Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

هل تم خلق السموات والأرض في وقت واحد؟ .. “في البدء خلق الله السموات والأرض”

هل تم خلق السموات والأرض في وقت واحد؟ .. “في البدء خلق الله السموات والأرض”

هل تم خلق السموات والأرض في وقت واحد؟ .. “في البدء خلق الله السموات والأرض”

 166- “في البدء خلق الله السموات والأرض”.. هل تم خلق السموات والأرض في وقت واحد؟

والآن دعنا يا صديقي نعيش معًا في الحضرة الإلهية أيام الخلق الستة:

اليوم الأول

” 1 في البدء خلق الله السموات والأرض. 2 وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه. 3 وقال الله ليكن نور فكان نور. ورأى الله النور أنه حسن. 4 وفصل الله بين النور والظلمة. ودعا الله النور نهارًا والظلمة دعاها ليلا. 5 وكان مساء وكان صباح يومًا واحدًا” (تك 1: 1 – 5).

ج: التسلسل اللفظي في هذا الإصحاح يعني التسلسل الزمني، وحرف ” و” الذي يفصل بين خلق السموات وخلق الأرض قد يكون طويلًا جدًا، فخلق السموات يشمل خلق كل الطغمات السمائية، وكل الأجرام السمائية.. خلق الله السموات بما فيها الشمس التي خُلِقت في اليوم الأول، ثم اتخذت شكلها وقوتها وتركيزها وتأثيرها في اليوم الرابع، وهو ما عبر عنه الوحي بفعل ” عمل ” وأيضًا خلق الله الأرض وكانت عبارة عن كتلة منصهرة من الغازات والمعادن ثم اتخذت شكلها الحالي في اليوم الثالث، ولو تساءل أحد: هل الأرض خُلقت أم أنها عُملت..؟

نقول له الاثنان معًا، ففي اليوم الأول خُلقت الأرض لأنها أُخذت من أصل نجمي مخلوق كما تقول بعض النظريات فهي في بذرتها الأولى خُلقت من العدم، ثم عُملِت فاتخذت شكلها الحالي، وما أروع قول الكتاب المقدَّس ” لأنه هكذا قال الرب خالق السموات هو الله. مُصوّر الأرض وصانعها” (أش 45: 18) فيقول عن السموات أن الله خلقها، ويقول عن الأرض أنه صوَّرها وصنعها.

وقبل أن يخلق الله السموات والأرض لم يكن هناك كائن آخر غير الله وحده، وقد أخفى الله علينا خلق السموات وما فيها، لأن هدف الكتاب المقدَّس أن يتعرَّف الإنسان على أصله وقصة سقوطه وخلاصة.. في البدء خلق الله السموات والأرض.. “ما يرى وما لا يرى” (قانون الإيمان)..

هناك عالم سماوي لا نراه ولا يخضع للحواس البشرية ” الرب في السموات ثبَّت كرسيه ومملكته على الكل تسود. باركوا الرب يا ملائكته المقتدرين قوَّة الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه. باركوا الرب يا جميع جنوده خدامه العاملين مرضاته” (مز 103: 19 – 21).

و”السموات” في اللغة العبرية “شمايم” أي الأعالي أو القمم، فهي مشتقة من العلو والارتفاع والسمو، وتُرجمت لليونانية ” أورانوس ” وهي أيضًا مشتقة من ” أُور ” وتعني الارتفاع والسمو.. لقد ركز الوحي على الأرض محل الحديث وترك السموات جانبًا ” السرائر للرب إلهنا والمعلنات لنا ولبنينا إلى الأبد” (تث 29: 29).

