هل يمكن اعتبار نظرية التطوُّر نظرية علمية ثابتة مستقرة؟
202- هل يمكن اعتبار نظرية التطوُّر نظرية علمية ثابتة مستقرة؟
ثالثًا: نظرية التطوُّر ليست نظرية علمية بقدر ما هي فلسفة مادية:
ج: إن الحقيقة التي يجب أن نتيقن منها هي أن نظرية التطوُّر التي بدأها ” لامارك ” وأيدها ” بافون ” في القرن الـ18 وبلوَّرها ” داروين ” في القرن الـ19 لا تمثل على الإطلاق نظرية علمية ثابتة ومستقرة، بقدر ما هي فلسفة مادية، أو موقف ذهني رافض لحقيقة الله الخالق، ولذلك لا نتعجب عندما نرى كثير من التطوُّريين يعترفون بأن النظرية ما هي إلاَّ افتراضات بُنيت على المشاهدات، وتحتاج لوقت طويل جدًا للتغلب على الصعوبات التي تقف حيالها، فيقول ” هنري م. موريس”.. ” ليست نظرية التطوُّر نظرية علمية بقدر ما هي فلسفة أو موقف ذهني، إذ أن أنصار هذه النظرية أنفسهم يقرون أنها تحتاج إلى دهور من العمل لكي تثبت صحتها كنظرية علمية، لأن ما سُجل كتابة من أحداث ووثائق على أية مادة كانت، خلال آلاف السنين الماضية، لا يمثل كشفًا حقيقيًا واحدًا عن حدوث عملية تطور أصيلة، وحيث أنه لم يكن من السهل رصد التغيرات التطوُّرية، المفروض أنها حدثت في الماضي، فمن المستحيل عمليًا إثبات أنها حدثت فعلًا، وبالتالي فهي فلسفة ولا ترقى لدرجة النظرية المؤيدة بالأدلة العلمية المفحمة الكافية لإثبات صحتها”(1).
ويقول د. مصطفى عبد العزيز، ود. عبد العزيز أمين ” لقد تعددت النظريات والآراء التي تفسر الطريقة التي حدث بها التطوُّر، وهي تأويلات لحمتها الاستنتاج وسداها المشاهدات، وليس هناك من البراهين العلمية ما يثبت صحتها أو يجزم بخطئها، ولكنها جميعها متروكة لتقدير صفاء العقول أو ركودها”(2)(3).
كما يقول ب. ب. جراسيه P.P. Grasse ” أن كل شرح وتفسير للآلية التي تتحكم في التطوُّر الخلاق لخطط النشاطات الرئيسية يرزح تحت عبء ثقيل من الافتراضات ويلزم أن تتصدر هذه الكلمات أي كتاب يتناول موضوع التطوُّر. ونظرًا لعدم وجود أي دليل ثابت مُدعَّم بالوثائق لدينا، فإن أي تقرير يتناول أصول الشعب يمكن أن يكون مجرد افتراضات فحسب، وبذلك فهي آراء، لا نملك المعايير لتحديد درجة جدواها”(4).
ويقول بروفسير ” باستون ” عالِم الأحياء البارز في النصف الأول من القرن العشرين، وبالرغم من اعتقاده بالتطوُّر ” أن المساعي المتواصلة التي بُذلت في صبر وطول أناة لم تسفر عن دليل واحد يؤيد تطور الأنواع إلى أنواع أخرى. وكل طريق جديد وثقوا منه أنه يوصلهم إلى دليل، إذ به مسدود.. فنحن لم نستطع أن نرى يومًا كيف يحصل التغيُّر من نوع إلى نوع (أي من كائن حي إلى كائن آخر) أما التغير في ذات النوع الواحد (من حيث الشكل والحجم واللون) فهذا نشاهده كل يوم. لكننا لسنا نشاهد تغيرًا في أصل النوع، فتغيُّر النوع ذاته عن أصله لا يزال أمره غامضًا كل الغموض، مع أنه جوهري بالنسبة لنظرية التطوُّر، إذ هو متعلق بأصل الأنواع وطبيعتها”(5).
