كيف فسرت نظرية التطور التدني الأخلاقي للإنسان؟
200- كيف فسرت نظرية التطوُّر التدني الأخلاقي للإنسان؟ وكيف ساعدت على نشر الفلسفة المادية؟
ثانيًا: المخاطر الجسيمة التي نجمت عن نظرية التطوُّر؟
ج:
عندما أنكر التطوُّريون خلق الله للإنسان فإنهم أنكروا بالتبعية قصة سقوط الإنسان، ولذلك أرجعوا التدني الأخلاقي للإنسان للغرائز البهيمية المتوارثة، وبالتالي فإن شر الإنسان لا يرجع إلى فساد طبيعته بالخطية، إنما يرجع إلى أصله الحيواني، وبهذا أضفت هذه النظرية على الإنسان صفة الحيوان، كما برَّرت للإنسان التدني الأخلاقي وارتكاب الشرور. وأيضًا أرجع التطوُّريون مبادئ الأخلاق والأدب إلى رقي الإنسان وتطوُّره من الناحيَّة الأدبية مع الزمن، وليس للضمير الذي يمثل صوت الله داخل الإنسان.
وقد ساعدت نظرية التطوُّر على انتشار الفلسفة المادية والنفسية، فيقول دكتور ” هنري موريس ” Henery Morris ” من الخطأ أن نتغاضى عن نظرية التطوُّر، ونبقى غير ملمين بالمهاوي التي تؤدي إلى التردي فيها، فغالبية الجامعيّين والجامعيات تعلموا أن يقبلوا التطوُّر كحقيقة علمية ثابتة، والذي زاد الطامة أنها ساعدت على انتشار الفلسفات، كالفلسفة المادية والفلسفة النفسية، فنظرية لها مثل هذه الخطورة يجب أن المجموعة الضخمة من الأدلة التي توفرت ضدها، تحظى دراستها باهتمام المفكرين”(1)(2) فالدافع الأساسي للتمسك بنظرية التطوُّر ليس توافقها مع العلم الحديث، ولكن بسبب توافقها مع الفلسفة المادية التي تنكر وجود الخالق، وتنظر للمادة على أنها أزلية، بالرغم من أن نظرية ” الانفجار العظيم ” Big Bang قد أطاحت بنظرية أزلية المادة.
وقد اختزلت نظرية التطوُّر كل أبعاد الحياة من روحيَّة وسيكولوجية واجتماعية وأخلاقية.. إلخ في بُعد واحد هو البُعد البيولوجي، فطرحت بالإنسان بعيدًا عن الله، كقول ” نوبل لورييت جاك مونود ” J. Monod في كتابه ” الصدفة والحاجة ” أنه ليس إله ” أن العهد (الميثاق) القديم قد انهار، فقد عرف الإنسان أخيرًا أنه وحيدًا في هذا الكون الشاسع المُوحِش، وأنه لم يوجد فيه إلاَّ عن طريق الصدفة(3).
ويقول الدكتور كمال شرقاوي غزالي رئيس قسم العلوم البيولوجية والجيولوجية بكلية التربية – جامعة الإسكندرية ” وكانت الفترة التي صدر فيها كتاب ” أصل الأنواع ” هي وقت ازدهار الفلسفات بكل أنواعها، وكان ” هيجل ” Haeckel أحد هؤلاء الفلاسفة من أصدقاء داروين وأنصاره، وراقت له النظرية فكانت فكرة أن أصل الإنسان هو أصل حيواني هي إحدى بنات أفكاره(4) وهنا بدا للناس أن النظرية تتعارض مع النصوص الدينية، وبالذات نصوص العهد القديم، التي تقرر بوضوح كامل أن الأنواع ثابتة وأنها غير قابلة للتغيير. ولما كانت للناس في ذلك الوقت كراهية متأصلة للتعاليم الدينية الكنسية، فقد بدأ الاقتناع بصحة النظرية يغلب على الاقتناع بالتعاليم الدينية، وصارت النظرية والدين على طرفي نقيض، وأدى اقتناع الناس بالنظرية إلى أن قالوا بثبوت خطأ التوراة ورفض النص الكامل للإنجيل، ودار صراع بين العلم والدين.. وفي هذا الصدد ذهبوا إلى أبعد مما ذهبت إليه نظرية داروين ذاتها، ويبقى ذكر أهم نقطة فيما أعطى نظرية داروين الحجم الكبير ألا وهو الاستغلال البشع للنظرية من قبل اليهود، فحين ظهرت النظرية استغلوها في تحطيم العقيدة المسيحية وتأجيج نار الثورة على الكنيسة، وزجوا بالنظرية في ساحة المعركة الحامية الوطيس ليهدموا آخر قلعة حصينة من قلاع الديانة المسيحية وهي إنسانية الإنسان وخلقه المباشر بأمر الله. تقول بروتوكلات اليهود في ذلك: لا تتصوروا أن تصريحاتنا كلمات جوفاء، لاحظوا هنا أن نجاح داروين وماركس ونيتشه قد رتبناه من قبل.. إذًا لم يعد الأمر أكثر من شيئين: فكرة فلسفية لهيجل استخدمها بعض العلماء الذين لهم أغراض في محاربة الكنيسة وتخطيط مرتب من اليهود”(5).
ويقول الأستاذ محمد قطب عن آثار نظرية داروين ” أول نتائجها زلزلة الإيمان بالله وبالعقيدة، وثاني نتائجها زلزلة الإيمان بالإنسانية والإنسان ورفعته وسموه وروحانيته، وثالث نتائجها زلزلة الإيمان بثبات أي نظام من النظم أو قيمة من القيم أو فكرة من الأفكار، ورابع وخامس وسادس زلزلة كل شيء كان راكزًا من قبل، وتحطيم كل بنيان راسخ الأساس”(6).
_____
(1) الكتاب المقدَّس والعلم الحديث ص 29.
(2) أورده برسوم ميخائيل في كتابه حقائق كتابية جـ 1 ص 203.
(3) J. Monod, Chance and Necessity, P. 167.
(4) موريس بوكاي 1985م.
(5) التطوُّر بين الضلال وممارسة حق النقد ص 38، 39.
(6) المرجع السابق ص 40.