Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

هل ارتبط اللاهوت البروتستانتي المصري بلاهوت الغرب؟ وهل تأثر اللاهوت البروتستانتي المصري بالفلسفة العقلانية واللاهوت الليبرالي؟

 132- هل ارتبط اللاهوت البروتستانتي المصري بلاهوت الغرب؟ وهل تأثر اللاهوت البروتستانتي المصري بالفلسفة العقلانية واللاهوت الليبرالي؟

خامسًا: تأثر الوسط البرتستانتي المصري بالفلسفة العقلانية ولاهوت التحرُّر

ج:

يعتبر اللاهوت البروتستانتي المصري لاهوتًا مستوردًا من الغرب، فمن الطبيعي أن يتأثر بما يدور في الغرب من فلسفة عقلانية ولاهوت ليبرالي وحركة كرازماتيكية، ويقول القس أندريه زكي ” فاللاهوت المُصلح الذي دخل إلى مصر (من خلال الطوائف الإنجيلية) كان مُصاغًا في الغرب، ومن ثمَ كان متوافقًا مع الحضارة والبيئة الغربية.. وكانت النتيجة عدم تنمية لاهوت محلي، وبالتالي زيادة الاعتماد على الغرب بين الكنائس البروتستانتية، ورغم كون الكنائس البروتستانتية المصرية مستقلة منذ عدة سنوات، إلاَّ أنه لازال البعض منها يعتمد على الكنائس الغربية، وللآن لم نستطع التغلب على هذا الاعتماد.. الكنيسة البروتستانتية قد وُلِدت بواسطة الكنيسة الغربية، وتبنت لاهوتًا وترانيمًا مستخدمة في الكنائس الغربية، كما أنها تمحورت حوله رسالة اجتماعية وصلت إلى عدد كبير من المصريين”(1).

ويقول د. ق عبد المسيح إسطفانوس “أن لاهوتنا الإنجيلي بمصر يعبر عن تعاليم كلمة الله المقدَّسة، لكنه يرتبط بالإطار الغربي. أنه يخضع للعقل والمنطق أكثر جدًا من إفساحه المجال للإطار الشرقي بما فيه من عواطف وروح التأمل والخلوة”(2)(3) ويطالب بعض البروتستانت بتغيير هذا الوضع، فيقول د. ق. صموئيل رزفي “ما المطلوب منا في المناداة بإصلاح جديد؟ المطلوب منا هو اكتشاف الزمن الذي نعيش فيه.. هل الزمن الذي نعيش فيه مختلف عن زمن الإصلاح في القرن السادس عشر، وأيضًا نحن نعيش في حضارة شرقية مختلفة.. المهم أن يأتي التغيير المنشود متلائمًا مع البيئة المصرية، لأن ما أخذناه من الغرب مختلف عن الطبيعة الشرقية التي نحياها” (4).

ولكيما أنقل لك يا صديقي مدى الفساد الذهني الذي تردى فيه أصحاب الفكر الليبرالي ومدى تأثر الوسط البروتستانتي في مصر بهذا الفكر، أقدم لك بعض فقرات من بعض مقالات الشيخ ” رأفت زكي ” حيث يقول ” {لأنه سيكون وقت لا يحتملون فيه التعليم الصحيح.. فيصرفون سامعهم عن الحق وينحرفون إلى الخرافات} (2تي 4: 3، 4) معنى الليبرالية هنا ” التحررية التامة ” التي يلعب فيها الشيطان بأوراق كثيرة، والمدافعون عنها يعتقدون أنهم يُعصّرون الكنيسة (أي يجعلون فكرها عصريًا).. وهم يغطون موقفهم هذا بتصوير “الليبرالية” للسامعين على أنها نوع من التحضر والمدنية ومواكبة العصر وفكره، بعد أن أخفوا الكثير من أقوال النقد العالي.. التي يتبنونها وهي تطعن في نصوص الكتاب المقدَّس المعصوم..

ولقد خدعوا أنفسهم بتصورهم أن مذهبهم الليبرالي هذا نوع من التطور الطبيعي للعصر في الكنيسة، بينما حاول هؤلاء تصوير فكر المحافظين على حرفية وقدسية فكر الكتاب، أنهم أصوليون ” مقفولون ” غير مواكبين للحضارة المتطورة وخاصة ونحن على مشارف القرن الواحد والعشرين.. ولكنهم بذلك قد نبذوا الإيمان القويم وسقط عن وجههم قناع الحياء حتى على منابر المؤتمرات وفي بعض كليات اللاهوت، وهكذا كان تطورهم موجة عارمة ضد الكنيسة وفكرها. إذ ردّد -بدءًا من الثمانينيات- بعض الخدام كالبغبغاء هذه الأفكار {لا توجد أرواح شريرة أو شياطين، وما تم في عصر المسيح – له المجد – إنما هو معالجة سيكولوجية للمرضى المصابين بالأمراض العصبية.. كما يوجد قبس من نور داخلي في كل إنسان يصل به في النهاية إلى تحقيق السلوك الأخلاقي الذي يقوده لمرحلة الخلود!!}.

