للرجوع الى الجزء الثامن أضغط هنـا.
أ – تمهيــــــــد
نجد في العهد الجديد أن يسوع عندما كان يُنبئ عن آلامه، يستخدم نفس ذات الكلمات والألفاظ التي كانت تتميز بها ذبيحة التكفيرية التي ذُكرت في سفر إشعياء النبي:
إنه يأتي ” ليخدم ” διακονηθηναι – to serve ، ” يبذل حياته – يبذل نفسه – يعطي حياته ” δοναιτήν ψυχήν – to give life ، ويموت ” فداءً ” λύτρον – ransom/an atonement عن كثيرين [ يفتدي أسير أو يحرر أسير – يكفر بالآلام والموت ]
” لأن ابن الإنسان أيضاً لم يأتِ ليُخدم، بل ليخدم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين ” ( مرقس 10: 45 )
” لأني أقول لكم إنه ينبغي ( يجب – يتحتم ) أن يتم فيَّ أيضاً المكتوب وأُحصيَّ مع أثمه ” ( لوقا 22: 37 )
” وأما الرب فسُرَّ بأن يسحقه بالحزن. إن جعل نفسه ذبيحة إثم… من تعب نفسه يرى ويشبع، وعبدي البار بمعرفته يُبرر كثيرين، وآثامهم هو يحملها لذلك أقسم له بين الأعزاء… من أجل أنه سكب للموت نفسه ( بذل نفسه ) وأُحصيَّ مع أثمه، وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين ” ( إشعياء 53: 10 – 12 )
وفضلاً عن ذلك ففي العشاء الفصحي الأخير، يؤكد الرب يسوع المسيح على وجود علاقة مقصودة ومحدده بين موته وذبيحة الحمل الفصحي. ولنتتبع قول الرب في الأناجيل ونلاحظ ما قيل بترتيب عجيب:
1 – ” وكان فصح اليهود قريباً فصعد كثيرين من الكور إلى أورشليم قبل الفصح ليطهروا أنفسهم فكانوا يطلبون يسوع ويقولون فيما بينهم وهم واقفون في الهيكل ماذا تظنون هل هو لا يأتي إلى العيد وكان أيضاً رؤساء الكهنة والفريسيون قد أصدروا أمراً إن عرف أحد أين هو فليدل عليه لكي يمسكوه ” ( يوحنا 11: 55 – 57 )
2 – ” ثم قبل الفصح بستة أيام أتى يسوع إلى بيت عنيا حيث كان لعازر الميت الذي أقامه من الأموات فصنعوا له هناك عشاء.. ” ( يوحنا 12: 1و2 )
3 – ” تعلمون أنهُ بعد يومين يكون الفصح وابن الإنسان يُسّلَّم ليُصلب [ صيغة مبني للمجهول، الآب يُسَلَّم لأنه هو الباذل بالمحبة، والابن يُسلَّم ذاته بإرادته وسلطانه بنفس ذات محبة الآب ] ” ( متى26: 2 )
4 – ” وأما يسوع قبل عيد الفصح [ الفصح يعني العبور، وهنا الإشارة إلى عبور المسيح الموت، وهذا هو الفصح الحقيقي، أي الانتقال من الوضع الحاضر إلى المشاركة في مجد الآب بالبشرية التي اتحد بها في سر تجسده، بالقيامة والصعود] وهو عالم أن ساعته قد جاءت (( يعي الرب وعياً تاماً بمجيء ساعته وأهمية الأحداث التي ابتدأت ويستقبلها بملء حريته وإرادته )) لينتقل من هذا العالم إلى الآب إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم أحبهم إلى المنتهى ” ( يوحنا 13: 1 )
وأخيراً يرجع صراحة إلى خروج 34: 8، مبيناً الصورة التي استخدمها موسى: ” دم العهد “:
” وأخذ موسى الدم ورش على الشعب وقال : هوذا دم العهد דַם־הַבְּרִת الذي قطعه الرب معكم على هذه الأقوال ” ( خروج 24: 8 )
” وقال لهم يسوع : هذا هو دمي الذي للعهد covenant الجديد αἷμά μου τῆς διαθήκς الذي يُسفك من أجل كثيرين ” ( مرقس 14: 24 )
على أن الإشارة هنا إلى الحمل الذي يُخلّص بدمه الشعب اليهودي، وإلى ذبائح سيناء التي تُثبت العهد القديم، وإلى موت العبد التكفيري، وهي إشارة تؤكد بوضوح طابع الذبيحة في موت الرب يسوع: [[ فهذا الموت الذي يموته المسيح – له المجد – ليس كذبائح العهد القديم تفيد مقدمها إلى طهارة الجسد وتعجز عن تطهير الضمير وتغيير القلب من الداخل، بل موته يُفيد الجميع ويعطي غفران الخطايا وغسل الضمير من الداخل ، فبذبيحته يكرس العهد النهائي وميلاد شعب جديد ، بل وموته يصبح ينبوعاً للحياة … ]]
أما الإفخارستيا التي أُسست لتجعل قربان الصليب الواحد حاضراً كذكرى ( άνάμνησις anamnesis) في إطار مائدة مقدسة، فهي تربط الطقس المسيحي الجديد بذبائح وحدة الاتحاد القديمة والتي كانت تحمل في طياتها رمز الذبيحة الجديدة والنهائية :
+ ” وتأخذ دقيقاً وتخبزه اثنى عشر قُرصاً عُشرين يكون القرس الواحد ، وتجعلها صفين ، كل صف ستة على المائدة الطاهرة أمام الرب ، وتجعل على كل صف لُباناً نقياً فيكون للخبز تذكاراً وقوداً للرب ” ( لاويين 24: 5 – 7 )
وعلى هذا النحو فإن تقدمة يسوع المسيح في واقعها الدموي وتعبيرها السري ، توجز وتُتمم تدبير الذبائح في العهد القديم : فهي في وقتٍ واحد
* محرقة ὁλοκαύτωμα
Holocaust – a whole burnt-offering
تقدمة ( قربان = ذبيحة ) صحيحة وسليمة ، غير مكسورة أو مقسومة ، تُقدم لتُحرق بالتمام ، بتمامها ( وسوف نشرحها بالتفصيل الشديد حينما نتكلم عن ذبيحة المحرقة وطقس تقديمها )
* وتقدمة كفارة ، وذبيحة اتحاد
التقدمة προσΦορά ؛ الذبيحة θύσια
الذبيحة = فعل التقدمة مضافاً إليه عنصر الألم حتى الموت
ونلاحظ الفرق ما بين ” التقدمة ” و” الذبيحة “:
فالتقدمة تتم أولاً، لأن الرب يسوع قدم نفسه أولاً بحريته وإرادته وحده، ثم تُرفع كذبيحة أمام الله، وهذا ورد في التقليد الليتورجي القديم، فأن القداس الإلهي يبدأ بتقديم الحمل، وهذا هو عمل ليتورجي قائم بذاته، ثم يليه قداس الذبيحة .
+ ففي تقديم الحمل يتحول بالسرّ الغير المادي الخبز والخمر إلى حمل مُهيأ للذبيحة θύσια، وفي القداس ندخل في سر الحمل المذبوح، وتُرفع الذبيحة بالتقدمة προσΦορά
وفي الجزء القادم سنتكلم عن
يسوع يقدم نفسه ذبيحة – يسوع المسيح حمل الله