Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

وقال الله ليكن نور فكان نور – لمن وجه الله كلامه؟ (تك 1: 3)

وقال الله ليكن نور فكان نور – لمن وجه الله كلامه؟ (تك 1: 3)

وقال الله ليكن نور فكان نور – لمن وجه الله كلامه؟ (تك 1: 3)

 

 172- ما معنى “وقال الله ليكن نور فكان نور” (تك 1: 3)؟ لمن وجه الله كلامه؟ وهل النور خُلق في اليوم الأول (تك 1: 3-5) أم في اليوم الرابع (تك 1: 14-19)؟

س172: ما معنى ” وقال الله ليكن نور فكان نور” (تك 1: 3)؟ لمن وجه الله كلامه؟ وهل النور خُلق في اليوم الأول (تك 1: 3-5) أم في اليوم الرابع (تك 1: 14-19)؟ ويقول د. موريس بوكاي ” أن الضوء الذي يقطع الكون هو نتيجة ردود أفعال مُعقَّدة تحدث في النجوم.. ولكن النجوم حسب قول التوراة، لم تكن قد شكلت بعد في هذه المرحلة، حيث أن ” أنوار ” السموات لا تُذكر في سفر التكوين إلاَّ في الآية 14، باعتبارها ما خلق الله في اليوم الرابع ” ليفصل بين النهار والليل ” ” ولينير الأرض ” وذلك صحيح تمامًا، ولكن من غير المنطقي أن تُذكر النتيجة أي النور في اليوم الأول على حين تُذكر وسيلة إنتاج هذا النور.. في اليوم الرابع”(1).

ج: 1- عندما قال الكتاب ” وقال الله ” لم يوجه الله كلامه لأحد، ولكن الوحي أراد أن يوضح أن الله هو صاحب الإرادة في الخلق، فمعنى ” قال الله ” أي أراد الله أن يكون نور فكان نور، فالخلقة تمت بكلمة من الله ” لأنه قال فكان. هو أمر فصار” (مز 33: 9) وكلمة الله تحمل قوة الله الجبارة الخالقة، ولذلك قال الله على لسان إشعياء النبي ” هكذا تكون كلمتي التي تخرج من فمي. لا ترجع إليَّ فارغة بل تعمل على ما سُررتُ به وتنجح في ما أرسلتها له” (أش 55: 11) وقال معلمنا بولس الرسول ” لأن كلمة الله حية وفعَّالة” (عب 4: 12).

2- عندما قال الله ” ليكن نور ” أي لتنقشع الأبخرة التي تغطي الأرض وتسبب الظلمة.. لترتفع الستارة الكثيفة من بخار الماء التي تمنع وصول النور إلى الأرض.. كيف؟ بأن تبرد الأرض فتستقبل المطر المنهمر عليها، ولا يتصاعد منها بعد إلاَّ بقدر محدد على شكل سُحب، وفعلًا عندما انكشفت هذه الأبخرة استضاءت الأرض.

ويقول الأستاذ الدكتور يوسف رياض بكلية العلوم جامعة الإسكندرية وأستاذ مادة العهد القديم بإكليريكية الإسكندرية ” خلق الله النور في اليوم الأول، فالسموات تحتوي على مليارات ومليارات من الشموس مثل شمسنا وهي مضيئة. هذا هو النور الأول. كانت الأرض ملتهبة درجة حرارة سطحها حوالي 6000م ويغلفها بخار الماء بكثرة، وعندما ارتفع هذا البخار إلى الطبقات العليا برد، ثم نزل على الأرض التي مازالت ساخنة فتبخر الماء ثانية، وهكذا توالت عمليات التبخُّر ثم نزول الماء حتى بردت الأرض واستقرت المياه على الأرض، وسُميت غمرًا. في اليوم الأول لم يصل ضوء الشمس بكامل قوته إلى الأرض لأنها كانت مُغلَّفة ببخار الماء بكثافة شديدة، وفي اليوم الرابع استقرت المياه على الأرض، فوصل ضوء الشمس إلى الأرض بكامل قوته.. وليس صحيحًا أن الله خلق الشمس في اليوم الرابع، إنما خُلقت في اليوم الأول ضمن خلقة السموات”(2).

وتقول الدكتورة نبيلة توما، مُؤلّفة وخادمة بكنيسة مارمرقس مصر الجديدة ” خلق الله النور في اليوم الأول. لأنه لا بُد من وجود الضوء قبل الكائنات الحيَّة، فالطاقة الضوئية تعمل على استمرارية الحياة من خلال تأثيرها الفعال في عملية التمثيل الضوئي (الكلوروفيل) في النبات، والتي بها يتكوَّن الأكسجين الذي نستنشقه، وبتقدم العلم تأكد لنا صدق كلام موسى النبي، وقد أوضحت الكتب العلمية الحديثة أن الضوء في اليوم الأول كان نتيجة تكاثف الأبخرة التي كانت تحجبه، وذلك نتيجة انخفاض درجة حرارة الأرض وتوقف تبخيرها للماء وتساقط البخار كأمطار استقرت على سطح الأرض.

