستة أشخاص، ولكن كل منهم له عيبًا، ولم يكن بينهم شخصًا كاملًا حسنًا، وجاء دور “إنكى ” فصنع إنسانًا بائسًا وآخر مريضًا، فاحتجت عليه “ننماخ ” بشدة، حتى أن إنكى قدم أسفه الشديد للإلهة “ننماخ “.
وانتهى الأمر بإشراك كل الآلهة في خلق الإنسان، وفعلًا خلقت الآلهة إنسانًا كاملًا من الصلصال، خلقته ذكرًا وأنثى فتزواجا وأنسلا وتكاثر البشر على الأرض، وحملوا عبء العمل عن الآلهة الذين ابتهجوا وراحوا يرتعون في معابدهم، وعندما زاد عبء خدمة الآلهة على البشر قرروا (البشر) رفع شكواهم للإله “آن ” المقدَّس.
وتُعتبر أسطورة خلق الإنسان السومرية أول ما خطته يد الإنسان، ومنها أخذت بقية الأساطير التي تحكى عن قصة خلق الإنسان من الطين، وإنه خُلق على صورة الآلهة، ويقول “صموئيل نوح كريمر “.. “إن المفكرين السومريين.. اعتقدوا اعتقادًا جازمًا بأن الإنسان صُنع من طين، وإنه خُلق من أجل غرض واحد فقط، ذلك هو أن يعبد الآلهة ويخدمها بتزويدها بالطعام والشراب والمسكن ليتوافر لها وقت الفراغ لأعمالها الإلهية”(1)(2).
وهناك نص أسطورة سومر عن خلق الإنسان كما أوردها خَزْعَل الماجدي في كتابه إنجيل سومر، وليتأمل القارئ ويحكم عما إذا كان سفر التكوين قد اقتبس من هذه الأسطورة:
“الآلهة تعبون.. ولا جدوى من جهدهم، لقد تحوَّل الآلهة فجأة إلى عبيد الأرض التي صنعوها وصار الحمل ثقيلًا لا يُطاق، حتى آتى يوم اجتمعوا فيه وقرَّروا أن يذهبوا إلى “إنكى ” فيشتكون له من هذا العناء، ورأوا أن يخلق لهم الإله “إنكى ” خدمًا يقومون مكانهم في حرث وسقى الأرض وفي رعى الماشية وفي كل الأعمال..
لقد تعب الأرباب وأصبح الوجود عبئًا. لا بُد من خلق من ينوب عنهم ليقوم بدوره، فذهبوا إلى إنكى الحكيم وكان مضطجعًا بعيدًا في (الأبسو) كان نائمًا قرب أمه وأم جميع الآلهة، إلى (نمو) سيدة المياه الأولى وربة عماد الكون.. المحيط الباذخ اللامتناهي من المياه وإشتكوا لها، فوضعت على راحة يدها دموع الآلهة وذهبت إلى إنكى وقالت له:
انهض يا ابني من فراشك.. من مضجعك وأضع كل ما هو حكيم. أخلق خدمًا للآلهة يحملون عنها عناء العيش وقسوة الحياة.
انتقض إنكى إلى “نمو ” وهي تخاطبه وتحمل في راحتيها دموع الآلهة، إنكى الذي يقرَر المصائر كان نائمًا في (الأبسو) طيلة ذلك الزمان لا يعلم بما جرى وما حلَّ بالآلهة، وأعادت عليه (نمو) الكلام:
– انهض يا بني من فراشك، واصنع كل ما هو حكيم، هذه هي دموع أبنائك وأخوتك من الآلهة فأخلق لهم خدمًا، يحملون عنهم عناء التعب.
أطرق إنكى يفكر في تقديم العون إلى الآلهة ويزيح عنهم هذا العناء، ثم فتح فمه وقال: يا أماه: أرى أن تقوم بخلق كائن لا إلهي يقوم مقام الخادم للآلهة، ويكون مصيره هذا أبديًا.
– حسنًا ياولدى، ولكن كيف تخلق مثل هذا العبد.
– أمزجى الصلصال.. لب الطين الموجود في مياه (الأبسو) العميقة التي أُقيم فيها، وساعدوا الصناع الإلهيين المهرة ليكشفوا الطين ويعجنوه. أما أنتِ فعليك أن توجدي له الأعضاء، وسنعمل الإلهة ننماخ (ننخرساج) معك يدًا بيد وستقف ربات الولادة الثمانية إلى جانبك، لكي يتكوَّن ويولد من الطين، قدري مصيره يا أماه، وستطبع عليه ننماخ صورة الآلهة.. سيكون شبيهًا بنا في خلقه لكي يكون قريبًا منا في العمل والراحة لكي لا يشعر بأنه غريب تمامًا عنا وسيكون هذا المخلوق هو: الإنسان.
