سؤال وجواب

هل يمكن إلقاء الضوء على المسار التاريخي للاهوت التحرير؟

 137- هل يمكن إلقاء الضوء على المسار التاريخي للاهوت التحرير؟

ج:

نعم يمكن تتبع المسار التاريخي للاهوت التحرير على النحو التالي:

1- في سنة 1955م عقد “بريو دي جانيرو” لقاء أساقفة أمريكا اللاتينية وبدأ اهتمام الكنيسة بمشاكل الفقراء، وفي عام 1960م بدأت الجماهير تشارك رجال الدين أمالهم في الاهتمام بمشاكل الفقراء والمقهورين، وتكونت عدة حركات شعبية لهذا الغرض مثل حركة الطلبة المسيحيين، وحركة العمال المسيحيين، وحركة الفلاحين المسيحيين، وحركة التعليم الأساسي، وتمشيًا مع الوضع الحديث اهتم المجمع الفاتيكاني الثاني (1962 – 1965م) بنقد ذاتي للكنيسة الكاثوليكية بعكس المجمع الفاتيكاني الأول، وأصدر ستة عشر وثيقة مسكونية اهتمت بإعادة تنظيم الكنيسة داخليًا مع مناقشة شتى القضايا مثل العدالة الاجتماعية والتنمية.. إلخ وبذلك أعطى الفرصة للإرهاصات الفكرية الجديدة التي تنادي بلاهوت التحرير، ويقول سمير مرقس ” وبالفعل عُقدت لقاءات متعددة في كثير من دول أمريكا اللاتينية مثل كوبا وكولمبيا والبرازيل في أثناء وبعد انعقاد مجمع الفاتيكان الثاني، وصبت كل هذه اللقاءات في النهاية في مؤتمر ” ميديللين ” التاريخي بكولومبيا والذي عُقد سنة 1968م وهو المعروف بالمؤتمر الثاني لأساقفة أمريكا اللاتينية”(1).

2- في سنة 1966م أرسل الأب ” بدور أروبيه ” الرئيس العام للرهبنة اليسوعية رسالة إلى الآباء اليسوعيين المقيمين في أمريكا اللاتينية يحضهم على الانخراط الجاد في العمل الاجتماعي، وبذلك تكشَّف لهم مدى بؤس المجتمع الأمريكي اللاتيني.

3- مؤتمر ميديللين Medellin:

وقد بدأ بتطلعات بعض اللاهوتيين مثل ” جان لويس سيفوندو ” اليسوعي من أرجواي، و” جوستافو جوتييريز ” من بيرو، و” جيرا ” من الأرجنتين إذ اقترحوا نمطًا من التبشير بالإنجيل مبني على تكوين لاهوتي جديد يكون أكثر انتقادًا للواقع المؤلم الذي يعيشه الفقراء والمقهورين، وخلال الفترة 28/8 – 7/9/1968م انعقد مؤتمر ميديللين بدعوة من البابا بولس السادس حضره 900 أسقف منهم 150 أسقفًا من أساقفة أمريكا اللاتينية بكولومبيا، وكان ” جوستافو جوتييريز ” أحد المشاركين في الإعداد لهذا المؤتمر، ودار الحديث في المؤتمر عن وثائق المجمع الفاتيكاني الثاني ووضعها موضع التنفيذ العملي، وطرح المؤتمر القضايا الآتية:

أ – تحليل طبيعة العنف؛ ب- مفهوم جديد لقضية الفقر؛ ج- فهم ظروف الغالبية ومشاركتهم مشاكلهم.

وبدأ المؤتمر بلاهوت العبودية الذي أعتبر إن كل شعوب أمريكا اللاتينية تعيش في سجن كبير تحت عبودية النظم العسكرية التي تحكم البلاد، وبالتالي فإن هناك ضرورة لتحرير هذه الشعوب من هذا السجن الكبير المظلم، فصار لاهوت العبودية مقدمة للاهوت التحرير، فهناك لاهوت العبودية السائد في البلاد، فلابد من لاهوت التحرير لتحرير الإنسان، وفي هذا المؤتمر بدأت الدعوة لـ”إنجيل الفقراء”، وألقى “جوستافو جوتييريز” محاضرته التي جاء فيها تعبير “لاهوت التحرير”.

