هل الحياة مجرد تفاعلات كيميائية؟ وما هي مظاهر الحياة؟
3- الحياة ليست مجرد تركيب كيميائي
ليست الحياة مجرد تركيبا كيميائيا، والمظهر الكيميائي واحد من ثلاث مظاهر للحياة، والمظهران الآخران هما المظهر التشريحي والمظهر الفسيولوجي، ويقول د. حليم عطية سوريال ” أما القول بأن الحياة نشأت تدريجيا من المواد.. تمشيا مع ناموس النشوء والارتقاء على نحو ما ذكره الأستاذ شيفر في خطبته بالمجمع العلمي البريطاني سنة 1912م فلا يقبله العقل بتاتا، ويكفي لدحضه أن نذكر أن الحياة ليست مركبا كيميائيا، وأن لها ثلاثة مظاهر، وهو المظهر الكيميائي والمظهر التشريحي، والمظهر الفسيولوجي. أما المظهر الكيميائي فقد أشرنا إليه ويمكن فهمه إذا منعنا عن الكائن الحي عنصرا واحدا من العناصر التي يتركب منها فإنه ينهار بنيان حياته لا محالة.
ومن الوجهة التشريحية يلاحظ أن أجزاء الكائن الحي مرتبطة ببعضها ارتباطا في غاية الدقة والترتيب وحتى الخلية البسيطة ترينا أن أجزاءها ليست مبعثرة في داخلها خبط عشواء بل نرى أجزاءها الدقيقة وضعت بعناية فائقة في مواضع مخصوصة كعجلات وأتراس الساعة كذلك من الوجهة الفسيولوجية نرى أنه مع تعدد وظائف الحياة واختلافاتها، اتفاقا لغاية مخصوصة هي حفظ الحياة وحفظ النوع..
وتعدد مظاهر الحياة يبين استحالة توصل الإنسان إلى تكوين مخلوقات حية، ولا عبرة بالقول أن بعض الكيماويين توصل إلى صنع مواد عضوية مثل التي تصنعها البروتوبلازما وكان يجب على الذين يحاولون أن يصنعوا خلية حية أن يلموا بأسرار الحياة وأسرار البرتوبلازم التي مازالوا يجهلون عنها أكثر مما يعلمون. وهب أنهم توصلوا إلى صنع مادة كيماوية تشبه البروتوبلازما فهل تعتبر هذه خطوة نحو صنع كائن حي؟! وهل الكائن الحي مجرد مركب كيماوي؟! من ذلك يتضح أن محاولة صنع كائن حي هي إضاعة للوقت ومقضى عليه بالفشل”(1).
فمن جهة المظهر الكيميائي نجد الخلية تتركب من البروتوبلازم (وهو عبارة عن سيتوبلازم ونواة) واشتقت كلمة البروتوبلازم من البروتين، لأن البروتين هو الذي يكون البروتوبلازم، وتتكون مادة البروتين من خمس عناصر (كربون – أيدروجين – أكسجين – نيتروجين – كبريت) لا يمكن الاستغناء عن عنصر منها، ويقول د. ” فرانك اللن”.. ” أن البروتين الذي يدخل في تركيب الخلية الحية نباتية أو حيوانية يحتوي على خمسة عناصر الكربون والأيدروجين والنيتروجين والأكسحين والكبريت، ويبلغ عدد الذرات في الجزيء البروتيني الواحد 40 ألف ذرة، ولما كان عدد العناصر في الطبيعة نحو 103 عنصر، فإن احتمال اجتماع هذه العناصر الخمسة في كل هذه الأعداد ضئيلا جدا لدرجة المستحيل”.
ومن جهة المظهر التشريحي فالخلايا تختلف بحسب وظيفتها، فالخلايا العصبية تختلف عن العضلية، والاثنتان تختلفان عن خلايا عضلة القلب، وخلايا الدم تختلف عن كل ما سبق وهلم جرا.. وجميعها تعمل في انسجام تام، فالخلية الواحدة لا توجد قط في حالة فوضى وتبعثر، إنما توجد في غاية من النظام والدقة، وأيضا تختلف أجهزة الإنسان وأعضائه، ولكن كلها تعمل في انسجام تام في منتهى الدقة والبراعة.
ويقول ” كريسي موريسون ” في مقاله ” كيف بدأت الحياة؟”.. ” ونحن بوصفنا كائنات بشرية يتكون كل منا من أمم منتظمة من بلايين فوق بلايين من أمثال تلك الخلايا، وكل خلية فينا كأنها مواطن صالح يؤدي نصيبه الكامل من الخدمة الخالصة، كأنه في ذكاء.. ففي أي مخلوق حي يجب أن تكيف نفسها لتكون جزءا من اللحم أو تضحي بنفسها كجزء من الجلد الذي لا يلبث أن يبلى..
وهذه الخلية ترغم كل نسلها على أن يؤدي الخدمات وأن يتبع دون انحراف.. أن مئات الآلاف من الخلايا تبدو كأنها مدفوعة لأن تفعل الشيء الصواب، في الوقت الصواب، وفي المكان الصواب، والحق أنها طائعة.. بيد أنك قد تقول الآن، ولكن كل هذا لا يفسر لنا كيف بدأت الحياة، أو كيف جاءت إلى هذه الأرض، والكاتب لا يعرف كيف إلا أن يكون هناك خالق قد أوجدها”(2).
أما المظهر الفسيولوجي فيتجلى في أنه رغم اختلاف الوظائف الحيوية لخلايا وأعضاء وأجهزة الإنسان، إلا أنها لا تتعارض قط، إنما تتكامل معا لحفظ حياة النوع من الأحياء.
_____
(1) تصدع مذهب داروين ص 80 – 83.
(2) أورده برسوم ميخائيل – حقائق كتابية جـ 1 ص 213.