129- ما هي نظرية اللاهوت الليبرالي لله، وللسيد المسيح، وللملكوت، وللكتاب المقدَّس، وللإنسان؟
ج: لقد كان ومازال للاهوت التحرُّر نظرته لله، وللسيد المسيح، ولملكوت الله، وللكتاب المقدَّس، وللإنسان:
1- نظرة اللاهوت الليبرالي لله:
خلط الليبراليون بين الله والوجود، فيقولون ” اسم الله يُطلَق على هذه العملية العظمى الجبارة التي وجدنا أنفسنا جزءًا منها. هذه العملية العظمى التي تُظهِر نفسها في أصغر الأشياء كالخلية، وفي أعظم الأشياء كالنجوم الجبارة. الله ليس شخصًا متميزًا عنا بل حياتنا جزء منه.. إن الإنسان والله واحد، فحتى خطية الإنسان هي جزء من حياة الله”(1).. يا للهول!!! هل يُعقل أن الله القدوس تصير خطية الإنسان جزءًا من حياته!!!
كما قالوا ” هل تظن أن الله جاء في شخص اسمه يسوع المسيح ؟ وهل تظن في مكان ما شخص اسمه الله.. الله لا يُحد ولا يُحيز.. هذه أفكار بدائية قدمها الكتَّاب في وقت كتابتهم للكتاب المقدَّس، وتتناسب مع طفولتهم وسذاجتهم الفكرية. لكن نحن في عصر ما بعد الحداثة الآن. كيف نقبل هذه الأفكار الآن أن الله فرد شخص علم قائم بذاته. الله هو هذه العملية الجبارة التي أسموها الحياة.. الحياة التي تجعل الزهرة تشق الصخور، وتجعل الخلية تتكاثر وتطبع نفسها، وتجعل النجوم تدور في أفلاكها”(2).
وادَّعى الليبراليون أن معرفة الله أمر ليس له أهمية، فيقولون ” ليس من المهم أن يكون عندك فكرة واضحة عن الله، وليس من المهم أن تصل إلى حقيقة قاطعة من جهة من هو الله. لا تضيع جهدك في محاولة أن تعرف من هو الله. إذ أن في هذا قتل لحياتك الروحية. إن المهم هو أن تشعر بحضوره. أنتم بعقولكم المحدودة تتصوَّرون أنكم تعرفون الله غير المحدود”(3) وبذلك يتحوَّل الله بالنسبة للإنسان من إله كائن إلى فكرة مجردة، متغافلين قول الكتاب المقدَّس:
* “لا يفتخرن الحكيم بحكمته. ولا يفتخر الجبار بجبروته. ولا يفتخر الغني بغناه. بل بهذا ليفتخرن المفتخر بأنه يفهم ويعرفني إني أنا الرب الصانع رحمةً وقضاءً وعدلًا في الأرض لأني بهذه أسرُّ يقول الرب” (أر 9: 23، 24).
* “بدء الحكمة مخافة الرب ومعرفة القدوس فهم” (أم 9: 10).
2- نظرة اللاهوت الليبرالي للسيد المسيح:
يقول الدكتور القس حنا جرجس الخضري أن المُتحرّرين قد رأوا ” في يسوع إنسانًا حكيمًا ومعلمًا عظيمًا ومصلحًا اجتماعيًا لا يُقارن. ولقد رفعته هذه الحركة إلى درجة لم يرتفع إليها أي إنسان في الوجود من قبله، على أنها لم ترتفع به إلى درجة أعلى من إنسان، فهو إنسان ومازال إنسانًا بالرغم من سموه فوق كل إنسان، فهي لا ترى فيه إلاَّ يسوع المثال الحي للحب والحنان والتضحية، يسوع الذي كان يطوف كل الجليل يعلم ويكرز ببشارة الملكوت.. أما الاتجاهات اللاهوتية المحافظة فقد رأت في يسوع الناصري ما رأته الاتجاهات اللاهوتية المُتحرّرة من أن يسوع الناصري إنسان حكيم ومعلم عظيم ومصلح اجتماعي لا يُقارن، ولكن كل هذه الأوصاف ليست هي كل أوصاف يسوع، كان يسوع الناصري ابن مريم وهو أيضًا وقبل كل شيء ابن الله.. فإن يسوع الناصري لم يرتفع إلى درجة سامية وعالية وعظيمة لم يصل إليها إنسان، لم يرتفع (يسوع) إلى درجة الألوهية أو مُنح صفة إلهية لم تكن من حقه ومن صفاته الطبيعية من قبل، بل قبل أن يكون إنسانًا محبًا، حنونًا، وديعًا، مضحيًا، عظيمًا.. إلخ هو الله، وكل الأعمال التي قام بها يسوع والمعجزات التي عملها قام بها وعملها بصفته الله”(4).
