هل يهوه إله العهد القديم إله متحيّز ومصمم على أن يكون لليهود وضعًا مميزًا عن جميع الشعوب
110- قال البعض “أن جميع صفحات العهد القديم توضح صراحة أن {يهوه} إله متحيّز ومصمم على أن يكون لليهود وضعًا مميزًا عن جميع الشعوب”
ثالثًا: ليس لدى الله محاباة
(1) وقال أحد الكهنة الفرنسيين ” هل يوجد في الطبيعة إنسان تبلغ درجة قساوته أن يعذب وبوحشية أي كائن ذي حس مهما كان؟ استنتجوا إذًا أيها اللاهوتيون إنه طبقًا لمبادئكم الخاصة يكون إلهكم أشر من أكثر الناس شرًا بصورة لا نهائية. لقد جعل الكهنة من الله كائنًا سيء القصد مفترسًا.. حتى إن قليلين من الناس في العالم هم الذين يتمنون وجود (الله). أي أخلاق لنا إذا نحن اقتدينا بهذا الإله. حقًا إن في هذا العالم دلائل كثيرة على التخطيط الذكي، لكن في المقابل ألاَّ توجد علامات بنفس القدر على أن هذه العناية الإلهية، إذا كان لها وجود، قادرة على أعظم الإساءات الشيطانية، إني أرى الجنس البشري مشغولًا باستمرار في حماية نفسه من شر أحابيل هذه (العناية الإلهية) التي يُقال إنها مشغولة في الاهتمام بسعادتهم”(2)(3) وقال أحد القادة الدينيين بلبنان(4) “أنا لا أعترف بإله العهد القديم، الإله الجزار”.. ما مدى صحة مثل هذه الأقوال؟
ج:
حقًا ليس لدى الله محاباة، فهو الإله القدوس الذي لا يقبل الشر بتاتًا، وصدق من قال أن السماء كلها طاهرة لا يوجد فيها شيء قط من النجاسة، ولا يشوبها شائبة ولو ضئيلة من عدم القداسة.. إنها طاهرة نقية بنقاء الذات الإلهية.. حقًا أن الله القدوس يرفض الشر بغض النظر عمن يرتكب هذا الشر سواء كان ملاكًا أو إنسانًا، فرئيس الملائكة الذي تكبَّر سقط مع جنوده، وآدم الذي خُلق على صورة الله ومثاله عندما خالف الوصية سقط من رتبته.. حقًا أن الله قدوس يرفض الشر بغض النظر عمن يرتكب هذا الشر سواء كان من الأمم الزناة الفسقة أو من شعبه، فهو لم ولن يحابي أبدًا على حساب صفاته الإلهية، ولذلك كما عاقب الله الأمم على شرهم هكذا عاقب شعبه أيضًا على شروره بذات العقاب الذي عاقب به الأمم.
حقًا ليس لدى الله محاباة، لذلك كثيرًا ما عاقب شعبه على خطاياهم، ولو كان إله التوراة متحيزًا لليهود، ما كان أدبهم مرارًا وتكرارًا، وما كان أسقط جثثهم في القفر، ولو كان متحيزًا ما كان أدبهم بالحيَّات المحرقة، ولو كان متحيزًا لهم ما كان يترك الشعوب المحيطة بهم يستعبدونهم ويذلونهم، ولو كان متحيزًا لهم ما كان ذراهم في أرض السبي، فالعهد القديم كله يسجل لنا معاملات الله مع شعب عنيد قاسي القلب صلب الرقبة، وقال ” بسطت يديَّ طول النهار إلى شعب متمرد سائر في طريق غير صالح وراء أفكاره. شعب يغيظني بوجهي” (أش 65: 2، 3) ولذلك جاء الحكم الإلهي عليهم ” لذلك هأنذا أنساكم نسيانًا وأرفضكم من أمام وجهي أنتم والمدينة التي أعطيتكم وآباءكم إياها. وأجعل عليكم عارًا أبديًا وخزيًا أبديًا لا تنسى” (أر 23: 39، 40).
ودعنا يا صديقي نذكر القليل من الكثير:
1- عقب خروج بني إٍسرائيل من أرض مصر بشهور قليلة صعد موسى ليتسلم الوصايا من الله وأبطأ في النزول، فصنع الشعب عجلًا ذهبيًا وعبدوه فحمى غضب الله عليهم، لأن أكثر ما يثير الغضب الإلهي أن يعبد الإنسان آلهة كاذبة، وما يتبع ذلك من انحلال وفساد ” فبكروا في الغد واصعدوا محرقات وقدموا ذبائح سلامةٍ. وجلس الشعب للأكل والشرب ثم قاموا للعب” (خر 32: 6).. ” وقال الرب لموسى رأيت هذا الشعب وإذا هو شعب صلب الرقبة. فالآن أتركني ليحمى غضبي عليهم وأفنيهم. فأصيرك شعبًا عظيمًا. فتضرع موسى أمام الرب إلهه..” (خر 32: 9 – 14) ودعى موسى بني لاوي ” فقال لهم هكذا قال الرب إله إسرائيل ضعوا كل واحد سيفه على فخذه ومرُّوا وأرجعوا من باب إلى باب في المحلة واقتلوا كل واحدٍ أخاه وكل واحدٍ صاحبه وكل واحدٍ قريبه. ففعل بنو لاوي بحسب قول موسى. ووقع من الشعب في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف رجل” (خر 32: 27، 28) لقد قتلوا كل إنسان مازال متمسكًا بالعبادة الوثنية، ومازال يمارسها، مهما كانت درجة القرابة.
2- عندما قدم ناداب وأبيهو ابني هارون ” كل منهما مجمرته وجعلا فيها نارًا ووضعا عليها بخورًا وقرَّبا أمام الرب نارًا غريبة لم يأمرهما بها. فخرجت نار من عند الرب وأكلتهما. فماتا أمام الرب” (لا 10: 1، 2) وقد يحتج البعض قائلًا وهل تقديم نارًا غريبة يستوجب الموت.. هل إلى هذه الدرجة تبلغ قسوة الله..؟! فيوضح ” أوزوالد ت. ألس ” Oswald T. Allis خطية ناداب وأبيهو قائلًا “لقد تبين إنهما فعلا ما فعلا بمقتضى رأيهما الخاص كلية وليس بمقتضى أمر موسى {وقربا نارًا غريبة} (خر 30: 9) يظهر إنها نار لم تؤخذ من على المذبح النحاسي. كلاهما فعل ذلك. كان تقديم البخور على المذبح الذهبي من واجب رئيس الكهنة (خر 30: 9) أو {أحد} الكهنة (لو 1: 9) وكان تقدمهم على أبيهم في أول مرة يتم فيها هذا العمل الخطير تطفلًا، وإشتراك الإثنين في العمل في وقت واحد، يقترح تنافسًا وغيرة، وقد يكون عملهما عجرفة أيضًا، لأن وقت تقديم البخور (صباحًا ومساءًا) لم يكن قد حان بعد. تلك هي العناصر التي ربما تدخلت في هذا التدنيس، وقد تكون هناك أكثر منها. كانت الفرصة هكذا مهيبة، والطقس يجب إنجازه بدقة واهتمام، ليتم كل شيء تمامًا {كما أمر الرب موسى} لدرجة أن مثل هذا الخروج النزق عن هذه الرصانة، كان جرمًا من ناداب وأبيهو يدل على التهور والتدنيس”(5).