وقد استخدم الكاتب فعل ” بارا ” bara أي أوجد من العدم، كقول الكتاب المقدَّس ” بالإيمان نفهم أن العالمين أُتقنت بكلمة الله حتى لم يتكوَّن ما يُرى مما هو ظاهر” (عب 11: 3)

بل تكوَّن ما يُرى من العدم الذي لا يُرى، فالسموات والأرض لم يتكونا في الأصل من مادة، ولكنهما خُلقا من العدم، وخلق الله كل منهما بكل ما فيهما بكلمة ” ليكن” فكان كقول الكتاب المقدَّس “لأنه قال فكان. هو أمر فصار” (مز 33: 9) – ” سبحيه يا أيتها الشمس والقمر سبحيه يا جميع كواكب النور. سبحيه يا سماء السموات ويا أيتها المياه التي فوق السموات. لتسبح اسم الرب لأنه أمر فخُلقت” (مز 148: 3 – 5).

ويُعلق ” وينهام ” Wenham على فهل ” خلق”.. ” بارا ” قائلًا ” يوجد تأكيد قوي على حرية الفنان وقوته.. كما يقول (مقتبسًا قول و. هـ. شميدت W. H. Shmidt أن بارا bara تحتفظ بفكرة عدم بذل الله أي مجهود، فهو حر تمامًا، وغير مقيَّد في عملية خلقه، فهذا هو أساس سيادته المطلقة، وهنا نرى حرية الله السامية، في أن يُوجِد أي يخلق من العدم ما شاء”(1)(2).

لقد استخدم الوحي الإلهي فعل ” بارا ” أي خلق من العدم، ولم يستخدم فعل ” أسا ” asa أي ” صنع ” والفرق بينهما واضح، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فالصانع يصنع أو يعمل مثلًا الحلي من مادة الذهب أو الفضة، بينما الذي خلق الذهب أو الفضة من العدم هو الله، ولأن اللغة العربية قريبة من اللغة العبرية لذلك نلتقي بكلمة ” الباري ” أي الخالق من العدم و” البارية ” أي الخليقة من العدم، وقد استخدم الوحي الإلهي فعل ” بارا ” في هذا الإصحاح عدة مرات:

“في البدء خلق (بارا) الله السموات والأرض” (تك 1: 1).

“فخلق (بارا) الله التنانين العظام وكل ذوات الأنفس الحيَّة الدبَّابة التي فاضت بها المياه كأجناسها وكل طائر ذي جناح كجنسه” (تك 1: 21).

“فخلق (بارا) الله الإنسان على صورته” (تك 1: 27) لقد عمل الله جسد الإنسان من أديم الأرض، أما روحه فقد خلقها من العدم.

ثم أستخدم الوحي الإلهي نفس الفعل (بارا) فيما بعد ليشير إلى تجديد الخلقة:

“ترسل روحك فتُخلَق. وتُجدّد وجه الأرض” (مز 104: 30) أي ترسل روحك فتُخلق الكائنات.

وأخيرًا نقول أن الوحي الإلهي عندما استخدم فعل “بارا” bara أي يخلق من العدم فإنه رد على الكثير من الأساطير والبدع والهرطقات، فقد ردَّ على الأساطير البابلية التي تظن أن المادة أزلية، وردَّ على الإلحاد الذي يظن أن العالم وُجِد بمجرد الصدفة، وردَّ على الذين يؤمنون بتعدد الآلهة لأن الفعل جاء في صيغة المفرد فالخالق واحد لا أكثر، وردَّ على الذين ينادون بوحدة الوجود، فيعتبرون أن الله والطبيعة شيء واحد، وأن الله كل شيء، وكل شيء هو الله، فشتان بين الله وبين كل شيء، فالله أوجد كل شيء من العدم…

ورد على اللاأدريين الذين لا يدرون أن الله هو خالق كل شيء وهو خالقهم من العدم، ورد على الذين يؤمنون بالقدرية والجبرية الذين يؤمنون بالقضاء والقدر، فالله هو خالق كل شيء بحكمة وفطنة، وهو ضابط ومدبر كل الخليقة.

_____

(1) Wenham P. 14.

(2) سلسلة تفسير الكتاب المقدَّس يتحدث اليوم – سفر التكوين ص 27.

 

هل تم خلق السموات والأرض في وقت واحد؟ .. “في البدء خلق الله السموات والأرض”

Exit mobile version