خلاصة معتقدات الليبراليين:

1- إن الكتاب المقدَّس غير معصوم – وحي بين أساطير.

2- الإنسان صالح في أساسه وليس بخاطئ – لم يرث الخطية الأصلية.

3- ليست هناك معجزات فوق الطبيعة – فإن كل شيء يحدث طبقًا لقوانين الطبيعة التي لا يمكن أن تُكسَر ولا أن يحدث ما يخالفها، لذلك فميلاد المسيح العذراوي ثم قيامته لا يمكن أن نحكم عليهما كأحداث تاريخية تمت، بل أن كل شيء يجب أن يخضع للعقل والمنطق والتحليل..

ومن ثمَ يجب أن نفتح أعيننا جيدًا لأخطار الليبرالية التي تخترق العديد من الكنائس الإنجيلية في مصر..”(5).

كما يقول الشيخ ” رأفت زكي ” مستنكرًا موقف بعض القسوس البروتستانت ” يقف قسيس (هكذا يُطلق عليه) على المنبر في إحدى المؤتمرات ليطعن الكتاب المقدَّس في مصداقيته مثلًا يقول {أن معجزة السمكة والخبز مجرد خرافة من خيال التلاميذ، فمعروف أن الجموع ستتوجه إلى الجبل لسماع يسوع، وأعدت كل زوجة لزوجها غذاءه في منديل، ولما فرغ المعلم من خطابه أمر التلاميذ أن يجلسوهم ليأكلوا ففتح كلٍ منديله وأخذ يأكل من الطعام الذي سبق وصرته له زوجته!!}.

يقف آخر ليعلن أنه لا يوجد شيطان أو شيطانة، فقد قصَّ المسيح للتلاميذ انطباعاته وأفكاره أثناء وحدته في البرية، وبعد مرور بعض الوقت سطرها التلاميذ على أنها حقيقة صحيحة لتجسد الشيطان.

قسيس ثالث يقف ليطعن في صدق معجزة مجنون كورة الجدريين، وأنه لا يوجد مس شيطاني للإنسان، ويتباكى على قطيع الخنازير ما ذنبه؟ ثم يعلي شأن العقل (عقله هو) بقوله الرجل كان مريضًا تنتابه حالة من العصاب والصراع والتشنج أفزعت الخنازير فسقطوا إلى أسفل.

ويقف رابع ليقول لا يوجد شيطان، وما كُتب في الإنجيل كان ترديد لفكر خرافات، كانت تنتشر في فلسطين في ذلك الوقت، ولكنها أمراض نفسية وهو بذلك يطعن الكتاب المقدس فيما كتبه عن ذلك في العهدين القديم والجديد!!

ويقف خامس ليُدّرس لتلاميذه أن الكتاب المقدَّس به وحي من أساطير، وأنه يربط ما بين الفكر الكلداني والبابلي وملحمة جلجاميش كما يربط أقاويل لبعض الفراعنة وبعض المزامير.. إلخ.

ويردد نفس كلام ” إيمانويل فلايكوفكسي ” في كتاب ترجمة ” د. رفعت السيد ” ونشره في جزءين {عالم في تصادم} و{عصور في فوضى} وكذلك ما كتبه خَزْعَل الماجدي في كتابي إنجيل سومر، وإنجيل بابل، ويعوزني الوقت لأذكر كيف اخترقت هذه المؤلفات فكر الكنيسة..

يردد الليبراليون أنهم يقرون تقدم العلوم والاستنارة وإعلاء شأن العقل!! أي عقل هذا الذي يتحدثون عنه؟ يصل في مستواه أن يناقش ويفحص كتاب الدهور؟ وأي إستنارة تلك..؟ عندما يقول الكتاب {قال الرب} فلتصمت كل الشفاه لأن الله هو الذي تكلم، وقد كتب كلامه أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس..!! ستجد الحقيقة بكل اليقين الصادق ثابتة في فكر الكتاب الذي يمنح الراحة والسعادة والهدوء لنا، حتى لو سرنا فوق مسامير وتعرضنا لطعنات السهام في سبيل التمسك بالحق الواضح الصريح!! وشتان بين موقفنا هذا ومحاولة الظهور في مجتمعنا والارتفاع على ركام من نقد الكتاب المقدس ليعلوا شأنهم في المجتمع الذي نعيشه، حتى وإن كان ذلك بمهاجمة فكر الكتاب ونبوءات الكتاب وإعلانات الكتاب، لعلهم يحصلون على شيء من حطام هذه الدنيا مما يحلمون به!!..

