Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

كيف تطورت نظرة الإنسان للكون الذي نعيش فيه ويحيط بنا؟

كيف تطورت نظرة الإنسان للكون الذي نعيش فيه ويحيط بنا؟

كيف تطورت نظرة الإنسان للكون الذي نعيش فيه ويحيط بنا؟

 

 146- كيف تطوَّرت نظرة الإنسان للكون الذي نعيش فيه ويحيط بنا؟

ج: عندما كان العلم بدائيًا والمعرفة شحيحة، أطلق الإنسان العنان لخياله، لعله يدرك شيئًا عن أصل الكون ونشأته، وهاك بعض تصوُّرات الأقدمين:

أ – تصوُّر قدماء المصريّين: تصوَّر قدماء المصريين أن الأرض نشأت من زهرة اللوتس، أو خرجت من بيضة مجنَّجة كما يخرج الكتكوت، وسجلوا هذا التصوُّر على جدران معبد الإله ” كب ” إله الأرض.

ب- تصوُّر البابليّين: تصوَّر البابليون أن الأرض محمولة على قرني ثور عظيم، وكلما حرَّك الثور قرنيه اهتزت الأرض وحدثت الزلازل. كما تصوَّر البابليون أيضًا أن الكون نشأ عقب حدوث معركة حاسمة بين ” مردوخ ” إله الشمس والضوء و” تيامات ” إلهة المياه والظلمة، وعندما انتصر مردوخ شق جسد تيامات كما تُشق المحارة، فكوَّن من النصف الأعلى السماء، وجعل بها محطات للآلهة وهي النجوم والكواكب، وكوَّن من النصف الأسفل الأرض، فصنع من عظام تيامات الجبال، ومن دمها كوَّن المياه.

 ثم نفخ مردوخ في الأرض لخلق الرجل، ونفخ الرجل بدوره في الأرض فخلق المرأة، وعندما نفخت المرأة بدورها في الأرض خلقت الحيوانات.

جـ- تصوُّر الكلدانيّين: تصوَّر الكلدانيون (أهل بابل) أن الأرض عبارة عن حيوان هائل، تغطى جلده بالنباتات والصخور بدلًا من الريش أو الشعر أو الحرافيش، ويعيش الإنسان على ظهر هذا الحيوان الهائل كما تعيش الحشرات الصغيرة، وعندما يحفر الإنسان الأبار في الأرض فإنها تنتفض ألمًا وعندئذ تحدث الزلازل.

د – تصوُّر الإغريق: تصوَّر الإغريق أن الأرض محمولة على عنق وكتف الإله أطلس وهو مطاطئ الرأس.

هـ- تصوُّر الهنود: جاء في كتاب الهندوس أن القمر أعلى من الشمس بخمسين ألف فرسخ (الفرسخ = 6 كم تقريبًا) وهو جسم مضيء، والليل يحدث عندما تختفي الشمس خلف جبال ” سومايرا ” التي تقع في منتصف الأرض، وإن الأرض مسطحة (راجع يوسف رياض – وحي الكتاب المقدَّس ص 246) وأيضًا تصوَّر الهنود أن الأرض محمولة على أنياب مجموعة من الفيلة الواقعة على شكل دائرة ورؤوسها تتجه إلى داخل الدائرة، وهذه الفيلة جميعها تقف فوق درقة سلحفاة هائلة، وهذه السلحفاة تحملها رأس حيَّة ضخمة، والحيَّة ملتفة حول نفسها، وعندما تهتز الفيلة تحدث الزلازل.

ويقول الأستاذ لبيب يعقوب صليب “إن براهما خلق العالم بأن خلق بيضة كبيرة، ودخل فيها ومعه دقائق من الأجسام الهيولية من الأرض والشمس والقمر والنجوم، فأخذ يرتبها داخل هذه البيضة مدة كبيرة جدًا من الزمن، ومن ثمَ خرج من هذه البيضة وأخرج معه هذه الدقائق وفصل بينها وبذا حصل على الكون الظاهر، وهو عندهم أربعة عشر عالمًا منها ستة فوقنا وسبعة تحت أرضنا”(1).

وما أكثر ما قالته الأساطير في قصة الخلق، وهذا ما سيكون محل دراستنا في الكتاب القادم إن شاءت نعمة الرب وعشنا.

