ماذا عن نظريات اينشتاين التي غيَّرت مجرى التاريخ؟ وهل أضافت بعدًا رابعًا للأبعاد الثلاثة المعروفة؟
162- ماذا عن نظريات اينشتاين التي غيَّرت مجرى التاريخ؟ وهل أضافت بعدًا رابعًا للأبعاد الثلاثة المعروفة؟
ج: وضع اينشتاين نظرياته النووية التي غيَّرت مجرى التاريخ عن النسبيَّة (الخاصة والعامة) والكمية وهاتان النظريتان يحتاجان إلى مجلدات ضخمة لشرحهما، فبناء عليهما يتم الآن وصف الكون المنظور، وعليهما يعتمد المستقبل العلمي للحضارة، وفي بساطة شديدة نقول:
نظرية النسبيَّة: لها شقان خاص وعام، فنظرية النسبيَّة الخاصة Special Relaturty تربط بين الزمن والفضاء (المكان) وقد استخدم اينشتاين حركة الضوء في الربط بينهما، أما نظرية النسبيَّة العامة General Relaturty فإنها تربط أيضًا بين الزمن والفضاء (المكان) وقد استخدم اينشتاين قوة الجاذبية للربط بينهما، واهتمت هذه النظرية العامة بنشأة الكون ونهايته، وتنبأت بتقوس الفضاء كله بفعل موجات الجاذبية، بل وكل الأجسام السماوية سوف تتبع هذا التقوس، وحتى الآن لم يجرَ على هذه النظرية إلاَّ تجاربًا قليلةً جدًا لا تتعدى صوابع اليد الواحدة، بينما خضعت نظرية النسبيَّة الخاصة للتجارب المعملية في كل وقت، ويقول الأستاذ جلال عبد الفتاح ” أتاحت النسبيَّة العامة المجال لدراسة حركة النجوم والمجرات والكون المنظور بطريقة شاملة..
وأشارت إلى أن الكون له بداية محَّددة كما أن له نهاية محتومة، وإن الكون محدود وإن لم تُعرف له حدود.. كما تشير النظرية أيضًا إلى وجود متفردات Singularity في الكون المنظور، عند بدء الكون، وعند تقلص نجم، وتصبح كتلته لا نهائية وجاذبيته شديدة كالثقوب السوداء. وعند هذه المتفردات تنهار كل القوانين بما فيها النسبيَّة، لأن كافة المنحنيات تصبح لا نهائية والمعادلات الرياضية لا يمكنها تناول الأرقام اللانهائية. ولكن لعل أهم إنجاز للنسبيَّة العامة هو الإطاحة بالنظريات المنغلقة، وإطلاق الخيال البشري والفكر الإنساني، ووضعه على الطريق الصحيح للتفكير في خلق الكون وعظمة الكون”(1).
وهنا لنا أن نتساءل: هل أضاف اينشتاين بعدًا رابعًا للأبعاد الثلاثة المعروفة؟
نقول: نعم، فبالإضافة للأبعاد الثلاثة المعروفة وهي الطول والعرض والارتفاع أو السمك أضاف اينشتاين بعدًا رابعًا وهو الزمن، وذلك عندما أدخل تعبير ” الزمن – الفضاء ” Space – Time كتعبير واحد لا ينفصل دعاه “الزمكان”، ففي سنة 1905م عندما وضع اينشتاين نظرية النسبيَّة الخاصة استخدم سرعة الضوء للربط بين الزمن والفضاء (المكان) وفي سنة 1915م عندما وضع نظرية النسبيَّة العامة استخدم اينشتاين قوى الجاذبية للربط بين الزمن والفضاء، وأنكر اينشتاين وجود زمان بمفرده أو مكان بمفرده، ومما يُذكر أنه قديمًا سنة 320 ق.م. أكد الفيلسوف اليوناني “أفلاطون” أن الزمن والسماوات (الفضاء) ظهرا في نفس اللحظة، وأيضًا الأستاذ النمساوي ” هيرمان مينكوفسكي ” Hermann Minkovski أستاذ اينشتاين في جامعة زيورخ أقترح سنة 1908م بأن الفضاء والزمن متآلفان، ولكنه مات في السنة التالية قبل أن يتمكن من صياغة هذا الفكر في قالب علمي على هيئة معادلات. أما اينشتاين فقد التقط هذه الفكرة واستكمل مشوار أستاذه من خلال معادلات نظرية النسبيَّة العامة، وبالرغم من أنه من الصعب تخيل عالم ذي أربعة أبعاد، لكن هذا هو الواقع الذي نعيشه فعلًا، فمثلًا لو أردت تحديد موضعك الآن، فلا يكفي ثلاثة أبعاد الطول والعرض والارتفاع، ولكنك تحتاج إلى الزمن كبعد رابع، لأن كل شيء يتحرك، فأنت على خط طول كذا، وخط عرض كذا، وارتفاع كذا، في الساعة كذا.
