من هو ألبرت انيشتاين؟ وكيف كانت حياته العلمية والعملية؟
ج:
وُلِد البرت اينشتاين (1879 – 1955م) في مدينة ” أولم ” جنوب ألمانيا من والدين يهوديين هما هرمان ويولين، وكانا متدينين بقدر، وكان والده هرمان يدير معملًا كهربائيًا صغيرًا، وقد أخفق في عمله هذا فسافر إلى يونخ سنة 1880م حيث كوَّن مع أخيه ” جاكوب ” شركة لصناعة الكهروكيماويات، وبسبب تأخر البرت في الكلام خشى أبواه أن يكون لديه نوعًا من التخلف، ويقول الأستاذ عبد المجيد حمدي ” اشتهر اينشتاين بميله إلى الأحلام التي تختطفه من العلم ولم يبد اهتمامًا كبيرًا بدروسه في المدرسة الكاثوليكية التي درس بها خمس سنوات، كما لم يهتم به مدرسوه، حتى أن واحدًا منهم تقدم بتقرير لوالده يقول فيه أنه لا أهمية للمجال الذي يختاره لابنه، لأنه لن يفلح في أي مجال أبدًا”(1).
وكان اينشتاين هو التلميذ اليهودي الوحيد بين التلاميذ الكاثوليك، وتأخره في الكلام جعله طوال حياته محبًا للخلوة، وفي سن العاشرة أهداه أبوه بوصلة كانت محل إعجابه، واستدل أن الفضاء ليس خاليًا، إنما به ما يحرك الأجسام. وفي سنة 1900م تخرج اينشتاين من جامعة زيورخ بسويسرا، وفي سنة 1901م أكتسب الجنسية السويسرية، وعمل موظفًا في مكتب تسجيل براءات الاختراع بمدينة ” برن ” بسويسرا، وساعده جو العزلة هذا على التأمل في المكان والزمان، وتزوج من زميلة سابقة له في الدراسة فوفرت عليه الوقت الذي كان يقضيه في شئون المطبخ والتنظيف.
ولم يهتم ألبرت بمظهره الخارجي، ولم يهتم قط بكي ثيابه، بل أنه أهمل صحته نتيجة انهماكه في التفكير العلمي، حتى أُصيب سنة 1917م بانهيار عصبي، وكتب خمسة بحوث في الديناميكا الحرارية، وقد رفضه الوسط الجامعي ليكون عضوًا في هيئة التدريس، ثم قدم أربعة أبحاث إلى جامعة زيورخ للحصول على الدكتوراة، ولكنها رفضت، وفي سنة 1903م قال اينشتاين أنه قد سئم هذه الكوميديا المملة، وأنه لن يفكر في الحصول على الدكتوراة فيما بعد.
وقد شكَّك اينشتاين في أفكار إسحق نيوتين الفيزيائية، مما أدى لمعارضة بعض العلماء له، وكانت أفكار اينشتاين أفكارًا ثورية بدأ ينشرها سنة 1905م وهو عمره 26 عامًا، ولم يكن حاصلًا على درجة الدكتوراة، فعارضه بعض العلماء الذين اعتمدوا على نظرية ” نيوتن ” في تحقيق أبحاثهم وتقدمهم العلمي.. قال ” نيوتن ” إن أي جسم يمكن أن يسير بأي سرعة مادامت قد توافرت له القوة اللازمة لتلك السرعة، فقال اينشتاين لا يوجد أي شيء ينطلق بسرعة أكبر من سرعة الضوء، ولكي نعطى جسمًا قوة الاندفاع ليندفع بسرعة الضوء فإنه يحتاج إلى طاقة لا نهائية، وهذا أمر مستحيل لأن الطاقة محدودة.
ويقول أ.د مصطفى عبد الباقي الأستاذ بهيئة الطاقة الذرية عن قصة اكتشاف الطاقة الذرية ” تبدأ هذه القصة في عام 1905م حينما أعلن العالِم الكبير ألبرت اينشتين نظرية النسبية عندما كان يعمل أستاذًا للرياضيات بجامعة برلين. لقد بيَّن اينشتين أن المادة ليست إلاَّ طاقة مُجمَّدة، بمعنى أن المادة يمكن تحويلها إلى طاقة وكذلك الطاقة يمكن أن تتحوَّل إلى مادة، لأن العلاقة بين المادة والطاقة يمكن التعبير عنها بمعادلة في غاية البساطة والسهولة وهي تنص على أن:
الطاقة = كتلة المادة × مربع سرعة الضوء”(2).
وقد نشر اينشتاين بضع وريقات يناقش فيها مشاكل علمية عويصة كانت محل خلاف بين علماء عصره، وفي سنة 1907م جُمعت هذه الأوراق المنشورة وأُطلق عليها نظرية النسبيَّة الخاصة. ثم وضع النظرية الكمية والنظرية البراونيَّة، وعندما نُشر كتابًا باسم “مائة مؤلِف ضد اينشتاين” علَّق عليه اينشتاين قائلًا: “لو كنتُ على خطأ، لكان مُؤلّف واحد يكفي”.