واعتقد الإنسان بنظرية ” كلوديوس بطليموس ” Claudus Ptolemy (140 ق.م) بأن الأرض هي مركز الكون، يدور حولها القمر، وعطارد، والزهرة، والشمس، والمريخ، والمشترى، وظل هذا الاعتقاد سائدًا حتى القرن السادس عشر الميلادي، إلى أن جاء ” نيكولاس كوبرنيكوس ” Nicalaus Copernicus (1473 – 1543 م) وهو فلكي هولندي أعلن أن الشمس هي مركز الكون وأن الأرض مع سائر الكواكب تدور حول الشمس، وعَرف هذا التصوُّر بمركزية الشمس، والحقيقة أنه في القديم سنة 265 ق.م. قال ” أريستارخوس ” Aristarchus بأن الشمس هي مركز الكون، ولكن أحدًا لم يلتفت إليه، ولاسيما كان ينقصه الدليل العلمي، أما كوبرنيكوس عندما قال بهذا، فإنه دافع عن وجهة نظره العلمية، حتى أنه دفع حياته ثمنًا لأمانته العلمية.

ثم جاء ” جاليليو جاليلي ” Galileo Galilei (1564 – 1642م) الذي وُلِد في بيزا بإيطاليا في شهر فبراير 1564م وكانت له في صباه هواية تركيب بعض الأدوات الصغيرة، وبعض أجزاء الماكينات، وفي سنة 1585م التحق بكلية الطب، ولكنه اهتم بالرياضيات، وطبق التحليل الرياضي لحل المشاكل الفيزيائة، واجتهد للوصول إلى قوانين الحركة، مما سهل الطريق فيما بعد أمام إسحق نيوتن للعمل بمقتضاها في القوانين الفلكية، وفي سنة 1588م أصبح جاليليو أستاذًا لعلم الرياضيات في جامعة بيزا، وأجرى تجربته الشهيرة عندما صعد إلى برج بيزا المائل وألقى بحجرين مختلفين الثقل في وقت واحد، فسقط كليهما على الأرض في وقت واحد، وحدث ذلك أمام أتباع أرسطو الذي سبق وعلَّم أتباعه بأن الحجر الأثقل يصل للأرض في وقت أقصر من الحجر الأقل وزنًا، وفي سنة 1604م حوَّل جاليليو اهتمامه نحو الفلك بعد أن صار مشهورًا في جميع دول أوربا، وعندما ظهر نجم جديد واحتار الناس هل هو نجم أم أنه شهاب نيزك؟ قدم جاليليو محاضرته ولم تسع قاعة المحاضرات الآلاف الذين ازدحموا، فخرج بهم جاليليو إلى الخلاء وشرح لهم هذه الظاهرة.

وفي سنة 1609م ثبَّت جاليليو قرصين من الزجاج أحدهما مُحدَّب والآخر مُقعَّر على طرفي أنبوبة من الرصاص، فكان أول تليسكوب في العالم، فصاح قائلًا ” أريكاك ” أي ” لقد تحقق ما أردته ” وعبر هذا التليسكوب فتح جاليليو نافذة على الكون ليقرأ صفحاته، وحمل تليسكوبه إلى مجلس الشيوخ بالبندقية، فمنحوه لقب ” بروفسور ” ورفعوا راتبه من 520 إلى 1000 فلورين. ثم طوَّر جاليليو من تليسكوبه فشاهد سلاسل الجبال والحفر التي على سطح القمر، ووصف سطح القمر بأن به نتوءات مثل سطح الأرض، واكتشف البقع السوداء على سطح الشمس، وكذلك أربعة أقمار من أقمار كوكب المشترى، وقال أن ” الطريق اللبنية ” تتكون من عدد ضخم من النجوم، وفي سنة 1611م ذهب إلى روما والتقى بالأمراء والكرادلة والأساقفة الذين رحبوا بقدومه كعبقري عصره، وأراهم البقع السوداء التي ظهرت على سطح الشمس، وعندما كثر الحاقدون عليه كان يحاورهم في هدوء، حتى إنه جلس ذات مرة مع عشرين ناقدًا، فأنصت لكل منهم، وأجاب على انتقاداتهم إجابات علمية منظمة.