وعقارب الساعة المُلتصقة بجسم متحرك تسير ببطء عن عقارب الساعة المُلتصقة بجسم ساكن، وكلما زادت السرعة كلما أبطأت عقارب الساعة، حتى إذا وصلت السرعة إلى سرعة الضوء توقفت عقارب الساعة عن الحركة تمامًا ويقول أ. د. مصطفى عبد الباقي ” وتوصل اينشتاين في معادلاته الرياضية إلى أن الساعة الملصقة بجسم متحرك تتأخر في الوقت كلما زادت سرعة الجسم حتى إذا وصلت سرعة الجسم لسرعة الضوء تتوقف الساعة تمامًا، وبدت هذه الفكرة بالغة الغموض ويصعب فهمها، كذلك بينت المعادلات الرياضية إن أي جسم يسير بسرعة مقاربة لسرعة الضوء فسوف يقل طوله. قدم العلماء دلائل ملموسة على صدق هذه الآراء والحقائق”(2) أما إذا تصوَّرنا إنسانًا ” اخترق حاجز الضوء سوف يخترق حاجز الزمن في نفس اللحظة، فيبرح الأرض اليوم ليعود إليها بالأمس بدلًا من الغد، وسوف يتحوَّل إلى مسافر في الزمن الماضي، فيسافر اليوم ويعود البارحة، ويعثر على نفسه حينما كان في ذلك اليوم الفائت، وتتواجد منه نسختان لأول مرة في آن واحد، ويلتقي هو اليوم بنفسه وتوأمه البارحة، وهي ألغاز تبدو كالهذيان”(3).
النظرية الكمية Quantum Theory:
يقول الأستاذ جلال عبد الفتاح عن هذه النظرية أنها ” تبحث في خواص المادة الموجودة في الكون، والتركيب الداخلي للذرات، ولذلك فهي تتعامل بمقاييس ” النانو ” الدقيقة جدًا والمجهرية الفائقة الصغر”(4) وتفرَّعت هذه النظرية إلى سبعة فروع، كل فرع يبحث في مجال خاص للمادة، والحقيقة أن الذي وضع أساس هذه النظرية هو العالِم الألماني ” ماكس بلانك ” Max Plank سنة 1901م ولكنه لم يقدر أن يتقبل مفاهيمها الجديدة، ولكن اينشتاين استطاع سنة 1905م أن يضع هذه النظرية موضع التنفيذ، وهي نظرية مفزعة تضم مجموعة من الأفكار الغريبة وتبحث في مجال المادة من أصغر ما فيها إلى أكبر ما فيها، من الذرات إلى النجوم والمجرات.