3- أمر الله بقتل المجدّف ” فكلم الرب موسى قائلًا. أخرج الذي سبَّ إلى خارج المحلة فيضع جميع السامعين أيديهم على رأسه. ويرجمه كل الجماعة. وكلم بني إسرائيل قائلًا. كل من سبَّ إلهه يحمل خطيئته. ومن جدف على اسم الرب فإنه يُقتل. يرجمه كل الجماعة رجمًا. الغريب كالوطني عندما يجدف على الاسم يُقتل” (لا 24: 13 – 16).
4- عندما تكلم الشعب بالشر خرجت نار وأحرقت طرف المحلة ” وكان الشعب كأنهم يشتكون شرًا في أذني الرب وسمع الرب فحمى غضبه. فأشتعلت فيهم نار الرب وأحرقت في طرف المحلة. فصرخ الشعب إلى موسى. فصلى موسى إلى الرب فخمدت النار. فدعى اسم ذلك الموضع تبعيرة لأن نار الرب اشتعلت فيهم” (عد 11: 1 – 3).
5- عندما تذمَّر بنو إسرائيل مشتهين اللحم، واللفيف الذي في وسطهم إشتهى شهوة ” فعاد بنو إسرائيل أيضًا وبكوا وقالوا من يطعمنا لحمًا” (عد 11: 4) وأرسل الله لهم السلوى ليأكلوا ” وإذ كان اللحم بعد بين أسنانهم قبل أن ينقطع حمى غضب الرب على الشعب وضرب الرب الشعب ضربة عظيمة جدًا. فدُعي اسم ذلك الموضع قبروت هتاوة لأنهم هناك دفنوا القوم الذين اشتهوا” (عد 11: 33، 34).
6- عندما تذمَّر قورح وداثان وابيرام على موسى ” فتحت الأرض فاها وابتلعتهم وبيوتهم وكل ما كان لقورح مع كل الأموال. فنزلوا هم وكل ما كان لهم أحياء إلى الهاوية وانطبقت عليهم الأرض فبادوا من بين الجماعة” (عد 16: 32، 33).
7- أدب الله شعبه بالحيَّات المحرقة ” وتكلم الشعب على الله وعلى موسى قائلين. لماذا أصعدتمانا من مصر لنموت في البرية. لأنه لا خبز ولا ماء وقد كرهت أنفسنا الطعام السخيف. فأرسل الرب على الشعب الحيَّات المحرقة فلدغت الشعب. فمات قوم كثيرون من إسرائيل” (عد 21: 5، 6).
8- عندما زنى الشعب مع بنات موآب عاتبهم الله بالوباء ” وكان الذين ماتوا بالوباء أربعة وعشرين ألفًا” (عد 25: 9).
9- أمر الله بقتل كل من يعبد آلهة أخرى، أو يُحرّض الآخرين على عبادتها:
أ – ” وإذا أغواك سرًا أخوك ابن أمك أو أبنك أو أبنتك أو امرأة حضنك أو صاحبك الذي مثل نفسك قائلًا نذهب ونعبد آلهة أخرى.. فلا ترضَ منه ولا تسمع له ولا تشفق عينك عليه ولا ترقَّ له ولا تستره. بل قتلًا تقتله. يدك تكون عليه أولًا لقتله ثم أيدي جميع الشعب أخيرًا. ترجمه بالحجارة حتى يموت. إن سمعت عن أحدى مدنك التي يعطيك الرب إلهك لتسكن فيها قولًا. قد خرج أناس بنو لئيم من وسطك وطوحوا سكان مدينتهم قائلين نذهب ونعبد آلهة أخرى لم تعرفوها. وفحصت وفتشت وسألت جيدًا وإذا الأمر صحيح وأكيد قد عُمِل ذلك الرجس في وسطك. فضربًا تضرب سكان تلك المدينة بحد السيف وتحرّمها بكل ما فيها مع بهائمها بحد السيف. تجمع كل أمتعتها إلى وسط ساحتها وتُحرق بالنار المدينة وكل أمتعتها كاملة للرب إلهك فتكون تلًا إلى الأبد لا تُبنى بعد. ولا يلتصق بيدك شيء من المحرَّم. لكي يرجع الرب من حمو غضبه ويعطيك رحمة. يرحمك ويكثرك كما حلف لآبائك” (تث 13: 6 – 17).
ب- ” إذا وُجِد في وسطك في أحد أبوابك التي يعطيك الرب إلهك رجل أو امرأة يفعل شرًا في عيني الرب إلهك بتجاوز عهده. ويذهب ويعبد آلهة أخرى ويسجد لها أو للشمس أو للقمر أو لكل من جند السماء.. فأخرج ذلك الرجل أو تلك المرأة التي فعل ذلك الأمر الشرير إلى أبوابك. الرجل أو المرأة وأرجمه بالحجارة حتى يموت” (تث 17: 2 – 5).0 ” كل إنسان من بني إسرائيل.. أعطي من زرعه لمولك فإنه يُقتل. يرجمه شعب الأرض بالحجارة” (لا 20: 2).
ج- ” وأما النبي الذي يطغى فيتكلم باسمي كلامًا لم أوصه أن يتكلم به أو الذي يتكلم باسم آلهة أخرى فيموت ذلك النبي” (تث 18: 20).
د – أمر الرب بقتل الرجل الذي يسكنه جان أو تابعه، لأنه بتصرفاته الشريرة أتاح الفرصة لهذا الجان أن يسكن فيه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. “وإذا كان في رجل أو امرأة جان أو تابعة فإنه يُقتل بالحجارة يرجمونه. دمه عليه” (لا 20: 27).
10- أمر الله بقتل من يسب أباه أو أمه ” كل إنسان سبَّ أباه أو أمه فإنه يُقتل. قد سبَّ أباه أو أمه. دمه عليه” (لا 20: 9) كما أمر الله برجم الابن المعاند ” إذا كان لرجل ابن معاند ومارد لا يسمع لقول أبيه ولا لقول أمه ويؤدبانه فلا يسمع لهما. يمسكه أبوه وأمه ويأتيان به إلى شيوخ مدينته وإلى باب مكانه. ويقولان لشيوخ مدينته. إبننا هذا معاند ومارد لا يسمع لقولنا وهو مسرف وسكير. فيرجمه جميع رجال مدينته بحجارة حتى يموت. فتنزع الشر من بينكم ويسمع كل إسرائيل ويخافون” (تث 21: 18 – 21).
