لماذا يظهر الله في العهد القديم على أنه إله إسرائيل، يدافع عن شعبه بيد قوية وذراع رفيعة، بينما يقف ضد الشعوب الأخرى بقسوة وجبروت، وكأنه خلق إسرائيل فقط دون بقية الشعوب؟ وكيف يتحيز الله لشعب بني إسرائيل دون الشعوب الأخرى؟
109- لماذا يظهر الله في العهد القديم على أنه إله إسرائيل، يدافع عن شعبه بيد قوية وذراع رفيعة، بينما يقف ضد الشعوب الأخرى بقسوة وجبروت، وكأنه خلق إسرائيل فقط دون بقية الشعوب؟ وكيف يتحيز الله لشعب بني إسرائيل دون الشعوب الأخرى؟
ثانيًا: معاملات الله مع الأمم
س109: لماذا يظهر الله في العهد القديم على أنه إله إسرائيل، يدافع عن شعبه بيد قوية وذراع رفيعة، بينما يقف ضد الشعوب الأخرى بقسوة وجبروت، وكأنه خلق إسرائيل فقط دون بقية الشعوب؟ وكيف يتحيز الله لشعب بني إسرائيل دون الشعوب الأخرى؟ وقال ” دافيز ” أن أمر الله ليشوع لقتل الكنعانيين كان خطأ ” إنني أتكلم عن نفسي، لأني أعتقد أن قتل الأبرياء عمل لا أخلاقي”(1)(2).
ويقول الأستاذ ” طلعت رضوان”.. ” إن هذا الإله المنحاز لشعبه المختار لا يكتفي بطرد السكان الأصليين من أجل عيون بني إٍسرائيل، وإنما يحذرهم قائلًا {وإن لم تطردوا سكان الأرض من أمامكم يكون الذين تستبقون منهم أشواكًا في أعينكم ومناخس في جوانبكم ويضايقونكم على الأرض التي أنتم ساكنون فيها. فيكون إني أفعل بكم كما هممت أن أفعل بهم} (عد 33: 55 – 56) إن مهمة هذا الإله هو توزيع أراضي الغير على بني إٍسرائيل.. فإن مشيئة إله العبرانيين تقرر سلب أراضي الشعوب التي زرعت وشيدت وتسليمها إلى شعبه المختار {ومتى أتى بك الرب إلهك إلى الأرض التي حلفت لآبائك إبراهيم وإسحق ويعقوب أن يعطيك. إلى مدن عظيمة جيدة لم تبنها. وبيوت مملوءة كل خير لم تملأها وأبار محفورة لم تحفرها وكروم وزيتون لم تغرسها..} (تث 6: 10 – 13)”(3).
ج:
يقول جوش مكدويل ” لكن دافيز نسى عدة نقاط:
أولًا: أن الكنعانيين كانوا أبعد ما يكونوا عن البراءة (لا 18: 5، تث 9: 5) فالتضحية بالأطفال، وبعض من التصرفات اللإنسانية كانت سائدة في بلادهم.
ثانيًا: هذا الأمر كان حالة شاذة، إنه ليس أمرًا كتابيًا يصلح لكل الأزمان، لكنه أمر محدَّد بمناسبة خاصة في زمن مفرد في التاريخ.
ثالثًا: إن الله هو مخلص الجميع، هو الذي أعطى الحياة وهو الذي يقبضها.
المنطق الإنساني كأساس لتحديد ما هو صحيح في كلمة الله وما هو غير صحيح. وكما تكلم الله مع إشعياء 55: 8 {لأن أفكاري ليست أفكاركم ولا طرقكم طرقي يقول الرب}”(4).
ويقول ” أ. أ. مَكراي ” A. A. Mac. Rae ” إن نجاسة المديانيين وشرهم كانا مصدر عدوى من شأنها أن تدمر شهادة إسرائيل لو سمح لهم بالدوام، وكان يمكن لله أن يمحوهم بالوباء، أو بكارثة طبيعية، لكنه بدلًا من ذلك إختار أن يستخدم الإسرائيليين لإتمام غرضه. ونلاحظ مرة أخرة أن عملهم قد صدر به أمر خاص من الله”(5).
