131- هل يمكن إلقاء الضوء على بعض الشخصيات التي كان لها دور فعَّال في الرد على الفلسفة العقلانية؟
ج: نعم. والآن بالإضافة إلى أسماء بعض الشخصيات التي عبرت علينا دعنا يا صديقي نلقي الضوء قليلًا على شخصيات أخرى من الذين كان لهم دور فعَّال في الرد على الفلسفة العقلانية ولاهوت التحرر:
فورسايث – سي. إس. لويس – دوروثي ل. سايرز – كارل بارت – راينهولد نيبور – ديتريش بونهوفر
1- فورسايث P. T. Forsyth (1848 – 1921م):
وهو إنجليزي الجنسية درس اللاهوت على يد العالم الألماني ” ريتشل ” وقد حُسب في البداية ضمن الليبراليين، ولكنه شيئًا فشيئًا تحرر من الليبرالية، وأكتشف فراغها الروحي، وأقتنع بأن أدوات دراسة النقد الكتابي يجب أن تستخدم في دعم القضية الإنجيلية، ومن أعظم مؤلفاته ” شخص ومكان يسوع المسيح ” The Person and place of Jesus Christ.
2- سي. إس. لويس C. S. Lewis (1898 – 1963م):
شغل لويس منصب أستاذ لآداب العصور الوسطى وعصر النهضة بالقسم الإنجليزي بجامعة كمبردج، وكتب عن الإيمان المسيحي بأسلوب بسيط ومقنع مما جذب كثير من المسيحيين الذين انصرفوا عن المسيحية لأسباب عقلية، فدُعي ” الرسول إلى المرتابين”، ودافع لويس عن المعجزات قائلًا إذا آمنَّا بالله سهل علينا أن نؤمن بالمعجزات، ومن أشهر كتبه “رسائل الشريط الولبي” The Screwtape Letters وهي قصة خيالية عن رسائل يكتبها الشيطان لابن أخيه يوضح فيها كيف يغري الجنس البشري، ويُعتبَر لويس مؤلِف غزير الإنتاج ومن كتبه ” المسيحية مجردة” و”ثلاثية الفضاء” و”المعجزات ومشكلة الألم”.
3- الآنسة دوروثي ل. سايرز Dorothy L. Sayers (1893 – 1957م):
وكانت متخصصة في العصور الوسطى مثل لويس، وترجمت بصورة ممتازة الكوميديا الإلهية لدانتي للغة الإنجليزية مما أكسبها احترام الناس، وكتبت تدافع عن الإيمان المسيحي، ومن أشهر كتبها ” إيمان وفوضى”، و” عقل الخالق”.
4- كارل بارت Karl Barth (1886 – 1968م):
وُلِد كارل بارت في 10 مايو 1886م في مدينة بازل السويسرية، وكان والده أستاذًا في كلية اللاهوت، ودرس كارل بارت لاهوت التحرر في برلين وبعض المدن الألمانية الأخرى، وأمضى فترة قصيرة يكتب لإحدى المجلات الألمانية التي تنادي بلاهوت التحرُّر، ونظر بارت للكتاب المقدَّس على أنه كتاب بشري مثل أي كتاب آخر يجب إخضاعه لمبادئ النقد الكتابي، فالكتاب المقدَّس في نظر بارت يعتبر إعلان إلهي للبشرية وإعلانًا للفرد عندما يستخدمه الروح القدس في لقاء الشخص مع الله، ولكنه ليس وحيًّا إلهيًّا.
