155- كيف تكوَّن الكون؟
ج: هناك عدة نظريات تحاول تفسير نشأة الكون، وربما يتعارض بعضها مع روح الكتاب المقدَّس، وإن كان يصعب طرح هذه النظريات من وجهة النظر الدينية لأن مجالها الكتب العلمية، لكنني أستسمِح القارئ الكريم في طرحها من قبيل العلم بما يدور في الأوساط العلمية، مؤكدين أن النظرية التي تُقبل اليوم قد تُرفض غدًا ومن هذه النظريات ما يلي:
نظرية التصادم للعالِم الفرنسي “بوفون” – نظرية السديم للعالِم لابلاس – نظرية المد الغازي والتجسم الزائر للعالِم جيمس جينس – النظرية الحديثة للعالِم الفريد هوبل – نظرية الانفجار العظيم (الدوى الهائل)
1- نظرية التصادم للعالِم الفرنسي “بوفون” سنة 1761م:
تعتبر هذه النظرية أول محاولة علمية لتفسير نشأة الكون، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فافترضت أن أصل الكون مجموعة لا حد لها من النيازك أو الشهب، تعج في الفضاء، وتدور بسرعة حول نفسها، ولكثرتها تصادمت، فأحدثت حرارة وضوءًا بدرجة عظيمة، فانصهر سطحها قليلًا والتحمت، وكوَّنت الأجرام السماوية. أما المجموعة الشمسية فقد نتجت بسبب حدوث تصادم بين الشمس وجرم كبير من الأجرام السمائية، أو نيزك كبير من النيازك، ونتج عن هذا التصادم تطاير أجزاء من جسم الشمس، انطلق بعضها في الفضاء الشاسع، وبقى البعض في نطاق جاذبية الشمس، فأخذت تدور الشمس في أبعاد مختلفة، وهذه الأجزاء أخذت تبرد شيئًا فشيئًا وكوَّنت الكواكب التسعة.
2- نظرية السديم للعالِم لابلاس (1796م):
تتلخص هذه النظرية في الآتي:
أ – منذ بلايين السنين كان هناك السديم، وهو عبارة عن كتلة هائلة الحجم واسعة الانتشار من الغبار والغازات مثل الهليوم والهيدروجين والأكسجين والكربون والحديد والكبريت.. إلخ تبلغ مساحتها ملايين الملايين من الكيلومترات، وهذه الكتلة لها شكل السُحب المضيئة، فهي تتكوَّن من أعداد ضخمة من الكهارب الدقيقة السالبة والموجبة، وكان هذا السديم يدور حول نفسه من الغرب للشرق، ونتيجة الدوران أخذ يبرد ويتقلص شيئًا فشيئًا حتى صغر حجمه، فزادت سرعته، مما أدى إلى ارتفاع حرارته، فتمدَّد وكبر حجمه وتناقصت سرعته، فأخذ يبرد ثانية ويتقلص حجمه وتتزايد سرعته ثانية.. وهلم جرا، وكلما كان يتقلص وينكمش ويصغر حجمه كان ينشأ عن هذا فراغًا متخلخلًا حوله.
ب- نتيجة دوران هذا السديم حول نفسه من الغرب للشرق إنبعج منه ما يشبه الأذرع، وهذه الأذرع ألتفَّت حول نفسها (مغزليًا) وانفصلت عن الكتلة الأم، وأخذت تدور في فلكها بقوة الجاذبية للداخل والطرد المركزي للخارج، وهذه السُدم المنفصلة تحوَّل الصغير منها بعد أن برد شيئًا إلى سائل حار، ومع استمرار الدوران أخذ شكل الكرة، وشيئًا فشيئًا برد وتصلبت قشرته وصار كوكبًا. أما الكبير من هذه السُدم فظل في حالته الغازية، واستمر في تفاعلاته النووية وصار نجومًا.