قال الليبراليون عن السيد المسيح ” هو تجلي عظيم للحياة الإلهية. أنت تجلي للحياة الإلهية، وأنا تجلي، والدودة تجلي، والزهرة تجلي. لكن ما أعظم تجلي زهرة المسيح”(5).
وأنكر الليبراليون الميلاد العذراوي للسيد المسيح، كما أنكروا معجزاته وقيامته من الأموات كما رأينا من قبل.
3- نظرة اللاهوت الليبرالي إلى الملكوت:
يقول “ريتشارد نيبوهر” معلقًا على نظرة الليبراليين للملكوت “الإدراك الليبرالي الرومانسي لملكوت الله يقول.. بعدم وجود أزمات، ولا مآسي، أو تضحيات، ولا خسارة لكل شيء، لا صليب ولا قيامة. في الأخلاق وفَّق بين اهتمامات الفرد واهتمامات المجتمع بالثقة في: أخلاق الإنسان الكريم الذي يحب الخير لغيره من الناس، وفي الدين تصالح الله مع الإنسان بتحدي الإنسان وتأنس الله. أصبح المسيح الفادي يسوع المعلم أو النابغة الروحي الذي ارتقت فيه تمامًا الطاقات الدينية لبني الإنسان.. التطوُّر، النمو، التقدم.. وحل امتداد المُثل الإنسانية الخيرية وتقدم المدنية محل الثورة المسيحية.. إله بدون غضب، جاء بأناس بلا خطية، إلى ملكوت بلا دينونة، من خلال خدمات مسيح بلا صليب”(6)(7) ولم يقبل الناس فكر الملكوت كما قدمه اللاهوت الليبرالي، وقالوا أن السيد المسيح لم يقصد أن يكوّن ملكوتًا عبارة عن مجتمع مثالي تصنعه الكنيسة، إنما ملكوت الله هو عمل الله نفسه حينما وحيثما تشاء مسرته، فالملك يدعو المؤمنين ” تعالوا إليَّ يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم” (مت 25: 34) وقد صحح الألماني ” البرت شوتيزر ” Albert Schioeitger في كتابه ” محاولة في معرفة يسوع التاريخي ” The Quest of the Historical Jesus المفهوم المغلوط الذي قدمه الليبراليون عن الملكوت.
4- نظرة اللاهوت الليبرالي للكتاب المقدَّس:
كما رأينا من قبل أن الليبراليّين قد أنكروا عصمة الكتاب المقدَّس المطلقة والوحي الكامل، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وقالوا أن العصمة شملت الأمور اللاهوتية والعقائدية والروحية والتعليمية دون الأمور التاريخية والجغرافية والعلمية، وقالوا أن الكتاب المقدَّس قد أخذ من أساطير الأولين، وأن الكاتب ابن عصره، فهو ينقل فكر وخبرة عصره، وقالوا أن كلمات الكتاب المقدَّس هي كلمات بشرية تتحوَّل إلى كلمات إلهيَّة فقط عندما يستخدمها الروح القدس في تغيير النفوس، فخلطوا بين عمل الروح القدس في الوحي وعمله في الاستنارة، وقالوا أن أخطاء الأنبياء تُسقط عنهم العصمة، ونادوا بفكرة التاريخ المقدس فأنكروا تاريخية وحقيقة كثير من قصص الكتاب، وقالوا أن ما يهمنا هو أن الكتاب المقدَّس حوى الحق الإلهي، ولا نهتم إذا كان موُحى به ومعصوم أم لا، وقالوا أن لوثر أحلَّ عصمة وسلطان الكتاب المقدَّس بدلًا من سلطان كنيسة روما، والآن حان الوقت لإحلال سلطان المسيح بدلًا من سلطان الكتاب المقدَّس، وقالوا عن وحدة الكتاب أن ” العنصر الديني في الكتاب المقدَّس يتجلى في نظرة الكتاب الشاملة للحياة. أن ميزاته الفريدة كأدب وكشهادة للوحي تنبع من كليته، بما في ذلك من شعره الإباحي والكلام البذيء الذي يحتويه”(8).