لقد تقسى قلب الأمم بالشر للدرجة التي قدموا فيها أطفالهم ذبائح للأصنام، وكم أطال الله أناته عليهم جدًا جدًا.. أنظر إلى قول الله لإبراهيم ” أعلم يقينًا أن نسلك سيكون غريبًا في أرض ليست لهم ويستعبدون فيذلونهم أربع مئة سنة.. وفي الجيل الرابع يرجعون إلى هنا. لأن ذنب الأموريين ليس إلى الآن كاملًا” (تك 15: 13، 16) لقد كان الله يعد شعبه كعصي تأديب للأمم، ورغم شرور الأموريين والشعوب الأخرى فإن الله أطال أناته عليهم أربعمائة سنة أخرى، خلالها تذلل شعبه بعبودية فرعون المرة، وبعد كل هذا الصبر الإلهي كان لا بُد للعدل الإلهي الصارم أن يأخذ مجراه.
وبالرغم من أن الله استخدم شعبه كعصي تأديب لهذه الشعوب، فإنه أطال أناته أكثر وأكثر على بعض الشعوب، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. مثل أدوم وموآب وعمون، فأوصى الرب موسى بأن لا يتعدى بنو إسرائيل على أرض أدوم قائلًا له ” أوصي الشعب قائلًا. أنتم مارون بتُخم أخوتكم بنو عيسو الساكنين في سعير فيخافون منكم فاحترزوا جدًا. لا تهجموا عليهم. لأني لا أُعطيكم من أرضهم ولا وطأة قدم.. طعامًا تشترون منهم بالفضة لتأكلوا وماء أيضًا تبتاعون منهم بالفضة لتشربوا” (تث 2: 4 – 6) فبالرغم من أن بني أدوم سيخافون ويرتعبون منهم لكن الله حذرهم من الانقضاض عليهم، وهكذا أوصى الله من جهة موآب فيقول موسى النبي ” فقال لي الرب لا تُعادِ موآب ولا تثر عليهم حربًا لأني لا أعطيك من أرضهم ميراثًا. لأني لبني لوط قد أعطيت عارَ ميراثًا” (تث 2: 9) كما أوصى من جهة بني عمون فقال ” أنت مار اليوم بتُخم موآب بعارَ. فمتى قربت إلى اتجاه بني عمون لا تُعادهم. ولا تهجموا عليهم. لأني لا أعطيكم من أرض بني عمون ميراثًا. لأني لبني لوط قد أعطيتها ميراثًا” (تث 2: 18، 19) فلو كان شر بقية شعوب كنعان محتملًا لغض الله النظر عنهم واحتملهم كما أحتمل بنو أدوم وموآب وعمون.
وعندما رأى الله في نينوى المدينة الإلهيَّة إمكانية التوبة عن الشر، أرسل إليها يونان النبي، ورغم محاولة يونان التهرب من هذه المهمة إلاَّ أن الرب أصرَّ عليها، حتى لو اضطر إلى إرسال رياح عاصفة تهدد السفينة، وحوتًا يحمل يونان إلى هذه المدينة العظيمة. بل وأشاد الله بتوبتها معاتبًا يونان ” أنت شفقت على اليقطينة التي لم تتعب فيها ولا ربيتها. التي بنت ليلة كانت وبنت ليلة هلكت. أفلا أشفق أنا على نينوى المدينة العظيمة التي يوجد فيها أكثر من اثني عشرة ربوة من الناس الذين لا يعرفون يمينهم من شمالهم وبهائم كثيرة” (يون 4: 10، 11) حقًا إن الشفقة متوفرة من جهة الله ليس على الناس فقط، بل وعلى البهائم والطيور أيضًا، فقد أوصى ” إذا اتفق قدامك عش طائر في الطريق في شجر ما أو على الأرض فيه فراخ أو بيض والأم حاضنة الفراخ أو البيض فلا تأخذ الأم مع الأولاد. أطلق الأم وخذ لنفسك الأولاد لكي يكون لك خير وتطيل الأيام” (تث 22: 6، 7) ولكن عناد الإنسان وإصراره على الشر هو الذي قاده إلى هذه المذابح التي صنعها يشوع بن نون الذي حمل سيف العدالة الإلهية.
