الأنوار والقمر في سفر التكوين (تك1: 14 – 18)
191- كيف يقول سفر التكوين عن الأنوار أنها تكون لآيات مع أن الله وضع لها نظامًا لا تخالفه، وكيف يقول عن القمر أنه ينير (تك 1: 16) مع أنه من المعروف أن القمر جسم معتم؟
ج: نعم وضع الله نظامًا فلكيًا عجيبًا ومدهشًا لكل كواكب وأجرام ومجرات السماء لا تخالفه، وهذا ما لمسناه في الفصل الأول.. حقًا أن ” السموات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه. يوم إلى يوم يُذيع كلامًا وليل إلى ليلٍ يُبدي علمًا” (مز 19: 1، 2) ومع هذا فإن هذه الأنوار قد أبدت آيات عجيبة عندما سلكت ليس بحسب عاداتها، مثلما حدث في ضربة المصريين بضربة الظلمة لمدة ثلاثة أيام حتى أنه ” لم يبصر أحد أخاه ولا قام أحد من مكانه ثلاثة أيام. ولكن جميع بني إسرائيل كان لهم نور في مساكنهم” (خر 10: 23).. الله الذي خلق الشمس ووضع لها القوانين التي تسير بموجبها أمرها أن تحجب وجهها عن المصريين الذين يتحدونه ويحجرون على شعبه، ومثلما حدث في حرب يشوع بن نون على ملوك الأموريين الخمسة عندما قال “يا شمس دومي على جبعون ويا قمر على وادي أيَّلون. فدامت الشمس ووقف القمر حتى انتقم الشعب من أعدائه. أليس هذا مكتوبًا في سفر ياشر فوقفت الشمس في كبد السماء ولم تعجل للغروب نحو يوم كامل” (يش 10: 12، 13).. ” ولم يكن مثل ذلك اليوم قبله ولا بعده” (يش 10: 14).
ويقول الدكتور ” فوزي إلياس”.. ” وقد استخدم موندر E. W. Maunder بمرصد جرينتش البيانات الواردة في سفر يشوع عن هذه الحادثة، وحسب منها تاريخ حدوثها وحدّده يوم 21 من شهر يوليو، وبينما كان يشوع في جبعون والشمس عمودية عليه، وكان القمر في نصف التمام بالقرب من أفق الشمال الغربي فوق وادي أيلون، وليس من شك أن الجو كان حارًا ومنهِكًا للقوي، وهو يرى أن وقوف الشمس والقمر يرجع إلى عاصفة مروعة مصحوبة بالبرد تسقط كحجارة من السماء وهو الوصف الوارد بنفس الإصحاح (يش 10: 10، 11)”(1).
ومن أمثلة هذه الآيات أيضًا ما حدث عندما أمدَّ الله في عمر حزقيا الملك خمسة عشر عامًا، وطلب حزقيا من إشعياء النبي آية لتأكيد هذا الأمر، وعندما خيَّره إشعياء بأن يمتد ظل الشمس للإمام أو يرجع للخلف اختار حزقيا أن يرجع الظل للوراء ” فدعا إشعياء النبي الرب فأرجع الظل بالدرجات التي نزل بها بدرجات أحاز عشر درجات إلى الوراء” (2 مل 20: 11) وهذا يعني أن الأرض لم تتوقف عن الدوران فقط إنما دارت عكس اتجاه دورانها، فمثلًا بعد أن كانت الساعة الثانية وعشر دقائق عادت للساعة الثانية فقط.
وأيضًا من هذه الآيات ما حدث يوم عُلّق مخلصنا الصالح على خشبة الصليب إذ غشت الظلمة الكاملة الأرض كلها لمدة ثلاث ساعات، وهذا ما يفوق قوانين الكسوف الكلي للشمس، الذي يحدث في منطقة واحدة، ولفترة قصيرة. كما أن وضع القمر مع الأرض والشمس يخبرنا باستحالة حدوث الكسوف حينذاك.
أما قول الكتاب المقدَّس عن القمر أنه ينير مع أنه جسم معتم، فبالنظر إلى ما قبل اليوم الرابع كان ضوء الشمس الخافت الذي يسقط على القمر لا يصل انعكاسه إلى الأرض. أما في اليوم الرابع، وقد أخذت الشمس شكلها وقوتها وتركيزها، فسقط ضوءها القوي على سطح القمر، فعكسه القمر ووصل إلى الأرض، وبذلك ظهر القمر مضيئًا، ويمكن تشبيه هذا بوضع مرآه في مكان مظلم فإنها لن تعكس إلاَّ الظلمة، فإذا ظهر ضوء خافت هكذا تعكسه المرآة. أما إذا ظهر نور قوي كنور الشمس فإن المرآة تظهر منيرة حتى أنه يصعب النظر إليها، وهكذا عندما كانت الأبخرة الكثيفة تحيط بالأرض لم يكن للقمر فاعلية وهذا ما حدث في نصف اليوم الأول، وعندما قال الله ” ليكن نور ” في النصف الثاني من اليوم الأول ظهر النور خافتًا، فظل القمر كأن لا وجود له، أما في اليوم الرابع عندما أخذت الشمس قوتها وسقط ضوءها على القمر، عكس القمر هذا الضوء وأنار المسكونة ليلًا بنوره الفضي الهادئ الذي طالما ألهب خيال الشعراء والأدباء.
ويقول نيافة المتنيح الأنبا غريغوريوس ” أن القمر غير منير، لا يتعارض مع حقيقة النور الذي ينعكس علينا من القمر. صحيح أن القمر كوكب معتم، وأنه غير منير من ذاته لأنه انطفأ من زمن طويل، مثله مثل أُمه الأرض التي تزيد عنه في الوزن ستة أضعاف، وهي أيضًا جسم معتم وغير منير، لكن القمر يبدو منيرًا، ونوره يضئ على الأرض كلها، ونحن نراه هلالًا، فبدرًا، ثم أحدب، وأخيرًا يختفي في المحاق. القمر إذًا منير وغير منير، هو غير منير في ذاته، لكنه ينير بفضل انعكاس نور الشمس عليه فيبدو منيرًا”(2).
ويقول الأستاذ الدكتور يوسف رياض ” القمر جسم مُظلم كما رآه الذين هبطوا عليه.. لذلك يقول أيوب الصديق ” هوذا نفس القمر لا يضئ” (أي 25: 5) كلمة ” نفس القمر ” أي طبيعته، فهو جسم صخري، ولكن إذا وقعت أشعة الشمس عليه يعكسها فيبدو منيرًا، فلا تعارض بين ما كتبه أيوب الصديق وسفر التكوين 1: 16″(3).
وقد نهج القرآن نفس المنهج عندما قال ” ألم ترَ كيف خلق الله سبع سموات طباقًا. وجعل القمر فيهن نورًا وجعل الشمس سراجًا” (نوح 15، 16).
_____
(1) ستة أيام الخليقة ص 31.
(2) مقالات في الكتاب المقدَّس جـ 1 ص 127، 128.
(3) من إجابات أسئلة سفر التكوين.