سؤال وجواب

كيف تأثر الإنسان الأوربي بالفلسفة العقلانية في القرن الثامن عشر؟ وكيف نشأت حركة الإنجيل الاجتماعي؟

 123- كيف تأثر الإنسان الأوربي بالفلسفة العقلانية في القرن الثامن عشر؟ وكيف نشأت حركة الإنجيل الاجتماعي؟

ثانيًا: الفلسفة العقلانية في القرن الثامن عشر

ج: في هذا القرن نشطت الحركة العقلانية ومذهب التأليه الطبيعي على يد بعض المفكرين، حتى إن ” إيلي كاترين فريرون ” Elie Catharine Freron كتبت تقول ” لم يتميز عصر بمثل ما تميز به عصرنا من ارتفاع عدد الكتَّاب المحرضين بكل قواهم على مهاجمة (الله) وهم يسمُّون أنفسهم رسل الإنسانية، ولم يفطنوا أبدًا أن هذا ليس في صالح المواطن كما أنه يسئ إساءة خطيرة إلى الجنس البشري، وذلك بأن نحرمهم من الآمال الوحيدة التي تقدم لهم بعض ما يخفف عنهم آلام الحياة. وهم لا يفهمون أنهم بذلك يفسدون النظام الاجتماعي، ويحرضون الفقراء ضد الأغنياء، والضعفاء ضد الأقوياء”(1)(2)

وفي هذا القرن ظهر الاتجاه لإنكار المعجزات، فبعد أن كان المسيحيون يقبلون ببساطة ما هو خارق للطبيعة فيما مضى، تأثروا في هذا القرن بالاتجاه العقلاني، وحاولوا تفسير كل ما هو معجزي بالعقل البشري. كما أثرت حركة التنوير في هذا العصر على قبول الكتاب المقدَّس ككلمة الله الموحى بها المعصومة تمامًا من الخطأ، بل وصل الحد إلى التطاول والهجوم على الكتاب المقدَّس، ومع نهاية هذا القرن كان قد تم إقرار حق النقد الكتابي. وكما رأينا من قبل أن هذا التيار الفلسفي العقلاني وُلِد في إنجلترا في القرن السابع عشر، ثم تركز خلال هذا القرن الثامن عشر في فرنسا، ومع نهاية هذا القرن وطوال القرن التاسع عشر وحتى القرن العشرين إنتقل الهجوم على الكتاب المقدَّس باسم الفلسفة من فرنسا إلى ألمانيا.

وفي هذا القرن قام كثيرون بالدفاع عن الإيمان المسيحي القويم ضد مذهب الربوبية، فألف ” ويليام لو ” William Law سنة 1732م كتابه ” قضية العقل ” الذي يدور حول عجز العقل البشري في استيعاب الأمور الإلهية، لأن الله يفوق إدراك العقل. كما كتب ” جوزيف بتلر ” Joseph Butler سنة 1736م كتابه ” أطروحة الدين ” موضحًا أن ” الحجج التي استخدمها الربوبيون ضد إله الكتاب المقدَّس يمكن أيضًا استخدامها ضد إله الطبيعة أيضًا لو أننا اعتمدنا على العقل البشري كمرجع نهائي. استخدم بتلر Butler حجة الاحتمالات ليُظهِر أن المسيحية السليمة تستطيع أن تقدم إجابات أفضل للمشكلات مما تقدمه الربوبية”(3).

وفي هذا القرن ظهرت حركة الإنجيل الاجتماعي المتحرر Liberal Social Gospel ويدور محور هذه الحركة حول الاهتمام بالفقراء والمحتاجين واللاجئين، فقد كتب ” أوجست فرانك ” سنة 1716 م. ثلاث مقالات يحفز المسيحيين للاهتمام بالفقراء، ويعتبر ” وليم لو ” William Low (1686 – 1761م) أحد قادة هذه الحركة الذي حرض المسيحيين على أن يكرس كل فرد حياته للمسيح، وكتب كتابه ” دعوة جادة للتكريس والقداسة ” سنة 1728م يدعو فيه لحياة التكريس من أجل خدمة الآخرين.

ومما يؤخذ على حركة الإنجيل الاجتماعي المتحرر رفضها للعقائد المسيحية، فيقول ” ويبر”.. ” رفض القادة في هذه الحركة المعجزات الفوق الطبيعية في الإنجيل لأنها لا تتوافق مع العقل. رفضوا الكثير من العقائد المسيحية الأصلية مثل عقيدة التجسد، وموت السيد المسيح، وقيامته، والصعود، ومجيء الروح القدس يوم الخمسين. كما رفضوا الوعظ بالتوبة، وقبول السيد المسيح، وقد إعتبروا كل هذا أنه فكر هليني فقط”(4)(5).

بل أن أصحاب حركة الإنجيل الاجتماعي اعتبروا أن العقائد المسيحية أساطير دينية، فيقول ” ويبر”.. ” لقد طالبنا الإنجيل بعمل تغيير اجتماعي. محبة القريب، أو تقديم كأس ماء بارد أصبحا جوهر الإنجيل، فأصبح التركيز على العدالة الاجتماعية، والخدمة الاجتماعية هي الأساس. أما بقية العقائد المسيحية الأساسية رفضت لأنها طبقًا لهم أساطير دينية”(6)(7). كما قالوا ” يمكن أن نجد المسيح الحقيقي خلف الأساطير الخارقة للطبيعة في تعليم الرسول بولس، نجد المسيح في المحبة: محبة الله والقريب. لقد آمن قادة هذه الحركة بأن رسالة السيد المسيح هي رسالة اجتماعية، وليست خارقة للطبيعة”(8)(9).

كما قالوا ” يمكن أن نجد المسيح الحقيقي خلف الأساطير الخارقة للطبيعة في تعاليم الرسول بولس، نجد المسيح في المحبة: محبة الله والقريب. لقد آمن قادة هذه الحركة بأن رسالة السيد المسيح هي رسالة اجتماعية، وليست خارقة للطبيعة”(10)(11)

وكان من نتيجة الاهتمام الزائد لحركة الإنجيل الاجتماعي المتحرر بالجانب الاجتماعي على حساب الجانب الكرازي، أن ظهرت ” حركة الكرازة ” في القرن التاسع عشر والتي اهتمت بالجانب الكرازي أكثر من الجانب الاجتماعي كما سنرى فيما بعد.

_____

(1) Durant. op. Cit. IV, P. 760.

(2) أورده د. ق جون لوريمر – ترجمة عزرا مرجان – تاريخ الكنيسة جـ 5 ص 48.

(3) ترجمة عاطف سامي برنابا – المسيحية عبر العصور ص 441، 442.

(4) Webber , Robert E. The Church in the World. Grand Rapids: Zandervan, 1986. P. 163.

(5) أورده د. ق صموئيل رزفي في كتابه تجديد الفكر في المسيحية ص 154.

(6) Webber, Robert E. The Church in the World P. 163.

(7) أورده د. ق صموئيل رزفي في كتابه تجديد الفكر في المسيحية ص 154.

(8) Webler , Robert E. The Church in the World P , 163.

(9) د. ق صموئيل رزفي في كتابه تجديد الفكر في المسيحية ص 154.

(10) Webber , Robert E. The Church in The World P, 163.

(11) د. ق صموئيل رزفي في كتابه تجديد الفكر في المسيحية ص 154.

كيف تأثر الإنسان الأوربي بالفلسفة العقلانية في القرن الثامن عشر؟ وكيف نشأت حركة الإنجيل الاجتماعي؟