ويقول الأستاذ مجدي صادق ” كيف تكوَّنت الكواكب والنجوم والمجرات من مادة السديم (النور)..؟ من الحقائق الثابتة في علم الطبيعة أن الجسم إذا تمتع بحركة دورانية مالت أجزاؤه المتطرفة إلى التباعد عن المركز بالقوة الطاردة المركزية، فمثلًا إذا أتيت بطوق من الصلب الرقيق تام الاستدارة، وجعلت فيه محورًا مارًا بمركزه ثم أدرت هذا الطوق إدارة سريعة متواصلة فإنك لا تلبث أن ترى الطوق بعد أن كان مستدير يصير شيئًا فشيئًا بيضاوي الشكل.. فإذا كان ذلك الجسم ناريًا حصل الانبعاج على نحو ما تقدم وكانت النتيجة وقد تمادت حركة الدوران وبلغ الانبعاج نهايته أن أخذت تنفصل من أطراف الدائرة كرات نارية اتخذت لنفسها مدارات مختلفة حول دائرة النور الكبرى، وأخذت هذه الكرات النارية تجاري دائرة النور الأصلية في حركتها وتدور حولها وكلما دارت اتسعت دائرتها ومالت إلى الانبعاج ومع استمرار حركة الدوران يبلغ الانبعاج نهايته فتنفصل من أطراف الكرات كرات أخرى تتخذ لنفسها مدارات حولها. ثم لا تفتأ تلك الكرات وكراتها المركزية تدور حول دائرة النور الأصلية.. وهكذا حتى امتلأ الكون كله بتلك الكرات النارية التي تأخذ شكل دائرة النور الأصلية وتحاكيها في حركتها”(1)
وقد أُخذ على هذه النظرية ما كشف عنه العلم الحديث، بأن السُدم ما هي إلاَّ مجموعات متكتلة من النجوم كما قال بهذا ” روس”(2).
3- نظرية المد الغازي والتجسم الزائر للعالِم جيمس جينس:
تناولت هذه النظرية كيفية نشأة المجموعة الشمسية فافترضت أن نجمًا هائلًا جدًا أقترب من الشمس، مما أدى إلى تكوُّن مد عظيم في أحد جوانب الشمس على شكل عمود، وانفصل هذا العمود عن مركز الشمس، وانقسم إلى أجزاء ظلت تسير في مدارتها حول الشمس حتى بردت، فكوَّنت الكواكب التسعة.
4- النظرية الحديثة للعالِم الفريد هوبل (1951م):
وتناولت هذه النظرية أيضًا كيفية نشأة المجموعة الشمسية، وتتلخص في أنه كان هناك نجمًا براقًا يتكوَّن من غازات ملتهبة لكثير من العناصر مثل الحديد والمغنسيوم والألومنيوم والسيليكون.. إلخ ثم انفجر هذا النجم الذي يدعى السوبرنوفا Supernova وكانت درجة حرارته مرتفعة جدًا تعادل 300 مرة درجة حرارة الشمس، فساعدت هذه الحرارة على حدوث سلسلة من التفاعلات الاندماجية، فتحوَّل الهيدروجين إلى هليوم، ثم تحوَّل الهليوم إلى عناصر أخرى مثل المغنسيوم والألومنيوم والسيليكون والحديد والرصاص وبهذا تكوَّنت المجموعة الشمسية، ولكن الملاحظ أن العناصر السابقة تماثل تركيب الكواكب، ولا تماثل تركيب الشمس التي تحتوي أساسًا على الهيدروجين والهليوم.. وقد أيد هذه النظرية ظاهرة انفجار النجوم، ففي المتوسط ينفجر نجم كل 200 أو 300 سنة، وينتج عنه سحابة جبارة من الغازات الملتهبة، التي تسبح في الفضاء بسرعة رهيبة(3).
