متى خلق الله الإنسان؟ كم هو عمر الإنسان على الأرض؟
متى خلق الله الإنسان؟ أو بمعنى آخر كم هو عمر الإنسان على الأرض؟
“ 24 وقال الله لتُخرج الأرض ذوات أنفس حية كأجناسها. بهائم ودبّاَبات ووحوش أرض كأجناسها وكان كذلك. 25 فعمل الله وحوش الأرض كأجناسها والبهائم كأجناسها وجميع دبَّابات الأرض كأجناسها ورأى الله ذلك أنه حسن. 26 وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا. فيتسلَّطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الأرض وعلى جميع الدبَّابات التي تدب على الأرض.
27 فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكرًا وأنثى خلقهم. 28 وباركهم الله وقال لهم أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها وتسلَّطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض.
29 وقال الله إني أعطيكم كل بقلٍ يبزر بزرًا على وجه كل الأرض وكل شجر فيه ثمر شجر يُبزر بزرًا. لكم يكون طعامًا. 30 وكل حيوان الأرض وكل طير السماء وكل دبَّابة على الأرض فيها نفس حية أُعطيت كل عشب أخضر طعامًا. وكان كذلك. 31 ورأى الله كل ما عمله فإذ هو حسن جدًا. وكان مساء وكان صباح يومًا سادسًا” (تك 1: 24 – 31).
س195:
متى خلق الله الإنسان؟ أو بمعنى آخر كم هو عمر الإنسان على الأرض؟
يقول ” د. موريس بوكاي ” أن عمر الإنسان على الأرض ” أبعد بكثير من العصر الذي يُحدده سفر التكوين لأوائل البشر، هناك إذًا استحالة اتفاق واضحة بين ما يمكن استنتاجه من المعطيات الحسابية لسفر التكوين الخاصة بظهور الإنسان على الأرض وبين أكثر المعارف تأسيسًا في عصرنا”(1)
ويقول السيد سلامة غنمي ” فإننا نجهل التاريخ التقريبي لظهور الإنسان على الأرض، غير أنه قد أُكتشف آثار لأعمال بشرية نستطيع وضع تاريخها فيما قبل الألف العاشرة من التاريخ المسيحي دون أن يكون هناك مكان للشك، وعليه فإننا لا نستطيع علميًا قبول صحة نص سفر التكوين الذي يعطي أنسابًا وتواريخ تُحدّد أصل الإنسان (خلق آدم) بحوالي 37 قرنًا قبل المسيح.. إننا نستطيع أن نطمئن إلى أنه لن يمكن أبدًا إثبات أن الإنسان قد ظهر على الأرض منذ 5760 سنة كما يقول التاريخ العبري سنة 1999م، وبناء على ذلك فإن معطيات التوراة الخاصة بعمر الإنسان على الأرض غير صحيحة”(2).
ج:
لو شبهنا عمر الكون بأشهر السنة الاثني عشر، فإننا نستطيع أن نقول أن المجموعة الشمسية تكوَّنت في شهر فبراير، والأميبا خُلقت في شهر مارس، والديناصورات ظهرت في عالمنا في شهر نوفمبر. أما الإنسان فلم يظهر على كوكب الأرض إلاَّ في اليوم الأخير من شهر ديسمبر (31/12) وفي نحو الساعة الخامسة بعد الظهر(3).
ويوضح نيافة المتنيح الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي الفرق الزمني الضخم بين بداية الخلق وخلق الإنسان فيقول ” أن هناك فرقًا هائلًا من الزمن بين خلق الطبيعة الكونية وبين خلق الإنسان الأول وهو آدم، فرقًا يمكن تقديره بملايين السنين، فالواضح من الكتاب المقدَّس أن الله خلق الإنسان بعد أن خلق السموات والأرض بزمن طويل، فالله تعالى خلق الإنسان في آخر الحقبة السادسة من الخليقة، وهي الحقبة الأخيرة في الخلق.. إذًا فقد خلق الله الإنسان في آخر خلقة زمانية.. وبذلك يبين (الكتاب) الفرق الهائل والفارق الضخم بين زمن خلق الكون وبين زمن خلق الإنسان الأول، هذا الفرق الزمني يمكن أن يبلغ ملايين الملايين من السنين”(4).