إن هؤلاء الذين يطعنون الكتاب المقدَّس بالرغم من أن مهاجمته إنما هي بعينها الجهلة والسطحية والتفاهة، سيظل الكتاب دستورًاَ لحياتنا الروحية والجسدية، نبراسًا هاديًا لنا، وما دمنا في هذه الحياة، حتى نلتقي به هناك”(6).

وأيضًا يقول الشيخ رأفت زكي ” ووُلِد علم اللاهوت الليبرالي وأصبح الطراز أو النمط الحديث لكنائس أوربا وأمريكا والكنيسة في مصر أيضًا. تسرب العالم اليوم داخل الكنيسة بطرق متنوعة.. أن الشيطان يتمشى بين صفوف الكنيسة الإنجيلية يبحث عن مجندين جدد لينضموا إلى جيشه، كما يفكر في طرق أخرى أكثر ثباتًا لتسويق أفكاره بين جموع المسيحيين، يريد إقامة جسور مع الكنيسة باستخدام مختلف طرق الخداع، في طرق وممرات مختلفة، هو يعرف مسبقًا أن عرضه يجب أن يشبع احتياجين:

أولهما أن تبدو على إستراتيجيته مسحة كتابية، والثاني أن تكون اقتراحاته عملية يقبلها العقل، إذ أنه يعرف أن أي تكتيك ينقصه الغرضين السابقين يُرفض من الشعب الإنجيلي. لذلك يبيع الشيطان خططه من خلال مساحة تقليدية من المسيحية في أذهان المؤمنين، ورويدًا رويدًا يفرض سلطانه الكلي”(7)

وقد وصل تأثر الوسط البروتستانتي المصري بالفكر الليبرالي إلى حد:

1- اهتزاز الثقة في الكتاب المقدَّس:

كما سبق ورأينا التشكيك في المعجزات التي أجراها الرب يسوع ولاسيما الخاصة بطرد الأرواح النجسة من سكنى الإنسان، كما صار الاهتمام بالأمور الروحية على حساب الأمور التاريخية والعلمية، فيقول القس فايز فارس ” فالعبرة إذًا ليست في المعلومات التاريخية أو العلمية، إنما في مضمون الرسالة الروحية في الكتاب المقدَّس.. لا يزعجنا إذا وجدنا اختلافات أو شبه تناقضات في هذه النصوص، ولا يضعف من إيماننا اختلاف روايات أسفار الكتاب المقدَّس في بعض الحقائق التاريخية، أو تشابهها مع ما ورد في ثقافات أخرى مثل أساطير بعض الديانات أو كتابات بعض الحضارات الأخرى كبابل أو مصر. ولا يضيرنا إذا كان موسى قد استفاد من حكمة المصريين التي تعلمها في بعض ما كتبه. أو إذا كانت نصوص كاملة من المزامير موجودة في كتابات وصلوات إخناتون، أو كانت بعض الأمثال موجودة بالنص في حكم وكتابات بعض الحكماء في مختلف الحضارات”(8).

ألاَّ ترى يا صديقي أن هذا التساهل في الأمور التاريخية والعلمية والاكتفاء بالأمور الروحية، والقول بوجود اختلافات في الأسفار المقدَّسة، وما شابه ذلك يعتبر الخطوة الأولى في اهتزاز ثقة الإنسان بالكتاب المقدَّس.

ثم يقول القس فايز فارس ” فكثيرون من المسيحيين متأثرين بأفكار غريبة عن المسيحية عن الوحي والنصوص الكتابية، وبعض الناس أصبحوا يعبدون الكتاب المقدَّس أكثر من عبادتهم لله”(9) وكأن الكتاب المقدَّس صرح يعارض ويصارع عبادة الله.. أليس هذا تغافل عن أن الكتاب المقدَّس هو هو كلمة الله، وكلمة الله تقربنا ولا تبعدنا عن الله؟!!