وصدر عن المؤتمر وثيقتان باسم العدالة، والسلام، فجاء في وثيقة العدالة ” إنها ليست ساعة الكلام. إنها ساعة الفعل والعمل” (العدالة 1 – 3) ودعت إلى تجاوز الواقع الأليم إلى العمل الفعَّال الإيجابي ولاسيما إن الشعب الذي يعاني من القهر يحتاج لمن يعينه على تحرير نفسه ” إن شعوبنا ترغب في الحرية والنمو في الإنسانية. إنهم ممتلئون رغبة وتشويقًا للانعتاق الكامل والتحرُّر من العبودية كاملًا، العبودية بكل أشكالها: الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعوق التنمية” (العدالة 1 – 4 – 7) وجاء في وثيقة السلام ضرورة الإصلاح ” إن الرؤية (المسكونية) للوضع أصبحت غير محتملة وخاصة إذا ابتغينا التوجه إلى المستقبل” (السلام 2 – 7) ودعت للمشاركة في الإصلاح ” فالبشر هم العاملون في تاريخهم والصانعون له” (السلام 2 – 14 أ).

وركز مؤتمر ميديللين على ثلاث مفاهيم لبناء المجتمع الجديد هي(2):

أ – إثارة الوعي لدى الجماهير لكيما تدرك أهمية التغيير.

ب- التحرير من الظلم والفقر والقهر.

ج- المشاركة في الإصلاح.

وأُعتبر هذا المؤتمر لحظة حاسمة في تاريخ كنيسة أمريكا اللاتينية، وقال الأسقف ” كازلدا ليدا ” المُرسَل إلى البرازيل إن هذا المؤتمر كان بمثابة ميلاد جديد للكنيسة في أمريكا اللاتينية.

4- في سنة 1969م طُلب من ” جوستافو جوتييريز ” إعداد تقرير عن لاهوت التنمية، فكان رأي جوتييريز إنه لا يمكن الحديث عن لاهوت التنمية بدون الحديث عن لاهوت التحرير. أما ” ليوناردو بوف ” فقد أعلن في قداس أُقيم في ” ماناجوا ” في نيكاراجوا، فوقف وسط الجموع ليعلن ” نحن لا ننتمي إلى كنيسة مبهمة، بل إلى كنيسة ملموسة، نريد أن نقدم معها في سيرتنا كنيسة جديدة في مجتمع جديد، كنيسة ترتبط بالله والبشر عن طريق التحرُّر والعدالة الاجتماعية”(3).

وكان ” ليوناردو بوف ” قد أظهر في كتابه ” الكنيسة والكاريزم والفقراء ” انغلاق الكنيسة وجمودها في مواجهة مشاكل الفقراء، فوجد إحتجاجًا شديدًا من قبل ” لجنة عقيدة الإيمان ” التي كان يرأسها الكاردينال الدومنيكاتي الألماني ” رانزنجر ” كما أمره الكرسي البابوي بفترة صمت حتى يراجع أفكاره، وانتهى صمته في 30 مارس سنة 1986م فأعاد التعبير عن رأيه في لاهوت التحرير بحرية.

5- يعتبر عام 1971م مرحلة حاسمة في تاريخ اللاهوت التحريري للأسباب الآتية:

أولًا: في هذا العام صدر كتاب ” جوستافو جوتييريز ” Gustavo Gutierrez عن ” لاهوت التحرير ” A Theology of Liberation ويقع في 500 صفحة من القطع المتوسط وجوستافو من مواليد ” ليما ” ببيرو، ودرس اللاهوت في جامعات لوفان البلجيكية، وليون الفرنسية، وحاضَرَ في جامعة ليما، فكان يستمع إليه كل عام أكثر من 1800 طالب وطالبة من كهنة وشمامسة وراهبات جاءوا من كل نواحي أمريكا اللاتينية.

ونظر ” جوتييريز ” للتحرير على أنه يتحقق على ثلاث مراحل هي:

أ – مرحلة التحرير الاجتماعي الاقتصادي للمجتمع حتى تتساوى الطبقات، فلا يكن هناك طبقة غنية مسيطرة على بقية الطبقات.

ب- مرحلة تحرير الفقراء حتى يساهموا في توجيه دفة الأمور في البلاد.

ج- مرحلة تحقيق الأخوة الإنسانية بين الجميع بناء على الإيمان المشترك للكل.

وبالنظر إلى المراحل الثلاث السابقة ندرك دور الجماعات المسيحية الشعبية ودور الإكليروس في تضامنهم مع الفقراء، وتنديدهم بالظلم أكثر من دورهم في الدفاع عن العقيدة.

