Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

هل شابهت شرائع العهد القديم شرائع عصره، أم إنه ارتقى بالإنسان من جهة علاقاته الأسرية والاجتماعية؟

101- هل شابهت شرائع العهد القديم شرائع عصره، أم إنه ارتقى بالإنسان من جهة علاقاته الأسرية والاجتماعية؟

ثالثًا: العهد القديم أرسى دعائم العلاقات الإنسانية

ج: كان للعهد القديم التأثير البالغ في تنظيم علاقات الإنسان الأسريَّة والاجتماعية، حتى علاقته بالأعداء، وتغلغل العهد القديم في كافة جوانب الحياة، فارتقى جدًا بمستوى الإنسان الأخلاقي والأدبي في عصر سادت فيه الفوضى، والبقاء للأقوى، وإليك يا صديقي بعض الأمثلة على الدعائم التي أرساها العهد القديم:

1- أرسى العهد القديم علاقة الإنسان الأسريَّة، فأوصى الله بإكرام الوالدين، فجاءت الوصية الخامسة ” أكرم أباك وأمك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك” (خر 20: 12).

وأوصت التوراة باحترام الأكبر ” من أمام الأشيب تقوم وتحترم وجه الشيخ وتخشى إلهك. أنا الرب” (لا 19: 22).

وأمرت التوراة بقتل كل من يسب أباه أو أمه ” كل إنسان سبَّ أباه أو أمه فإنه يُقتل. قد سبَّ أباه أو أمه. دمه عليه” (لا 20: 9).

” ملعون من يستخف بأبيه أو أمه. ويقول جميع الشعب آمين” (تث 27: 16)

2- نهى الله عن خطية القتل، فجاءت الوصية السادسة ” لا تقتل” (خر 20: 13).

” ملعون من يقتل قريبه في الخفاء. ويقول جميع الشعب آمين” (تث 27: 24).

وميَّز الله بين القتل العمد والقتل السهو، فالقاتل عمدًا يُقتل، أما الذي قتل عن طريق السهو، فله أن يلجأ إلى إحدى مدن الملجأ، فيكون في أمان، وقال الكتاب عن مدن الملجأ هذه ” لكي يهرب إليها القاتل الذي يقتل صاحبه بغير علم وهو غير مبغض له منذ أمس وما قبله. يهرب إلى إحدى تلك المدن فيحيا” (تث 4: 42) ويظل في مدينة الملجأ حتى موت رئيس الكهنة، عندئذ يعود إلى بيته، ولا يتعرض له أحد من أهل القتيل.

3- عالج العهد القديم الحوادث والخسائر الناجمة عنها بحكمة، فقال الله ” وإذا تخاصم رجلان فضرب أحدهما الآخر بحجرًا أو بلكمة ولم يُقتل بل سقط في الفراش. فإن قام وتمشى خارجًا على عكازه يكون الضارب بريئًا. إلاَّ أنه يُعوّض عطلته وينفق على شفائه. وإذا ضرب إنسان عبده أو آمته بالعصا فمات تحت يده يُنتقم منه.. وإذا تخاصم رجال وصدموا امرأة حبلى فسقط ولدها ولم تحصل أذية يُغرَّم كما يضع عليه زوج المرأة ويدفع عن يد القضاة. وإن حصلت أذية تُعطى نفسًا بنفس. وعينًا بعين وسنًا بسن.. وإذا ضرب إنسان عين عبده أو عين آمته فأتلفها يطلقه حُرًّا عوضًا عن عينه. وإن أسقط سن عبده أو سنة آمته يطلقه حُرًّا عوضًا عن سنه” (خر 21: 18 – 27).

وحددت التوراة تعويض من ينطحه ثور، والتعويض عن الثور أو الحمار الذي يسقط في بئر حفره آخر ولم يضع عليه غطاء، والتعويض عن نطح ثورين بعضهما البعض (خر 21: 28 – 36).. إلخ.