وساهمت نظرية الكمية في تفسير التركيب الذري، فالكون المادي يتكوَّن من مادة، والمادة تتكوَّن من جزيئات، والجزيئات تتكون من ذرات، وكل ذرة تحوي جسيمات، يمكن أن تتحوَّل إلى إشعاعات، وبالعكس يمكن أن تتحوَّل الإشعاعات إلى جسيمات إلى ذرات إلى جزيئات إلى مادة، فكل شيء في الكون بما فيه من كائنات حية من الممكن أن يتحوَّل إلى إشعاعات، والعكس صحيح إذ يمكن للإشعاعات أن تتجسد في هيئة مادة ملموسة، ويقول الأستاذ جلال عبد الفتاح أن نظرية الكمية هي التي ” أدت إلى اكتشاف مختلف الأجهزة الإليكترونية، وأشعة الليزر، والترانزستور، والخلايا الضوئية، وغيرها. ولكن هذه النظرية أيضًا حيَّرت العلماء، وأدخلتهم إلى عالم ملئ بالألغاز، حيث تظهر الجسيمات الغريبة كالأشباح ثم تختفي بسرعة مذهلة، قبل أن يتمكن أحد من معرفة ماذا حدث، وهذا العالم المذهل يشير إلى عظمة الخالق وقدرته اللانهائية -سبحانه- فالكون ليس مجالًا لعدم النظام وعدم الدقة، وكل شيء خُلق بقدر وبحق. وقد نجحت النظرية الكمية إلى حد بعيد في التوغل إلى دهاليز وسراديب قلب الذرة”(5).
وتتضمن نظرية الكمية ثلاث مبادئ رئيسية:
1- انبعاث أو امتصاص الطاقة من الذرات لا يتم على نحو متواصل، بل على مراحل، وكل مرحلة من الانبعاث أو الامتصاص تُسمى “الفوتون” أي الكم الضوئي، حيث يندفع بسرعة الضوء، وقد وضع ” ماكس بلانك ” قانونًا ينص على أن الإشعاع الضوئي (الفوتون) الذي يتكوَّن من موجات قصيرة مثل الأشعة فوق البنفسجية له طاقة أعلى وأكبر من الإشعاع الضوئي الذي يتكوَّن من موجات طويلة مثل الأشعة دون الحمراء.
2- بالرغم من أن المادة تتكوَّن من جسيمات Particles إلاَّ أنها يمكن أن تتصرف على شكل إشعاعات أي موجات Waves، وقد يحدث العكس أن تتصرف الموجات مثل الضوء على شكل جسيمات، ففي سنة 1687م اعتقد ” نيوتن ” أن الضوء يتكون من جسيمات، وفي سنة 1873م أثبت ” جيمس ماكسويل ” أن الضوء يتكون من موجات، وفي سنة 1900م أكد ماكس بلانك أن المادة يمكن أن تتحوَّل من جسيمات إلى موجات، أو العكس من موجات إلى جسيمات.
3- تفترض نظرية الكمية دائمًا عدم اليقين، لأن المعلومات المتاحة لنا غير كاملة، فلا يمكن قياس موقع وسرعة أي جسيم داخل الذرة في وقت واحد، وفي سنة 1905م اقترح اينشتاين أن كل فوتون ضوئي يحمل قدرًا معينًا أو كمًا محددًا من الطاقة، وأتاح تفسير اينشتاين هذا للعلماء إجراء التجارب الجديدة في مجال الذرة، وطرح نظرية الكمية الجديدة.
وحاول اينشتاين طوال حياته أن يدمج نظريتي النسبيَّة والكمية في نظرية واحدة دون جدوى، ومازالت هذه المحاولات مستمرة للآن لدمج النظريتين، لتفسير ظواهر المادة وحركتها في الكون، ويجب الإشارة هنا إلى دور اينشتاين في تفسير الحركة البراونية، وهي حركة صغيرة للجسيمات الدقيقة في المحاليل والغازات وقد اكتشفها “روبرت براون” Robert Brown سنة 1850م فسميت باسمه، ثم جاء اينشتاين وفسر هذه الحركة البراونية على أنها ترجع إلى تصادم الجزيئات الخاصة بالسائل.
_____
(1) الكون ذلك المجهول ص 36.
(2) مجلة العلم عدد 315 – ديسمبر 2002م ص 46.
(3) مجلة العلم عدد 350 – نوفمبر 2005 م ص 46.
(4) الكون ذلك المجهول ص 25.
(5) الكون ذلك المجهول ص 37، 38.