– حسنًا يا ولدي نعمل على ذلك بسرعة.
دعا إنكى إلى حفل كبير حضره كل الآلهة والإلهة ننماخ وربات الولادة الثمانية والصنَّاع الإلهيون المهرة وحشد من الآلهة الصغار، وكان الحفل من أجل صُنع الإنسان الذي سيحمل العناء عن الآلهة وسيقوم بخدمتهم، فهمَّ الجميع إلى هذا الحفل وترقبوا ما سيصنع (إنكى) مدبر المصائر، دارت الخمرة في الحفل وشرب إنكى خمرته المقدَّسة وكذلك ننماخ..
وعمَّ الحفل سكر لذيذ، انتشت له مكامن الآلهة وجوارحهم، وهتف الآلهة باسم (إنكى) الذي فكر في خلق الإنسان ودعاهم إلى حفلة خلقة فاغتاظت ننماخ لأنها الموكَّلة بتكوين الكائنات وهي تعمل على ولادتهم ولها من ربات الولادة ثمانية يعملن معها، اغتاظت ننماخ وقالت للآلهة:
– أنا التي سأحكم جسد الإنسان وروحه وأنا أُقدّر فيه الخير والشر، ما بلغ طيب جسد الإنسان وما بلغ سوئه.. إن قلبي ليوعز إلىَّ بأنني أستطيع أن أجعل الطيب من نصيبه أو السوء.
قال إنكى مخاطبًا ننماخ:
– سواء جعلتِ نصيبه الطيب أو السوء فإنني سأوازنه.
ننماح – فليشهد الآلهة ذلك.. ليشاهد الآلهة خلقكَ وخلقى.
– حسنًا ننماخ إبدأى أنتِ.
كان الآله صامتين أمام هذا التحدى ينتظرون، فقامت ننماخ وأخذت حفنة من الصلصال؟؟ الذي فوق (الأبسو) وصنعت ستة أشخاص الأول غريب الشكل، والثاني فيه عاهة، والثالث لا يستطيع إيقاف بوله، والرابع امرأة مشوَّهة، والخامس امرأة عاقر، والسادس الرجل الخصى، فأراد إنكى أن يختبر ما صنعته ننماخ، فقدم له الطعام، فتناولت المرأة العاقر طعامها وكذلك فعل الرجل الخصى، فقرَّر إنكى أن يحدد لهما مصيرها فقال:
– المرأة العاقر تكون وصيفة للملكة في دار النساء. والرجل الخصي في خدمة الملك.
إنكى يخلق الإنسان
“ورأى إنكى أن دوره قد جاء ليصنع الإنسان، فصنع (إنسانًا) يائسًا، ثم صنع شخصًا آخر أطلق عليه اسم (أومول) وهو الشيخ الطاعن في السن والذي عيناه ذابلتان وحياته فانية.. وكبده وقلبه ويداه ترتجفان، وقدم إنكى مخلوقاته هذه إلى ننماخ قائلًا:
لقد عينتِ مصيرًا للبشر الذين خلقتهم يجدون به أمرًا للبقاء فعيّني الآن مصيرًا لهذين؟؟ المخلوقين اللذين خلقتهما.
فدنت ننماخ من إنسان إنكى وسألته، لكنه لا يقوى على أن يجيب، وقدمت له كسرة خبز أكلت هي منها، لكنه لا يقوى على أن يمد يده ولا يقوى على الجلوس ولا على الوقوف ولا على الانحناء على ركبتيه، فصرخت ننماخ بإنكى:
– إن مخلوقكَ هذا ليس فيه حياة.
– فهل كانت مخلوقاتك يا ننماخ كاملة؟
لقد بذلت جهدًا في إطعامهم وتقرير مصائرهم.
– ولكنك يا إنكى خلقت الإنسان الأول بائسًا فجلبت على العالم المرض الذي يلازم الشيوخ.
– ومخلوقاتك يا ننماخ!
– لقد أخذوا منكَ الطعام وقررت لهم المصائر كما يجب، أما أمر مخلوقيك هذين فلا يمكن حله ولا يمكن تقرير مصيرهما، فلِمَ فعلتَ هذا يا إنكى، بلهوك وسكرك وطيشك الدائم تجلب الشرور إلى العالم.