كما يجب الإشارة هنا إلى أن المنهج البروتستانتي في التفسير له خطورته، فكون كل إنسان يفسر الكتاب حسبما يرى أدى إلى انحرافات عقيدية خطيرة، ومن عب البروتستانتية خرج الأدفنتست وشهود يهوه والمذاهب الأخرى المنحرفة كما رأينا من كتابنا ” المذاهب الحديثة المنحرفة ” ويقول د. ق صموئيل رزفي ” انتشرت حرية التفسير في الطوائف المُصلحة، وكان لها أثرها السلبي. فحرية الفكر والتفسير بدون ضوابط أفسحت المجال لقيام مدارس تفسيرية مختلفة للكتاب المقدَّس كان لها الأثر السلبي على فهم الناس للكتاب كما أنها ساعدت على وجود طوائف تنكر العقيدة الأساسية في المسيحية مثل السبتيون.. وشهود يهوه.. والمورمون.. وما نود أن نؤكد عليه هنا أن حرية التفسير المطلقة لها آثار خطيرة على الكنيسة كما رأينا ونطالب بحرية التفسير المنضبطة تحت إطار كنسي لتصبح الحرية عبارة عن مراجعة الأفكار من جديد فهي ليست التشدد ولا الحرية غير المنضبطة كما رأينا، وأشيد هنا بدور الكنيسة الكاثوليكية بعد المجمع الفاتيكاني الثاني. فلقد أطلق المجمع الحرية للتفسير والحوار والمسكونية، ولكن تحت إطار مجمعي كنسي وهذه هي الحرية المسئولة.

بعد هذه الانحرافات الفكرية عن الإيمان يأتي السؤال: هل ننادي بحرية الفكر وحرية التفسير أم نقيد حرية التفكير؟ هناك حرية بلا ضوابط، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. هذه الحرية تنبع من هوى الناس بدون أي ضابط فمن يستحسن عملًا يقوم به. هذه حرية أُسميها حرية غير مسئولة، ولكن هناك الحرية المسئولة التي تُبنى على مسئولية الجماعة التي تنادي بها، هذه الحرية لها حدودها التي تحددها الجماعة.. إن حرية التفسير ينبغي أن تكون للتخصص في عمله وفي بحثه.. إن تفسير الكتاب المقدَّس من أصعب ما يكون، ويدرك هذه الصعوبة المتخصص في هذه الدراسة. حان الوقت لكي نحجم عن تفسير الكلمة المقدَّسة بدون دراية منا وبدون دراسة لأن المُفسّر عليه أن يلم باللغات الأصلية للكتاب المقدَّس، ثم يدرس الحضارات التي كُتب فيها النص، ثم يدرس الحضارات الحديثة. إذًا لا نستخدم الحرية إلاَّ عندما نمتلك الفكر، ولا نفسر الكلمة المقدَّسة إلاَّ عندما نمتلك التخصص. وبهذه تكون الحرية حرية مسئولة وليست فوضى، حرية فكر وليست فقر فكر، فحرية الفكر تقود إلى التجديد وفقر الفكر يقود إلى التخلف”(10).

2- امتداح الهراطقة:

لقد امتدح البعض الهراطقة من أمثال أريوس، وأعتبرهم من المجتهدين الذين يستحقون المكافأة، فهكذا أعتقد الدكتور القس إكرام لمعي أن أريوس مجتهد يستحق الأجر من جانب، ومن الجانب الآخر أن قانون الإيمان الذي وضعته الكنيسة لكيما توضح الإيمان وتحافظ عليه يمثل مشكلة في قبول الآخر، فكتب يقول تحت عنوان ” تطور النظرة المسيحية تجاه الآخر”.. ” اجتهاد أريوس الذي سُمي ببدعة أريوس مما أدى إلى كتابة قانون الإيمان، طالما تحوَّل الإيمان إلى قوانين مكتوبة هنا المشكلة مع الآخر عن الاختلاف عن حرف هنا وحرف هناك، كله هنا وكله هناك. وتصبح الصياغة هي أداة لتحريم ورفض وتكفير الآخر”(11).

وعندما اعترض عليه ” مارتن جرجس ” قائلًا ” سيادته بذلك ينفي عن بدعة أريوس التي تنادي بأن المسيح مخلوق صفة البدعة، ويسميها اجتهاد..!!

قانون الإيمان: وُضع للحكم على البدع والهرطقات، وهو يمثل الإيمان الجامع العام للكنيسة، فمجمع نيقية الذي عقد سنة 325م للحكم ضد بدعة أريوس حضره 318 أسقفًا من جميع كنائس العالم قاطبة حينئذ. وكل من عنده فهرس الكتاب المقدَّس اليوم يمكنه بسهولة أن يضع عدة آيات من العهد القديم والعهد الجديد لكل كلمة من قانون الإيمان، لأنه مأخوذ نصًا وروحًا من الكتاب المقدَّس، وتؤمن به إلى اليوم جميع المذاهب المسيحية: كاثوليكية وأرثوذكسية وإنجيلية ومنها الكنيسة المشيخية بطبيعة الحال. وقانون الإيمان هذا حوَّله القس د/ إكرام لمعي إلى (مشكلة مع الآخر) فهل نتنازل عنه لإرضاء الآخر؟!!