5- نظرية الانفجار العظيم (الدوي الهائل) Big Bang:
في سنة 1964م قام المهندسان ” آرنو بنزياس ” Arno Penzias و” روبرت ويلسون ” Robert Wilson التابعان لشركة بيل الأمريكية بتصميم جهاز خاص لإرسال واستقبال موجات الميكروييف، وكان الجهاز ضخمًا يتعدى وزنه عشرات الأطنان، وهو عبارة عن برج مقلوب من الصلب في أحد أطرافه طبق مشطوف الجوانب، وفي الطرف الآخر غرف التحكم وأجهزة القياس الإلكترونية، ووُضع الجهاز الضخم على قضبان حديدية على هيئة دائرة كبيرة، ليتثنى توجيه الجهاز في أي اتجاه مطلوب.
وقد التقط الجهاز تدخلات لاسلكية خافتة ومستمرة لا تنقطع ليل نهار طوال العام، ورغم أن هذا الطنين أو تلك الهسهسة لم يكن له أي تأثير سلبي مع عمل الجهاز، لكن المهندسين اهتما جدًا بهذه الظاهرة من قبيل الأمانة العلمية، ويقول المهندس ” أرنو بنزياس”.. ” أن الأمر كله أشبه بالعثور على أثار دخان سيجار في غرفة ليس بها أي سيجار مشتعل! ” وأمضى المهندسان أشهر طويلة في دراسة هذه الظاهرة، ثم التقى الباحثان مصادفة مع الدكتور ” جيمس بيبلز ” James Peeples الأستاذ بجامعة برنستون الأمريكية وأطلعاه على هذه الهسهسة، فشدت هذه الظاهرة اهتمام الدكتور بيبلز بقوة، ولاسيما أنه مهتم بالبحث عن الإشعاعات التي قد تكون متخلفة عن الانفجار العظيم الأول الذي حدث عند نشأة الكون، وضم الدكتور بيبلز ثلاثة بُحاث من جامعة برنستون، وأخيرًا توصلت مجموعة البحث هذه إلى أن هذا الطنين يمثل أثار الإشعاعات المتخلفة عن نشأة الكون، فأطلقوا عليها ” موجات ميكروييف خلفية الكون ” Cosmic Microwave Background كما عُرفت أيضًا باسم ” إشعاع خلفية الكون ” Back ground Radiation فهي لا تصدر من جسم سمائي بذاته ولكنها تنتشر بدرجة منتظمة ومتماثلة في جميع أنحاء الكون، فكان هذا أول دليل علمي عن نشأة الكون عن طريق نظرية الانفجار العظيم، وحصل المهندسان بنزياس وويلسون على جائزة نوبل للفيزياء سنة 1978م لاكتشافهما الرائع الذي جاء مصادفة(4) ونتيجة الأبحاث التي قامت بها جامعة لندن سنة 1974م وجامعة كاليفورنيا الأمريكية سنة 1975م تم اكتشاف مصدر موجات الميكروويف هذه، وهي أجسام سوداء متخلفة من الانفجار العظيم، في درجة حرارة تتراوح بين 7ر2 – 9ر2 درجة كيليفن.
ويعتقد العلماء أن خلقة الكون قد بدأت من نقطة معينة، عندما كانت المادة مضغوطة بشدة على شكل كرة ساخنة، وحدث فيها انفجار عظيم، فانطلقت المادة في كل اتجاه، وأخذت تتباعد عن بعضها، وبردت درجة حرارة بعض هذه المواد، فكوَّنت المجرات والنجوم والكواكب والأقمار(5).