فمتى تفيق أيها العابث اللاهي، هل تذكر خطاياك يوم ضاجعتَ بناتي وأكلتَ نباتات الشجر والعسل والطريق والماء والشوك والكد والحياة القاسية، وهل تذكر كيف لعنتكَ وأجلستكَ في الأعماق، لقد دمرت مدينتي يا إنكى، وبيتى تهدَّم يا إنكى، وأولادي وقعوا في الأسر يا إنكى، وأُكرهتُ على مغادرة أيكور هاربة، ولم أنجُ من يدكَ، ولا بُد أن تحل عليك يا إنكى لعنة الآلهة جميعًا ولعنتي لأنك لم تستطع خلق الإنسان مدلول الآلهة وقالوا:
أمر صدر من شفتيك من يستطيع تبديله، ولكن ارحمي حبيبك إنكى ولا تغضبي عليه.
فقال إنكى: عفوك يا ننماخ لم أكن أود الإساءة إليكِ ولكنى كنت أريد خلق من يقوم عن الأرباب بالعمل والجهد على الأرض.
فقال الآلهة: دع هذا الأمر لنا يا إنكى ولنعمل جميعًا على خلق الإنسان الصحيح لنعمل على خلق عبدِ كامل يستطيع أن يحمل عنا قساوة العمل ويخدم بكل ما يملك الآلهة..
الإنسان على شكل الآلهة
ومن الصلصال.. من طين المياه العميقة خُلِق الإنسان الصحيح على صورة الآلهة، وثبَّت الآلهة فيه الروح، ومن أجل أن يتكاثر الإنسان وحتى لا تتعب الآلهة كل وقت في صنعه، خلقت الآلهة ذكرًا وأنثى وأعطتهما سبل الحياة وأسكنتهما أرض سومر فولدا أبناء كثيرين بنين وبنات، وتزوج البنون والبنات وتكاثر البشر على الأرض وكانوا يقومون بخدمة الآلهة، وحمل البشر النير وقاموا بجميع الأعمال، ومرت سنون طويلة لم يصلح فيها الإنسان لأمرٍ لتعبه من العمل ليل نهار من أجل الآلهة..
وزاد الثقل على الإنسان في حين كان الآلهة يرتعون في معابدهم لاهين فرحين وكان الإنسان يعبد الآلهة ولا يذكرهم بسوء، وكان الإنسان الضعيف يخدم الآلهة ويخدم الأقوياء من البشر، فزادت الشرور في الأرض وكثر الظلم وأحس عقلاء البشر وأكثرهم نصيبًا من البصيرة والحكمة والحلم بأن عليهم أن يشكوا أمرهم للرب إلههم إلى (آن) المقدَّس”(3).
وفي أسطورة سومرية أخرى عن خلق الإنسان، نلتقى بالآلهة المتزمرين من ثقل العمل، فيحاصرون مسكن الإله “أنليل ” في منتصف الليل، لإجباره على حل هذه المشكلة، فيتم التفاهم والاتفاق على خلق الإنسان ليحمل عبء العمل عن الآلهة، وتقوم الآلهة بذبح الإله “وى ” وتقوم الإلهة “نينتو ” بمزجه مع الصلصال لكيما يكون للإنسان روح، وأخت “نينتو ” أربعة عشر قطعة من الصلصال الممتزج بدم الإله “وى ” وصنعت منها سبعة رجال وسبع نساء، وهاك ما جاء في هذه الأسطورة ليرى القارئ ويتأكد من مدى بعدها عما جاء في سفر التكوين:
“حين كانت الآلهة لا تزال بشرًا.. وكانت تضطلع بالعمل وتتحمل الجهد.. كان جهد الآلهة كبيرًا.. وحملهم ثقيلًا، طويلًا شقاؤهم.. (وثار الآلهة، وبعضهم حرَّض البعض على العنف، فحاصروا مذبح أنليل في منتصف؟؟ الليل، وهم يوقدون النيران، فأيقظ “نوسكو ” سيدة “أنليل “):
” أيقظ نوسكو سيده.. ودعاه للنهوض من سريره.. سيدي إن بيتك محاصر.. إن القتال يسرع إلى بابك.. إن القتال يسرع إلى بابك.. إن بيتك يا أنليل محاصر.. وإن القتال يسرع إلى بابك.. فتح أنليل فاه.. وقال للرسول نوسكو:
أوصد البابا يا نوسكو.. وتقلد سلاحك وقف أمامي..
أوصد نوسكو الباب.. وتناول سلاحه ووقف حيال أنليل.
فتح فاه نوسكو.. وقال للمحارب أنليل:
سيدى إن أبنائك يجلونك.. فلماذا تخشى أبنائك الخلَّص.. لماذا يا أنليل تخشى أبناءك.. أن أبنائك يا أنليل يجلُّونك.. أطلب إليهم كى ينزلوا إليك.. وليحضروا لديك “إنكى “..