11- أمر الله بقتل الزاني والزانية ” وإذا زنى رجل مع امرأة فإذا زنى مع امرأة قريبة فإنه يُقتل الزاني والزانية” (لا 20: 10) وكذلك من يزني مع امرأة أبيه ” وإذا اضطجع رجل مع امرأة أبيه فقد كشف عورة أبيه. إنهما يُقتلان كلاهما. دمهما عليهما” (لا 20: 11) وأيضًا من يضطجع مع كنته ” وإذا إضطجع رجل مع كنته فإنهما يُقتلان كلاهما. قد فعلا فاحشة. دمهما عليهما” (لا 20: 12) وأمر الرب برجم الفتاة المخطوبة التي تزني”.. إن كان هذا الأمر صحيحًا ولم توجد عذرة للفتاة. يُخرجون الفتاة إلى باب بيت أبيها ويرجمها رجال مدينتها بالحجارة حتى تموت لأنها قباحة في إسرائيل بزناها في بيت أبيها. فتنزع الشر من وسطك” (تث 22: 18 – 21).
كما أمر برجم المرأة التي تزني مع من زنى معها، وأيضًا الفتاة التي اضطجعت مع رجل في المدينة ” إذا وُجِد رجل مضطجعًا مع امرأة زوجة بعلٍ يُقتل الاثنان الرجل المضطجع مع المرأة والمرأة. فتنزع الشر من إسرائيل. إذا كانت فتاة عذراء مخطوبة لرجل فوجدها رجل في المدينة واضطجع معها. فأخرجوهما كليهما إلى باب تلك المدينة وأرجموهما بالحجارة حتى يموتا الفتاة من أجل أنها لم تصرخ في المدينة والرجل من أجل أنه أذل امرأة صاحبه. فتنزع الشر من وسطك” (تث 22: 22 – 24).
12- أمر الرب بحرق من يتزوج بامرأة وأمها معهما ” وإذا اتخذ رجل امرأة وأمها فذلك رذيلة. بالنار يحرقونه وإياهما لكي لا يكون رذيلة بينكم” (لا 20: 13) كما أمر بحرق ابنة الكاهن التي تزني ” وإذا تدَّنست ابنة كاهن بالزنى قد دنست أباها. بالنار تُحرق” (لا 21: 9).
13- أمر الله بقتل من يضطجع مع ذكر، أو مع بهيمة، وإذا اضطجع رجل مع ذكر اضطجاع امرأة فقد فعل كلاهما رجسًا. إنهما يُقتلان. دمهما عليهما” (لا 20: 13).. ” وإذا جعل رجل مضطجعة مع بهيمة فإنه يُقتل والبهيمة تميتونها” (لا 20: 15).. ” وإذا اقتربت امرأة إلى بهيمة لنزائها تميت المرأة والبهيمة. إنهما يُقتلان. دمهما عليهما” (لا 20: 16) وقد أوضح الرب سبب هذه الأحكام بقوله ” وتكونون لي قديسين لأني قدوس أنا الرب. وقد ميَّزتكم من الشعوب لتكونوا لي” (لا 20: 26).
14- كاد الله يفني شعبه أكثر من مرة بسبب عنادهم، ومن أمثلة ذلك:
أ – عندما صعد موسى للجبل وعبد بنو إسرائيل العجل الذهبي بقيادة هارون ” وقال الرب لموسى رأيت هذا الشعب وإذ هو شعب صلب الرقبة. فالآن أتركني ليحمى غضبي عليهم وأفنيهم. فأصيرك شعبًا عظيمًا” (خر 32: 9، 10).
ب- بعد تجسس أرض الموعد وتزمر كل الشعوب مطالبين بالعودة إلى مصر ” قال الرب لموسى حتى متى يهينني هذا الشعب. وحتى متى لا يصدقونني بجميع الآيات التي عملت في وسطهم. إني أضربهم بالوباء وأبيدهم وأصيرّك شعبًا أكبر وأعظم منهم” (عد 14: 11، 12).
ج- بعد تجسس أرض كنعان رفعت الجماعة صوتها وصرخت، وقال بعضهم لبعض ليتنا متنا في أرض مصر، لنقيم رئيسًا ونرجع إلى مصر، فغضب الله عليهم ” وكلم الرب موسى وهرون قائلًا. حتى متى أغفر لهذه الجماعة الشريرة المتذمرة عليَّ.. حي أنا يقول الرب لأفعلنَّ بكم كما تكلمتم في أذني. في هذا القفر تسقط جثثكم حتى المعدودين بينكم حسب عددكم من ابن عشرين سنة فصاعدًا الذين تذمروا عليَّ” (عد 14: 26 – 29).. ” فحمى غضب الرب على إسرائيل وأتاههم في البرية أربعين سنة حتى فنى كل الجيل الذي فعل الشر في عيني الرب” (عد 32: 13).
د – بسبب تذمر قورح وداثان وأبيرام ” وكلم الرب موسى وهرون قائلًا: افترزا من بين هذه الجماعة فإني أفنيهم في لحظة” (عد 16: 20) وبعد عقاب قورح وداثان وأبيرام ” فتذمر كل جماعة بني إسرائيل في الغد على موسى وهرون قائلين أنتما قد قتلتما شعب الرب.. فكلم الرب موسى قائلًا. أطلعا من وسط هذه الجماعة فإني أفنيهم في لحظة” (عد 16: 41 – 45) وأرسل الرب عليهم الوباء ” فكان الذين ماتوا بالوباء أربعة عشر ألفًا وسبع مئة عدا الذين ماتوا بسبب قورح” (عد 16: 49).
15- أعلن الله بغضه للخطية، ورفضه لمن يتمسك بها، فتقع عليه اللعنة هو وممتلكاته، ويتعرض للأوبئة والمهانة والحصار والضيقة ومذلة الأعداء والسبي.. إلخ. راجع (تث 28: 15 – 68).
16- كم كانت محبة الله لموسى النبي، حتى أنه كان يتكلم معه وجهًا لوجه ” ولم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الله وجهًا لوجه” (تث 34: 10) وبالرغم من هذا، فإنه عندما أخطأ موسى لم يتغاضى الله عن خطيته، ولم يغض الطرف عنها. إنما حرمه من الدخول إلى أرض الموعد ” فقال الرب لموسى وهرون من أجل أنكما لم تؤمنا بي حتى تقدساني أمام أعين بني إسرائيل لذلك لا تُدخِلان هذه الجماعة إلى الأرض التي أعطيتهم إياها” (عد 20: 12) بل أكثر من هذا قال الرب لموسى ” لأنكما خنتماني وسط بني إسرائيل عند ماء مريبة قادش في برية صين إذ لم تقدساني في وسط إسرائيل” (تث 32: 51) وقال موسى النبي ” وعليَّ أيضًا غضب الرب بسببكم قائلًا وأنت أيضًا لا تدخل إلى هناك” (تث 1: 37).