الاجتهاد: يسمي القس د/ إكرام لمعي بدعة أريوس الذي قال أن المسيح مخلوق، يسميها اجتهاد..!! إليكم بعض الاجتهادات عن المسيح: المسيح هو الملاك ميخائيل! (هوايت نبية الأدفنتست)، مجرد معلم ورائد! وليس حتى مجرد نبي (الليبرالي هارناك)، ليس إنسانًا بل فكرة! (ماري بيكر نبية العلم المسيحي)، ظلال فوق الصفاء! (رونالد هوبار L Ron Hubbard نبي السينتولوجي Scientology)، هو الله متجسد في جسد إنسان به شيطان! (وتنيس لي نبي الكنيسة المحلية)، المسيح مخلوق (أريوس).. إلخ فاجتهاد هؤلاء الأنبياء الكذبة أفضى بهم جميعًا إلى البدع والهرطقات..

التحريم: قال القس د/ إكرام لمعي (طالما تحوَّل الإيمان إلى قوانين مكتوبة، هنا المشكلة مع الآخر.. وتصبح الصياغة هي أداة لتحريم ورفض وتكفير الآخر) وفات سيادته أن المبتدع يحرم نفسه بنفسه، علمًا مثل هذا قد أنحرف وهو يخطئ محكومًا عليه من نفسه” (تي 3: 11) وقد قرَّر الإنجيل مبدأ التحريم (غل 1: 8، 9، يو 2: 7 – 11) أن عدم التحريم معناه هدم الأسوار التي تفصل بين حقائق الإيمان المسيحي والتعاليم المضلة التي يسميها الإنجيل ” بدع هلاك” (2بط 2: 1) ومن بين الذين لا يعترفون بالتحريم الذي قال به الإنجيل (أصحاب اللاهوت الليبرالي) لأنهم ينادون بأن الكتاب المقدَّس ليس له سلطة معيارية، و(الإنسانيون) القائلون بالتعددية وبقبول الآخر، لأنهم ينادون بأن إيمانيات كل الأديان – حتى الأديان الوثنية – تتساوى، وكلاهما ينكر لاهوت المسيح.

وبقى سؤالان محددان ينتظران إجابة صريحة على صفحات (المصالحة) من القس د/ إكرام لمعي:

1- هل تؤمن بقانون الإيمان، أم لا تؤمن به لتتفادى المشكلة مع الآخر؟!!!

2- ما هو موقفكم من بدعة أريوس التي أسميتموها (اجتهاد) (هل المسيح هو الله أم هو مخلوق؟!!)”(12).

وجاء في رد د. القس إكرام لمعي ” قانون الإيمان الذي وُضع للحكم على البدع والهرطقات والذي يمثل الإيمان الجامع للكنيسة، والذي وُضِعَ خصيصًا للحكم على بدعة أريوس فكما تعلمون تاريخيًا أنه عُقد بأمر الإمبراطور قسطنطين عام 325م وكان عدد الحضور 2048 ألفين وثمانية وأربعين من الآباء الروحيين وكانت أهم قراراته القول بإلوهية المسيح ونزوله ليصلب تكفيرًا عن خطيئة البشر.. ثم تم فض الاجتماع واستبعاد 1730 ألف وسبعمائة وثلاثين أسقفًا ثم أُعيد بحضور الإمبراطور قسطنطين والأعضاء القائلين بالتثليث ولاهوت المسيح وعددهم 318، أما عن الاجتهاد فكما عرفه مجمع اللغة العربية (بذل غاية ما في الوسع ليحصل على ظن بحكم شرعي) وكلمة ” ظن ” هنا توضح أن المجتهد يمكن أن يخطئ ويمكن أن يصيب، فإن أصاب له أجران أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وإن أخطأ له أجر واحد وهو أجر الاجتهاد، لذلك فكلنا نتفق على أن هناك من يجتهدون ويخطئون، أما الإعلان الإلهي فأنا أتفق معك أن كل مؤمن يجب أن يخضع للنص، لكن ما هي قصة هذا العدد الرهيب من الطوائف المسيحية؟ أليست هذه اجتهادات في النص..؟

إن الكنيسة في القرون الأولى وبسبب كثرة الهرطقات اتجهت نحو المركزية وحرَّمت على الشعب قراءة وتفسير الكتاب المقدَّس، وفي المقابل حدث ما يلي مراجعة لكتابات القديس اللاهوتي أوريجانوس وإحراق جميع كتبه..