ويعتبر كتاب ” جوتييريز ” عن “لاهوت التحرير” هو الكتاب الأم الذي قدم فيه رؤية متكاملة عن فكرة لاهوت التحرير، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وحوى الكتاب 13 فصلًا تحدث فيه عن نظرته لللاهوت، فاللاهوت في نظر ” جوستافو جوتييريز ” ليس فقط معرفة عقلية نظرية، بل يشمل الحياة العملية، فاللاهوت هو الفاعل في حياة الناس، وقال ” جوتييريز ” إن اللاهوت ” تقيّيم مسيحي نقدي للواقع من زاوية الممارسة في ضوء كلمة الله ” وأوضح ” جوتييريز ” انحياز الكنيسة في أمريكا اللاتينية للأغنياء والطبقات الحاكمة، فلابد أن تغيّر اتجاهها لتهتم بالفقراء المقهورين، وأعاد ” جوتييريز ” قراءة الكتاب المقدَّس في ضوء الواقع، فركز على القراءات التي تهتم بقضايا الفقراء والظلم والحرية، وخصَّص الفصل الأخير للحديث عن الفقر الروحي والفقر المادي، واعتبر أن الفقر هو “وضع فاضح” يهدم كرامة الإنسانية وضد الإرادة الإلهية، ويذكر أسباب الفقر المختلفة مستعينًا بنصوص الكتاب المقدَّس مثل قول أيوب الصديق ” ينقلون التخوم. يغتصبون قطيعًا ويرعونه. يستاقون حمار اليتامى ويرتهنون ثور الأرملة. يصدون الفقراء عن الطريق. مساكين الأرض يختبئون جميعًا. ها هم كالفراء في القفر يخرجون إلى عملهم يبكرون للطعام. البادية لهم خبز لأولادهم. في الحقل يحصدون علفهم ويعلّلون كرم الشرير. يبيتون عراة ملابس وليس لهم كسوة من البرد. يبتلون من مطر الجبال ولعدم الملجأ يعتنقون الصخر. يخطفون اليتيم عن الثدى ومن المساكين يرتهنون. عراة يذهبون بلا لبس وجائعين يحملون حزمًا. يعصرون الزيت داخل أسوارهم. يدوسون المعاصر ويعطشون” (أي 24: 2 – 11).

ثانيًا: في هذا العام 1971م صدر أيضًا كتاب الأب ” ليوناردو بوف ” Leonardo Boff الفرنسيسكاني عن ” يسوع المحرر. ودراسة نقدية لعلم المسيح ” وكان لكل من ليوناردو بوف، وجوستافو جوتييريز هدف واحد، بعد أن درسا اللاهوت المدرسي الجديد الذي ظهر نتيجة المجمع الفاتيكاني الثاني، واللاهوت السياسي الذي يمثله ميتز J. P. Metz،  ولاهوت الرجاء الذي يمثله مولتمان Moltman،  وشعرا أن جميع هذه التيارات اللاهوتية لا تناسب أمريكا اللاتينية، ولذلك ركزا على لاهوت التحرير، وقرأ كليهما الكتاب المقدَّس قراءة نقدية فلم يأخذا النصوص على علاتها بل ركزا على الإطار التاريخي الذي كُتب فيه النص، وكيف يطبق على أوضاع أمريكا اللاتينية.

ورأى ” ليونارد بوف ” في كتاب ” يسوع المسيح المحرّر ” أنه يجب التركيز على السيد المسيح من جهة صفاته الإنسانية ووضعه البشري وتضامنه مع الفقراء أكثر من التركيز على صفاته الإلهية، فلاهوت التحرير في نظر ” ليوناردو ” يرتبط بالأرض أكثر من ارتباطه بالسماء، وركز ” ليوناردو ” على طريقة تفسير الكتاب المقدَّس التي تراعي الأمور الآتية:

أ – أولوية ” علم الإنسان ” على ” علم الكنيسة ” فالهدف من لاهوت التحرير هو الإنسان الذي سُلبت إنسانيته أكثر من الكنيسة التي لا تقوم بدون الإنسان.

ب- أولوية الأمل والمستقبل (الأيتوبيا بمعنى الخيالي وليس الوهمي) على الأمر الواقع، فالإنجيل يمنح الأمل فيتغيير الوضع الظالم، ويفتح طاقات الأمل تجاه غد مشرق، وهذا لا يعني إهمال الواقع، ولكنه يعني تجاوز الواقع لما هو أفضل.

ج – أولوية النظرة النقدية على النظرة العقائدية، لأن العقيدة في نظره جامدة تدافع عن المؤسسات وتبريرها، بينما النظرة النقدية تعمل على تطوير هذه المؤسسات الكنسية وتطوير فهمها للإنجيل.