4- نهى العهد القديم عن الزنا، وأمر بعقاب الزاني والزانية، فجاءت الوصية السابعة ” لا تزن” (خر 20: 14).

وحذر من الشهوة التي تقود إلى الزنا ” لا تشته امرأة قريبك” (خر 20: 17).

وأمر بقتل الزاني والزانية ” وإذا زنى رجل مع امرأة فإذا زنى مع امرأة قريبة فإنه يُقتل الزاني والزانية” (لا 20: 10).

5- حكم العهد القديم في حالات الاغتصاب بحكمة، فالفتاة المخطوبة التي تُغتصب في الحقل يُقتل مغتصبها ” إن وجد الرجل الفتاة المخطوبة في الحقل وأمسكها الرجل واضطجع معها يموت الرجل الذي أضطجع معها وحده. وأما الفتاة فلا تفعل بها شيئًا. ليس على الفتاة خطية للموت بل كما يقوم رجل على صاحبه ويقتله قتلًا هكذا هذا الأمر إنه في الحقل وجدها فصرخت الفتاة المخطوبة فلم يكن من يخلصها” (تث 22: 25 – 27). بينما أمر برجم الاثنين إذا حدث الزنا في المدينة، لأن الفتاة لم تستغيث (تث 22: 23، 24).

وإذا اغتصب رجل عذراء غير مخطوبة يتزوجها، ويعوض أبيها، ولا يقدر أن يطلقها ” إذا وجد رجل فتاة عذراء غير مخطوبة فأمسكها واضطجع معها فوجدا. يُعطى الرجل الذي اضطجع معها لأبي الفتاة خمسين من الفضية وتكون هي له زوجة من أجل أنه قد أذلها. لا يقدر أن يطلّقها كل أيامه” (تث 22: 28، 29).

6- نهى العهد القديم عن السرقة، فجاءت الوصية الثامنة ” لا تسرق” (خر 2: 15).

” لا تسرقوا ولا تكذبوا ولا تغدروا أحدكم بصاحبه.. لا تُغضب قريبك ولا تسلب..” (لا 19: 11، 13).

والسارق يعوض عن الشيء الذي سرقه بعدة أضعاف ” إذا سرق إنسان ثورًا أو شاة فذبحه أو باعه يُعوَّض عن الثور بخمسة ثيران وعن الشاة بأربعة من الغنم” (خر 22: 10).

7- حذر العهد القديم من الشهادة الزور، فجاءت الوصية التاسعة ” لا تشهد على قريبك شهادة زور” (خر 20: 16).

8- حذر العهد القديم من إشتهاء ما للغير، فجاءت الوصية العاشرة ” لا تشته بيت قريبك لا تشته امرأة قريبك ولا عبده ولا آمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئًا مما لقريبك” (خر 20: 17).

9- أوضح العهد القديم المحارم الذين لا يصح الزواج بهم مثل الأم وزوجة الأب، والأخت الشقيقة وغير الشقيقة، والحفيدة، والعمة، والخالة، والعم وزوجته، وزوجة الابن، والزواج من أم وابنتها، والزواج من أختين، فقال الله ” لا يقترب إنسان إلى قريب جسده ليكشف العورة. أنا الرب. عورة أبيك وعورة أمك لا تكشف.. عورة امرأة أبيك لا تكشف.. عورة أختك.. عورة ابنة ابنك أو ابنة بنتك.. عورة بنت امرأة أبيك.. عورة أخت أبيك.. عورة أخت أمك.. عورة أخي أبيك لا تكشف. إلى امرأته لا تقترب.. عورة كنتك.. عورة امرأة أخيك.. عورة امرأة وبنتها لا تكشف.. ولا تأخذ امرأة إلى أختها..” (لا 18: 6 – 18).

ووضع الله عقوبة الزواج بالمحارم التي قد تصل إلى الحرق ” وإذا اتخذ رجل امرأة وأمها فذلك رذيلة. بالنار يحرقونه وإياهما لكي لا تكون رذيلة بينكم” (لا 20: 14).