اسألوا راحاب التي من أريحا عن طول أناة الله عليها رغم زناها.. كيف أفتقدها وخلصها..؟! بل وجعلها جدة له بحسب الجسد.. تُرى لو كان في أريحا خمسون شخصًا مثل راحاب هل كان الله يُهلك المدينة..؟! بالقطع لا وألف لا.
” فتقدم إبراهيم وقال. أفتهلك البار مع الأثيم. عسى أن يكون خمسون بارًا في المدينة. أفتُهلك المكان ولا تصفح عنه من أجل الخمسين بارًا الذين فيه. حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر. أن تُميت البار مع الأثيم. فيكون البار كالأثيم. حاشا لك. أديان كل الأرض لا يصنع عدلًا. فقال الرب إن وجدتُ في سدوم خمسين بارًا في المدينة. فإني أصفح عن المكان كله من أجلهم” (تك 18: 23 – 26) ليس خمسين بارًا بل لو وُجد في أريحا عشرة أبرار ما هلكت المدينة قط ” لا أهلك من أجل العشرة” (تك 18: 32).
إسألوا راعوث الموآبية وكيف قبلها الله ضمن شعبه وكافأها على محبتها وإخلاصها، وجعلها جدة له بحسب الجسد.. اسألوا نعمان السرياني الذي وثق في إله إسرائيل فكافأه الله منعمًا عليه بالشفاء الكامل من البرص.. اسألوا ملكة سبأ التي جاءت تبحث عن الحكمة، وإلتقت مع سليمان، فأشاد الله بها في العهد الجديد وجعلها مثلًا يُحتذى به.. اسألوا عن معاملات الله مع نبوخذ نصر ملك بابل، وعن معاملات الله مع وكورش ملك فارس الذي دعاه بمسيح الرب.. إلخ.
وهل بعد كل هذا نقول أن الله ظالم، وقد عامل هؤلاء الأمم بقسوة.. أسمعوا قول داود النبي عن الله الطويل الأناة ” لأن للحظةٍ غضبه. حياة في رضاه” (مز 30: 5).. ” الرب حنَّان ورحيم طويل الروح وكثير الرحمة الرب صالح للكل ومراحمه على كل أعماله” (مز 145: 8، 9) وقال أرميا النبي ” لأن السيد لا يرفض إلى الأبد. فإنه لو أحزن يرحم حسب كثرة مراحمه لأنه لا يُذِلُّ من قلبه. ولا يُحزِن بني الإنسان” (مرا 3: 31 – 33).
لقد أوضح الله الأسباب التي من أجلها لفظت الأرض الشعوب الشريرة التي تسكن عليها، وحذر شعبه من هذه الرجاسات لئلا تكون نهايتهم كنهاية هؤلاء الأمم فقال:
أ – ” وكلم الرب موسى قائلًا. كلم بني إسرائيل وقل لهم. أنا الرب إلهكم. مثل عمل أرض مصر التي سكنتم فيها لا تعملوا. ومثل عمل كنعان التي أنا آتٍ بكم إليها لا تعملوا وحسب فرائضهم لا تسلكوا.. فتحفظون فرائضي وأحكامي التي إذا فعلها الإنسان يحيا بها. أنا الرب.. بكل هذه لا تتنجسوا لأنه بكل هذه قد تنجَّس الشعوب الذين أنا طاردهم من أمامكم. فتنجست الأرض. فاجترى ذنبها منها فتقذف الأرض سكانها. لكن تحفظون أنت فرائضي وأحكامي ولا تعملون شيئًا من جميع هذه الرجاسات لا الوطني ولا الغريب النازل في وسطكم. لأن جميع هذه الرجاسات قد عملها أهل الأرض الذين قبلكم فتنجست الأرض. فلا تقذفكم الأرض بتنجيسكم إياها كما قذفت الشعوب التي قبلكم” (لا 18: 1 – 28).