(ويتم التفاهم وتقرَر الآلهة خلق الإنسان ليحمل عبء العمل عنها):
فتح “إيا ” فاه.. وقال لأخوته الآلهة.. إن عملهم شاق وشقتهم طويلة.. ففي كل يوم يحفرون الأرض.. وثقيلة هي شكواهم.. ولكن لعلنا نجد علاجًا لأوجاعهم.. فتخلق بشرًا فتخلق الإنسان.. كيما يضطلع بالنير ويُحرَر الآلهة.. سألوا مولدة “مامى ” الحكيمة:
إنك أنت أيتها المولدة التي ستخلقين البشرية.. إخلقى الإنسان ليحمل النير.. فتحت “نينتو ” فمها.. فقالت للآلهة الكبار:
ليس علَّى أنا أن أقوم بذلك.. وهذه المهمة خُصَّ به “إنكى “.. لأنه هو الذي يُطهّر كل شيء.. فليعطني الصلصال حتى أشرع أنا في العمل.. فتح “إياه ” فاه.. وقالت للآلهة الكبار:
ساعدوُّ حَّماما من أجل التطهير.. فليذبحوا إلهًا.. وليتطهر الآلهة الآخرون فيه.. وبجسد ودم هذا الإله.. فلتمزج “نينتو ” الصلصال.. حتى الإله والإنسان.. يصبحان ممزوجين معًا بالصلصال.. وتنبعث من جسد هذا الإنسان روح..
أجاب مجمع الآلهة: أجل!.. “الأنوناكى ” منظموا الأقدار.. ومن أجل عملية التطهير حضَّر “إيا ” حمَّامًا.. وأثناء اجتماعهم ذبح الآلهة إلهًا.. إنه “وى – الإله” (We – Dieu) الذي يمتلك الذكاء.. وبجسده ودمه.. جبلت “نينتو ” الصلصال.. وهكذا بعد أن عجنت “نينتو ” هذا الصلصال هتفت بالآلهة الكبار “الأنوناكى “.. أما الآلهة الكبار (أيضًا) “الأيجيجى “.. فقد بصقوا على الطين.. وعندئذ فتحت “مامى ” فمها.. وقالت للآلهة الكبار:
لقد طلبتم منى القيام بمهمة، وقد أنجزتها.. إنكم ذبحتم إلهًا بما فيه ذكاءه.. وقد خلصتم من عملكم البالغ المشقة.. وبذلك حوَّلت شكواكم إلى البشرية.. وفككت من أجلكم النير ووطدت الحرية..
حين سمع الآلهة ما قالته.. تراكضوا معًا وقبَّلوا رجليها قائلين:
كنا بالأمس ندعوك “مامى “.. أما اليوم فأنتِ سيدة الآلهة كافة..
(وتذكر الأسطورة كيف خلقت مامى الرجل والمرأة):
إذ قطعت “نينتو ” أربع عشرة قطعة.. وصنعت سبع قطع إلى يمينها.. وسبع قطع إلى يسارها.. ووضعت بينها قطعة من القرميد.. جعلت سبع منها ذكور.. وجعلت سبع إناث(4).
وتوجد أسطورة سومرية ثالثة تصوَّر الحيوانات على أنها نتاج من طين الأرض، فالأرض التي أخرجت النباتات، وتخرج الديدان، هي التي أخرجت الحيوانات ثم أن هذه الحيوانات تطوَّرت للبشر، فجاء في هذه الأسطورة: “البشر الأول لم يعرفوا أكل الخبز؟؟ بعد. يسيرون على أيديهم وأرجلهم كالخراف يعلفون الحشائش.. ومن القنوات كانوا يشربون الماء آنذاك.. في المكان الذي كانت فيه الآلهة في معبدها.. التل المقدَّس.. المعبد.. المكان الذي تأكل فيه الآلهة الخبز”(5)(6).
أما عن خلقة حواء في الأساطير السومرية، فيقول فراس السواح “في هذا الفردوس، كان يعيش إنكى إله الماء العظيم، وزوجته ننخرساج الأرض – الأم، كما عاش في الفردوس التوراتي فيما بعد آدم وحواء.. ثم أن ننخرساج تقوم بخلق ثمانية أنواع من النباتات العجيبة. وقبل أن تفرح بعملها، يرسل إنكى رسوله “يسمند ” الذي يقطف له تلك النباتات فيأكلها جميعًا.. وما أن تعلم الخالقة بذلك، حتى تغضب غضبًا شديدًا، وترسل على إنكى لعنة مقيمة: إلى أن يوافيك الموت، لن أنظر إليك بعين الحياة..