17- عندما خان عخان بن كرمي العهد وأخفى الرداء الشنعاري ومئتي الشاقل الفضة ولسان الذهب صدر عليه الحكم الإلهي ” ويكون المأخوذ بالحرام يُحرق بالنار هو وكل ما له لأنه تعدى عهد الرب ولأنه عمل قباحة في إسرائيل” (يش 7: 15) وقام يشوع بن نون بتنفيذ هذا الحكم في عخان وكل ما له ” فأخذ يشوع عخان بن زارح والفضة والرداء ولسان الذهب وبنيه وبناته وبقره وحميره وغنمه وخيمته وكل ماله وجميع إسرائيل معه وصعدوا بهم إلى وادي عخور. فقال يشوع كيف كدَّرتنا. يكدَّرك الرب في هذا اليوم. فرجمه جميع إسرائيل بالحجارة وأحرقوهم بالنار ورموهم بالحجارة” (يش 7: 24، 25).
18- عندما نظر أهل بيتشمس تابوت عهد الرب ضربهم الله ضربة عظيمة ” وكان أهل بيتشمس يحصدون حصاد الحنطة في الوادي. فرفعوا أعينهم ورأوا التابوت وفرحوا برؤيته.. وضرب أهل بيتشمس لأنهم نظروا إلى تابوت الرب. وضرب من الشعب خمسين ألف رجل وسبعين رجلًا فناح الشعب لأن الرب ضرب الشعب ضربة عظيمة” (1صم 6: 13 – 19).
19- عندما أخطأ شعب الله سمح الله للشعوب المحيطة بهم بأن يستعبدوهم ويذلوهم وعصر القضاة خير شاهد على هذا ” وفعل بنو إسرائيل الشر في عيني الرب وعبدوا البعليم. وتركوا الرب إله آبائهم الذي أخرجهم من أرض مصر وساروا وراء آلهةٍ أخرى من آلهة الشعوب الذين حولهم وسجدوا لها وأغاظوا الرب. تركوا الرب ومجَّدوا البعل وعشتاروت. فحمى غضب الرب على إسرائيل فدفعهم بأيدي ناهبين فنهبوهم وباعهم بيد أعدائهم حولهم ولم يقدروا بعد على الوقوف أمام أعدائهم. حينما خرجوا كانت يد الرب عليهم للشر كما تكلم الرب وكما أقسم الرب لهم. فضاق بهم الأمر جدًا” (قض 2: 11 – 15).. ” وإذا زرع إسرائيل كان يصعد المديانبون والعمالقة وبنو المشرق يصعدون عليهم. وينزلون عليهم ويتلفون غلة الأرض إلى مجيئك إلى غزة. ولا يتركون لإسرائيل قوت الحياة ولا غنمًا ولا بقرًا ولا حميرًا. لأنهم كانوا يصعدون بمواشيهم وخيامهم ويجيئون كالجراد في الكثرة وليس لهم ولجمالهم عدد. ودخلوا الأرض لكي يخربوها. فذل إسرائيل جدًا” (قض 6: 3 – 6).
20- بالرغم من محبة الله القوية لداود، لكنه لم يتغاض عن خطاياه إنما عاقبه عقابًا شديدًا ووبخه قائلًا ” لماذا احتقرت كلام الرب لتعمل الشر في عينيه. قد قتلت أوريا الحثي بالسيف وأخذت امرأته لك امرأة وإياه قتلت بسيف بني عمون. والآن لا يفارق السيف بيتك إلى الأبد.. هكذا قال الرب هأنذا أُقيم عليك الشر من بيتك وآخذ نساءك أمام عينيك وأُعطيهن لقريبك فيضطجع مع نسائك في عين هذه الشمس. لأنك أنت فعلت بالسر وأنا أفعل هذا الأمر قدام جميع إسرائيل وقدام الشمس” (2صم 12: 9 – 12) وحدث ما حدث لداود، وذاق من ذات الكأس التي شرب منها أوريا الحثي، إذ زنى ابنه أمنون بابنته ثامار، وقتل أبنه أبشالوم أخيه أمنون، وقام على داود ابنه أبشالوم، واضطجع مع سراريه، وانتهت حياته بالقتل.. إلخ وحتى عندما عدَّ داود الشعب خيَّره الله بين ثلاثة أنواع من العقوبات ” فأتى جاد إلى داود وأخبره وقال له أتأتي عليك سبع سني جوع في أرضك أم تهرب ثلاثة أشهر أمام أعدائك وهم يتبعونك أم يكون ثلاثة أيام وباء في أرضك. فالآن أعرف وأنظر ماذا أرد جوابًا على مرسلي” (2 صم 24: 13).
21- عندما حدثت حرب بين مملكة إسرائيل بقيادة يربعام الذين طردوا كهنة الرب واللاويين وعبدوا الأصنام، وبين مملكة يهوذا بقيادة أبيا الذين تمسكوا بعبادة الرب ” ضرب الله يربعام وكل إسرائيل أمام أبيا ويهوذا.. فسقط قتلى خمس مئة ألف رجل مختار.. ولم يقوَ يربعام بعد في أيام أبيا فضربه الرب ومات” (2 أي 13: 15 – 20).
22- عندما أخطأ يهورام بن يهوشافاط ملك يهوذا وقتل أخوته بالسيف ” أهاج الرب على يهورام روح الفلسطينيين والعرب الذين بجانب الكوشيين. فصعدوا إلى يهوذا وافتتحوها وسبوا كل الأموال الموجودة في بيت الملك مع بنيه ونسائه.. بعد هذا كله ضربه الرب مع أمعائه بمرض ليس له شفاء” (2 أي 21: 16 – 18).
23- بسبب خطية الشعب سمح الله لملوك أشور بسبي مملكة إسرائيل سنة 722 ق.م. ” وصعد ملك أشور على كل الأرض وصعد إلى السامرة وحاصرها ثلاث سنين.. وسُبي إسرائيل إلى أشور” (2مل 17: 5، 6).. وعلَّل كاتب سفر الملوك المأساة التي تعرض لها شعب الله بسبب خيانتهم لإلههم قائلًا ” وكان إن بني إسرائيل أخطأوا إلى الرب إلههم الذي أصعدهم من أرض مصر من تحت يد فرعون ملك إسرائيل وإتَّقوا آلهة أخرى. وسلكوا ضد الرب إلههم.. أوقدوا هناك على جميع المرتفعات مثل الأمم الذي ساقهم الرب من أمامهم وعملوا أمورًا قبيحة لإغاظة الرب. وعبدوا الأصنام التي قال الرب لهم عنها. لا تعملوا هذا الأمر. وأشهد الرب على إسرائيل وعلى يهوذا عن يد جميع الأنبياء وكل راءٍ قائلًا ارجعوا عن طرقكم الرديَّة واحفظوا وصاياي وفرائضي حسب كل الشريعة التي أوصيت بها آباؤكم والتي أرسلتها إليكم عن يد عبيدي الأنبياء. فلم يسمعوا بل صلَّبوا أقفيتهم كأقفية آبائهم الذين لم يؤمنوا بالرب إلههم.. وعملوا لأنفسهم مسبوكات عجلين.. وعبَّروا بنيهم وبناتهم في النار.. فغضب الرب جدًا على إسرائيل ونحاهم من أمامه ولم يبقَ إلاَّ سبط يهوذا وحده. ويهوذا أيضًا لم يحفظوا وصايا الرب إلههم.. فرذل الرب كل نسل إسرائيل وأذلهم ودفعهم ليد ناهبين حتى طرحهم من أمامه.. نحى الرب إسرائيل من أمامه كما تكلم عن يد جميع عبيده الأنبياء. فسبى إسرائيل من أرضه إلى أشور” (2 مل 17: 7-23).. ” سلَّم للسبي عزَّه وجلاله ليد العدو. ودفع إلى السيف شعبه وغضب على ميراثه” (مز 78: 61، 62).