” ملعون من يضطجع مع امرأة أبيه لأنه يكشف ذيل أبيه.. ملعون من يضطجع مع أخته بنت أبيه أو بنت أمه.. ملعون من يضطجع مع حماته. ويقول جميع الشعب آمين” (تث 27: 20 – 23).

10– أرثت التوراة للمرأة حقوقها وللأسرة استقرارها، فأعلن الله كراهيته للطلاق ” لأنه يكره الطلاق قال الرب إله إسرائيل” (ملا 2: 16) وإن كان قد سمح به فلأجل قساوة قلبهم حينذاك، فلو لم يسمح للرجل بتطليق امرأته، فربما يتعدى هذا الرجل على زوجته بالضرب والإيذاء البدني. وأمر الله كل من يريد أن يُطلق امرأته أن يكتب لها ” كتاب طلاق ” لعله وهو يكتب هذا الكتاب يعيد التفكير ثانية، ويُبقي على العلاقة الزوجية قائمة.

ووضع أمام الذي يُطلق امرأته عقبة وهي أنها لو تزوجت بآخر، وهذا الأخير مات أو طلقها لا يقدر الزوج الأول أن يستردها ” إذا أخذ رجل امرأة وتزوج بها فإن لم تجد نعمة في عينيه لأنه وجد بها عيب شيء وكتب لها كتاب طلاق ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته. ومتى خرجت من بيته ذهبت وصارت لرجل آخر. فإن أبغضها الأخير وكتب لها كتاب طلاق ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته أو إذا مات الرجل الأخير الذي اتخذها له زوجة لا يقدر زوجها الأول الذي طلَّقها أن يعود يأخذها لتصير له زوجة” (تث 24: 1 – 4).

وإذا تزوج رجل عذراء وأبغضها، وادعى أنها كانت امرأة يذهب أبوها إلى شيوخ المدينة، ويبسط شكواه ” فيأخذ شيوخ المدينة الرجل ويؤدبونه. ويغرمونه بمئة من الفضة ويعطونها لأبي الفتاة لأنه أشاع اسمًا رديًّا عن عذراء من إسرائيل فتكون له زوجة لا يقدر أن يطلقها كل أيامه” (تث 22: 18، 19).

وحافظ الله على مشاعر المرأة حتى لو كانت من الأعداء، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فقال ” وإذا خرجت لمحاربة أعدائك ودفعهم الرب إلهك إلى يدك وسبيت منهم سبيًا. ورأيت في السبي امرأة جميلة الصورة والتصقت بها واتخذتها لك زوجة. فحين تدخلها إلى بيتك تحلق رأسها وتقلّم أظفارها. وتنزع ثياب سبيها عنها وتقعد في بيتك وتبكي أباها وأمها شهرًا من الزمان ثم بعد ذلك تدخل عليها وتتزوج بها فتكون لك زوجة. وإن لم تسرَّ بها فأطلقها لنفسها. لا تبعها بفضة ولا تسترقّها من أجل أنك قد أذللتها” (تث 21: 10 – 14).

11- نهت التوراة عن الكذب، فجاءت الوصية الإلهيّة حاسمة ” لا تكذبوا” (لا 19: 11).. ” لا تقبل خبرًا كاذبًا” (خر 23: 1).. ” ابتعد عن كلام الكذب” (لا 23: 7).

12- أكد الله في العهد القديم على نزاهة القضاء، وأوصى بموازين الحق، وحذر من الرشوة،  فأكد الله في العهد القديم على صدق الشهادة، فجاءت الوصية التاسعة ” لا تشهد على قريبك شهادة زور” (خر 20: 16).

وأوجب توافر شاهدين على الأقل في عقوبة الإعدام ” على فم شاهدين أو ثلاثة شهود يُقتَّل الذي يُقتَّل. لا يُقتَّل على فم شاهد واحد” (تث 17: 16).

وحذر من قتل البار ” ابتعد عن كلام الكذب ولا تقتل البريء والبار. لأني لا أُبرّر المذنب” (خر 23: 7).