وفي سنة 1909 م صار بارت راعيًا لكنيسة في جنيف، وفوجئ باحتياجات شعبه وعجزه عن سد هذه الاحتياجات عن طريق لاهوت التحرُّر، وبعد أن كان قد تأثر بآراء أساتذته العصريين مثل هارنك، وهرمان تراجع عن أفكاره، وعكف على دراسة الكتاب المقدَّس بفكر جديد، وخلال الفترة 1921-1935م قام بارت بتدريس اللاهوت النظامي في جامعات ألمانيا، وبدأ في كتابة مجموعته اللاهوتية عن اللاهوت النظامي والتي تزيد عن خمسة وعشرين مجلدًا، بالإضافة إلى أكثر من عشرين كتابًا آخر، وفي سنة 1923م دخل في نقاش حاد مع أستاذه هارنك أستاذ تاريخ العقائد، وبينما كانت مدافع الحرب العالمية الأولى تدوي كان بارت يدرس الكتاب المقدَّس، ويتكلم عن الإيمان التلقائي، فقال ” لا توجد طرق أو وسائل بشرية للخلاص. كما لا يوجد دَرَج يتحتم أن نتسلقه أولًا لبلوغ الإيمان، فالإيمان يأتي تلقائيًا وهو يفرض ذاته.. وهو عند الجميع بسيط وعسير في ذات الوقت، وهو وثبة في الفضاء، وهو بقدر ما يسهل نواله بالنسبة للجميع فهو صعب بنفس القدر”(1).
واعتبر بارت أن العهد الجديد من بدايته إلى نهايته يعتبر شهادة حيَّة عن حقيقة يسوع التاريخ، وأقتنع بارت أن الأمور التاريخية محددة، فهي ترتبط بالنصوص ولا تتجاوزها، ولذلك اقترح استخدام التفسير اللاهوتي بدلًا من التفسير التاريخي، وقال أن العلوم التاريخية عاجزة عن فهم حقيقة يسوع، ولذلك يجب أن نأخذ شهادة العهد الجديد للسيد المسيح ببساطة دون أن نحاول إضافة شيء آخر بمهارتنا وأساليبنا العلمية، وقال ” فإننا نستطيع أن نرى المجتمع المسيحي الأول قد عرف المسيح كما هو. إن المجتمع المسيحي آمن به كما كان.. ومع ذلك فلقد كان متميزًا عنهم في قدرته على عدم الهروب من مهمته الخطيرة، ومتميزًا في جلاله ووقاره وعدم قابليته للتغير وبهذا فقد فاق كل حدود حياته وزمانه”(2)(3).
وقال كارل بارت عن قوة الإنجيل أنه كلمة الله القوية التي ” تستجوبه إلى عمق كيانه، وتقتلعه من ضماناته واقتناعاته، ولذلك فهي تنفض عنا غبار كل العلاقات التي تستبقيه حبيسًا داخل مُثُُله حتى يستطيع التحرر بكل إخلاص لله وللعمل الجديد العجيب لنعمته في يسوع المسيح”(4).
وكان كارل بارت وقفته المشرّفة ضد هتلر والنازية، مما ألزمه بالعودة إلى بازل بسويسرا، وقام بحرب شعواء ضد لاهوت التحرر، وكتب عن يسوع الناصري الذي وُلِد بطريقة معجزية وصنع المعجزات وصُلِب ومات ودُفِن وقام(5) وظل بارت يقوم بالتدريس في جامعات سويسرا حتى سنة 1962م عندما تفرغ بقصد إتمام مؤلفاته اللاهوتية الضخمة، ومات سنة 1968م ويعتبر من أشهر مفكري مدرسة الأرثوذكسية الحديثة، ويقول إيريل كيرنز ” كان الله بالنسبة لبارت إلهًا متساميًا أكثر منه موجودًا في كل شيء، وكان الإنسان بالنسبة له خاطئًا أكثر منه مولودًا وفي كيانه قبس من الطبيعة الإلهية”(6).
5- راينهولد نيبور Reinhold Niebuher (1893 – 1971م):
رأى نيبور أن الأرثوذكسية الجديدة جاءت لكيما ترد على اللاهوت الليبرالي المتحرر، وتكلم نيبور عن الخطية الأصلية والنعمة، ويقول عنه ” ايريل كيرنز”.. ” أما راينهولد نيبور Reinhold Niebuhr (1893 – 1971م) فسرعان ما أكتشف أن الأفكار اللاهوتية المتحررة لا توافق احتياجات عمال مصانع السيارات الذين كان يخدم بينهم في ديترويت، وفي كتابه ” الإنسان الأخلاقي في مجتمع لا أخلاقي” (1932م) وكتابه الآخر ” طبيعة الإنسان ومصيره” (1941 – 1943م) أشار إلى خطية البشر وتأثيرها السلبي على السياسة والاقتصاد والمجتمع. آمن أن محبة الله في الصليب تقدم حلًا يقدر أن يصل إلى ما بعد التاريخ، لكنه أصرَّ أيضًا على أن المحبة المخلصة في قلب الإنسان يمكن أن توفر الحلول الاجتماعية المطلوبة لاحتياجات المجتمع البشري”(7).