كما جاء في كتاب ” فضح الهرطقات(6)” لقد أحس داروين بالحاجة إلى البرهان البيولوجي اللازم لتدعيم نظريته هذه، وكتب في كتابه “الحياة والخطابات”(7) يقول {يوجد على الأرض ما يتراوح بين مليونين وثلاثة ملايين من الأجناس. وهذه الملايين توفر حقلًا خصيبًا للملاحظة. لكن يجب أن نُقرّر اليوم أنه بالرغم من كل الجهود التي بذلها ذوو الخبرة في الملاحظة لم توجد حالة تغيّير واحدة من نوع إلى نوع آخر، استطاعوا أن يسجلوها} غير أن داروين في اعتقاده برأيه، كان يتوقع أن مواصلة البحث سوف تمدهم بالدليل المنشود، وحتى اليوم لم يأتِ هذا الدليل”(8).
ويقول ” هارون يحيى”.. ” عندما قدم داروين افتراضاته لم تكن فروع المعرفة (مثل علم الجينات والميكروبات والكيمياء الحيوية) موجودة، ولو أن اكتشافها تم قبل أن يُقدّم داروين نظريته لأدرك – بسهولة – أن نظريته كانت غير علمية على الإطلاق.. ذلك أن المعلومات التي تحدد الأجناس موجودة في الجينات، ويستحيل على الانتقاء الطبيعي أن يُولّد أجناسًا جديدة من خلال حدوث تغيُّرات في الجينات.. لو سنحت الفرصة لداروين أن يشاهد الخلية باستخدام المجهر الإلكتروني لكان قد اطلَّع على التعقيد الكبير والتركيب غير العادي للجزئيات العضوية للخلية، ولكان قد رأى بأم عينه أنه لا يمكن لمثل هذا النظام المُعقَّد أن ينشأ نتيجة تغيُّرات طفيفة، ولو كان يعلم بوجود الرياضيات الحيوية لكان قد أدرك أنه من غير الممكن (ولو حتى لجزئ بروتين واحد، ناهيك عن خلية كاملة) أن ينشأ بمحض الصدفة.. ففي زمن داروين، وباستخدام المجاهر البدائية.. لم يكن سوى مشاهدة السطح الخارجي للخلية”(9).
الأمر المدهش أنه عندما نتساءل: كيف جاءت الكائنات الحيَّة؟ ونقف أمام افتراضين أولهما أن الله هو الذي خلق هذه الكائنات كما هي الآن، وثانيهما أن هذه الكائنات جاءت نتيجة التطوُّر من جرثومة الحياة، ويجمع العلماء على عدم وجود أي احتمال لتكوين خلية واحدة، وبالتالي يكون احتمال الفرض الأول وهو خلقة الله للكائنات 100 %، ومع ذلك يرفض التطوُّريون هذا الفرض الصحيح 100 %، ويرجع هذا الرفض في الحقيقة إلى موقف ذهني لهؤلاء التطوُّريين في رفض فكرة وجود الله، فمثلًا أحد علماء التطوُّر في تركيا يعترف بعدم إمكانية وجود مادة ” سيتوكروم – سي ” Cytockrome – C بمجرد الصدفة، ومع هذا فإنه في عناد يرفض قبول خلقة الله لهذه المادة، فيقول ” أن احتمال تكوين سلسلة واحدة من (سيتوكروم – سي) قليل جدًا يكاد يكون صفرًا.. أو أن تكوين هذه السلسة المُعقَّدة حدث من قِبل قوي فوق تصوُّرنا ولا نستطيع تعريفها، ولكن قبول الاحتمال الأخير لا يناسب الأهداف العلمية. إذًا علينا فحص الاحتمال الأول وتمحيصه والاقتصار عليه” (Ali Demirsay , Kalitim Ve Eurim 1984 , P 61) فهذا الرجل يتمسك برأي احتماله صفر ويرفض الرأي البديل، وهذا ضد قواعد العلم والتفكير الصحيح، الذي يؤكد أنه عند تفسير موضوع ما عن طريق احتمالين، وكان أحد الاحتمالين يساوي صفر، فالصواب هو قبول الإحتمال الثاني. ولكن التطوُّريين يرفضون هذا، لدرجة أن ” ريتشارد دوكنز ” قال للناس إذا شاهدتم تمثالًا يلوح بيده، فلا تتسرعوا في الحكم بأن هذه معجزة، لأنه ربما تصادف تحرك كل ذرات ذراع التمثال في اتجاه واحد، ورغم أنه هذا إحتمال ضعيف ولكنه ممكن (راجع هارون يحيى – خديعة التطوُّر ص 26).. حقًا أن سر بقاء نظرية التطوُّر للآن على قيد الحياة لا يرجع لحقيقتها العلمية إنما يرجع لإقناع الناس بها كنظرية اجتماعية سياسية.