وقال البعض أن الكون كله كان في جزئ صغير واحد، تفتت بفعل الانفجار العظيم، فتكوَّنت المجرات وأخذت في التباعد(6) ويقول الأستاذ جلال عبد الفتاح ” الكون قد بدأ بانفجار عظيم لذرة سوبر في الفضاء، فعُرف باسم المتفردة الكونية Singularity ولكن أحدًا لا يعرف ما الذي حدث بعد ذلك، وكيف تكوَّنت المادة في الكون، وكيف تجمعت في نجوم ومجرات..؟ فنظرية الانفجار العظيم تفترض وجود ذرة سوبر فريدة في نوعها، ومتفردة في ذاتها، ولكنها لا تفسر كيف جاءت هذه الذرة المتفردة إلى الوجود”(7) كما يقول أيضًا ” لأول مرة يتفق العلماء على نظرية واحدة تفسر نشأة الكون بالانفجار العظيم، اعتبارًا من عام 1965م عند اكتشاف موجات الميكروويف الكونية، والنظرية لا تفسر لنا كيف تكوَّنت كل هذه المادة التي تتشكل في نجوم ومجرات في الكون، من مجرد انفجار ذرة سوبر متفردة من نوعها”(8) فمنذ 7ر13 مليار من السنين خلق الله هذا الكون العظيم بكلمة ” كن فيكون”.. ” فحدث الانفجار العظيم، وبدأ الوجود من لا وجود، وظهرت الطاقة والمادة، فكانت هي النوى التي انبثق منها تعقد الوجود كله، وكان المكان وكان الزمان”(9).
ويقول الدكتور أحمد محمد عوف عن بداية الكون ” ظهر الكون كذرة مدمجة ومنضغطة فريدة ويتيمة ومتناهية الصغر كما ظهرت الحياة لاحقًا بعد بلايين السنين من عمر الكون كجزيء (دنا) في خلية حية انقسمت وتشكلت لتخرج منها بلايين الأحياء حاملة شفراتها الوراثية في بلايين جزيئات الدنا.. وهذه الذرة الأولى تعادل كتلتها كتلة الكون الماثل أمام ناظرينا بمجراته الهائلة ونجومه العملاقة وسُدمه الممتدة وطاقته الكونية الكامنة في أفلاكه.. وعندما كان عمر الكون جزء من الثانية كان كل شيء فيه رغم تناهيه مقتصرًا وفي حجم الذرة”(10).
ونختم إجابة هذا السؤال بهذا التساؤل: هل تم تصميم الكون من أجلنا فقط؟
لقد ” انقسم ” الكوزمولوجيون” (علماء الكون) حول هذا السؤال، فمن قالوا: نعم، وأكدوا أن الكون محكوم بعدة قوى أساسية كالجاذبية مثلًا.. إلخ إن هذه الأحداث كلها تؤكد أن الكون قد تمم تصميمه من أجلنا فقط. وهناك فريق آخر من العلماء يرى أن الكون لم يُخلق أو يصمم من أجلنا فقط، قائلين أنه من المحتمل أن يكون قد حدث العديد من الانفجارات العظيمة Big Bang قبل أن يحدث الانفجار الأخير الذي نتج عنه الكون الذي نعيش فيه، وأكدوا أن تلك الانفجارات قد أوجدت عوالم وأكوانًا لم تكن مناسبة على الإطلاق”(11).
_____
(1) الكتاب المقدَّس مفتاح العلم وأسرار الكون ص 63، 64.
(2) راجع برسوم ميخائيل – حقائق كتابية جـ 1 ص 78، 79.
(3) راجع تكلا رزق – روحانية العلم ص 61 – 69، د. سمير هندي – الكون والبيئة الطبيعية في ضوء العناية الإلهية ص 43، 44، رأفت شوقي – نظريات العلم والكتاب المقدَّس ص 16 – 18.
(4) راجع جلال عبد الفتاح – الكون ذلك المجهول ص 13 – 16.
(5) راجع مجموعة الباب المفتوح – هذا الكون ص 102، 103.
(6) راجع المجموعة الثقافية المصرية – الكون ص 6.
(7) الكون ذلك المجهول ص 71.
(8) المرجع السابق ص 111.
(9) مجلة العلم عدد 350 – نوفمبر 2005م ص 44.
(10) مجلة العلم عدد 308 – مايو 2001م ص 64.
(11) مجلة العلم عدد 353 – فبراير 2006م ص 8.