وحذر من المحاباة في إصدار الأحكام ” لا ترتكبوا جورًا في القضاء. لا تأخذوا بوجه مسكين ولا تحترم وجه كبير. بالعدل تحكم لقريبك” (لا 19: 15)

” لا تنظروا إلى الوجوه في القضاء. للصغير كالكبير تسمعون. لا تهابوا وجه إنسان لأن القضاء لله” (تث 1: 17).

” لا تعوج حكم الغريب واليتيم ولا تسترهن ثوب الأرملة وأذكر أنك كنت عبدًا في مصر ففداك الرب إلهك من هناك. لذلك أنا أوصيك أن تعمل هذا الأمر” (تث 24: 17، 18).

وقال الله على فم سليمان الحكيم ” مبرّئ المذنب ومذنّب البريء كلاهما مكرهة الرب” (أم 17: 15).

وقال الله على فم أرميا النبي ” يابيت داود هكذا قال الرب.. أقضوا في الصباح عدلًا وأنقذوا المغضوب من يد الظالم لئلا يخرج كنار غضبي فيحرق وليس من يطفئ من أجل شر أعمالكم” (أر 21: 12).

وأوصى الله بأن كل إنسان يحمل عقوبة جرمه، فلا يؤخذ الأولاد بجريرة الأباء، ولا الأباء بجريرة الأولاد ” لا يُقتل الأباء عن الأولاد ولا يُقتل الأولاد عن الأباء. كل إنسان بخطيته يُقتل” (تث 24: 16).

” إذا كانت خصومة بين إناسٍ وتقدموا إلى القضاء ليقضي بينهم فليبرروا البار ويحموا على المذنب” (تث 25: 11).

وأوصى الله بالالتزام بالأمانة في الموازين والمكاييل فقال ” لا ترتكبوا جورًا في القضاء لا في القياس ولا في الوزن. ولا في الكيل. ميزان حق ووزنات حق وإيفة حق وهِين حق تكون لكم” (لا 19: 35، 36).

” لا يكن لك في كيسك أوزان مختلفة كبيرة وصغيرة. لا يكن لك في بيتك مكاييل مختلفة كبيرة وصغيرة. وزن صحيح وحق يكون لك ومكيال صحيح وحق يكون لك لكي تطول أيامك على الأرض التي يعطيك الرب إلهك. لأن كل من عمل ذلك كل من عمل غشًا مكروه لدى الرب إلهك” (تث 25: 13 – 16).

وحذر الله من الرشوة التي تُعمي القضاء ” ولا تأخذ رشوة. لأن الرشوة تُعمي المبصرين وتعوّج كلام الأبرار” (خر 23: 8).

” لا تُحرّف القضاء ولا تنظر إلى الوجوه ولا تأخذ رشوة لأن الرشوة تُعمي أعين الحكماء وتُعوّج كلام الصديقين. العدل العدل تتبع لكي تحيا” (تث 16: 19، 20).

وصب الله اللعنة على المرتشي ” ملعون كل من يأخذ رشوة لكي يقتل نفس دم برئ” (تث 27: 25).

13- أوصى الله في العهد القديم بالعدل والحق حتى لو كان ضد رغبة الإنسان، ومثال على ذلك قال ” إذا كان لرجل امرأتاه أحدهما محبوبة والأخرى مكروهة فولدتا له بنين المحبوبة والمكروهة. فإن كان الابن البكر للمكروهة. فيوم يُقسّم لبنيه ما كان لا يحلُّ له أن يقدم ابن المحبوبة بكرًا على ابن المكروهة البكر. بل يعرف ابن المكروهة بكرًا ليعطيه نصيب اثنين” (تث 21: 15 – 17).

14- أوصى الله في العهد القديم بالمساواة بين اليهودي والأممي، ففي تطبيق الأحكام أوصى الله بالمساواة بين اليهودي والأممي ” حكم واحد يكون لكم. الغريب يكون كالوطني. إني أنا الرب إلهكم” (خر 24: 22).