د – أولوية الأمور الاجتماعية على الأمور الشخصية، فكم من أناس يفتقرون لأبسط حقوقهم في السكن والتعليم، فالنقد الاجتماعي لا يهمل البعد الشخصي ولكن يجب أن يسبقه.

ويوضح الأب وليم سيدهم موقف ليوناردو قائلًا “وجميع هذه العناصر تقتضي التحوُّل الباطني (التوبة) التي أعلنها يسوع المحرر، ومازال يعلنها في الإنجيل، وهي موجهة إلى الكنيسة جماعة وأفرادًا. ولا بُد أن يكون التحوُّل هنا في ” العقلية ” وفي ” المواقف ” وهو يقتضي أن يتحوَّل الشخص إلى طاقة ثورية (نسبة إلى الثورة) تسهم في تثوير العالم..”(4).

ثالثًا: عُقد في هذا العام 1971م سينودس روما، وظهر ثقل أساقفة أمريكا اللاتينية حيث حضر أثنان وعشرون أسقفًا يمثلون عدد مجالس الأساقفة في أمريكا اللاتينية، وبعضهم يناصر لاهوت التحرير ولاسيما القادمين من بيرو والبرازيل مثل الكاردينال ” خوان لاندازوري ” Juan Landazuri رئيس أساقفة بيرو، والكاردينال ” بابلو مونوز ” Pablo Munoz نائب رئيس مجلس أساقفة أمريكا اللاتينية من كميتو، والأسقف “الويزيو لورشايدر” Aloisio Lorscheider من سانتو أنجلو، والأسقف ” خوزيه داميرت ” Jose Damert من Cajamarca،  وحرم هذا السينودس على الكهنة ممارسة العمل السياسي والانخراط في الكفاح السياسي إلاَّ في حالات استثنائية وبتصريح خاص من الأسقف المحلي، وقد اكتشفت روما في هذا السينودس أن مركز الثقل فد تحوَّل من القارة الأوربية إلى قارات أخرى أكثر قوة وتأثيرًا ولاسيما قارة أمريكا اللاتينية.

6- لقاء الأسكوريال:

عُقد خلال الفترة 8 – 15 يوليو 1972م في مدريد عاصمة أسبانيا، وحتى هذا التاريخ لم تكن أوربا قد التفتت إلى لاهوت التحرير، ولذلك يعتبر عام 1972م تاريخ دخول لاهوت التحرير للقارة الأوربية من خلال لقاء الأسكوريال الذي نظمه معهد الإيمان والعلمانية، وكان هذا المعهد قد تأسس سنة 1967م بناء على طلب البابا بولس السادس للرهبنة اليسوعية بقصد مواجهة الإلحاد، وناقش هذا اللقاء موضوع ” الإيمان المسيحي والتغيرات الاجتماعية في أمريكا اللاتينية، وشارك فيه نحو 300 شخصية منهم عدد كبير من الرهبان اليسوعيين، وساد التوجه المسيحي الإشتراكي هذا اللقاء بعد أن أتيحت الفرصة كاملة لمناصري لاهوت التحرير، ولذلك وصف بعض الكاثوليك المجتمعين في هذا اللقاء بأنهم ماركسيون مخرّبون، ويقول الأب وليم سيدهم ” أما زبدة ما أثير في اللقاء.. خصائص لاهوت التحرير في إطار أمريكا اللاتينية العام:

أ – المقصود بلاهوت التحرير هو مشروع لاهوتي جديد يشمل جميع وجوه الإيمان المسيحي.

ب- مصدر هذا اللاهوت هو الاختبار الروحي (على أساس خبرة الشعب اليهودي من العبودية إلى الحرية عن يد الله، الذي يدعونا للمشاركة الآن في تحرير المسحوقين في المجتمع) الذي يدفع إلى العمل السياسي.

ج – نقطة انطلاقه ونحن لا نجدها في اللاهوت الأوربي، هي رفض الواقع التاريخي الاجتماعي المحلي، لأنه واقع ظالم.

د – وهذه الممارسة للعمل السياسي تثير أزمة في داخل الإيمان، كما أنها تتطلب أن تقوم قطيعة مع المصادر المعرفية التقليدية (المقصود هو الاعتماد على معرفة الواقع المباشر في أمريكا اللاتينية، وليس الحصول عليها من أوربا).

هـ- يرتدي هذا المشروع طابعًا نبويًّا نقديًّا، فإنه يعيد تفسير الحقائق الإيمانية انطلاقًا من واقع الكنيسة التاريخي، ويخضع في الوقت نفسه لتفسير الإيمان، وهذه العلاقة الجدلية بين الإيمان والتاريخ تجعل من الحقيقية الإيمانية واقعًا ديناميكيًا يدفع الكنيسة إلى الأمام..