ب – ” فتحفظون جميع فرائضي وجميع أحكامي وتعملونها لكي لا تقذفكم الأرض التي أنا آتٍ بكم إليها لتسكنوا فيها. ولا تسلكون في رسوم الشعوب الذين أنا طاردهم من أمامكم. لأنهم قد فعلوا كل هذه فكرهتهم. وقلت لكم ترثون أنتم أرضهم وأنا أعطيكم إياها لترثوها.. وتكونون لي قديسين لأني قدوس أنا الرب” (لا 20: 22 – 26).
ج – ” أسمع يا إسرائيل. أنت اليوم عابر الأردن لكي تدخل وتمتلك شعوبًا أكبر وأعظم منك ومدنًا عظيمة ومحصنة إلى السماء.. فأعلم اليوم أن الرب إلهك هو العابر أمامك نارًا آكلة. هو يبيدهم ويذلهم أمامك فتطردهم وتهلكهم سريعًا كما كلمك الرب. لا تقل في قلبك حين ينفيهم الرب إلهك من أمامك قائلًا. لأجل بري أدخلني الرب لأمتلك هذه الأرض ولأجل إثم هؤلاء الشعوب يطردهم الرب من أمامك. ليس لأجل برك وعدالة قلبك تدخل لتمتلك أرضهم بل لأجل إثم أولئك الشعوب يطردهم الرب إلهك من أمامك” (تث 9: 1 – 5).
د – ” متى دخلت الأرض التي يعطيك الرب إلهك لا تتعلم أن تفعل مثل رجس أولئك الأمم. لا يوجد فيك من يجيز ابنه أو ابنته في النار ولا من يعرف عرافة ولا عائف ولا متفائل ولا ساحر. ولا من يُرقى رُقية ولا من يسأل جانًا أو تابعة ولا من يستشير الموتى. لأن كل من يفعل ذلك مكروه عند الرب. وبسبب هذه الأرجاس الرب إلهك طاردهم من أمامك. تكون كاملًا لدى الرب إلهك” (تث 18: 9 – 13).
وحذر موسى شعبه في نهاية أيامه لئلا يذهب أحدهم ويعبد آلهة الأمم فيكون فيهم أصل يثمر علقمًا وأفسنتينًا، فإن الله لن يتساهل معه ” لا يشاء الرب أن يرفق به بل يدخن حينئذ غضب الرب وغيرته على ذلك الرجل فتحل عليه كل اللعنات المكتوبة في هذا الكتاب ويمحو الرب اسمه من تحت السماء” (تث 29: 20) بل أن اللعنة تحل بالأرض أيضًا ” كبريت وملح كل أرضها حريق لا تُزرع ولا تُنبت ولا يطلع منها عشب ما كانقلاب سدوم وعمورة وأدمة وصبوييم التي قلبها الرب بغضبه وسخطه. ويقول جميع الأمم لماذا فعل الرب هكذا بهذه الأرض. لماذا حموُّ هذا الغضب العظيم. فيقولون لأنهم تركوا عهد الرب إله آبائهم الذي قطعه معهم حين أخرجهم من أرض مصر. وذهبوا وعبدوا آلهة أخرى وسجدوا لها. آلهة لم يعرفوها ولا قُسِمت لهم. فاشتعل غضب الرب على تلك الأرض التي حلت عليها كل اللعنات المكتوبة في هذا السفر واستأصلهم الرب من أرضهم بغضبٍ وسخطٍ وغيظٍ عظيمٍ” (تث 29: 23 – 28).