وعندما يعرض د. موريس بوكاي موضوع التطوُّر يتداول بعض الكلمات مثل ” الاحتمال”.. ” يحتمل”.. ” يبدو”.. ” لعل”.. ” قد تكون ” على أساس أن موضوع التطوُّر لا يتعدى دائرة الاحتمالات فيقول ” أن الاحتمال الأغلب هو أن تكون أشكالَ الحياة متعددة الخلايا قد جاءت من أشكال حياة وحيدة الخلية. كما يحتمل أن تكون الإسفنجيات Spongiae أكثر متعددات الخلية بدائية، ورغم أنها بدون أعضاء محددة بصورة واضحة فأنها تقوم بنشاط التناسل وهو نشاط جنسي، وقد تكون اللاحشويات Cnidariae والمشطيات Ctenaphares.. لها أعضاء أولية وخلايا اكتسبت وظائف عصبية وعقلية، ويبدو أنها تكونت من أقل من بليون سنة. وللعلم أول اللافقاريات قد ظهرت إلى الوجود منذ 500 أو 600 مليون سنة مواكبة للرخويات والديدان الحلقية والحشرات الأولىَ.
وقد جاءت الفقاريات متأخرة أي منذ زمن 450 مليون سنة على وجه التقريب، وكذلك بعض الأسماك والتي أخذت في التطوُّر منذ ذلك الحين. كما أن أول الفقاريات المائية (البرمائية والزواحف) قد تكون ظهرت منذ نحو 350 مليون سنة. ثم جاءت من بعدهم الثدييات (منذ 180 مليون سنة) والطيور (منذ 135 مليون سنة) ولكن أشكال الحياة لم تقف عند حد الظهور بل أنها اختفت كذلك وكان هذا الاختفاء -أحيانًا- بكميات هائلة. وفي الزواحف مثال لهذه الظاهرة، فقد سادت الزواحف طيلة 300 مليون سنة ثم بدأت في الاضمحلال.. حتى أنه لم يعد لدينا من الآثار التي يمكن أن تبين وجود حياة الزواحف خلال مدة 60 أو 70 مليون سنة السابقة إلاَّ القليل. وقد أخذت الثدييات مكان الزواحف”(10).
وبالرغم من أن أهم متاحف العالم مثل متحف ” كنزنجتون ” بلندن، ومتحف ” سمشونيان ” بواشنطن تحتضن صالات ضخمة تشرح التطوُّر البيولوجي، فإن الدكتور ” هنري فيرفيلد أوسبورن ” رئيس متحف التاريخ الطبيعي الأمريكي بنيويورك يقول ” أن البحث الذي إستمر قرنًا وراء العلل التي يتسبب عنها التطوُّر، قد باء بالفشل”(11).
ولو ظن أحد أن نظرية داروين قد قُبلت عالميًا، فإن الدكتور حليم عطية سوريال يرد عليه قائلًا “على أن القول بأن نظرية التحوُّل قُبِلت بإجماع العلماء يجب أن يُؤخذ بتحفظ شديد لأن تلك النظرية لم تُعدم خصومًا عنيدين، وقاومها من يوم ظهورها علماء وفلاسفة من الطراز الأول أمثال كوفييه Cuveier وأجاسيز Agassiz وفيرخوف Virchow وغيرهم من ذوي العبقرية الفذة والدرجة الممتازة في علوم التشريح والحفريات والحيوان وغيرها من فروع التاريخ الطبيعي.