والآن دعونا نعود إلى شخص المسيح الإله المتجسد ونرى ماذا كان يفعل وهو وحده له الحق في أن يحرم ويقبل. لقد كان يسوع له المجد يجلس ويأكل ويشرب مع العشارين والخطاة والزواني. ماذا فعل رب المجد مع الذين اتهموه بأنه يخرج الشياطين برئيس الشياطين، وبأنه مجنون وابن زنى، هل حرمهم الرب يسوع؟ لقد قبل الرب يسوع هذه النوعية من البشر وأحبهم ومات لأجلهم.. ولو كان المسيح بيننا اليوم لاعتبروه لاهوتيًا ليبراليًا.. إن الذين يقبلون الآخرين ويحبونهم بل وعلى استعداد أن يموتوا لأجلهم لا يساوون بين الأديان إنما يعرفون أن هناك طريقًا واحدًا للخلاص وهو صليب المسيح ” لأنه ليس بأحد غيره الخلاص ” لكن كونهم يعرفون ذلك ويكتبونه في قوانين إيمانهم لا يستخدمونه للحكم على الآخرين والبطش بهم.. هل تعلم لماذا توقفت الكنيسة عن النمو والثمر الكثير واخترقتها الأديان والأفكار الأخرى، ذلك لأنها رفضت أن تموت لأجل الآخر وتقبله، رفضت لأن تموت لأجل الوثني ولأجل اليهودي ولأجل اللاديني ولأجل الإنساني، ووقفت ترفض هذا وتحرم ذلك، لذلك بقيت وحدها. وفي النهاية أهمس في أذنك قائلًا لو أن الكنيسة يا صديقي العزيز استوعبت أريوس وقالت له: اجتهادك خاطئ وتعالَ لنعلمك كآباء وأحباء لك، وتوجهت الكنيسة إلى شعبها وفتحت الكتاب المقدَّس وعلمتهم تُرى هل كان يمكن لأريوس أن يكون له كل هذا السلطان اليوم؟! وليتنا تعلمنا من الدرس فنحن في كل يوم نصنع أريوسًا جديدًا ونقوم بتحريمه وإرساله إلى الجحيم وباسم من؟ باسم يسوع المصلوب لأجله وباسم قانون الإيمان المكتوب لتعليمه. ألست معي أن هذا حقًا يراد به باطل”(13).

ودعنا نتوجه بقليل من الأسئلة لجناب الدكتور القس إكرام لمعي:

أ – ما هو المرجع الذي اعتمدت عليه في قولك بأن عدد أعضاء مجمع نيقية 2048 وهم القائلون بإلوهية المسيح، وتم استبعاد 1730 عضوًا وبقى 318 وهم القائلون بالتثليث وإلوهية المسيح؟ لماذا تحاشيت المراجع الكثيرة الوثيقة التي تؤكد أن كل أعضاء المجمع المقدَّس كانوا 318 عضوًا لا غير؟ وهل معنى قولك هذا أنه كان هناك 1730 عضوًا لم يؤمنوا بعقيدة الثالوث القدوس ولذلك تم استبعادهم..؟! هل تظن أن المؤرخين الذين سجلوا أحداث المجمع بدقة، حتى أنهم ذكروا أوضاع جلوس القادة يغفلون أمرًا عظيمًا كهذا وهو استبعاد 1730 عضوًا..؟! حقًا أنني أخشى لئلا تكون قد استعنت بمرجع غير مسيحي، ولمصلحة من هذا التشكيك في الأمور التاريخية الثابتة؟!

ب- هل تقصد بقولك أن المجتهد الذي يصيب له أجران والمجتهد الذي يخطئ له أجر واحد، ونعتك لأريوس بأنه مجتهد.. هل تقصد أن أريوس له أجر، أي أنه من المفروض أن يكافئ؟! هل من المفروض أن يكون له قيراطًا في الجنة..؟!! هل من المفروض أن السماء تُكرّم أريوس وأمثاله من المبتدعين الذين يدسون بدع الهلاك لأبناء الملكوت؟!!!

ج – هل تظن أن الكنيسة لم تحاول مرارًا وتكرارًا تعليم أريوس وقد صبرت عليه طويلًا..؟ أرجو أن تعود إلى تاريخ أريوس الذي بدأ انحرافه الإيماني في عهد البابا بطرس خاتم الشهداء البطريرك السابع عشر والكنيسة حكمت عليه في مجمع نيقية في عهد البابا ألكسندروس التاسع عشر، فبالرغم من أنه تلقى نصحًا وإرشادًا من البابا بطرس والبابا أرشيلاوس والبابا ألكسندروس، وأوضح له كثير من الآباء المعاصرين خطئه لكنه أصر على عناده، ولم يرجع فيه.