و – الشعب هو الفاعل الأصلي للاهوت، إذ أن كلمة الله موجهة أصلًا إلى الفقراء، وهم أقرب الناس إلى فهم عمل هذه الكلمة في حياتهم وإلى التعبير عنهم، فاللاهوت الذي يخرج من الشعب، لا من مكاتب اللاهوتيين، هو الذي يتحدث باسم هذا الشعب.

ز – التاريخ هو المكان الذي يولد فيه اللاهوت في الأساس، لأنه الإطار الذي يتجسد فيه حضور الله للبشر. ولذلك يمتد لاهوت التحرير بجذوره إلى التقليد الكنسي”(5).

وظهر واضحًا في لقاء مدريد تياران أساسيان، تيار متشدد يركز عل تبني التحليل الماركسي بشكل صارخ، ومثَّل هذا التيار ” هوغواسمان ” البرازيلي مع آخرين، وتيار معتدل يركز على المصدر الإنجيلي للتحرير بجانب العلوم الاجتماعية والتحليل الماركسي، ومثَّل هذا التيار ” جوستافو جوتييريز ” من بيرو مع آخرين.

7- مؤتمري دوتريت، ودار السلام:

عُقد مؤتمر دوتريت سنة 1976م تحت عنوان ” اللاهوت في الأمريكتين ” وحضره جمع غفير من العلمانيين الذين جذبهم التيار اللاهوتي الجديد، وفي سنة 1977م عُقد مؤتمر ” دار السلام ” في تنزانيا، وضم ممثلين من أمريكا اللاتينية وأفريقيا وأسيا، وحضر عن كنيستنا القبطية الأرثوذكسية الدكتور موريس أسعد، وكان المؤتمر بمثابة إنشاء للجمعية المسكونية للاهوتيي العالم الثالث، وركز المؤتمران (دوتريت ودار السلام) على التحرير من الظلم الذي يعاني منه سكان العالم الثالث.

8- مؤتمر بوبيلا Puebla:

عُقد هذا المؤتمر مجلس أساقفة الكنيسة بأمريكا اللاتينية خلال الفترة 17/1 – 12/2/1979م، ودار حول زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وأهمية دور الكنيسة في علاج هذه المشكلة، وقد سيطر على المؤتمر الأساقفة المحافظون وغاب عنه رموز لاهوتيي التحرير، ومع هذا فإن المؤتمر لم يقدر أن يمحو أثار مؤتمر ميدللين سنة 1968م، ولذلك أكدوا على ضرورة الاهتمام بالفقراء، والدفاع عن حقوق الإنسان، والاحتفاظ بمبدأ التحرير.

ويقول الأب وليم سيدهم ” نشير إلى أن أمريكا الوسطى كانت تغلي بالثورة، وإن لاهوت التحرير كان يُحدث انتصارات على الأرض مع وصول الثوار الساندينيين إلى الحكم في نيكارا جوا، ووجود ثلاث من الكهنة في الحكومة الساندينية وزير الثقافة، ووزير الخارجية، ووزير التعليم.. على كل حالٍ بعد انتهاء مؤتمر بوبيلا Puebla بوقت قليل وانعقاد المؤتمر السابع عشر لمجلس رؤساء أساقفة أمريكا اللاتينية في فنزويلا ظهر التيار المضاد للاهوت التحرير بشكل سافر ومركز، ومما ساعد على ذلك انتخاب ” لوبيز تروخيللو ” Lopez Trujillo رئيسًا للمجلس، وهو معروف باتجاهاته المحافظة، كما انتخب ” لوسيانو كابرال ” Luciano Cabral البرازيلي الرافض للاهوت التحرير نائبًا أولًا لرئيس المجلس، فكل ذلك جعل المؤسسة الكنسية الرسمية على الأقل تتخلى عن لاهوت التحرير في غالبيتها”(6).

_____

(1) الأب وليم سيدهم – لاهوت التحرير – رؤية عربية إسلامية مسيحية ص 112.

(2) راجع الأب وليم سيدهم – لاهوت التحرير – رؤية عربية إسلامية مسيحية ص 115 – 116.

(3) القس مرزوق حبيب – مجلة الهدى عدد 919 يناير 1990م ص 25.

(4) لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية ص 51.

(5) لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية ص 55، 56.

(6) لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية ص 71، 72.