ولكن من أين جاء النور الذي كانت تحجبه الأبخرة؟

نور اليوم الأول يرجع إلى نور الشمس التي لم تكن قد اكتمل نموها ولم تكن قد وصلت إلى كمال قوتها الحالية حيث كانت سديمًا مبعثرًا ضعيف الضوء، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. والنور في اليوم الأول مع أنه كان باهتًا ضعيفًا إلاَّ أنه كان كافيًا لحياة الكائنات الأولية التي خلقها الله، وكان كافيًا لتجديد القليل من الأكسجين الذي تستنزفه تلك الكائنات في التنفس. وفي قول موسى النبي ” وقال الله ليكن نور ” لم يقل أن الله خلق أو عمل النور، بل ” ليكن نور ” فلم يكن كلام الله متعلقًا بمصدر النور، بل بما يحجب النور للوصول إلى الأرض، وكأنه يصدر أمرًا بأن تبرد الأرض ليتكثف البخار فيصل النور إلى الأرض”(3).

ويقول الدكتور ملاك شوقي إسكاروس باحث وخادم بالإسكندرية ” نضع أمام أعيننا كلمات الوحي الإلهي التي تخص النور والتي ذُكِرت في الإصحاح الأول من سفر التكوين فنجد أن الوحي قد ذكرها في ثلاثة مواضع، وهي حسب التدرج الزمني:

1- ” في البدء خلق الله السموات والأرض” (تك 1: 1).

2- ” وقال الله ليكن نور” (تك 1: 3).

3- ” فعمل الله النورين العظيمين” (تك 1: 16).

وبالمقارنة بين العبارات الثلاث نصل إلى الفهم الصحيح، في العبارة الأولى نقرأ أن الله خلق، ومعنى خلق أي أوجد من العدم، فالله قد أوجد مادة النور من لا شيء، وفي العبارة الثانية ذُكرت عبارة ” ليكن نور ” ففي هذه المرحلة لم يغير الله شيئًا من طبيعة مصادر الضوء، وبصفة خاصة الشمس، ولكن كل ما تم تغيّيره يخص الأرض نفسها، فالأرض كما سبق أن عرفنا أنها كانت محاطة بكميات كبيرة من الأبخرة المتصاعدة، وكل ما حدث أنه بسبب برودة الأرض بالتدرج تكاثفت الأبخرة المحيطة بها وغمرت الأرض كمياه، وبالتالي تمكن الضوء سواء من السديم الذي أُخذت منه الشمس أو من غيره من الوصول للأرض.

أما العبارة الثالثة ففيها يكلمنا الوحي الإلهي على لسان موسى النبي قائلًا ” فعمل الله النورين العظيمين ” ولم يقل خلق، ومن هنا نرى أن ما حدث إنما هو تغييّر نسبي في طبيعة مصدر الضوء (الشمس) فعبارة عمل لا تعني خلق من العدم، لكن تعني أنه عمل شيئًا من شيء آخر، وهذا ما عمله الله في اليوم الرابع حيث وصلت الشمس إلى شكلها وقوتها وإمكانياتها الجديدة كما نراها الآن، والتي لم تكن متميزة بها قبل اليوم الرابع، ففي هذا اليوم وصلت إلى ذروة قوتها، وهذا ما يؤكده العلماء في أن النجوم تمر بمراحل نمو حتى تصل للذروة وبعدها تبدأ قوتها في التناقص التدريجي حتى تصل إلى نهاية العمر حيث الانفجار والفناء”(4)(5).

3- خلق الله مادة النور في اليوم الأول.. نور السُدم والنجوم والشمس قبل أن تكتمل، فقد كان الكون في البداية عبارة عن سديم أولي، أي كتلة غازية تتكوَّن أساسًا من غاز الهيدروجين مع قليل من غاز الهليوم، وقد انقسم هذا السديم الأول إلى كتل وهي المجرات، وهذه تجزأت إلى نجوم وكواكب تدور في فلكها، وتبقى من هذه الانفصالات المتعاقبة مادة كونية انتشرت بين النجوم، وُصفت أحيانًا بأنها سُدم براقة تنشر الضوء الذي تستقبله من النجوم الأخرى، أو أنها سُدم مظلمة، فمن المعروف علميًا أنه كانت هناك أنوارًا كونية قبل أن يعمل الله الشمس في اليوم الرابع، والضوء الصادر من الغيوم السديمية كان يضئ الكون.