6- ديتريش بونهوفر Dietrich Bonhoeffer (1906 – 1945م):
يعتبر ديتريش بونهوفر من أصحاب الأرثوذكسية الجديدة، وقد ركز على الجانب الأخلاقي، فهو يريد مسيحية الأخلاق.. يريد ” مسيحية ليست دينًا”.. ” وكان مثل هذا التوجيه الجديد جديرًا بأن يربط الكنيسة بالعالم بنفس القدر الذي قامت به الليبرالية القديمة عندما نادت بالإنجيل الاجتماعي”(8).
ورأى بونهوفر أنه على الإنسان مسئولية التصرف الأخلاقي الذي يقدم القداسة للعالم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فيقول “إيريل كيرنز”.. ” ديتريش بونهوفر (1906 – 1945م) والذي تأثر بفكر بارت Karl Barth وبولتمان Rudolf Bultmann تحدث عن كون الإنسان قد ” بلغن سن الرشد ” فكريًا في عالم يعاني الأزمة حيث أصبح الفكر اللاهوتي لا يتفق ولا يتناسب مع الواقع حيث يواجه الإنسان مسئولية التصرف الأخلاقي المسئول في صيغة تقدم ” القداسة للعالم ” في إطار التزام وولاء كامل للمسيح كرب وسيد للحياة. مثل هذه المسيحية الوجودية التي تعيش في العالم جديرة بأن تنجح في ربط ما هو مقدس بما هو دنيوي في الحياة اليومية. وكان لكتب بونهوفر ورسائله التي كتبها في الفترة من 1930 – 1940م تأثير واسع آنذاك”(9).
وقبض هتلر على بونهوفر لأنه حاول مساعدة أربعة عشر يهوديًا للهرب من ألمانيا إلى سويسرا، وحكم عليه بالإعدام، وفي فترة الانتظار لتنفيذ الحكم كتب أشهر كتبه ” الحياة معًا” و”ثمن التلمذة ” بأسلوب أدبي بسيط وصريح، فعبر عن الأفكار اللاهوتية العميقة بلغة سهلة بسيطة، وقال ” ليس العمل الديني هو الذي يصنع المسيحي، لكنها المشاركة في آلام الله في الحياة الدنيوية.. بمثل هذا العمل نلقي أنفسنا بالكامل بين ذراعي الله، غير عابئين بآلامنا نحن بل بآلام الله في العالم، ناظرين إلى المسيح في جثسيماني. هذا في رأي هو الإيمان”(10).
_____
(1) د. ق جون لوريمر – ترجمة عزرا مرجان – تاريخ الكنيسة جـ 5 ص 70.
(2) Karl Barth, Church Dogmatic, VOL , IV , 2 , trans G.W. Bromily, Edinbourgh 1958. P. 156.
(3) أورده القس أندريه زكي في كتابه المسيح والنقد التاريخي ص 34.
(4) د. ق جون لوريمر – ترجمة عزرا مرجان – تاريخ الكنيسة جـ 5 ص 70.
(5) راجع د. ق حنا جرجس الخضري – تاريخ الفكر المسيحي جـ 1 ص 178.
(6) ترجمة عاطف سامي برنابا – المسيحية عبر العصور ص 529.
(7) المرجع السابق ص 531.
(8) المرجع السابق ص 532.
(9) ترجمة عاطف سامي برنابا – المسيحية عبر العصور ص 532.
(10) د. ق جون لوريمر – ترجمة عزرا مرجان – تاريخ الكنيسة جـ 5 ص 71.