5- نظرة اللاهوت الليبرالي للإنسان:
اعتقد الليبراليون بصلاح الإنسان، وأنكروا خطية الإنسان، فدعوها بأنها عدم تكيف مع الظروف، وسخروا من فكرة الخطية الجديَّة الموروثة من آدم، وادَّعوا أن فكرة الخطية هي من صياغة رجال الدين، حتى يلجأ إليهم الإنسان طالما يشعر أنه إنسان خاطئ. فالإنسان ليس جانيًا يؤمر من الله بالتوبة بل أن التوبة ليس لها مكانًا في لاهوت التحرر، فالتركيز كل التركيز على قبول النفس، وحب النفس، واكتشاف الذات، وتحقيق الذات، والتكيف مع الظروف، والتشديد على قبول الآخر فيركزون على بعض الآيات مثل ” لا تدينوا لكي لا تدانوا”.
وفي هذا القرن العشرين ظهر أيضًا “لاهوت التحرير” في أمريكا اللاتينية بقصد تحرير الفقراء والمظلومين ومساندة الحركات الثورية، وقد عرَّفه الدكتور ميلاد حنا بأنه نتاج التلقيح الفكري بين الكثلكة والماركسية، ففي لاهوت التحرير نجد صدى الأفكار الماركسية والعنف الدموي، ولذلك حذر الفاتيكان من أفكار لاهوت التحرير لأنه يلجأ إلى العنف الدموي لتحرير الإنسان من الظلم والفقر، وهذا ضد مبادئ الإنجيل، فالحرية المسيحية هي الحرية من الخطية ” إن حرَّركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا” (يو 8: 36) وعندما يتحرَّر الإنسان من الخطية سيحب أخيه، ويتعاطف معه لا يظلمه ولا يقهره. وبينما يهتم لاهوت التحرير بفئة واحدة وهي فئة الفقراء المقهورين، فإن الإنجيل يعلمنا الاهتمام بكل الفئات.. وكم من أغنياء ومقهورين بالخطية!!
ويعتبر لاهوت التحرير هو التطبيق العملي للاهوت التحرُّر الذي ينكر العقائد، ولا يعترف بالعصمة المطلقة للكتاب المقدَّس، ولذلك يدافع أصحاب لاهوت التحرُّر عن لاهوت التحرير، ولنا عودة للاهوت التحرير في الفصل السابع عشر من هذا الكتاب.
_____
(1) ورد في تسجيل صوتي ” إلى الشريعة وإلى الشهادة ” ليوسف رياض وماهر صموئيل (يفضح اللاهوت الليبرالي).
(2) المرجع السابق.
(3) ورد في تسجيل صوتي ” إلى الشريعة وإلى الشهادة ” ليوسف رياض وماهر صموئيل (يفضح اللاهوت الليبرالي).
(4) تاريخ الفكر المسيحي جـ 1 ص 162، 163.
(5) ورد في تسجيل صوتي ” إلى الشريعة وإلى الشهادة ” ليوسف رياض، وماهر صموئيل.
(6) Vidler op. Cit P. 213.
(7) أورده د. ق جون لوريمر – ترجمة عزرا مرجان – تاريخ الكنيسة جـ 5 ص 68، 69.
(8) تسجيل صوتي ” إلى الشريعة وإلى الشهادة ” يوسف رياض وماهر صموئيل.