من الذي رتب الحياة وجعل لها هدفا وقصدا وغاية؟
258- من الذي رتب الحياة وجعل لها هدفًا وقصدًا وغاية؟
ج: يقول الدكتور حليم عطية سوريال ” إن الأدلة على وجود الخالق كثيرة، ولكن أعظمها وأوضحها وأسهلها فهمًا ما يُسمى دليل القصد أو الغاية أو الغرض Design، ويعرف عند الغربيين بدليل ” بالي ” Paley، وهو فيلسوف إنجليزي من رجال الدين، أثبت وجود الله بالقول، إن كل آلة لها صانع، وقال إن دراسة تشريح العين مثلًا يبين لنا غاية واضحة وقصدًا بينًا وهي أنها صُنعت للنظر.. ولا يُعقل وجود آلة دقيقة بدون صانع لها..
إن كل آلة يصنعها الإنسان يمكن بمجرد رؤيتها الاستدلال على وجود صانع لها وذلك من الغاية والقصد التي صنعت لهما، فإن أبسط الآلات الحجرية التي صنعها الإنسان الأول في العصر الحجري جميعها تدل على وجود عقل مفكر وضع تصميمها قبل صنعها.. ولقد قال السير ” أرثر طمسن ” وهو من أعظم علماء التاريخ الطبيعي في الجيل الحاضر (1937م) إن عالم الحياة مملوء من ساعات بالي (مشيرًا إلى تشبيه بالي الكائنات الحيَّة بساعات).
ولم يكن هذا الدليل مجهولًا عند القدماء فإن فلاسفة اليونان القدماء وأعظم مفكريهم مثل أرسطو وأفلاطون وغيرهما استنتجوا وجود الخالق من وجود الترتيب والغاية والقصد التي شاهدوها في دراسة مظاهر الكون من أفلاك وكائنات حيَّة. (ويقول أبا العلاء المعري):
فَلَكْ يدور بحكمة وله بلا شك مدبر
يعني أن وجود الترتيب والنظام في دورة الكواكب دليل لاشك فيه لإثبات وجود عقل حكيم وراء الكون، ثم إنه رأى أدلة وجود الخالق في عالم الحياة فهو يقول:
عجبي للطبيب يلحد في الخالق من بعد درسه التشريحا
والمعنى في هذا البيت مأخوذ من جالينون الطبيب اليوناني المشهور فهو يقول {إن درس التشريح تسبحة دائمة للآلهة} وهذا القول يطابق ما قاله بالي من أن أعضاء الجسم تشبه آلات مُحكمة الصنع، كلٍ له عمل يؤديه، وكلها ترمي إلى غرض واحد ومقصد واحد وهو حفظ الجسم حيًّا”(1).
كما يقول الدكتور حليم عطية سوريال أيضًا ” إن الكون كله على رأي الأستاذ جينس Jeans أعظم فلكي في العصر الحاضر ما هو إلاَّ ساعة تسير بنظام لا يعرف العلم من ملأها أو أدار (ذنبلكها) كما أن ثبات الكون كله ونظامه قائمان على ثبات نواميس الطبيعة، ووجود تلك النواميس وانتظامها يدلان على وجود قوة منظمة وراءهما”(2).
ويقول الأستاذ العالِم ” كيونو ” الفرنسي ” إن كل الأشياء التي حدثت تدل على علم وترتيب سابق حدَّد لها طريقًا معينًا، وجعلها تسير عليها سيرًا متصاعدًا”(3).
ويقول الدكتور ” كريسي مورسيون ” في كتابه ” العلم يدعو للإيمان”(4) ما خلاصته ” فهذه الحياة التي أعدت الأرض لتوُجد عليها وتستمر في كل مراتبها، حياة النبات وحياة الحيوان وحياة الإنسان، هذه الحياة من الذي رسم لها طريقها، وحدد لها أهدافها..؟
من الذي يجعلها كفنان تخط كل ورقة في كل شجرة، وتلون الأزهار والثمار وريش الطيور؟ مَن الذي يجعلها كموسيقى تُعلّم الطير كيف يغرد، والإنسان كيف يعزف؟ مَن الذي يجعلها كمهندس تُصمم سيقان كل كائن حي، وعضلاته، وروادفه، ومفاصله، وقلبه الذي يخفق دون كلل، ونظام أعصابه الكهربائية، ودورته الدموية الكاملة؟
ومَن الذي يجعلها ككيميائي تهب المذاق للفواكه والتوابل، والعطر للورد، ومَن الذي يجعلها كعالِم رياضيات تسن للزرع والإنتاج قواعده الحسابية الثابتة في عالم النبات والحيوان والإنسان؟ ومَن الذي يجعلها كراعية تدر اللبن للصغار بوحي أمومة لا شعورية، وتحمل الحَمَل فرحًا بالحياة فيرتع ويقفز، وهو لا يدري لماذا؟ ومَن الذي يجعلها تهب الكائنات العجماوات أن تحمي نفسها بالحيطة في استخدام السمع والبصر والشم لتحسُّس العدو والهرب منه باستخدام الألوان للاختفاء، والسيقان للجري، والأجنحة للتحليق في الجو؟.
ومَن الذي يجعل الحياة تلوّن عيني الطفل وتمنحهما بريقًا، وتصبغ خديه بالحمرة، وتبعث بالضحك إلى شفتيه، وتحبوه بحنان الأم الواعي، وتحميه بالمأوى والأسرة والوطن؟ مَن؟ مَن غير الله الحي صاحب الفكر الثابت واليد الطولي والقلب الكبير”(5).
الترتيب الإلهي هو الذي أكسب العالم كله النظام والتنسيق فيقول ” فيالتون ” أحد أساتذة علم التشريح والحياة ” إن كلمة الخلق التي استبعدها بعض العلماء من لغة علم الحياة يجب أن تعود وتحتل مكانها الأول، لتفسر لنا على الأقل تلك الحقيقة التي لا يمكن إنكارها وهي أن العالم يظهر لنا وحدة كاملة منظمة منسقة خاضعة لإرادة عاقلة، والعلم بتقدمه اليوم أثبت وجود هذا الترتيب والقصد والتناسق بكل مجالاته العظيمة من أصغر الكائنات الحيَّة المايكروسكوبية إلى أكبرها. فوجود الخالق هو أعظم استنتاج توصل إليه البشر”(6).
_____
(1) تصدع مذهب داروين والإثبات العلمي لعقيدة الخلق ص 113 – 116.
(2) المرجع السابق ص 145.
(3) المرجع السابق ص 176، 177.
(4) ص 81 – 88.
(5) أورده برسوم ميخائيل – حقائق كتابية جـ 1 ص 221.
(6) موقع بشبكة المعلومات الدولية – جمع وتنسيق د. جورج رشيد خوري.