وتحقق قول هوشع النبي ” تجازي السامرة لأنها قد تمردت على إلهها. بالسيف يسقطون. تحطم أطفالهم والحوامل تُشق” (هو 13: 16) وحاصر نبوخذ نصر أورشليم وهدم أسوارها وخرَّب الهيكل وسبى الشعب سنة 587 ق.م. إلى بابل لمدة سبعين عامًا (2 مل 25).
{راجع أيضًا 1صم 2: 27 – 34، 1مل 6: 11، 9: 4 – 6، 11: 29 – 38، 13: 20 – 24، 2مل 10، 13: 7، 17: 7 – 20، 2أخ 28}.
وختامًا نقول أن محبة الله لشعبه توجب عليه تأديب هذا الشعب بسبب خطاياه ” فأعلم في قلبك أنه كما يؤدّب الإنسان ابنه قد أدبك الرب إلهك” (تث 8: 5).. وقال آساف عن الرب الرحيم ” أما هو فرؤوف يغفر الإثم ولا يهلك وكثيرًا ما رد غضبه ولم يشعل كل سخطه. فذكر إنهم بشر ريح تذهب فلا تعود” (مز 78: 38، 39).. ” عزوا عزوا شعبي يقول إلهكم. طيبوا قلب أورشليم ونادوها بأن جهادها قد كمل إن أثمها قد عُفي عنه أنها قد قبلت من يد الرب ضعفين عن كل خطاياها” (أش 40: 1، 2). وقال ميخا النبي ” من هو إله مثلك غافر الإثم وصافح عن الذنب لبقية ميراثه. لا يحفظ إلى الأبد غضبه فإنه يسر بالرأفة. يعود يرحمنا يدوس آثامنا وتُطرح من أعماق البحر جميع خطاياهم” (مي 7: 18، 19).
وكما ثقلت يد الرب على شعبه بني إسرائيل بسبب عنادهم وجحودهم، هكذا ثقلت يد الرب على الأمم الخطاة المعاندين، ومن أمثلة ذلك ما يلي:
1- قبل أن يختار الله شعبه، وعندما زاد شر العالم أغرقه الله بالطوفان ” ورأى الرب أن شرَّ الإنسان قد كثر في الأرض. وأنه كل تصوُّر أفكار قلبه إنما هو شريرٍ كل يومٍ. فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض. وتأسف في قلبه. فقال الرب أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته. الإنسان مع البهائم ودبَّاباتٍ وطيور السماء” (تك 6: 5 – 7) وعندما زاد شر سدوم وعمورة قال الله لإبراهيم ” إن صراخ سدوم وعمورة قد كثر وخطيتهم قد عظمت جدًا” (تك 18: 20) ” فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتًا ونارًا من عند الرب من السماء. وقلب تلك المدن وكل الدائرة وجميع سكان المدن ونبات الأرض” (تك 19: 24، 25).
2- قدم كل سبط ألف رجل مقاتل، وأرسلهم موسى مع فينحاس بن العازر الكاهن لمهاجمة أرض مديان ” فتجندوا على مديان كما أمر الرب وقتلوا كل ذكر وملوك مديان قتلوهم فوق قتلاهم. أَوي وراقم وصور وحور ورابع. خمسة ملوك مديان. وبلعام بن بعور قتلوه بالسيف وسبى بنو إسرائيل نساء مديان وأطفالهم ونهبوا جميع بهائمهم وجميع مواشيهم وكل أملاكهم. وأحرقوا جميع مدنهم بمساكنهم وجميع حصونهم بالنار” (عد 31: 7 – 10) وعندما عادوا خرج موسى ورؤساء الجماعة لاستقبالهم ” فسخط موسى على وكلاء الجيش رؤساء الألوف ورؤساء المئات القادمين من جند الحرب. وقال لهم موسى هل أبقيتم كل أنثى حيَّة إن هؤلاء كن لبني إسرائيل حسب كلام بلعام سبب خيانة للرب في أمر فغور فكان الوباء في جماعة الرب فالآن أقتلوا كل ذكر من الأطفال وكل امرأة عرفت رجلًا بمضاجعة ذكر أقتلوها. لكن جميع الأطفال من النساء اللواتي لم يعرفنَ مضاجعة ذكر أبقوهنَّ لكم حيَّات” (عد 31: 14 – 18) ففتيات مديان أغروا شعب الله وأسقطوهم في الزنا ” وأقام إسرائيل في شطيم وابتدأ الشعب يزنون مع بنات موآب. فدعون الشعب إلى ذبائح آلهتهنَّ فأكل الشعب وسجدوا لآلهتهنَّ” (عد 25: 1، 2) فهؤلاء البنات العاهرات اللاتي أسقطن شعب الله في عبادة الأصنام المرذولة استحققن العقاب. ويقول ” أ. أ. مَكراي ” A. A. Mac. Rae ” ولما قابل موسى المحاربين الراجعين أظهر سخطه لإبقاء النساء المديانيات على قيد الحياة (عد 31: 13 – 16) وأصدر تعليمات مشدَّدة جدًا (عد 31: 17، 18) فلقد كان النساء سبب الشر الذي أصاب إسرائيل بأن سلمنَّ أنفسهنَّ طوعًا كأداة لهلاك إسرائيل. فكان من الغباوة أن يُعاقب الرجال وتترك النساء. والتعليمات القاسية إنما قصد بها في هذه الحالة فقط إذ أن شر النساء كان سبب الأذى الفظيع الذي وقع على إسرائيل (قارن تث 21: 10 – 14)”(6).
3- عندما هاجم بنو إسرائيل سيحون ملك حشبون يقول موسى ” فدفعه الرب إلهنا أمامنا فضربناه وبنيه وجميع قومه وأخذنا كل مدنه في ذلك الوقت وحرَّمنا من كل مدينة الرجال والنساء والأطفال لم نبق شاردًا. لكن البهائم نهبناها لأنفسنا وغنيمة المدن التي أخذنا” (تث 2: 33، 34).