هـ- وكما أمر الله بسحق هذه الشعوب التي سلكت في السحر، أمر أيضًا بقتل السحرة والساحرات في بني إٍسرائيل ” لا تدع ساحرة تعيش” (خر 22: 18) فهو لم يميز بين ساحر من الأمم وآخر من بني إٍسرائيل، بل كليهما ينبغي أن يُقتل ” والنفس التي تلتفت إلى الجان. وإلى التوابع لتزني وراءهم. أجعل وجهي ضد تلك النفس وأقطعها من شعبها” (لا 20: 6).
و – وقد أوصى الرب شعبه وشدَّد على ضرورة القضاء على هؤلاء الشعوب موضحًا السبب ” لكي لا يعلموكم أن تعملوا حسب جميع أرجاسهم التي عملوا لآلهتهم فتخطئوا إلى الرب إلهكم” (تث 20: 18).. ” وكلم الرب موسى في عربات موآب.. وإن لم تطردوا سكان الأرض من أمامكم يكون الذين تستبقون منهم أشواكًا في أعينكم ومناخس في جوانبكم ويضايقونكم على الأرض التي أنتم سالكون فيها فيكون أني أفعل بكم كما هممت أن أفعل بهم” (عد 33: 55، 56).
ز – بعد أن دشن سليمان الهيكل وصلى لله من أجل كل من يقبل إلى هذا البيت ويتضرع من أجل أمر ما سواء كان من شعب الله أو من الأمم، ثم ” تراءى الرب لسليمان ليلًا وقال له. قد سمعت صلاتك واخترت هذا المكان لي.. الآن عيناي تكونان مفتوحتين وإذناي مصغيتين إلى صلاة هذا المكان.. ولكن إن انقلبتم وتركتم فرائضي ووصاياي التي جعلتها أمامكم وذهبتم وعبدتم آلهة أخرى وسجدتم لها. فإني أقلعهم من أرضي التي أعطيتهم إياها وهذا البيت الذي قدسته لاسمي أطرحه من أمامي وأجعله مثلًا وهُزأة في جميع الشعوب” (2 أي 7: 12 – 20).
ح – أوضح سليمان الحكيم قصة الله مع هؤلاء الأمم الذين يصرون على شرهم رغم ترفق الله بهم وشفقته عليهم فيقول ” إن في كل شيء روحك الذي لا فساد فيه. فبه توبخ الخطاة شيئًا فشيئًا وفيما يخطأون به تذكرهم وتنذرهم لكي يقلعوا عن الشر ويؤمنوا بك أيها الرب. فإنك أبغضت الذين كانوا قديمًا سكان أرضك المقدَّسة. لأجل أعمالهم الممقوتة لديك من السحر وذبائح الفجور. إذ كانوا يقتلون أولادهم بغير رحمة ويأكلون أحشاء الناس ويشربون دمائهم في شعائر عبادتك. فأثرت أن تهلك بأيدي آبائنا أولئك الوالدين قتلة.. على أنك أشفقت على أولئك أيضًا فإنهم بشر. فبعثت بالزنابير تتقدم عسكرك وتبيدهم شيئًا بعد شيء. لا لأنك عجزت عن إخضاع المنافقين للصديقين بالقتال أو تدميرهم بمرةٍ بالوحوش الضارية أو بأمر حازم من عندك. لكن بعقابهم شيئًا فشيئًا منحتهم مهلة للتوبة وإن لم يخف عليك أن جيلهم شرير وإن خبثهم غريزي وأفكارهم لا تتغير إلى الأبد. لأنهم كانوا ذرية ملعونة منذ البدء. ولم يكن عفوك عن خطاياهم خوفًا من أحد. فإنه من يقول ماذا صنعت أو يعترض قضاءك ومن يشكو بهلاك الأمم التي خلقتها أو يقف بين يديك مخاصمًا عن أناس مجرمين. إذ ليس إله إلاَّ أنت المعتني بالجميع حتى ترى أنك لا تقضي قضاء الظلم. وليس لملك أو سلطان أن يطالبك بالذين أهلكتهم. وإذ أنت عادل تدبر الجميع بالعدل وتحسب القضاء على من لا يستوجب العقاب منافيًا لقدرتك. لأن قوتك هي مبدأ عدلك وبما أنك رب الجميع فأنت تشفق على الجميع.. لكنك أيها السلطان القدير تحكم بالرفق وتدبرنا بإشفاق كثير.. لأجل ذلك فالمنافقون الذين عاشوا بالسفه عذبتهم بأرجاسهم عينها” (حكمة سليمان 12: 1 – 23).. تعالَ يا سليمان لتنظر أولئك الذين جاءوا في آخر الأيام يعترضون على ما فعله الله مع هؤلاء الفسقة المعاندين!!