كما يوضح نيافة الأنبا غريغوريوس أيضًا أن تحديد عمر الإنسان على الأرض سواء عن طريق الكتاب المقدَّس أو العلم هو عملية تقريبية، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فيقول ” تقدير الزمن من آدم إلى اليوم بسبعة أو ثمانية آلاف عام، يمكن أو يوصف بأنه تقدير متواضع أو على الأقل تقريبي، لم يعتد بإسقاط أشخاص حُذفت أسماؤهم في سلسلة الأنساب.
كذلك يمكن أن يقال عن تقدير علماء الجيولوجيا والحفريات بالنسبة إلى العظام والهياكل والمخلفات، وردها إلى رقم مُحدَّد في تاريخ الزمن، هو أيضًا تقدير تقريبي مبني على احتمالات وفروض تقبل الجدال والمناقشة، وبلغة أخرى هو تقدير غير يقيني، وهو عرضة للتغيير في مستقبل الزمن بحسب ما يطرأ على معلوماتنا من إضافات يأتينا بها علماء في أزمنة آتية”(5).
كما يبدي نيافته بعض الملاحظات على من يُحدّدون المدة من آدم للمسيح بأربعة أو خمسة آلاف سنة فيقول “أحتسب بعض الدارسين للكتاب المقدَّس الفترة من آدم إلى نوح بأنها 1056 سنة.. وهي الفترة الوحيدة التي يمكن أن تُعتَبر حسابها دقيقًا. أما من نوح إلى السيد المسيح فلا يوجد نص صريح يحددها على وجه الدقة، لكن بعض المجتهدين حاولوا أن يحسبوها بمقارنة تاريخ الملوك بحسب التاريخ المدني، وقد اختلفت التقديرات، فبعضهم قدَّر المدة من آدم إلى المسيح بأنها 4004 سنة، وآخرون قدَّروها بأنها 5001 سنة.. ولنا نحن على هذه التقديرات بعض ملاحظات:
الأول: أن هذه التقديرات لا تعتمد على نص واضح في الكتاب المقدَّس، فلا يوجد في الكتاب المقدَّس نص صريح يحدد على وجه دقيق عمر الإنسان منذ آدم إلى ظهور المسيح بالجسد.
ثانيًا: أن تلك التقديرات تجمع بين فترة صحيحة دقيقة هي الفترة من آدم إلى نوح وهي 1056 سنة، أُضيفت إليها فترة طويلة قُدرت على أسس ليس لها سند واضح في الكتاب المقدَّس، إنما قُدّرت على أساس معلومات من التاريخ العام المدني.
ثالثًا: لقد أغفل هؤلاء الدارسون المجتهدون في تقديراتهم مبدءًا معروفًا ومقررًا في الكتاب المقدَّس، هو مبدأ (إسقاط) أشخاص من سلسلة الأنساب بسبب شرهم أو لسبب آخر.. مما يترتب عليه إسقاط عدد من السنين بحسب عدد الأشخاص الذين أُسقطوا من سجل الأنساب وسني حياة كل منهم.
وبناء على ما تقدم، يمكننا أن نُقرّر أن حسابات المجتهدين من دارسي الكتاب المقدَّس، حسابات تقديرية وليست يقينية، وكذلك قلنا أن حسابات علماء الجيولوجيا حسابات أيضًا تقديرية وليست يقينية.. وللأمانة والحق، يمكن أن نقول من دون انحياز، أن عمر الإنسان الحالي على الأرض لا بُد أن يزيد قليلًا أو كثيرًا عن سبعة آلاف سنة، وهو موضوع مفتوح لما تسفر عنه الحفريات والاكتشافات العلمية في مستقبل الأيام”(6).
ويقول الدكتور ملاك شوقي إسكاروس “من جدول تتابع الأزمنة الجيولوجية نجد إنه في نهاية العصر الحديث قد زحف الجليد على أوربا وأمريكا الشمالية منذ نحو 100 ألف سنة، وانتهى ذلك العصر الجليدي منذ نحو 8000 سنة، فعمر الإنسان ينحصر خلال هذه الفترة بعد انتهاء العصر الجليدي”(7).
_____
(1) القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم ص 51.
(2) التوراة والأناجيل بين التناقض والأساطير ص 182، 183.
(3) راجع العالم الصغير -1- كوكب الأرض.
(4) مقالات في الكتاب المقدَّس جـ 2 ص 75، 76.
(5) المرجع السابق ص 77.
(6) مقالات في الكتاب المدقَّس جـ 2 ص 146 – 148.
(7) من إجابات أسئلة سفر التكوين.