106- ما مدى التزام الإنسان المسيحي بالعهد القديم؟
خامسًا: التزام الإنسان المسيحي بالعهدين القديم والجديد
ج: قد يقول قائل مالنا والعهد القديم بعد أو وصلت إلينا أنوار العهد الجديد.. ألم يقل الإنجيل ” لا يحكم عليكم أحد في أكل أو شرب أو من جهة عيدٍ أو هلالٍ أو سبتٍ التي هي ظل الأمور العتيدة” (1كو 2: 16، 17) ولكننا نستطيع أن نقول بالفم المليان أن كل إنسان مسيحي يعترف بقدسية العهد القديم، ويمكن تقسيم العهد القديم إلى:
1- الشرائع الطقسية:
وهذه الشرائع ظلت قائمة حتى صلب المسيح، وانتهت بموته وقيامته، وهذه الشرائع كانت رموزًا لأمور مستقبلية تمثل الحقيقة، فمثلًا الذبائح الحيوانية على اختلاف طقوسها وشرائعها كانت ترمز لذبيحة الصليب، والختان كان رمزًا للمعمودية، ولم تعد هذه الشرائع ملزمة للإنسان المسيحي، وإن كان المسيحي لا يهمل المعاني الروحية لهذه الفرائض، فالمسيح هو فصحنا الجديد (راجع غل 5: 1 – 12، كو2: 16 – 23).
2- الشريعة المدنية:
وهي الأحكام الواردة في العهد القديم، وقلما تسن دولة أحكامًا تخالف هذه الأحكام.
3- الشرائع الأدبية:
وتنقسم إلى الآتي:
أ – جزء منها سما بها السيد المسيح لدرجة أعلى من الكمال مثلما قال ” قد سمعتم إنه قيل للقدماء لا تقتل. ومن قتل يكون مستوجب الحكم. وأما أنا فأقول لكم إن كل من يغضب على أخيه باطلًا يكون مستوجب الحكم..” (مت 5: 21 – 28).
ب- جزء ثان ثبَّته السيد المسيح، فمثلًا عندما ” سأله واحد منهم وهو ناموسي ليجربه قائلًا: يا معلم أية وصية هي العظمى في الناموس. فقال له يسوع تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الأولى والعظمى. والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك” (مت 22: 35 – 39).. ” فإن الله أوصى قائلًا أكرم أباك وأمك” (مت 15: 4).
ج- جزء ثالث لم يتعرض له السيد المسيح، وبالتالي فهو أراد أن يبقى كما هو، مثل شريعة النذور بدليل نذر بولس الرسول ” وأما بولس فلبث أيضًا أيامًا كثيرة ثم ودع الأخوة وسافر.. بعدها حلق رأسه في كنخريا. لأنه كان عليه نذر” (أع 18: 18).
ويقول ” ج. ت. مانلي ” G. T. Manley ” والآن ما هو موقف المسيحي من شريعة موسى؟ يمكن تلخيص الجواب في الآتي:
أولًا: تحتوي الشريعة على عناصر مؤقتة لا يلتزم المسيحي بها..
ثانيًا: تحتوي على مبادئ خالدة للقداسة والعدالة والحق، وهذه متضمنة في الوصايا العشر والتشريع المبني عليها، وهي أوامر لكل العصور لليهود والمسيحيين على السواء، وقد اقتُبست في العهد الجديد كوصايا أو أوامر ومعها القول ” مكتوب” (انظر مت 4: 10، 5: 17، رو 13: 9، 1بط 1: 16).
ثالثًا: كل ما كُتب فلأجل تعليمنا وهذا جزء من المكتوب النافع لنا (رو 15: 4، 2تي 3: 16).
رابعًا: يخبرنا الكتاب بوضوح أن موسى كتب عن المسيح (يو 5: 46).. فلنبحث عن المسيح في كل الصفحات لأن كل الناموس قصد به أن يقودنا إليه (غل 3: 24)”(1).
وما أجمل العبارات التي وردت في المزمور 119 الخاص بالشريعة ” 6 حينئذ لا أخزى إذا نظرت إلى كل وصاياك. 11 خبأت كلامك في قلبي لكيلا أخطى إليك.. 18 أكشف عن عيني فأرى عجائب من شريعتك.. 24 أيضًا شهاداتك هي لذتي.. 32 في طريق وصاياك أجري لأنها ترحّب قلبي. 40 هانذا قد اشتهيب وصاياك.. 55 حفظت شريعتك.. 61 أما شريعتك فلم أنسها.. 72 شريعة فمك خير لي من ألوف ذهب وفضة.. 77 لأن شريعتك هل لذَّتي.. 87 أما أنا فلم أترك وصاياك.. 92 لو لم تكن شريعتك لذتي لهلكت حينئذ في مذلتي. 97 كم أحببت شريعتك. اليوم كله هي لهجي.. 111 ورثت شهاداتك إلى الدهر.. 113 المتقلبين أبغضتُ وشريعتك أحببت.. 125 عبدك أنا. فهمني فأعرف شهاداتك.. 129 عجيبة هي شهاداتك لذلك حفظتها نفسي.. 131 فغرت فمي ولهثت. لأني إلى وصاياك اشتقت. 141 أما وصاياك فلم أنسها.. 142 وشريعتك حق. 143 ضيق وشدة أصاباني أما وصاياك فهي لذَّاتي. 146 دعوتك خلصني فأحفظ شهاداتك. 153 أنظر إلى ذلي وأنقذني لأني لم أنسَ شريعتك. 159 إني أحببت وصاياك. 174 اشتقت إلى خلاصك يا رب وشريعتك هي لذتي “
ويقول الأب منيف حمصيي ” لقد شعرت أن المسيحي الذي يلغي كتاب الخلاص لا يمكن أن يكون مسيحيًا على الإطلاق، فالكنيسة الأم تستخدم العهد القديم على نطاق واسع وعميق في عبادتها، فكيف ينبري الداعون إلى إلغائه، ألا يعني مثل هذا الموقف أنهم لا يطيعون كنيستهم ولا يعرفون إيمانهم ومعتقداتهم وانتماءهم”(2).
_____
(1) مركز المطبوعات المسيحية – تفسير الكتاب المقدَّس جـ 1 ص 425.
(2) هل يُلغى العهد القديم؟ ص 19، 20.