حقًا بسبب هذه الأرجاس طرد الرب هذه الشعوب من مكان سكناها، وأيضًا طرد الرب شعبه من ذات الأرض عندما سلك في ذات الأرجاس، فسُبيت مملكة إسرائيل إلى أشور، وسُبيت مملكة يهوذا إلى بابل، وتحقق قول الله لموسى النبي ” وقال الرب لموسى ها أنت ترقد مع أبائك فيقوم هذا الشعب ويفجر وراء آلهة الأجنبيين في الأرض التي هو داخل إليها فيما بينهم ويتركني وينكث عهدي الذي قطعته معه. فيشتعل غضبي عليه في ذلك اليوم وأتركه وأحجب وجهي عنه فيكون مأكلةً وتصيبه شرور كثيرة وشدائد” (تث 31: 16، 17).
وحذر يشوع بن نون شعبه من عبادة الأصنام لئلا يحدث لهم ما حدث للشعوب السابقة، فقال لهم ” ويكون كما أنه أتى عليكم كل الكلام الصالح الذي تكلم به الرب إلهكم عنكم كذلك يجلب عليكم الرب كل الكلام الردئ حتى يبيدكم عن هذه الأرض الصالحة التي أعطاكم الرب إلهكم. حينما تتعدون عهد الرب إلهكم الذي أمركم به وتسيرون وتعبدون آلهة أخرى وتسجدون لها بحمى غضب الرب عليكم فتبيدون سريعًا عن الأرض الصالحة التي أعطاكم” (يش 23: 15، 16) وعندما لم يسمع الشعب القاسي تحذير الله على فم يشوع بن نون حمى غضب الرب عليهم وأنتقم منهم وشتت بقيتهم في بقاع الأرض.
ولعل أحد يتساءل قائلًا: لو أخذنا بنفس المنطق، وهو أن خطية الأمم ونجاساتهم جرَّت عليهم العقاب الإلهي على يد يشوع بن نون، فلماذا لا نعترف بحروب نبي الإسلام وغزواته على إنها أوامر إلهية ضد شر الروم والفرس.. نقول إن هناك فرقًا جوهريًا بين حروب يشوع وحروب نبي الإسلام، وهو أن يشوع لم يحارب الناس بقصد إدخالهم للديانة اليهودية. إنما كان يشوع مجرد أداة لتنفيذ الإرادة الإلهية المقدَّسة. أما حروب نبي الإسلام فكانت بقصد نشر الدين الإسلامي، وليس مجازاة الأشرار، والدليل على هذا أن الذي ارتضوا أن يدخلوا الإسلام، ومهما كانت شرورهم، فإنهم عصموا دماؤهم وممتلكاتهم من رسول الإسلام، كما اعترف هو بهذا.
_____
(1) Davis , DAB , 96.
(2) جوش مكدويل – برهان يتطلب قرارًا طبعة 2004م ص 319.
(3) مجلة العربي – العدد 510 – مايو 2001م ص 28، 29.
(4) جوش مكدويل – برهان يتطلب قرارًا طبعة 2004م ص 319.
(5) مركز المطبوعات المسيحية – تفسير الكتاب المقدَّس جـ 1 ص 404.