4- في وصية الرب لموسى قال له ” متى أتى بك الرب إلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها وطرد شعوبًا كثيرة من أمامك الحثيين والجرجاشيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحوّيين واليبوسيين سبع شعوب أكثر وأعظم منك. ودفعهم الرب إلهك أمامك وضربتهم فأنك تحرّمهم. لا تقطع لهم عهدًا ولا تشفق عليهم.. وتأكل كل الشعوب الذين الرب إلهك يدفع إليك. لا تشفق عيناك عليهم ولا تعبد آلهتهم لأن ذلك شر لك.. ويدفعهم الرب إلهك أمامك ويوقع بهم اضطرابًا عظيمًا حتى يفنوا. ويدفع ملوكهم إلى يدك فتمحو أسمهم من تحت السماء. لا يقف إنسان في وجهك حتى تفنيهم” (تث 7: 1، 2، 16، 23، 24).. ” فأعلم اليوم أن الرب إلهك هو العابر أمامك نارًا آكلة. هو يبيدهم ويذلُّهم أمامك فتطردهم وتهلكهم سريعًا كما كلَّمك الرب” (تث 9: 3) وجاء في وصايا القتال ” حين تقرب من مدينة لكي تحاربها أستدعها إلى الصلح. فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون للتسخير ويُستعبد لك. وإن لم تسالمك بل عملت معك حربًا فحاصرها. وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فأضرب جميع ذكورها بحد السيف وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة وكل غنيمتها فتغتنمها لنفسك.. وأما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا فلا تستبق منها نسمة ما. بل تحرمها تحريمًا.. لكي لا يعلموكم أن تعملوا حسب جميع أرجاسهم التي عملوا لآلهتهم فتخطئوا إلى الرب إلهكم” (تث 20: 10 – 18).
لقد صارت هذه الشعوب التي امتزجت بالدنس والنجاسة مع كل ممتلكاتها مثل رداء يحمل الوباء، فليس له إلاَّ الحرق، وما شعب بني إسرائيل إلاَّ أداة مقدسة في يد الرب لتنفيذ هذا الغرض، فيقول ” هيو. ج. بلير”.. ” قداسة الله: هذه ظاهرة في دينونته على سكان البلاد الأصليين. لقد اكتمل أخيرًا إثم الأموريين، وأضحى شعب إسرائيل أداة عقاب الله. على أن قداسة الله تُشاهد على حدٍ سواء في إصراره على أن أداة دينونته يجب أن تكون مقدَّسة. وبتوالي الإصرار المرة تلو الأخرى بأن هذه الحرب حرب مقدَّسة، وإن إسرائيل لن يحرز النجاح في المهمة الموكولة إليه إلاَّ إذا إنتزع منه كل ما هو شرير”(7).
كما يقول أيضًا ” هيو. ج. بلير ” تعليقًا على قول يشوع لرئيس جند الرب ” هل لنا أنت أو لأعدائنا” (يش 6: 13).. ” كان يشوع يحسب أن الصراع قائم بين كتلتين من القوات المتنازعة، الكتلة الإسرائيلية والكتلة الكنعانية، وقد حرص على معرفة ما إذا كان هذا المحارب المسلح سيتحالف معه في القتال، فكان فحوى الجواب إنه ما كان حليفًا بل قائدًا يجب أن يرضخ لقيادته وإدارته يشوع نفسه. وهكذا يُذّكر يشوع مرة أخرى بأن هذه الحرب هي حرب مقدَّسة، وإن مركزه فيها هو مركز خادم وعبد، فالمسئولية النهائية ليست ملقاة على كاهل قائد بشري بل على الله نفسه”(8)
5- بالرغم من أن الله أوصى شعبه قائلًا ” إذا حاصرت مدينة أيامًا كثيرة محاربًا إياها لكي تأخذها فلا تتلف شجرها بوضع فأس عليها. أنك منه تأكل. فلا تقطعه. لأنه هل شجرة الحقل إنسان حتى يذهب قدامك في الحصار” (تث 20: 19) ولكن بسبب زيادة شر موآب أوصى الرب يهوشافاط ملك يهوذا ويهورام ملك إسرائيل قائلًا ” تضربون كل مدينة محصنة وكل مدينة مختارة وتقطعون كل شجرة طيبة وتطمرون جميع عيون الماء وتفسدون كل حقلة جيدة بالحجارة” (2 مل 3: 19) وفعلًا ” هدموا المدن وكان كل واحد يلقي حجرة في حقلة جيدة حتى ملأوها وطمروا جميع عيون الماء وقطعوا كل شجرة طيبة” (2مل 3: 25) وظهر شر ملك موآب أكثر فأكثر عندما أصعد ابنه ذبيحة على سور المدينة ” فأخذ ابنه البكر الذي كان ملك عوضًا عنه وأصعده مُحرقة على السور. فكان غيظ عظيم على إسرائيل. فانصرفوا عنه ورجعوا إلى أرضهم” (2مل 3: 27).. ولك أن تتساءل: أيهما أيسر على هذا الابن أن يُقتل بالسيف أم أن يُحرق بالنار؟!.
6- عندما دخل بنو إسرائيل مدينة أريحا ” حرَّموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة من طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف.. وأحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها” (يش 6: 21، 24) أما راحاب التي آمنت وصححت مسارها فقد أنقذها الله هي وكل من في بيتها.
ويقول ” هيو. ج. بلير”.. ” المشكلة الأخلاقية في الحروب ضد شعوب كنعان: لقد قامت الإبادة الجماعية لشعوب كنعان المدونة في سفر يشوع حجر عثرة للكثيرين ممن يقبلون بالوحي الإلهي للسجل الكتابي. هل يسعنا أن نعتقد بأن الله قد أمر فعلًا الإسرائيليين بإهلاك ساكني البلاد عن آخرهم؟ فإن فعل، فهل يتفق إعلان كهذا عن سجيته مع إعلان الآب الذي أعطاه المسيح إياه..؟ هل بوسعنا إذًا أن نعثر على تعليل يُشرّف في آن واحد وحي السجل الكتابي والإله الذي يعلنه ذلك السجل؟ من الضروري بادئ ذي بدء أن نستخلص فكرة جلية عما انطوى عليه أمر تحريم الكنعانيين للهلاك. ولنمثل على ذلك بأريحا، فإن المدنية وسكانها وكل ما حوت كان ” محرَّمًا ” أو {موضوعًا تحت الحرم} (بالعبرانية حرم أي ” ملعونا “) معنى ذلك – على حد ما وصفه ج. أ. كوك (G. A. Cooke) في شرح سفر يشوع ضمن شرح الكتاب المقدَّس المعروف Cambridge Bible إن {أي شيء من شأنه أن يُعرّض حياة الجماعة الدينية للخطر أُزيح عن طريق المضرة والعطب بتحريم استعماله على البشريين، وتحقيقًا لهذا الغرض بشكل مُجدٍ وفعَّال وجب إتلافه إتلافًا تامًا} يبدو لذلك أن الحرم كانت له وظيفة دينية ووظيفة وقائية. لقد كان خدمة دينية وكان حرزًا حريزًا لحياة إسرائيل الدينية. إنه على هذيه الخطين يجب السعي إلى إيجاد حل لمشكلتنا هذه. إذًا، كان اختفاء الكنعانيين قبل كل شيء، كما يُعلنه السجل المرة تلو المرة، خدمة دينية. كان شعب إسرائيل الوسيلة التي نفذ الله بها الدينونة على شر شعب البلاد. وتمامًا كما كان قد دمر سدوم وعمورة من جراء نفس النوع من الفساد الفظيع من غير التوسُّط بأيدٍ بشرية، كذلك استخدم الإسرائيليين في إنزال العقاب على فساد الكنعانيين السرطاني واستئصال شأفته. وإذا كان هنالك بأية حال حكم أخلاقي للعالم فإن مثل هذه الإمكانية الرهيبة للدينونة وعمليات الجراحة الإلهية، مهما كان طريق إجرائها، لا يمكن إبعادها.