” وإذا نزل عندكم غريب أو كان أحد في وسطكم في أجيالكم وعمل وقود رائحة سرورٍ للرب فكما تفعلون كذلك يُفعل. أيتها الجماعة لكم وللغريب النازل عندكم فريضة واحدة فريضة دهريَّة في أجيالكم. مثلكم يكون مثل الغريب أمام الرب. شريعة واحدة وحكم واحد يكون لكم وللغريب النازل عندكم” (عد 15: 14 – 16) {راجع خر 12: 19، 48، 49، لا 17: 8 – 10، عد 15: 26، 30}.

ويتناغم مع هذا الفكر الراقي صلاة سليمان الملك يوم تدشين الهيكل ” فكل صلاة وكل تضرع تكون من أي إنسان كان أو من كل شعبك إسرائيل.. فيبسط يديه نحو هذا البيت. فاسمع أنت من السماء مكان سكناك وأغفر وأعط كل إنسان حسب كل طرقه كما تعرف قلبه لأنك أنت وحدك تعرف قلوب البشر.. وكذلك الأجنبي الذي ليس هو من شعبك إسرائيل وقد جاء من أرض بعيدة من أجل اسمك العظيم ويدك القوية وذراعك الممدودة فمتى جاءوا وصلَّوا في هذا البيت. فاسمع أنت من السماء مكان سكناك وأفعل حسب ما يدعوك به الأجنبي لكي يعلم كل شعوب الأرض اسمك فيخافوك كشعبك إسرائيل” (أي 6: 29 – 33).

وقد سمح للأمم بالدخول إلى شعبه:

” لا تضطهد الغريب” (خر 22: 21) كان العبرانيون شعبًا مختارًا لله، ولكنهم لم يحتكروا ذلك، فيمكن لأي إنسان أممي أن يصير ضمن شعب الله لو أراد ذلك.

” وإذا نزل عندكم غريب فليعمل فصحًا للرب” (عد 9: 14) ويقول ” أ. أ. مَكراي ” A. A. Mac – Rae ” وقد أعدَّ الله دائمًا مجالًا للأمم للدخول في عائلة إسرائيل. وحتى يمنع أي سوء فهم شدَّد على هذه الحقيقة بتكرار المبدأ المذكور سابقًا في (خر 12: 45 – 49) بأن أي غريب ينزل بين بني إٍسرائيل، يمكن أن يصير إسرائيليًا. وفي هذه الحالة عليه أن يحفظ الفصح، تمامًا بنفس الطريقة التي يحفظه بها المولود إسرائيليًا”(1).

15- أوصى الله في العهد القديم بمحبة الكل.. ” لا تكره أدوميًّا لأنه أخوك. لا تكره مصريًّا لأنك كنت نزيلًا في أرضه. الأولاد الذين يوُلدون لهم في الجيل الثالث يدخلون منهم في جماعة الرب” (تث 23: 7، 8).

” ولا تنتقم ولا تحقد على أبناء شعبك بل تحب قريبك كنفسك. أنا الرب” (لا 19: 18).

وعندما سأل أحد الناموسيين السيد المسيح: من هو قريبي..؟ أجابه الرب يسوع بقصة السامري الصالح، ثم سأله ” فأي هؤلاء الثلاثة تُرى صار قريبًا للذي وقع بين اللصوص. فقال الذي صنع معه الرحمة. فقال له يسوع أذهب أنتَ أيضًا واصنع هكذا” (لو 10: 36، 37).