أما أنكى فتشتد عليه الأمراض وتهاجمه ثمانية علل بعدد النباتات التي أكلها وأخذ ينهار تدريجيًا. وأخيرًا ينقذ الثعلب الموقف عندما يتطوع للبحث عن ننخرساج ويجدها في النهاية، وتخضع ننخرساج لمشيئة الآلهة وتقوم بشفاء إنكى عن طريق خلق ثمانية آلهة. كل إله يختص بشفاء أحد أعضاء إنكى العليلة:
– ننخرساج: ما الذي يوجعك يا أخي؟
– إنكى: إن فكى هو الذي يوجعني.
– ننخرساج: لقد أوجدت لك الإله ننتول.
– ننخرساج: ما الذي يوجعك يا أخي؟
– إنكى: إن ضرسي هو الذي يوجعني.
– ننخرساج: لقد أوجدت من أجلك الإله ننسوتو.
وهكذا يتابع تعداد أوجاعه، وتتابع ننخرساج خلق آلهة الشفاء من أجله. إلى أن يصل إلى ضلعه:
– ننخرساج: ما الذي يوجعك يا أخي؟
– إنكى: إن ضلعي هو الذي يؤلمني.
– ننخرساج: لقد أوجدت من أجلك الإلهة ننتى.. وعلى هذا يكون اسم الإلهة “ننتى ” يعنى سيدة الضلع أو السيدة التي تحيى.. وهذه السيدة شبيهة بحواء التوراة التي أُخذت من ضلع آدم فهي سيدة الضلع وهي حواء بمعنى التي تحيى”(7).
وعن خلقة حواء أيضًا يقول الدكتور سيد القمنى إن الإله “إنكى ” عاش في “دلمون ” المدينة الفاضلة، وفيها تزوج من الإلهة “ننهورساج “.. “وبعد أن حملت ننهورساج لمدة تسعة أشهر وضعت إلهة الزرع (قد تكون حبة القمح) ثم خلقت ننمورساج ثمان نباتات أخرى، ولكن إنكى أكلها، فغضبت ننهورساج عليه وصبت عليه اللعنات قائلة: لن أنظر إليك بعين الحياة حتى تموت، فاشتَّد المرض بأنكى وأخذ يتدهور ويذبل، وكان مرض إنكى في أحد أضلاعه، وقد تم نزع الضلع المريض وخُلق منه سيدة الضلع “نن تى ” أول امرأة في البشرية..
إذًا الأسطورة تقصد بإنكى آدم الأول، لأنه لو كان إنكى إلهًا، ما كان يتعرض للمرض والموت(8).
ويقول جورج قلينى أن قصيدة إنكى ونينهورساج التي تشمل 278 سطرًا محفوظة في متحف فلادلفيا “وتتحدث القصيدة السومرية على رغبة إنكى (يقابل آدم) في التعرف على نباتات الفردوس، فسأل إذيمود ISIMUD ما هو هذا النبات؟ فأجاب: إنها شجرة، وقطعها من أجل إنكى، وقدمها له فأكلها، وبنفس الطريقة التهم إنكى ثماني شجرات، ولذلك غضبت عليه الإلهة نينهورساج Ninhoursag ولعنته وحكم عليه بالموت، فخرج إنكى من حضرة الإلهة واختفى..
وعندئذ لعنت نينهورساج اسم إنكى، سيظل كذلك حتى يأتيه الموت، لن أراعيه بعين الحياة، وعندئذ بدأت صحة إنكى في التدهور، واعتلت منه ثمانية أعضاء، وبدأت قواه تخور، ولكن الآلهة شفت أعضاءه الثمانية المعتلة”(9).
_____
(1) السومريون تاريخهم وحضارتهم وخصائصهم – ترجمة د. فيصل الوائلى ص 199.
(2) أورده د. سيد القمنى – قصة الخلق أو منابع سفر التكوين ص 52.
(3) إنجيل سومر ص138 – 145.
(4) راجع سلسلة الأساطير السومرية – ديانات الشرق الأوسط ص25 – 30.
(5) د.فوزى رشيد – خلق الإنسان في الملاحم السومرية والبابلية ص21.
(6) أورده د. سيد القمنى – قصة الخلق أو منابع سفر التكوين ص50.
(7) مغامرة العقل الأول ص192، 193.
(8) راجع د. سيد القمنى – قصة الخلق ومنابع سفر التكوين ص 58 – 64.
(9) الكتاب المقدَّس بين التاريخ والآثار ص3.