وتجدر الملاحظة بهذا الصدد أن الحرم بصفته خدمة دينية قد فرض رادعًا أخلاقيًا عن السلب والقبائح التي كانت الملابسات العادية والأشد هولًا لحروب تلك الأزمنة. أما هذه فما كانت تحرقًا للسلة أو للدماء، بل كانت واجبًا إلهيًا لزم إجراؤه.
وكانت الوظيفة الثانية للحرم، كما سبق وقلنا، وقائية. فإذا كان لديانة العبرانيين أن تُصان نقية وغير مشوبة وجب إبعاد كل إمكانية عدوى بأرجاس الوثنيين. كانت واسطة إبعاد العدوى المروعة واسطة صارمة، لكن بالنظر إلى الإعلان الذي كان على العبرانيين أن ينقلوه إلى العالم، من يجرؤ على القول بأنها غير مستصوبة؟ وحيثما وُجد قصور في مهمة شعب الله السامية، كان يلاحظ السبب لذلك القصور في إنجاز الأمر الإلهي بالزيادة، ولذا، من أجل حكم الله الأدبي للعالم، ومن أجل شعب الله، ومن أجل الرسالة التي كان شعب الله أن يبلغها إلى العالم، كان من الضروري تدمير أمة شريرة تدميرًا تامًا”(9).
7- عندما دخل بنو إسرائيل قرية عاي ” وكان لما انتهى إسرائيل من قتل جميع سكان عاي في الحقل في البرية حيث لحقوهم وسقطوا جميعًا بحد السيف حتى فنوا أن جميع إسرائيل رجع إلى عاي وضربوها بحد السيف. فكان جميع الذين سقطوا في ذلك اليوم من رجال ونساء أثنى عشر ألفًا جميع أهل عاي. وملك عاي علقه على الخشبة” (يش 8: 24 – 29).
8- عندما خضعت جبعون ليشوع قام عليها خمسة ملوك الأموريين ليبيدوها ” فأرسل أهل جبعون إلى يشوع إلى المحلة في الجلجال يقولون لا ترخ يدك عن عبيدك. أصعد إلينا عاجلًا وخلصنا وأعنَّا لأنه قد أجتمع علينا جميع ملوك الأموريين الساكنين في الجبل” (يش 10: 6) فهب يشوع لنجدتهم وهزم الأموريين ” وبينما هم هاربون من أمام إسرائيل وهم في منحدر بيت حورون رماهم الرب بحجارة عظيمة من السماء إلى عزيقة فماتوا. والذين ماتوا بحجارة البرد هم أكثر من الذين قتلهم بنو إسرائيل بالسيف” (يش 10: 11) فهؤلاء الذين قاموا على جبعون ليهلكوها استحقوا عقاب السماء.
9- هجم يشوع على مقيدة ” وضربها بحد السيف وحرَّم ملكها هو وكل نفس بها. لم يبق شارد. وفعل بملك مقيدة كما فعل بملك أريحا” (يش 10: 28) وهكذا فعل مع لبنة، ولخيش، وعجلون، وحبرون، ودبير (يش 10: 29 – 39).. ” فضرب يشوع كل أرض الجبل والجنوب والسهل والسفوح وكل ملوكها. لم يبقِ شارد بل حرَّم كل نسمةٍ كما أمر الرب إله إسرائيل” (يش 10: 4) وهكذا فعل بحاصور ” وضربوا كل نفس بها بحد السيف. حرَّموهم. ولم تبق نسمة وأحرق حاصور بالنار. فأخذ يشوع كل مدن أولئك الملوك وجميع ملوكها وضربهم بحد السيف. حرَّمهم كما أمر موسى عبد الرب.. وكل غنيمة تلك المدن والبهائم نهبها بنو إسرائيل لأنفسهم. وأما الرجال فضربوهم جميعًا بحد السيف حتى أبادوهم. ولم يبقوا نسمةً. كما أمر الرب موسى عبده هكذا أمر موسى يشوع وهكذا فعل يشوع. لم يهمل شيئًا من كل ما أمر به الرب موسى” (يش 11: 11 – 15).. فلولا شر هؤلاء الذي صعد إلى السماء ماكانت مراحم الله تأمر بإبادتهم. بل أن صدور الأمر الإلهي بإبادتهم يعني أن هؤلاء القوم الأشرار قد وصلوا إلى مرحلة اللاعودة، ولا يوجد أي رجاء لعودتهم إلى طريق الفضيلة.
10- هجم سبط دان على لايش ” وجاءوا إلى لايش إلى شعب مستريح مطمئنين وضربوهم بحد السيف وأحرقوا المدينة بالنار. ولم يكن من يُنقذ لأنها بعيدة عن صيدون ولم يكن لهم أمر على إنسانٍ وهي في الوادي الذي لبيت رحوب. فبنوا المدينة وسكنوا فيها. ودعوا اسم المدينة دان باسم دان أبيهم” (قض 18: 27 – 29).
11- نشبت الحرب بين الفلسطينيين وبني إٍسرائيل، فأنتصر الفلسطينيون وقتلوا ثلاثين ألفًا من بني إٍسرائيل وأخذوا تابوت عهد الرب ظانين أنهم قد انتصروا على إله إسرائيل، ووضعوا التابوت في بيت داجن إلههم ولكن الله أظهر قوته إذ سقط داجون أمام تابوت العهد وقُطعت يداه ورأسه، وضرب الله الفلسطينيين بالمواسير ” والناس الذين لم يموتوا ضربوا بالمواسير فصعد صراخ المدينة إلى السماء” (1صم 5: 12).