د – ماذا تقصد من تساؤلك ” تُرى هل كان يمكن لأريوس أن يكون له كل هذا السلطان اليوم؟ ” أين هو سلطان أريوس..؟! هل ترى يا جناب القس الأريوسيين قائمين حول الكنيسة يهددون سلامها وأمنها؟!!.

هـ – لقد حرمت الكنيسة “أوريجانوس” فكيف تدعوه بالقديس؟ أتريد أن تُخطئ الكنيسة التي حرمت أوريجانوس..؟! لماذا لم تصفه بالعلاَّمة بدلًا من القديس احترامًا لحكم الكنيسة عليه؟

و – ما الهدف من تصوير الكنيسة بهذه الصورة، وكأنها لا هم لها إلاَّ رفض هذا وحرم ذاك؟ ومن قال أن الكنيسة صارت تقف وحدها وهوذا الله قائم في وسطها مجدًا في داخلها وسور نار حولها، وأولادها في داخل أحضانها تحميهم من سموم المبتدعين والهراطقة؟

ز – أليس المقال يعتبر دفاع عن اللاهوت الليبرالي الذي يركز على قبول الآخر حتى لو كان مبتدعًا، أكثر منه دفاعًا عن الإيمان المستقيم؟!! وأما عن قولك بأنه ” لو كان المسيح بيننا اليوم لاعتبروه لاهوتيًا ليبراليًا”.. فمن هم الذين يعتبروه هكذا..؟! هل تقصد بهم الذين يرفضون اللاهوت الليبرالي؟!!

3- التركيز على قبول الآخر لدرجة امتداح التعددية الدينية والطائفية، والبحث عن الحق حتى في الأديان الوثنية:

فيقول د. ق صموئيل رزفي ” التعددية الدينية: التعددية الدينية ليست شرًا، بل هي سبب من أسباب ازدهار وانتشار الدين. فمن يرى أن الدين الحق دينه هو وباقي الأديان باطلة يحتاج أن يراجع فكره الديني. ومن يرى أيضًا أن طائفته هي الحق وباقي الطوائف باطلة يحتاج أن يراجع فكره عن الآخرين. لأن الله قبِل الآخرين وسمح لهم بالوجود في هذا العالم. بل هو الذي خلقهم وهو الذي يرعاهم. التعددية الدينية ضد فكرة التعصب السلبي ومحاولة إلغاء وجود الآخر..

لقد خلقنا الله متنوعين في الفكر والأمزجة، لأن التنوع فيه إثراء للحضارة وللبشرية، وهذا التنوع في البشر أوجد تنوعًا في التوجه الديني والعقيدة الدينية. فيوجد الكثير من الناس حسب نظرنا غير مؤمنين. أما في نظر الله فهم أقدس خلقه، فربما يتسرع البعض في الحكم على توجهات دينية معينة قد تكون مقبولة عند الله..

إن فتحنا عيوننا سنرى قيمًا في الأديان الأخرى تستحق الدراسة، فلا نغلق على أنفسنا ونهاجم الأديان التي تختلف عنا في الفكر والممارسة، والأديان الأخرى تهاجمنا لأننا نختلف عنها، ولا يبقى من الدين إلاَّ التعصب ونسمي بعد ذلك التعصب دينًا.

هل نستطيع أن نؤمن ونمارس قول الرسول بطرس في سفر الأعمال ” بالحق أنا أجد الله لا يقبل الوجوه. بل في كل أمة الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عنده” (أع 10: 34 – 35) وعندما ندقق في المناسبة التي ذكر فيها الرسول هذا القول نجد بأنه قد قال ذلك في مناسبة قبول أول إنسان غير يهودي لرسالة المسيحية. وعندما ذهب إليه بطرس وجده إنسانًا مقبولًا أمام الله وهذا ما رآه الرجل في حلمه ” وفي الساعة التاسعة كنت أصلي في بيتي وإذا برجل وقف أمامي بلباس لامع. وقال يا كرنيليوس سُمعت صلاتك وذُكرت صدقاتك أمام الله” (أع 19: 30 – 31) وهذه الآية تحفزنا أن نراجع أنفسنا فيما نعتقد هل الله له مختارين في كل الأديان وكل الطوائف أم لا..؟