16- أوصى الله في العهد القديم بالمعاملة الحسنة للعدو وممتلكاته، فقبل العهد القديم سادت شريعة الغاب، فرأى لامك أن جرحه يستوجب القتل، وإن قتله يستوجب قتل سبعة وسبعين رجلًا، فقال ” اسمعا لقولي يا امرأتي لامك وأصغيا لكلامي. فإني قتلت رجلًا لجرحي وفتى لشدخي. إنه ينتقم لقايين سبعة أضعاف. وأما للامك فسبعة وسبعين” (تك 4: 23، 24) أما شريعة العهد القديم فقد حجمَّت الشر كخطوة في طريق الكمال، مصدر القانون الإلهي ” وإن حصلت أذيَّة تُعطى نفسًا بنفس. وعينًا بعينٍ. وسنًا بسنٍ ويدًا بيدٍ ورجلًا برجلٍ. وكيًّا بكي وجرحًا بجرحٍ ورضَّا برضّنٍ” (خر 21: 23 – 25) بل وتقدمت شريعة العهد القديم أكثر إذ أوصت بإطعام العدو الجائع ” إن جاع عدوك فأطعمه خبزًا وإن عطش فاسقه ماء. فإنك تجمع جمرًا على رأسه والرب يجازيك” (أم 25: 21، 22) وأوصى الله شعبه قائلًا ” إذا صادفت ثور عدوك أو حماره شاردًا ترده إليه” (خر 23: 4).

17- أوصى الله في العهد القديم من جهة الأجير ومنحه أجرته كاملة وفورًا، فقال الله ” لا تظلم أجيرًا مسكينًا وفقيرًا من أخوتك أو من الغرباء الذين في أرضك في أبوابك. في يومه تُعطيه أجرته ولا تغرب عليها الشمس لأنه فقير وإليها حامل نفسه لئلا يصرخ عليك إلى الرب فتكون عليك خطية” (تث 24: 14، 15).

18- أوصى الله في العهد القديم من جهة الفقير والمحتاج، فقال الله ” إن ارتهنت ثوب صاحبك فإلى غروب الشمس ترده له. لأنه وحده غطاؤه. هو ثوبه لجلده. في ماذا ينام. فيكون إذا صرخ إليَّ إني أسمع. لأني رؤوف” (خر 22: 26، 27).

كما أوصى الله قائلًا ” إذا أقرضت صاحبك قرضًا ما فلا تدخل بيته لكي ترتهن رهنًا منه. في الخارج تقف والرجل الذي تقرضه يُخرِج إليك الرهن إلى الخارج. وإن كان فقيرًا فلا تنم في رهنه. رد إليه الرهن عند غروب الشمس لكي ينام في ثوبه ويباركك فيكون لك بر لدى الرب إلهك” (تث 24: 10 – 13).

ومنع الله من رهن الأشياء الضرورية التي لا غنى عنها ” لا يسترهن أحد رحىً أو مرداتها لأنه إنما يسترهن حياة” (تث 24: 6).

19- حذر الله في العهد القديم من ظلم اليتيم والأرملة، فأوصى الله بحسن معاملتهم ” لا تسئ إلى أرملة ما ولا يتيم. إن أسأت إليه فإني إن صرخ إليَّ أسمع صراخه. فيحمى غضبي وأقتلكم بالسيف. فتصير نساؤكم أرامل وأولادكم يتامى” (خر 22: 22 – 24).

وحذر الله من ظلمهم ” ملعون من يُعوّج حق الغريب واليتيم والأرملة” (تث 27: 19).

” تعلموا فعل الخير. اطلبوا الحق أنصفوا المظلوم وأقضوا لليتيم حاموا عن الأرملة” (أش 1: 17).

” رؤساء متمردون.. لا يقضى لليتيم ودعوى الأرملة لا تصل إليهم” (أش 1: 23).

” لأنه وُجد في شعب أشرار.. فلم يقضوا في الدعوى دعوى اليتيم.. وبحق المساكين لم يقضوا” (أر 5: 26 – 28).

” لأنكم إن أصلحتم إصلاحًا طرقكم.. إن لم تظلموا الغريب واليتيم والأرملة.. فإني أسكنكم في هذا الموضع في الأرض التي أعطيت لآبائكم من الأزل وإلى الأبد” (أر 7: 5 – 7).

” إليك يسلم المسكين أمره. أنت صرت معين اليتيم” (مز 10: 14).