ويشرح الدكتور ” فوزي الياس ” مصدر النور في اليوم الأول، فيقول ” هل يوضح العلم لنا مصدر النور الذي انطلق لأول مرة في الكون؟ الرأي العلمي السائد حاليًا أن مجموعتنا الشمسية نشأت عن سديم لولبي مظلم منتشر في الفضاء الكوني انتشارًا واسعًا (السديم سحابة من الغازات الموجودة بين النجوم، وفي السموات أعداد هائلة من هذه السُدم) ولذلك فمادة السديم خفيفة جدًا في حالة تخلخل كامل، ولكن ذرات السديم المتباعدة تتحرك باستمرار حول نقطة للجاذبية في مركز السديم، وباستمرار الحركة ينكمش السديم فتزداد كثافته تدريجيًا نحو المركز وبالتالي يزداد تصادم الذرات المكونة له بسرعات عظيمة مما يؤدي إلى رفع حرارة السديم، وباستمرار ارتفاع الحرارة يصبح الإشعاع الصادر من هذا السديم إشعاعًا مرئيًا، فتبدأ الأنوار في الظهور لأول مرة ولكنها أنوار ضئيلة خافتة. إذًا فأول مصدر للنور هو الشمس في حالتها السديمية الأولى، وهكذا استنارت الأرض بنور الشمس الأولي قبل أن تتكاثف وتنكمش وتصير جرمًا سماويًا له مكان ثابت، وتصبح شمسنا الحالية، وذلك في دور قادم عبَّر عنه الكتاب المقدَّس باليوم الرابع للخليقة.. علل توما الأكويني (1225 – 1274م) نور اليوم الأول بأنه {نور الشمس التي لم تكن قد اتخذت هيأتها قبل اليوم الرابع} وفسَّره ذهبي الفم (344 – 407م) بأن كان {نور الشمس التي كانت في اليوم الأول عارية من الصورة، وتصوَّرت في اليوم الرابع للخليقة} أليس من المدهش حقًا أن تتفق تفسيرات الآباء القديسين في القرون الأولى للمسيحية مع اكتشافات العلم في القرن العشرين!!

ما الدليل على أن نور اليوم الأول كان مصدره السديم؟

نور اليوم الأول مازال قائمًا لليوم، والدليل على ذلك، مئات السُدم التي تضئ بدون وجود شموس في مراكزها، فالناظر مثلًا إلى برج (أندروميدا) يرى سديماُ يشبه الضباب الأبيض باهت النور ولكن في مركزه نجد ضوءًا فسفوريًا دون أن يكون في مركزه شموس”(6).

ويشرح الأستاذ مجدي صادق كيف استقبلت الأرض النور الكوني فيقول ” في اللحظة التي قال فيها الله ليكن نور اصطدمت أشعة هذا النور الكوني غير المرئي والذي تتكوَّن جزئياته من بروتونات وإلكترونات ونيترونات بالمجال المغناطيسي للأرض، فعمدت بعض جزئياتها إلى مسايرة خطوط قوى المجال المغناطيسي فتجمعت في اتجاه قطبي مغناطيس الأرض، بينما اخترقت بعض الجزيئات الأخرى المجال الجوي للأرض عند القطبين، فاصطدمت بغازات الغلاف الجوي المتواجدة في طبقات الجو العليا فتأينت وتوهجت بشدة، فكان نور(7) هذا النور هو نور اليوم الأول الذي أُصطلح على تسميته باسم النور القطبي (الأورورا) أو ظاهرة الوهج القطبي.. فالنور القطبي إذًا هو نور اليوم الأول الذي كشف بولس الرسول عن ماهيته بقول ” لأن الله الذي قال أن يُشرق نور من ظلمةٍ هو الذي أشرق في قلوبنا” (2 كو 4: 6)”(8).

4- النور الذي خلقه الله في اليوم الأول صار مصدرًا للحرارة والضوء، فالطاقة الحرارية هي التي تجعل المياه تتبخر من البحار، وتسقط أمطارًا من الماء العذب اللازم لنمو النباتات، والطاقة الضوئية هي التي تتيح للنباتات عملية التمثيل الضوئي (الكلوروفيللي) لبناء نفسه وإنتاج الأكسجين اللازم لحياة الإنسان والحيوان.

5- عندما كتب موسى النبي عن خلقة النور في اليوم الأول وعمل الشمس في اليوم الرابع، فهو بهذا خالف اعتقاد المصريين الذين عبدوا الإله ” رع ” إله الشمس، واعتقدوا أن الشمس هي المصدر الوحيد للضوء، فلو لم يكن موسى قد كتب بإلهام إلهي لجعل اليوم الرابع بدلًا من اليوم الأول، أي لتكلم أولًا عن الشمس ثم ثانيًا عن النور، ولكن موسى لم يفعل هكذا، وجاء معلمنا بولس الرسول في القرن الأول الميلادي ليؤكد نفس المعنى عندما قال ” الذي قال أن يشرق نور من ظلمة” (2 كو 4: 6) ولم يقل أن يشرق نور من الشمس.

_____

(1) القرآن الكريم والتوراة والإنجيل ص 41.

(2) من إجابات أسئلة سفر التكوين.

(3) من إجابات أسئلة سفر التكوين.

(4) راجع نيافة الأنبا بولا – الكتاب المقدَّس والعلم – طبعة أولى ص 55 – 57.

(5) من إجابات أسئلة سفر التكوين.

(6) ستة أيام الخليقة ص 18 – 20.

(7) جون براندت – ستيفن ماران – آفاق جديدة في علم الفلك ص 339، 340، د. محمد جمال الدين الفندي – الغلاف الجوي ص 15.

(8) الكتاب المقدَّس مفتاح العلم وأسرار الكون ص 72.

وقال الله ليكن نور فكان نور – لمن وجه الله كلامه؟ (تك 1: 3)

Exit mobile version