أؤكد إننا في احتياج إلى ثقافة جديدة نتعلمها ونمارسها وهي ثقافة قبول الآخر. نحتاج أن نزرع هذه الثقافة في الطوائف المسيحية، لأنه لا يوجد طائفة تمتلك الحق كله، وهذا ما كتب عنه الدكتور ميلاد حنا بجرأة منقطعة النظير عندما تقابل مع زميل له من الصين وجده يتمتع بقيم عظيمة فيقول {ومع الزمن بدأت مفاهيمي القديمة التي خرجت بها من مصر تتغيَّر، والتي كانت تتلخص في أن الأرثوذكسية تحتل المركز الأول بين المذاهب المسيحية كما سبق القول. ثم تتميَّز المسيحية بين الأديان السماوية الثلاثة. وهذه الأديان السماوية – رغم خلافاتها الجزئية فيما بينها – وحدها التي تحتكر وحدانية الله، وبالتالي هي المؤهلة دون غيرها للحياة الأبدية الأسعد}(19).

إننا نحتاج أن ندرك وندرس الحق في الديانات الأخرى ليس فقط في الأديان الموجودة في العصر الحديث بل وأيضًا في العصر القديم في بداية نشأة الديانات في العالم..

لا نستطيع أن نفسر ما جاء في الكتاب المقدَّس عن المحبة والتسامح والغفران إلاَّ في ضوء محبة الآخرين وقبول اختلافاتهم معنا في طريق التفكير وطرق العبادة، وفي هذا يقول الرسول بولس {من أنت الذي تدين عبد غيرك هو لمولاه يثبت أو يسقط ولكنه سيثبت لأن الله قادر أن يثبته} (رو 14: 40).. فالتنوع الفكري في الدين بركة لا لعنة علينا أن نحرص عليها”(14).

ويقول الدكتور القس صموئيل حبيب ” الإيمان المسيحي يدعو للتعددية، ويسمح باختلاف الرأي وتنوعه، ويرفض أن يحكم واحد على الآخر بالإدانة أو يزدري الواحد بالآخر، فالتعددية الإيمانية أسلوب متاح من كلمة الله ومن تعاليم المسيح سواء بأقواله أو أعماله”(15).

كما قال الدكتور القس صموئيل حبيب ” لا يجوز لفرد أيًّا كان ولا لجماعة أيًّا كانت، أن تدعي بأنها تمتلك الله لذاتها، وأنها وحدها تعرف الحق الإلهي النهائي، وأن معرفتنا هي الوحيدة، وأن كل ما عداها جهالة”(16)(17).

ويقول د. ق صموئيل رزفي عن المسكونية أن ” الفكر المسكوني يساعدنا أن ندرك كبشر أننا خليقة الله، والله لا يفرق بين البشر نتيجة الجنس أو الدين أو العرق. فالله أكبر من أن تمتلكه طائفة أو دين، فالله يمتلك الكل، ولا يُمتلك من أحد. إن الدين عند الله هو حب الآخر.. هو التسامح.. هو فعل الخير لمن يحتاجه.. هو أن لا تُكفر غيرك وتبرر نفسك.. هو أن لا تدين أحد فتترك الدينونة لله. هو أن ترى الحق في الأديان الأخرى كما تراه في دينك.. هو أن لا تنظر إلى نفسك على أنك تمتلك الحق وغيرك يمتلك الباطل المطلق”(18).

_____

(1) المسيح والنقد التاريخي ص 89.

(2) خطاب حفل تخرج دفعة 1982م كلية اللاهوت.

(3) أورده د. ق صموئيل رزفي في كتابه تجديد الفكر الديني في المسيحية ص 174.

(4) تجديد الفكر الديني في المسيحية ص 173، 174.

(5) الشيخ رأفت زكي – مقال لجنة الكرازة المشتركة.

(6) مقال تحت عنوان: حتى متى أيها الليبراليون المتحررون؟ عن الشهادة الخمسينية عدد مايو 2002م ص 16 – 19.

(7) المذاهب المنحرفة جـ 3 ص 47 – 50.

(8) حول أزمة الدين والأخلاق في المجتمع المعاصر ص 78.

(9) المرجع السابق ص 78.

(10) تجديد الفكر الديني في المسيحية ص 127 – 130.

(11) جريدة المصالحة فبراير 2003 م.

(12) جريدة المصالحة – ابريل 2003م.

(13) جريدة المصالحة – أبريل ص2003م.

(14) تجديد الفكر الديني في المسيحية ص 26 -33.

(15) المسيح ثائرًا ص 124.

(16) الصلاة حوار يغير الحياة ص 104.

(17) أورده د.ق صموئيل رزفي في كتابه تجديد الفكر الديني ص 33.

(18) أورده د.ق صموئيل رزفي في كتابه تجديد الفكر الديني ص 180،  181.

(19) ميلاد حنا – قبول الآخر مكتبة الأسرة سنة 1999م ص 115.

Exit mobile version