165- يقول البعض أن الكتاب المقدَّس يحوي بعض الأخطاء العلمية التي يجب أن نعترف بها، لأنه كتاب دين وليس كتاب علمٍ.. فهل يصح هذا؟
يقول البعض أن الكتاب المقدَّس يحوي بعض الأخطاء العلمية التي يجب أن نعترف بها، لأنه كتاب دين وليس كتاب علمٍ.. فهل يصح هذا..؟ قال أحدهم ” في القرن الماضي قال أحد العلماء أن الكتاب المقدَّس يحوي بعض الغلطات العلمية، ولكننا يمكننا أن نتغاضى عنها لأن الكتاب المقدَّس ليس بكتاب علم، ويمكننا أن نقبله على هذا الوضع بعلاته، أي أنه ليس بكتاب علم The Bible is not a Text Book of Science”(1) وقال ” جان جويتون ” Jaen Guitton سنة 1978م بأن ” الأخطاء العلمية التي في التوراة إنما هي أخطاء بشرية، لأن الإنسان في الأزمان التي خلت كان كالطفل لجهله آنئذ بالعلم”(2).
ج: 1- نقول أن رجال الله القديسين لم يكتبوا من ذواتهم، وكقول الكتاب المقدَّس ” لأنه لم تأتِ نبوَّة قط بمشيئة إنسانٍ بل تكلَّم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس” (2 بط 1: 21) ولذلك ” كل الكتاب هو مُوحى به من الله” (2 تي 3: 16) فروح الله القدوس هو الشريك الأول للكاتب في تسجيل الأسفار المقدَّسة، فهو الذي اختار الكاتب وأعدَّه وهيأه لهذه الرسالة العظيمة، وهيمن عليه أثناء الكتابة، وعصمه من الخطأ، وعرَّفه ما غمض عليه، وأعانه في انتقاء الألفاظ المناسبة، لكنه لم يلغِ شخصيته قط، ولم يحوله إلى آلة صماء أو جهاز تسجيل، ولذلك فالقول بوجود أية أخطاء في الكتاب المقدَّس سواء كانت علمية أو غير علمية، معناه أن الله يمكن أن يخطئ، وهذا هو المستحيل، وقد سبق لنا مناقشة هذا الأمر باستفاضة(3).
2- طالما تلقى الكتاب المقدَّس نقدًا لاذعًا وهجومًا ساخرًا ولاسيما الإصحاح الأول الخاص بقصة الخلق، ولكن مع تقدم العلم لم يتوقف هذا الهجوم فحسب، بل وقف العلم إجلالًا وتقديرًا لما كتبه الوحي بأيدي الأنبياء القديسين(4) ولا ننسى أن الأكاديمية الفرنسية للعلوم أعلنت سنة 1861م بأنها اكتشفت واحد وخمسين خطأ علميًا في الكتاب المقدَّس ومع مرور الأيام والسنون ثبت صحة الكتاب المقدَّس علميًا وخطأ الأكاديمية الفرنسية، التي عادت واعترفت بأخطائها وشهدت للكتاب المقدَّس(5).
والفرق بين العلم والكتاب المقدَّس أن العلم ينمو ويتقدم شيئًا فشيئًا مثل الطفل الذي ينمو، أما الكتاب المقدَّس فقد وُلِد كبيرًا ناميًا، فهو يقف بجوار العلم مثل شيخ وقور بجوار طفل صغير، ونحن لا نخشى قط على الكتاب المقدَّس من العلم الصحيح، لأن هدف الاثنين واحد، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فالعلم الصحيح يهدف للحق، والكتاب المقدَّس كتاب الحق، بل نقول أنه عندما يتوافق العلم مع الكتاب المقدس فهذا شرف للعلم، ولا ننسى أن كثير من رجال الدين كانوا علماء والبشرية تدين لهم بالعلم الصحيح فنيقولا كوبرنيكوس الفلكي البولندي الذي كشف عن أن الشمس هي مركز الكون وليس الأرض عندما نشر كتابه ” دوران الأجرام السماوية ” سنة 1542م كان قسًا كاثوليكيًا لكاتدرائية فراونبرج، وإسحق نيوتن صاحب قوانين الجاذبية سنة 1696م كان من رجال اللاهوت، وجريجور مندل صاحب قوانين الوراثة سنة 1865م كان راهبًا كاثوليكيًا، والكثيرون غيرهم.
3- دعنا نتساءل من أين جاء موسى بالمعلومات العظيمة التي سجلها الإصحاح الأول من سفر التكوين..؟ هل يمكن أن يكون موسى قد إستمدها من الحضارة المصرية لأنه تحكَّم بكل حكمة المصريين..؟ كلاَّ، لأن ما سجلته الحضارة المصرية عن قصة الخلق مخالف لما ورد في سفر التكوين.. هل يمكن أن يكون موسى قد إستمد معلوماته من الحضارة البابلية..؟ كلاَّ، لأن البابليين بنوا نظريتهم في قصة الخلق على صراع الآلهة، والإله المنتصر قد شق الإله المُنهزِم وصنع منه الأرض والسماء.. هل يمكن أن يكون موسى النبي كتب هذه المعلومات العظيمة التي توافق العلم الحديث من عندياته بدون وحي الروح القدس..؟ كلاَّ، فقد درس ” بيتر ” و. ستونر ” احتمال أن يكون موسى كتب كل أحداث الإصحاح الأول من سفر التكوين من عندياته، فوجده احتمال يصل إلى درجة الاستحالة، فهو يمثل فرصة واحدة إلى 31135104 (واحد وثلاثون مليون مائة خمسة وثلاثون ألفًا ومائة وأربعة) وعلى يمين هذا الرقم 15 صفرًا، ولكي يُقرّب ستونر المعنى قال لو جعلنا 8 مليون مطبعة تعمل ليل نهار بدون توقف لمدة خمسة مليون سنة، على أن تنتج 2000 تذكرة كل دقيقة، ثم فرشنا أرض الولايات المتحدة بالكامل من كندا شمالًا إلى المكسيك جنوبًا، ومن المحيط الأطلنطي شرقًا إلى المحيط الباسفيكي غربًا بهذه التذاكر، وفي جميع هذه التذاكر وضعنا علامة على تذكرة واحدة، ثم أتينا برجل معصوب العينين، وطلبنا منه أن يذهب إلى أي مكان يريده، ومن أول مرة يُخرِج لنا التذكرة التي عليها العلامة، فلو نجح هذا ا لرجل في هذا، لصح القول بأن موسى كتب من عندياته بدون وحي الروح القدس(6).
أما عما ينسبه البعض من أخطاء علمية للكتاب المقدَّس، فهذا ما سيتم تناوله بنعمة الله على مدار هذا البحث.
_____
(1) كنيسة مارجرجس اسبورتنج – التوافق بين العلم الحديث والكتاب المقدَّس ص 14.
(2) أورده د. موريس بوكاي – القرآن والتوراة والإنجيل والعلم ص 16.
(3) راجع كتابنا الجزء الأول من هذا البحث، الفصل الثامن: مدرسة النقد والتشكيك وإنكار الوحي ص 242 – 259، والجزء الثاني من هذا البحث أيضًا، الفصل الثاني عشر: النقد الكتابي وإنكار الوحي المطلق والعصمة التامة للكتاب المقدَّس ص 100 – 164.
(4) راجع كتابنا أسئلة حول صحة الكتاب المقدَّس ص 143 – 160.
(5) راجع يوسف رياض – وحي الكتاب المقدَّس ص 246.
(6) راجع العلم يشهد ص 64 – 70.