Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

هل يمكننا معرفة القليل عن حياة “دي لامارك” وأبحاثه ونظريته؟

هل يمكننا معرفة القليل عن حياة “دي لامارك” وأبحاثه ونظريته؟

هل يمكننا معرفة القليل عن حياة “دي لامارك” وأبحاثه ونظريته؟

ج:

ولد ” جان بيير أنطوان شيفاليه دي لامارك ” Lamarck (1744 – 1829م) من أبوين فقيرين في فرنسا، وفي فترة الشباب التحق بالجيش الفرنسي، وحارب ضد القوات الألمانية في الخطوط الأمامية، وبعد فترة الجندية درس الموسيقى والطب والعلوم، وسكن في حجرة متواضعة بالحي اللاتيني، وتعرف على الفيلسوف ” جان جاك روسو”، وقدم أول إنتاجه العلمي وهو في سن الرابعة والثلاثين باسم ” الفلورا الفرنسية ” Flore Francaise حيث وصف وصفا دقيقا جميع النباتات البرية التي تنمو في فرنسا، وأعجب ” بوفون ” Buffon أمين الحدائق الملكية بهذه الموسوعة فذكاه ليكون عضوا بالأكاديمية الفرنسية، وأتاح له بعض البعثات العلمية للدول الأوربية لجمع العينات النباتية النادرة، وضمها للحدائق الملكية بباريس.

ثم شغل لامارك منصب بوفون فصار أمينا للحدائق الملكية براتب مجزي جدا (1000 فرنك سنويا) وعندما شبت الثورة الفرنسية نصبت المقاصل بالقرب من الحدائق الملكية، ولولا انشغال لامارك بالعلم والبحث لانتهت حياته بالمقصلة، وقام لامارك بتغيير اسم الحدائق الملكية إلى حديقة النباتات.

وفي سنة 1793م أنشئ بحديقة النباتات المتحف الوطني الفرنسي للتاريخ الطبيعي، ومعه قسمين لعلم الحيوان فشغل مارك قسم اللافقاريات حيث بدأ التدريس فيه من سنة 1794م، وشغل ” جوفري سان هيلير ” Geaffray Saint Hilaire قسم الفقاريات، وهو الذي جاء إلى مصر مع الحملة الفرنسية. وكان لامارك أول من وضع تعريفا علميا للنشوء الأولى ” أن منبع الحياة لا بد أن يكون في البحر، وليس على اليابسة، ولا بد أن تكون أولى الكائنات الحية قد نشأت في الماء أو على الأماكن الرطبة، ولا تزال تتخلق في مثل هذه البيئة كائنات أولية هي بين – بين، على الحد الفاصل بين المادة الحية وغير الحية”(1).

وقد أكد لامارك على أن الأعضاء التي تستعمل بكثرة تنمو وتقوى، بينما الأعضاء التي تهمل تضمر، كما أكد على تأثر الكائن الحي بالبيئة التي يعيش فيها، وظن أن الكائن الحي عندما يتعرض لتغيرات بيئية يتطور، وبذلك بنى لامارك نظريته على:

1- التكيف مع الظروف الطبيعية (الاستعمال والإهمال).

2- وراثة الصفات المكتسبة.

 

وقدم لامارك بعض الأمثلة ليدلل على صحة نظريته مثل:

1- استطالة عنق الزرافة نتيجة لمحاولتها المستمرة لتناول أوراق الأشجار بسبب جفاف الحشائش.

2- الفراء السميك للحيوانات القطبية للتغلب على برودة الجو المحيط.

3- اختفاء أقدام الحوت الخلفية لأنه أصبح حيوانا مائيا.

4- اختفاء الأطراف لدى الثعابين لاختفائها في الجحور والممرات الضيقة.