وفي سنة 1632م نشر جاليليو كتابه ” حوار بين نظامين كونيين في العالم ” وجعل الحوار بين ثلاثة أشخاص حول نظام بطليموس الذي إعتبر الأرض مركزًا للكون، ونظام كوبرينكوس الذي يعتبر الشمس هي مركز الكون، وأثبت صحة النظام الأخير، وفي 22 يوليو وقف جاليليو يُحاكم في قاعة مينرفا بمدينة روما كهرطوقي، لأنه علَّم تلاميذه أن الأرض تدور حول الشمس، وبعد مداولات هيئة القضاء أعلن أحد الكرادلة أن المحكمة على استعداد للعفو عن جاليليو إذا أقرَّ بخطئه ولعن هرطقته وإلاَّ زُج به في غياهب السجن، فركع جاليليو وقد شحب وجهه وارتعشت أطرافه، وأقسم أنه لن يعود إلى تعليم هذه الهرطقة، وانفضت المحكمة، وسُمع وهو يقول أثناء انصرافه بصوت منخفض ” لكنها تتحرك على أية حال ” وأمضى جاليليو سنواته الأخيرة في بؤس وشقاء بعد أن فقد بصره لحزنه الشديد على ابنته التي ماتت فجأة، وكان يحبها جدًا، وانتهت حياة ذلك العالِم العظيم في سنة 1642م (راجع الأستاذ ميشيل تكلا – جريدة وطني في 1 يناير 1995م).

أما الآن فقد تعمق الإنسان في علم الفلك الحديث Astrology وهو العلم الذي يبحث في المادة من حيث تركيبها وحركتها وتوزيعها في الكون، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وهو علم يتشعب إلى فروع كثيرة مثل علم نشأة الكون Cosmogony، وعلم نظام الكون Cosmology، وعلم الأحياء الكوني Cosmobiology، أو علم الزمن الفلكي Chronology، وعلم الإحصاء النجمي Siellar Statistics، وعلم الفيزياء الفلكي Astro physics، وعلم الفلك الكروي، وعلم المواقع، وعلم الميكانيكا السماوية، وعلم الأجهزة الفلكية، وعلم الفلك الراديوي. كما ظهرت وحدات جديدة لقياس المسافات الشاسعة مثل وحدة Astronomical Unit (A U) التي تستخدم لقياس المسافات بين كواكب المجموعة الشمسية فقط، وهي تعادل المسافة بين الأرض والشمس وتساوي 93 مليون ميل أي نحو 149 مليونًا و600 ألف كيلو متر، ووحدة قياس ” السنة الضوئية ” Light year وتعادل المسافة التي يقطعها الضوء في 365 يومًا بسرعة 360000 كم / ثانية، وتساوي 9461 ألف مليون كيلو مترًا، فأقرب نجم لشمسنا هو ” بروكسيما سنتوري ” الذي يقع على بعد 43 سنة ضوئية منا، وأقرب مجرة لنا هي ” أندروميد ” التي تقع على بعد 2ر2 مليون سنة ضوئية، وبالتالي فإن الضوء الذي يصل إلينا الآن من نجوم مجرة أندروميدا قد انطلق منذ 20ر2 مليون سنة ضوئية والضوء الذي يصل إلينا من المجرات البعيدة قد يكون انطلق منذ 15 مليار سنة ضوئية.

وفي سنة 1957م أطلق الإتحاد السوفيتي أول قمر صناعي ” سبوتنيك -1 ” فيقول الأستاذ ميشيل تكلا ” في اليوم الرابع من شهر أكتوبر 1957م أدهش الإتحاد السوفيتي وقتذاك العالم بإطلاقه أول قمر صناعي في مدار حول الأرض، وكان عبارة عن كرة قطرها 58 سم ووزنها 84 كيلو جرامًا، وتحركت بسرعة 28800 كيلو مترًا في الساعة، وأطلقوا عليها اسم ” اسبوتنيك ” ودار هذا القمر الصناعي الأول في تاريخ البشرية حول الكرة الأرضية ساعة واحدة وست وثلاثين دقيقة وثانيتين، وأرسل جهازاه اللاسلكيان إشارات قوية إلى الأرض حتى أن بعض الهواة استطاعوا التقاطها أيضًا. كان هذا القمر الصناعي فاتحة لإطلاق أعداد هائلة من الأقمار إلى الفضاء الخارجي، وكذلك إطلاق مركبات فضاء استطلاعية تعمل تلقائيًا بدون رواد فضاء.. نفَّذت هذه المركبات برامج بعثات علمية بلغ عددها في سنة 1984م أكثر من ألف قمر ومركبة”(2)

وعندما أطلق الإتحاد السوفيتي قمره الصناعي الأول حفز ذلك الولايات المتحدة الأمريكية فأنشأت وكالة الفضاء ” ناسا ” سنة 1958م، وفي أبريل 1961م أطلق الإتحاد السوفيتي سفينة الفضاء ” فوستوك – 1 ” التي حملت رائد الفضاء ” يوري جاجارين ” مما حفز عالِم الصواريخ الأمريكي ” توماس كيلي ” فقاد سبعة آلاف مهندس وعامل فني خلال عمل شاق لمدة ست سنوات، حتى تُوّج عمله بالنجاح عندما انطلقت سفينة الفضاء ” أبوللو 2 ” في 21 يوليو 1969م وهبط منها رائد الفضاء الأمريكي ” نيل ارمسترونج ” فكان أول إنسان يطأ أرض القمر بعد رحلة استمرت ثلاثة أيام (راجع مجلة العلم عدد 310 – يوليو 2002م ص 50) وبعد سبعة سنين وصلت سفينة الفضاء ” فايكنج 1 ” إلى سطح المريخ.