” المجري حكمًا للمظلومين المعطي خبزًا للجياع. الري يُطلق الأسرى.. الرب يحفظ الغرباء. يعضد اليتيم والأرملة” (مز 146: 7 – 9).

” وأقترب إليكم للحكم وأكون شاهدًا سريعًا على.. وعلى السالبين أجرة الأجير الأرملة واليتيم ومن يصد الغريب ولا يخشاني قال رب الجنود” (ملا 3: 5).

” هكذا قال الرب أجروا حقًا وعدلًا وأنقذوا المغصُوب من يد الظالم والغريب واليتيم والأرملة لا تضطهدوا ولا تظلموا ولا تسفكوا دمًا زكيًا في هذا الموضع” (أر 22: 3).

وأوصى بإخراج العشور لهم ” وفي آخر ثلاث سنين تُخرج كل عشر محصولك في تلك السنة وتضعه في أبوابك. فيأتي اللاوي لأنه ليس له قسم ولا نصيب معك والغريب واليتيم والأرملة الذين في أبوابك ويأكلون ويشبعون لكي يباركك الرب إلهك من كل عمل يدك التي تعمل” (تث 14: 28، 29).

وأوصى الله بترك بقايا الحصاد لأجلهم ” إذا حصدت في حقلك ونسيت حزمة في الحقل فلا ترجع لتأخذها. للغريب واليتيم والأرملة تكون لكي يباركك الرب إلهك في كل عمل يديك. وإذا خبطت زيتونك فلا تراجع الأغصان وراءك. للغريب واليتيم والأرملة يكون. إذا قطفت كرمك فلا تعلله وراءك. للغريب واليتيم والأرملة يكون. واذكر أنك كنت عبدًا في أرض مصر. لذلك أنا أوصيك أن تعمل هذا الأمر” (تث 24: 19 – 22).

20- أوصى الله في العهد القديم من جهة العبد والآمة فأوصى بمنحهم أجازة أسبوعية مثل أسيادهم ” أما اليوم السابع ففيه سبت للرب إلهك لا تصنع عملًا ما أنتَ وابنك وابنتك وعبدك وآمتك وبهيمتك ونزيلك الذي داخل أبوابك” (خر 20: 10).

وأوصى الله السادة لكيما يشركوا العبد والإماء في الفرحة بالأعياد ” وتفرح أمام الرب إلهك أنت وابنك وابنتك وعبدك وأمتك واللاوي الذي في أبوابك والغريب واليتيم والأرملة الذين في وسطك في المكان الذي يختاره الرب إلهك ليُحلَّ اسمه فيه. وتذكر إنك كنت عبدًا في مصر وتحفظ وتعمل هذه الفرائض” (تث 16: 11، 12).

وأوصى الله بإطلاق العبد العبراني حرًا بعد ست سنوات من العمل أو سنة اليوبيل أيهما أقرب إلاَّ إذا شاء هذا العبد أن يظل في بيت سيده، وأن لا يصرفه فارغًا ” إذا بيع لك أخوك العبراني أو أختك العبرانية وخدمك ست سنين في السنة السابعة تطلقه حرًا من عندك. وحين تطلقه حرًا من عندك لا تطلقه فارغًا. تزوده من غنمك ومن بيدرك ومن معصرتك. كما باركك الرب إلهك تعطيه. واذكر أنك كنت عبدًا في أرض مصر ففداك الرب إلهك. لذلك أنا أوصيك بهذا الأمر اليوم” (تث 15: 12 – 15).