وفي سنة 1919م تأكد العلماء من صدق نظرية اينشتاين، ولاسيما بفضل العالِم الإنجليزي ” إدنجتون ” الذي وُلِد سنة 1872م وتخرج من جامعة كمبردج سنة 1905م وهي السنة التي نشر فيه اينشتاين نظريته عن النسبيَّة، وفي سنة 1912 كان ” إدنجتون ” أستاذًا لكرسي علوم الفلك والفلسفة التجريبية في جامعة كمبردج وله من العمر 29 عامًا، وفي سنة 1914م كان مديرًا لمرصد كمبردج، ومع أن الاتصال بين بريطانيا وألمانيا أثناء الحرب العالمية الأولى كان مقطوعًا، فإن ” اينشتاين ” أرسل نسخًا من أبحاثه إلى ” ويليام دي سيتر ” في هولندا المحايدة، فمرَّرها ” دي سيتر ” إلى ” إدنجتون ” الذي تولى نشرها في البلاد المتكلمة بالإنجليزية، ولاسيما إن ” إدنجتون ” كان له المقدرة الفذة في تمرير آراءه العلمية بذكاء.
وقد ألف مراجع علمية قيمة، كما ألف بعض الكتب في تبسيط العلم للجماهير، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى قاد إدنجتون بعثة الكسوف سنة 1919م التي قاست بنجاح طريقة انحناء الضوء بفعل الشمس، كأحد تنبوءات نظرية اينشتاين، وعندئذ أصبح اينشتاين شخصية علمية عالميّة، كما نال إدنجتون مركزًا علميًا متميزًا في بريطانيا، ولاسيما بسبب أبحاثه التي تطبق قوانين الفيزياء على طريقة عمل النجوم.
وحتى سنة 1920 م لم يكن أحد في العالم يعرف من أين تأتي الطاقة الجبارة للشمس، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وأقصى ما وصل إليه الإنسان هو إنه يحدث انكماش في جسم الشمس يُولِد هذه الطاقة، ولكن في سنة 1920م ألقى إدنجتون محاضرة في الاجتماع السنوي للجمعية البريطانية لتقدم العلم حيث قال ” لم يبق فرض الانكماش حيًا.. إنما هو جثة لم تُدفن، على أننا وقد قرَّرنا دفن الجثة، فلنتبين إذًا ونحن مُتحرّرون أي وضع تُرِكنا فيه. النجم يعتمد على بعض مستودع هائل للطاقة بوسائل غير معروفة لنا
وهذا المستودع لا يمكن أن يكون إلاَّ الطاقة تحت الذرية، والتي كما هو معروف، توجد بوفرة في كل المادة، ونحن نحلم أحيانًا أن الإنسان سوف يتعلم يومًا كيف يطلق هذه الطاقة ويستعملها لخدمته، وهذا مستودع لا يكاد ينفذ، لو أمكننا فحسب أن نجعله في متناولنا، وهناك في الشمس من الطاقة ما يكفي للإبقاء على نتاجها من الحرارة لخمسة عشر بليون عام..”(3).
وفي سنة 1922م نال اينشتاين جائزة نوبل، ورغم انهماكه الشديد في المجال العلمي إلاَّ أنه ظل وفيًّا لدينه اليهودي، فشارك في نشاط الحركة الصهيونية التي كانت تسعى لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وساعد بشهرته العلمية في جمع الأموال اللازمة لدعم الحركة الصهيونية، وظل في برلين إلى سنة 1933م حتى وصل ” أدولف هتلر ” للسلطة وبدأ اضطهاده الشديد لليهود، وتعرَّض اينشتاين للقتل لأنه كان يدعو للسلام، فهرب من ألمانيا، وأقام في سويسرا وتخلى عن جنسيته الألمانية، وكره كل ما هو ألماني، ولاسيما بسبب المحارق (الهولوكست) التي قُتل فيها آلاف اليهود، وقبل الحرب العالمية الثانية رحل اينشتاين إلى الولايات المتحدة حيث عمل أستاذًا بجامعة برنستون.
وفي سنة 1940م أرسل اينشتاين رسالة إلى الرئيس الأمريكي ” فرانكلين روزفيلت ” يحذره من إمكانية النازيين الألمان الذين يستطيعون أن يُصنّعوا قنبلة ذرية، وشغل اينشتاين منصب مستشار لمكتب البحرية الأمريكية من عام 1943 – 1945م حيث حطت الحرب العالمية الثانية أوزارها بضرب هيروشيما وناجازاكي بالقنبلة النووية، وظل اينشتاين يطالب العالم بتوفير قوة مسئولة عن مراقبة الأسلحة النووية، وفي سنة 1952م عُرض على اينشتاين أن يخلف ” حاييم وايزمان ” في رئاسة إسرائيل، ولكنه استعفى من هذا المنصب بسبب تقدم سنه، وانتهت حياته سنة 1955م، وكان قد أوصى بفحص مخه بعد موته، وعند تشريح المخ لم يجدوا شيئًا استثنائيًا أو مميزًا، وفي سنة 2005م نظمت مكتبة الإسكندرية مؤتمرًا علميًا بمناسبة مرور مائة عام على نظرية النسبية، حضره علماء من شتى أنحاء العالم.
_____
(1) مجلة العلم عدد 346 – يوليو 2005م ص 38.
(2) مجلة العلم عدد 308 – مايو 2002م ص 44.
(3) جون جريبن – ترجمة مصطفى إبراهيم فهمي، مولد الزمن ص 70.