كيف أثرت حرب الثلاثين عامًا، والاكتشافات العلمية على نظرة الإنسان الأوربي للدين والعقيدة والتفكير العقلاني؟
118- كيف أثرت حرب الثلاثين عامًا، والاكتشافات العلمية على نظرة الإنسان الأوربي للدين والعقيدة والتفكير العقلاني؟
ج: خلال الفترة 1618 – 1648م غرقت أوربا في حروب طاحنة بين البروتستانت والكاثوليك، فدُعيت هذه الفترة بحروب الثلاثين عامًا، ونجم عنها خسائر بشرية فادحة، حيث قُتل في أيرلندا مائة ألف رجل، وقُتل ثلث رجال ألمانيا.. إلخ ثم إنتهت هذه الحروب بسلام ” وستفاليا ” Westphalia الذي أقرَّ الحرية الدينية، لكيما يعيش اللوثريون مع الكالفينيين مع الكاثوليك في سلام.
وكان من نتائج هذا الصراع الطويل أن كره الناس الدين والعقيدة، وتحوَّل المفكرون إلى التفكير العقلاني منذ سنة 1648م. ثم نشطت حركة التفكير العقلاني هذه في القرن الثامن عشر بتأثير بعض الشخصيات مثل ” دافيد هيوم”، و” إيمانويل كانط”، و” تشارلز دارون ” وآخرون، ودُعيت هذه الحركة بحركة التنوير The Enligtenmant التي أعطت مجالًا أوسع للعقل، فجعلت ” العقل هو الهادي الأوحد إلى الحقيقة بلا حاجة إلى الوحي“(1) فالعقل صار هو الحكم في كل شيء، في الإنسان والأخلاق، بل في الله والدين.. إلخ. ورأت الحركة العقلانية أن الإيمان بالله لا يحتاج إلى ديانة، فالدين الطبيعي مبني على العقل لا على الوحي، والدين الطبيعي يؤكد على الأخلاق، منكرًا تدخل الخالق في نواميس الكون(2).
ومن الحركة العقلانية، ونتيجة لمجهودات بعض العلماء اتسعت آفاق المعرفة العلمية، وظهرت تغييرات جذرية في مجال العلوم والفلسفة، فبعد أن كان الناس يعتقدون أن الأرض هي مركز الكون اكتشفوا أن الأرض مجرد كوكب من مجموعة كواكب تدور حول الشمس، وكان ” نيقولاس كوبرنيكوس ” Nicholas Copernicus (1473 – 1543م) هو أول من أعلن هذا الاكتشاف، وصدَّق على قوله آخرون مثل “فرنسيس بيكون” Francis Bacon (1561 – 1626م) والذي وضع في كتابه ” النظام الجديد ” Novum Organum سنة 1620م الأسلوب الاستقرائي أي المنهج العلمي في تفسير الأمور الطبيعية بدلًا من الأسلوب الاستدلالي الذي وضعه أرسطو، وكان سائدًا حينذاك، وكان الأسلوب الاستدلالي يعتمد على سلطان المصدر، فيقول ” أيريل كيرنز”.. ” وعندما استخدم العلماء المنهج الاستقرائي والذي يُعرف أيضًا باسم المنهج العلمي في البحث، لم يعد العلماء يقبلون شيئًا على أساس سلطان مصدره وحده. فالعالِم الآن يبدأ بنظرية افتراضية، ثم يلاحظ الحقائق المتصلة بفكرته قيد البحث، ويُخضِعها للتجريب المتكرر وعندئذ فقط يصيغها في شكل قانون عام. أما في المنهج الاستدلالي القديم فكان الإنسان يربط مبدءًا عامًا يقبله على أساس سلطان مصدره، بحقيقة معينة ثم يصل إلى نتيجة دون تمحيص للمبدأ أو القانون العام الذي ابتدأ به”(3).
ثم أعلن جاليليو جاليلي Galileo Galilei (1564 – 1642م) حقيقة كروية الأرض ودورانها حول الشمس، ولكن الكنيسة الكاثوليكية أرغمته على إنكار قوله هذا. ثم أكد “إسحق نيوتن” Issac Newton (1642 – 1727م) أن حركة الأجرام السماوية محكومة بالجاذبية، وأن الأرض تدور حول الشمس، وسَجل ذلك في كتابه ” المبادئ الرياضية ” سنة 1787م وكانت حجته قوية مُقنعة لدرجة أنه لم يوجد من يعارضه أو ينكر عليه هذا، وكانت نتيجة هذه الاكتشافات العلمية أن الإنسان وثق في عقله، ورفع من شأنه، أكثر مما ينبغي، فبدأ يعظم العقل عوضًا عن تعظيم الله خالق العقل، ويقول إيريل كيرنز ” وقد ساهمت الفلسفة العقلانية وقوانين نيوتن Newton العلمية في ظهور الرأي القائل بأن الإنسان يستطيع بالعقل أن يكتشف القوانين الطبيعية وأن يعيش تبعًا لتلك القوانين”(4).
_____
(1) قاموس المورد.
(2) قاموس المورد.
(3) ترجمة عاطف سامي برنابا – المسيحية عبر العصور ص 440.
(4) ترجمة عاطف سامي برنابا – المسيحية عبر العصور ص 440.