لقد بدأ سباق غزو الفضاء بين روسيا وأمريكا في ستينيات القرن العشرين، وتحمل كل منهما خسائر ضخمة، ففي سنة 1986م تحطم مكوك الفضاء الأمريكي ” تشالنجر ” وعلى متنه سبعة من رواد الفضاء بعد إطلاقه بـ72 ثانية فقط، وفي فبراير 2003م تحطم مكوك الفضاء الأمريكي ” كولومبيا ” وكان على متنه أيضًا سبعة من الرواد، وبينما كانت وكالة الفضاء الأمريكية ” ناسا ” تتوقع فقد مكوك فضاء واحد كل 438 مكوكًا، لكن توقعاتها لم تصدق، لأنها فقدت المكوكين ” تشالنجر” و”كولومبيا ” على مدار 113 رحلة فقط، وأيضًا تعرضت روسيا لخسائر ضخمة في هذا المجال ” سوء الحظ يلازم روسيا في إطلاق أكبر قمر صناعي للاتصالات (استرا – 1 كي) إذ سقط في البحر بعد مضي أسبوعين فقط من إخفاق صاروخ روسي في وضعه في مداره الصحيح. يُعد هذا ثان فشل يواجه روسيا خلال أقل من شهر، إذ انفجر صاروخ روسي آخر محمَّل بقمر صناعي وتحطم بعد نصف دقيقة من انطلاقه”(3).

لقد غزا الإنسان الفضاء وتعرَّف على كثير من أسرار الكون التي كان يجهلها من قبل، والحقيقة أن الإنسان مازال يجهل الكثير، برغم ما يرسله من سفن الفضاء المأهولة بالرواد، أو التي لا تحمل إنسانًا (المجسات الفضائية) وتلتقط هذه المجسات الصور للكواكب والنجوم، مثل سفينتا الفضاء ” فويدجر ” التي التقطت 30 ألف صورة لكوكب المشترى، وواصلتا رحلتيهما إلى الكواكب الأخرى (راجع المجموعة الثقافية المصرية – الكون) ومن كثرة غزو الفضاء انتشر به بعض المخلفات المعدنية عن سفن الفضاء والصواريخ والأقمار الصناعية، وهذه المخلفات عُرفت بالحطام الفضائي، وهي تدور حول الأرض بسرعة رهيبة تبلغ 20 – 25 ألف ميل / ساعة، وهذا الحطام له مخاطره، لأنه قد يتسبب في كوارث لسفن الفضاء، ولا سيما إذا كانت تبحر في اتجاه مضاد لاتجاه هذا الحطام. ويقول الأستاذ سمير عبد اللطيف ” ومنذ عام 1965م يتضاعف مقدار الحطام الفضائي في المدار القريب من الأرض كل حوالي سبع سنوات، ويظن البعض أن (وكالة ناسا) كانت غبية عندما وقعت كارثة المكوك (تشالنجر) وقتل رواد الفضاء على متنه، كذلك كارثة المكوك كولومبيا، والمركبة أبوللو 13، والحقيقة كما يذكر المؤلف (عبد المنعم السلموني – من القمر إلى المريخ) أن أسوأ الكوابيس لا تزال في انتظار ناسا كما يرى العلماء، فالبشر بسلوكهم يغلقون الباب في وجه أنفسهم.. الباب المؤدي إلى النجوم.. والباب المؤدي إلى الكواكب الأخرى”(4).

_____

(1) الجغرافيا الاجتماعية للكتاب المقدَّس طبعة 1940م ص 110، 111.

(2) جريدة وطني في 21 مايو 1995م.

(3) مجلة العلم عدد 317 – فبراير 2003م ص 12.

(4) مجلة العلم عدد 350 نوفمبر 2005م ص 10.

 

كيف تطورت نظرة الإنسان للكون الذي نعيش فيه ويحيط بنا؟

Exit mobile version