 

وقد اقتنع فيما بعد داروين بفكر لامارك، فقال ” لا يمكن أن يكون هناك شك في أن الاستخدام قد جعل بعض أجزاء حيواناتنا أقوى وأكبر حجما، وإن عدم الاستخدام قد أدى إلى الإقلال من ذلك، وأن مثل هذه التعديلات متوارثة، وتحت تأثير الطبيعة الحرة.. كما علق الأستاذ ” أوين ” Profesor Owen فإنه لا توجد ظاهرة أكثر شذوذا في الطبيعة من أحد الطيور الذي لا يستطيع أن يطير، ومع ذلك فإنه يوجد العديد من الطيور التي في هذه الحالة، فإن البط ذا الرأس الضخم بجنوب أمريكا يستطيع أن يرفرف فقط فوق سطح الماء.. اعتمادا على ما قاله ” السيد/ كاننجهام ” Mr. Cunningham أن الطيور اليافعة تستطيع أن تطير، بينما الطيور البالغة هي التي فقدت هذه المقدرة.

وكما أنه من النادر على الطيور الأكبر في الحجم التي تتغذى وهي على الأرض أن تلجأ إلى الطيران إلا في حالة الهرب من الأخطار فإنه من المحتمل أن حالة انعدام الأجنحة تقريبا الموجودة لدى العديد من الطيور، والتي تستوطن حاليا أو قد استوطنت مؤخرا العديد من الجزر الأوقيانوسية، غير المسكونة بأي وحوش مفترسة، فقد كانت نتيجة لعدم الاستخدام”(2).

ويعلق داروين على كائنات الأعماق التي لا تستخدم الأعين مما أدى إلى ضعفها أو اختفائها، كما ذكرنا أيضا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فيقول ” وبما أن العيون بالتأكيد غير ضرورية للحيوانات ذات الطباع التحت أرضية، فإنه قد يكون من المفيد في هذه الحالة لتلك الحيوانات أن يحدث لها إنقاص في حجم العيون، مع التصاق في الجفون ونمو الفراء فوقهما”(3).

وقال د. موريس بوكاي عن ملاحظات لامارك على الكائنات التي تتعرض للتطور أنها ” إذا تغيرت حياتها، فإن لامارك يرى أنها تتغير في الحجم وفي الشكل وفي تناسب أجزاء الجسم وفي اللون وفي حركتها وفي ثباتها وسهولة حركتها ومهارتها.. فالتغير في بيئتها يعدل من احتياجاتها أو يولد احتياجات جديدة، وبالتالي ينتج عادات جديدة تؤدي إلى استخدام أكثر الأعضاء بعينها وإهمال الأخرى.. وأن عضوا ما إذا ترك دون استخدام فإنه يتقلص وقد ينتهي به الأمر إلى الاختفاء تماما.. والواقع أنه قد لوحظ أن أسنان الحيوانات التي لا تمضغ طعامها (مثل آكل النمل أو الحوت) تتجه إلى الضمور بل إلى عدم الظهور على الإطلاق.. والعكس صحيح، فإن الاستخدام المتزايد لعضو ما يؤدي إلى تقدمه وتطوره.

فأقدام الطيور التي تعيش في الماء تغطي ما بين أصابعها الأغشية نتيجة لما تقوم به من السباحة، وكذلك نجد أن لسان آكل النمل يزداد طولا نتيجة للطريقة التي يمده بها ليمسك بضحاياه ويغطيها بمادة لاصقة”(4).

ولم يقتنع لامارك بتقسيم اللافقاريات المتعارف عليها حينئذ إلى ديدان وحشرات فقط، إنما بعد دراسة مستفيضة قسم اللافقاريات إلى ثمانية مراتب، وهي الكائنات الأولية البسيطة، يتلوها الشعاعيات، فالديدان البسيطة، فالحشرات، فالعناكب، فالقشريات، فالديدان الحلقية، فالرخويات، وجاء تقسيمه هذا في ثمان مجلدات، ولاحظ لامارك التشابه والتدرج من الكائنات الأدنى للأرقى، وأجرى نفس الدراسة على الحيوانات الفقارية، ووضع نظرية ” السلم التقسيمي”.