12- قال الرب بفم صموئيل لشاول الملك ” فالآن أذهب وأضرب عماليق وحرموا كل ماله ولا تعف عنهم بل أقتل رجلًا وامرأة. طفلًا رضيعًا. بقرًا وغنمًا. جمالًا وحمارًا” (1صم 15: 3).. ” وقال صموئيل قدموا إليَّ أجاج ملك عماليق. فذهب إليه أجاج فرحًا وقال أجاج حقًا قد زالت مرارة الموت. فقال صموئيل كما أثقل سيفك النساء كذلك تثُكل أمك بين النساء. فقطَّع صموئيل أجاج أمام الرب في الجلجال” (1صم 15: 32، 33) وهنا يوضح صموئيل النبي عدالة السماء فكما فعل أجاج بالآخرين يُفعل به.
13- ” صعد داود ورجاله وغزوا الجشوريين والجرزيين والعمالقة لأن هؤلاء من قديم سكان الأرض من عند شور إلى أرض مصر. وضرب داود الأرض ولم يستبق رجلًا ولا امرأة وأخذ غنمًا وبقرًا وحميرًا وجمالًا وثيابًا ورجع وجاء إلى أخيش” (1صم 27: 8، 9) ومع ذلك لم يعاقب داود، وذلك بسبب شر هؤلاء الذي صعد إلى السماء، فاستخدم الله داود كعصا تأديب لهم. بينما عندما تعدى شاول على أهل جبعون الذي حلف لهم بنو إسرائيل من قبل، غضب الله على شاول وشعبه، ومنع عنهم المطر لمدة ثلاث سنوات ” فطلب داود وجه الرب. وقال الرب هو لأجل شاول ولأجل بيت الدماء لأنه قتل الجبعونيين.. وقال داود للجبعونيين ماذا أفعل لكم وبماذا أُكفر فتباركوا نصيب الرب. فقال له الجبعونيون ليس لنا فضة ولا ذهب عند شاول ولا عند بيته وليس لنا أن نُميت أحدًا في إسرائيل. فقال مهما قلتم أفعله لكم. فقالوا للملك الرجل الذي أَفنانا والذي تآمر علينا ليُبيدنا لكي لا نُقيم في كل تخوم إسرائيل. فلنعط سبعة رجال من بنيه فنصلبهم للرب في جبعة شاول مختار الرب. فقال الملك أنا أُعطي” (2صم 21: 1 – 6).
{راجع أيضًا 2صم 8: 1، 2، 12: 29 – 31، 2أخ 25: 5 – 12}.
وختامًا لهذه النقطة نود توضيح الأمور الآتية:
أولًا: الله هو الذي يمنح الحياة للإنسان، فهو الوحيد الذي له الحق في استردادها في أي وقت يشأ، وقد يرى بحكمته السامية أن يكثف لحظات الموت لكيما يتعظ الإنسان ويتوب، فعوضًا عن أن كل إنسان سيسلم روحه في لحظة معينة، قد يرى الله تكثيف هذه اللحظات، فيموت عدد ضخم سواء في حرب أو كارثة طبيعية بسبب زيادة شر الإنسان من جانب، ومن الجانب الآخر لكيما يأخذ الإنسان عبرة لنفسه، ولا ننسى أن الحرب العالمية الثانية قد خلَّفت وراءها ستين مليون قتيل.. فهل معنى هذا أن إله العهد الجديد إله قاس؟ أم أن معناه إن شر الإنسان هو الذي يقضي عليه؟!!
ثانيًا: الذي يحتدون في الدفاع عن الأطفال الأبرياء الذين أمر الرب موسى ويشوع بذبحهم.. نقول لهم: هل سمعتم عما كان يفعله هؤلاء الخطاة بفلذات أكبادهم؟! أنهم كانوا يُقدَمون ذبائح للأصنام، فمثلًا كانوا يشعلون النيران أسفل مولك وهو تمثال نحاسي أجوف، حتى يلتهب نارًا فيضعون على ذراعيه الطفل الصغير كذبيحة بشرية لهذا التمثال، وهم يدقون الطبول لكيما يصرفوا مسامعهم عن صرخاته.. فذبح مثل هذا الطفل بالسيف لهو أرحم من حرقه حيًا..
ثالثًا: هؤلاء الأطفال الصغار عند نضوجهم سيسلكون في خطايا ونجاسات وأرجاس أبائهم، فلابد أنهم سيُعذبون عذابًا أبديًا في نار جهنم، بينما لو مات هؤلاء الأطفال فأنهم لا يكافئون وأيضًا لا يعاقبون.. نعم لن يعاينوا ملكوت السموات، ولن يروا نور المسيح، ولكنهم لا يُعذبون لأنهم لم يرتكبوا خطايا بعد.. لا يتنعمون ولا يعذبون، وهي حالة أفضل كثيرًا بلا شك من حالة العذاب الأبدي في جهنم النار إلى أبد الآبدين. إذًا ذبح هؤلاء الأطفال هو رحمة بهم.
رابعًا: ردًا على القائلين بأن إله العهد القديم إله عنصري بدليل أنه أوصى بالتفرقة في المعاملة على أساس الدين، فقال ” لا تقرض أخاك بربًا.. للأجنبي تقرض بربًا ولكن لأخيك لا تقرض بربًا لكي يباركك الرب إلهك في كل ما تمتد إليه يدك في الأرض التي أنت داخل إليها لتمتلكها” (تث 23: 19، 20).
فالحقيقة أن الله ليس إلهًا عصريًا، إنما كان يتدرج بالبشرية، فاليهودي الذي يهتم بكنز المال، يعز عليه جدًا أن يخرج ماله بدون ربا سواء للغريب أو للقريب، فأوصاه الله أن يقرض أخيه بدون ربا ووعده بالبركة لقاء ذلك، ويعتبر هذا الوضع خطوة في طريق الكمال، تشبه الخطوة في المعاملة عندما قال الله له ” عين بعين وسن بسن ” وكان القصد منها تحجيم الشر، حتى يأتي ملء الزمان فيتقدم الله بالبشرية إلى مرحلة الكمال ” سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن. وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضًا. ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فأترك له الرداء أيضًا. ومن سخَّرك ميلًا واحدًا فأذهب معه أثنين. من سألك فأعطيه. ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده” (تث 5: 38 – 42).
_____
(1) أورده ناجي ونيس – هل العهد القديم شريعة الغاب؟ ص 101.
(2) Durant , op. Cit. PP. 612 , 613.
(3) أورده جون لوريمر في كتابه – تاريخ الكنيسة جـ 5 ص 46، 47.
(4) المطران جورج خضر.
(5) مركز المطبوعات المسيحية – تفسير الكتاب المقدَّس جـ 1 ص 296.
(6) مركز المطبوعات المسيحية – تفسير الكتاب المقدَّس جـ 1 ص 405.
(7) مركز المطبوعات المسيحية – تفسير الكتاب المقدَّس جـ 1 ص 480.
(8) المرجع السابق ص 487.
(9) مركز المطبوعات المسيحية – تفسير الكتاب المقدَّس جـ 1 ص 478 – 480.