ويمكن لمن تتبع تاريخ تلك النظرية أن يذكر عشرات من أسماء أهل العلم الذين حاربوها.. وأعظم معارض لها في وقتنا الحاضر هو الأستاذ فيالتون Vialleton أستاذ علم الهستولوجيا والأجنة بجامعة مونبليه وعميد كليتها الطبية الذي لا ينقص قدرًا عن كوفييه، والذي صرف نحو أربعين عامًا في دراسة كل بحث له علاقة بتلك النظرية والذي يعتبره الثقات أعظم عالِم بالتشريح المُقارن في الجيل الحاضر في العالم كله (1937م) فإن مؤلفات هذا الأستاذ تعتبر دائرة معارف.. وقد كتب قبيل وفاته كتابه الأخير المُسمى (أصل الكائنات الحيَّة أو الوهم التحوُّلي) ويمكن تقدير أهمية ذلك الكتاب من أنه طُبع خمسة عشر طبعة في مدة لم تتجاوز السنتين”(12).
كما يقول د. حليم عطية سوريال أيضًا ” إذا كانت نظرية التحوُّل (التطوُّر) لا تقوم على براهين تؤيدها لماذا نراها سائدة مقبولة عند أكثر علماء التاريخ الطبيعي ولها أنصار كثيرون بينهم؟
الجواب: لقد أجاب على هذا السؤال عالِم من أعظم أنصار نظرية التحوُّل وهو الأستاذ دلاج Yves Dalage وقد كان أستاذًا للتشريح المُقارن وعضوًا من أعضاء أكاديمية العلوم الفرنسية، فإنه يقول في كتابه المشهور عن البروتوبلازم والوراثة.. إنني على يقين بأن الذين يقبلون نظرية التطوُّر أو يرفضونها لا يفعلون ذلك بناء على أدلة مأخوذة من التاريخ الطبيعي بل لآراء فلسفية خاصة.. وغني عن القول أن العلماء يقبلون نظرية التحوُّل كنظرية وليس كحقيقة علمية، وشتان بين الاثنين لأن النظرية عرضة للاستبدال متى وجدت نظرية أصلح منها”(13).. لقد بُنيت نظرية التطوُّر على الملاحظات الشخصية وقوة التخيُّل في ظل تكنولوجيا بدائية، فلم يكن هناك علم الكيمياء الحيوية، ولا علم الوراثة.
لقد كان ” إسحق نيوتن ” مؤمنًا بوجود الله الخالق، وقال ” البرت اينشتاين”.. ” لا أستطيع أن أتصوَّر عالِمًا حقيقيًا دون إيمان عميق، ويمكن التعبير عن هذا الوضع من خلال الصورة الآتية: العلم بلا دين علم أعرج”(14)(15) وقال الفيزيائي الألماني ” ماكس بلانك ” أحد مؤسسي الفيزياء الحديثة ” أنه ينبغي على كل من يدرس العلم بجدية أن يقرأ العبارة الآتية المكتوبة على باب معبد العلم: تَحَلَّ بالإيمان، فالإيمان من الصفات الأساسية المميزة للعالِم”(16).
_____
(1) ترجمة نظير عريان ميلاد – الكتاب المقدَّس ونظريات العلم الحديث ص 53.
(2) أسرار الحياة ص 47.
(3) أورده برسوم ميخائيل – بطلان نظرية التطوُّر ص 35.
(4) أورده د. موريس بوكاي – ما أصل الإنسان ص 34.
(5) أورده برسوم ميخائيل – بطلان نظرية التطوُّر ص 41.
(6) ص 85.
(7) مجلد 3 ص 25.
(8) المرجع السابق ص 40.
(9) خديعة التطوُّر ص 35.
(10) ما أصل الإنسان ص 37.
(11) أورده برسوم ميخائيل – بطلان نظرية التطوُّر ص 32.
(12) تصدع مذهب داروين والإثبات العلمي لعقيدة الخلق طبعة 1937م ص 9، 10.
(13) المرجع السابق ص 183، 184.
(14) Science, Philosophy and Religion. CH. 13.
(15) أورده هارون يحيى – خديعة التطوُّر ص 29.
(16) المرجع السابق ص 29.