وكانت الأرض خربة وخالية – هل خلق الله أرض خربة؟
وكانت الأرض خربة وخالية - هل خلق الله أرض خربة؟
وكانت الأرض خربة وخالية – هل خلق الله أرض خربة؟
169- ما معنى “وكانت الأرض خربة وخالية”؟ هل خلق الله أرض خربة؟
ج: 1- يقول أ. ف. كيفن ” خربة وخالية وهي في العبرية ” توهو وَبْهوهو ” ولعل رنة هذه العبارة في الأذن توحي بالمعنى الذي تحمله”(1).. كانت الأرض خربة وخالية وباللغة الإنجليزية Formless and empty أي بلا شكل محدد Without form أو بلا شكل Shapeless فهي مجرد تجمع لأبخرة العناصر الملتهبة (حديد، نحاس، ذهب، فضة.. إلخ.) وإذ لم تكن هذه العناصر في حالتها الصلبة والسائلة بل في حالتها البخارية لذلك لم يكن لها شكل مُحدَّد، وهذا يذكرنا بتمثال مايكل أنجلو الرخامي للقديس متى في أكاديمية علوم فرنسا، الذي لم يُكتمل، ولذلك صار بلا شكل محدد.
كانت الأرض خربة وخالية، لأنها مجرد أبخرة لا شكل لها، تدور في الفضاء حول الشمس، محفوظة بقوتين متضادتين، قوة الجاذبية تجذبها نحو الشمس، وقوة الطرد المركزي تدفعها بعيدًا عن الشمس، ودوران هذه الأبخرة في الفضاء جعلها تبرد شيئًا فشيئًا وتأخذ شكلها الحالي.
2- وقال البعض أن قول الكتاب عن الأرض أنها كانت خربة وخالية إشارة للعصر الجليدي المطير بأزمنته الأربعة والذي ظل جاثمًا على الأرض آلاف السنين، وعندما انحل هذا الجليد بالإضافة للأمطار الغزيرة صارت الكرة الأرضية مغمورة بالمياه، وفي هذا العصر هلك الحيوان المعروف بالماموث Mammoth ودُفن في ثلوج سيبيريا ولا يزال محفوظًا بها للآن.
3- قال البعض أن قول الكتاب وكانت الأرض خربة وخالية، أي أنها خلت من الحياة، فلم تكن هناك أية كائنات حية تدب على وجه الأرض، وبعد أن خلق الله الكائنات الحيَّة والإنسان صارت الأرض عامرة ولم تعد خربة، وصارت ممتلئة بالكائنات الحيَّة ولم تعد خالية.
4- قال البعض أن الله خلق الأرض في صورة بهية بعيدة تمامًا عن الخراب، ولكن عندما سقط الشيطان وطُرِد من السماء إلى الأرض خرَّب الأرض، ويُعتَبر هذا التفسير تحميل للنص أكثر مما ينبغي، ويقول برسوم ميخائيل”.. ومن ثمَ غالوا في تفسير هذين النصين (أش 14: 3 – 23، حز 28: 1 – 9 اللذان يتحدثان عن سقوط الملائكة) محاولين أن يخرجوا منها بقصة هذه الطغمة كاملة، كما لو كانت هي ساكنة أو حاكمة الأرض في عمرانها الأول، وكما لو كانت خطيتها هي سبب خراب الأرض. ولكن هذا يكون من جانبنا تحميلًا للكلمة بأكثر مما تحتمل من معنى”(2).
والحقيقة كما يقول برسوم ميخائيل ” نحن لا نعلم السبب الذي من أجله صارت هذه الأرض ” خربة وخالية ” بعد أن كانت منتظمة وعامرة، فقبلنا لم يكن إنسان من أي نوع يمكن أن يُعزى إليه سبب هذا الخراب، ودليل هذا أن الكتاب سمى آدم ” الإنسان الأول” (1 كو 15: 45) فإذًا لم يسبقه إلى الإنسانية شخص آخر، لأن أول الإنسانية بدأت بآدم. والأرض في دورها الحالي أُعطيت ” لبني آدم” (مز 115: 16) فقبل آدم لم يكن إنسان”(3).
والحقيقة أن الكتاب المقدَّس لم يُكتَب بقصد إشباع رغباتنا الدفينة في معرفة أسرار الكون، ويقول ” تشارلس ماكنتوش ” عن خلقة الله للكون ” وكأننا نسمعه يقاطع سكون الأزل باعثًا نوره في عملية إنشاء عالم يتجلى فيه بلاهوته وقوته السرمدية. وهنا لا مجال لإشباع الدهشة العظيمة، ولا ميدان تركض فيه مخيلة الفكر الإنساني الضعيف.. بل هو الحق الإلهي الصريح السامي بكل قوته الأدبية التي تفعل في القلب وتؤثر على المدارك والوجدان. ذلك لأن روح الله لا يُغذّي الدهشة البشرية العظيمة بعرض المستغربات في شكل نظريات كما يفعل العلماء الذين يفحصون طبقات الأرض ويحاولون أن يستنتجوا من أبحاثهم معلومات يظنون أنهم يكملون بها التاريخ الموحى به أو يناقضونه أحيانًا، أو يدرسون الحفريات ليصوغوا منها ما شاءوا من نظريات. أما إنسان الله فيتمسك بأهداف الوحي ويبتهج به، فهو يقرأ ويؤمن ويعبد ويخشع”(4).
كما يقول ماكنتوش أيضًا “ليست غاية الله تخريج علماء أو فلكيّين، ولا غرضه أن يشغلنا بتفاصيل ميكروسكوبية أو تليسكوبية يهتم بها طلاب العلم، إنما غايته أن يأتي بنا إليه كساجدين خاضعة قلوبنا ومتعلمة أذهاننا من كلمته المقدَّسة، أما الفيلسوف فلا يعنيه ذلك.. وبواسطة منظاره يصل إلى أبعاد في السموات، وبفكره يجول في الفضاء، وإذ ينقب طبقات الأرض فاحصًا ما فيها من حفريات الحيوانات يظن أنه بهذه الوسائط ينقح رواية الكتاب المقدَّس أو يناقضها.. أما نحن فلا شأن لنا مع {مباحثات العلم الكاذب} لأننا نعتقد أن كل اكتشاف صحيح سواء كان ما في السموات من فوق، أو ما على الأرض من تحت يجب أن يطابق المكتوب كلمة الله”(5).
_____
(1) تفسير الكتاب المقدَّس – مركز المطبوعات المسيحية جـ 1 ص 146.
(2) حقائق كتابية جـ 1 ص 83.
(3) حقائق كتابية جـ 1ص 83.
(4) شرح سفر التكوين ص 9.
(5) شرح سفر التكوين ص 18، 19.