ويقول د. أنور عبد العليم أن لامارك ” وضع أبسط الكائنات في أسفل السلم {وهي تلك التي ظهرت في الوجود لأول مرة، ومنها تطورت باقي الحيوانات الأخرى على مر الأزمنة الطويلة} كما وضع الحيوانات الثديية في أعلى السلم {حيث أنها أذكى الكائنات، ولها عمود فقري ورأس يتحرك في كل الاتجاهات، وأعين ذات جفون، ولها حجاب حاجز وقلب منقسم إلى غرف، وهي فوق ذلك من ذوات الدم الحار} وبين هاتين المرتبتين وضع لامارك باقي مراتب المملكة الحيوانية على درجات مختلفة من السلم التقسيمي، تبعا لصفاتها التشريحية ومميزاتها..

وفي عام 1809م (وهي السنة التي ولد فيها تشالز داروين) أصدر لامارك كتابه المشهور المعروف بفلسفة الزولوجيا (فلسفة علم الحيوان) Philasophie Zoo Logique ضمنه آراءه عن النشوء والتطور وفيه يقول: أن الحياة بدأت من مادة هلامية تشكلت وتصورت على مر الأزمنة البعيدة إلى مراتب وفصائل من الكائنات معقدة التركيب، وفيه أيضا شرح لامارك كيف يعمل التطور، فكان يعتقد اعتقادا جازما أن البيئة هي الدافع الأساسي للتطور، ولها المقام الأول، وهي المسئولة عن تشكيل الجسم والأعضاء والصفات.

كما كان يعتقد بوجود قوة كافية في الكائن الحي، هي المسئولة عن تطور الأعضاء وفقا لمقتضيات البيئة. كما اعتقد أن العضو يقوى بالاستعمال، ويضعف ويذوي بعدم الاستعمال، فالرياضي تقوى عضلاته بالتمرين، والكلب الذي يعيش في الحقول والمراعي أصلب عودا وأقوى رأسا من الكلب المستأنس حبيس الدار وهلم جرا.

وكان لامارك يعتقد أيضا بتوارث الصفات المكتسبة (ولم تكن قوانين الوراثة معروفة بالمرة في ذلك الوقت وحتى إلى ما بعد موت داروين بزمن) وقد أخطأه التوفيق في هذا الاعتقاد”(5).

لقد تضمن كتاب لامارك ” فلسفة علم الحيوان ” فكره عن التطور والذي يتلخص في:

أولا: إن الاستخدام يؤدي إلى نمو الأعضاء وقدرتها، مثل آكل النمل الذي يزداد لسانه طولا بالاستخدام. أما الأعضاء التي لا تستخدم فأنها تتعرض للضمور.

ثانيا: إن الصفات المكتسبة تورث.

وفي كتابه ” الحيوانات اللافقارية ” الذي أصدره عام 1815م ذكر لامارك قانونين آخرين عن التطور، أولهما: إن الحياة تعمل على زيادة حجم كل جسم وتنمية أبعاده إلى أن يصل للحد الذي تعينه له الطبيعة، ونظرا لغموض هذا القانون فإن لامارك لم يشر إليه كثيرا، كما إن العلماء قد تجاهلوه. أما القانون الثاني فهو يختص بأن تكوين عضو جديد للحيوان يحدث نتيجة حاجة الحيوان الطارئة لهذا العضو.

وأعتبر لامارك أن الحياة سلسلة متصلة الحلقات مثل شجرة تتصل فروعها بأصولها بجذورها، ولم يكف لامارك عن البحث، حتى عندما ضعف نظره جدا وتعرض للعمى في العشر سنين الأخيرة من حياته كان يملئ ابنتيه – اللتين كرستا حياتهما لخدمته – الأجزاء الأخيرة من موسوعته عن الحيوانات اللافقارية، وقد عاش لامارك حياة الكفاف، ولاسيما أنه كان له أولادا كثيرين من زوجاته الأربع اللائي تزوجهن، وعندما مات في سن الخامسة والثمانين عاما دفن في مقبرة الفقراء.

_____

(1) د. أنور عبد العليم – قصة الحياة ونشأتها على الأرض ص 13، 14.

(2) أصل الأنواع ص 232، 233.

(3) المرجع السابق ص 236.

(4) ما أصل الإنسان؟ ص 42.

(5) قصة التطور ص 41 – 44.

هل يمكننا معرفة القليل عن حياة “دي لامارك” وأبحاثه ونظريته؟

Exit mobile version