فإن كان العهد القديم قد أقرَّ العبودية كواقع قائم في تلك الأيام، إلاَّ أنه أوصى شعبه بمعاملة العبيد على أنهم كائنات بشرية، لهم كرامتهم، ولا يعاملونهم مثلما يعامل الأمميون عبيدهم فيهبطون بمستواهم إلى درجة الحيوانات، وقد يحتج البعض أن العهد القديم قد ميَّز بين العبد العبراني والعبد الأجنبي، فأوصى بمعاملة العبد العبراني كالأجير، وإطلاقه بعد ست سنوات. أما العبد الأجنبي فجعله عبدًا يُورَث للأبناء ” وإذا افتقر أخوك عندك وبيع لك فلا يستعبده إستعباد عبد. كأجير كنزيل يكون عندك. إلى سنة اليوبيل يخدم عندك.. وأما عبيدك وإماؤك الذين يكونون لك فمن الشعوب الذين حولكم منهم تقتنون عبيدًا وإماء. وأيضًا من أبناء المستوطنين النازلين عندكم منهم تقتنون ومن عشائرهم الذين عندكم الذي يلدونهم في أرضكم فيكونون ملكًا لكم. وتستملكونهم لأبنائكم من بعدكم ميراث ملكٍ. تستعبدونهم إلى الدهر. وأما أخوتكم بنو إسرائيل فلا يتسلط إنسان على أخيه بعنفٍ” (لا 25: 39 – 46).

والحقيقة إن الله لم يأمر بالرق، بل سمح به كوضع قائم، واستخدم هذا الوضع لإعطاء البشرية درسًا قويًا، وهو إن الشعوب الوثنية التي باعت نفسها للشيطان فاستعبدها عبودية مرة تستحق أن يستعبدها الإنسان. أما بنو إسرائيل الذين حرَّرهم الله من عبودية الشيطان وعبودية فرعون، فما ينبغي أن يستعبدهم إنسان ما، وإن صاروا عبيدًا فيجب أن يُعاملوا كأجراء، ولمدة محددة ثم يطلق سراحهم، ويقول القمص تادرس يعقوب ” إن كان الله قد ترفق بشعبه وطالب الأخوة ما استطاعوا أن يحرروا إخوتهم من العبودية، فلماذا سمح لهم باستعباد الشعوب الغريبة..؟ الله لم يأمر بالعبودية لكنه سمح لهم بها في حدود معينة تحت ظروف خاصة (بقصد تأديب الساقطين في الشر) حتى يدركون عبوديتهم المرة للخطية وذلهم الداخلي لعدو الخير. لذلك قيل {ملعون كنعان. عبد العبيد يكون لأخوته} (تك 9: 25)(2).

ومع إن العبيد الأجانب كان استعبادهم مؤبدًا لكنهم كان يمكنهم مشاركة سادتهم في الختان (تك 17: 10 – 14، 27) وفي الأعياد مثل عيد الفصح (خر 12: 44، تث 16: 11، 14) وفي الراحة الأسبوعية يوم السبت (خر 20: 10، 23: 12) كما أوصى العهد القديم بالآمة، فكان من الممكن أن يتزوج بها سيدها أن ابن سيدها، فإذا قبحت في عينيه فإنه يطلقها حرة.

21- أوصى الله في العهد القديم من جهة الغريب، وحذر من مضايقته أو اضطهاده ” ولا تضايق الغريب فإنكم عارفون نفس الغريب. لأنكم كنتم غرباء في أرض مصر” (خر 23: 9).

” ولا تضطهد الغريب فإنكم عارفون نفس الغريب. لأنكم كنتم غرباء في أرض مصر” (خر 22: 21).

وأوصى الله بمحبة الغريب ” لأن الرب إلهكم هو إله الآلهة ورب الأرباب الإله العظيم الجبار المهيب الذي لا يأخذ بالوجوه ولا يقبل رشوة. الصانع حق اليتيم والأرملة والمحب للغريب ليعطيه طعامًا ولباسًا. فأحبوا الغريب لأنكم كنتم غرباء في أرض مصر” (تث 10: 17 – 19).

وجعل الله محبة الغريب كمحبة النفس ” وإذا نزل عندك غريب في أرضكم فلا تظلموه. كالوطني منكم يكون لكم الغريب النازل عندكم وتحبه كنفسك لأنكم كنتم غرباء في أرض مصر” (لا 19: 33، 34).

وأوصى الله بترك بقايا الحصاد للمسكين والغريب ” وعندما تحصدون حصيد أرضكم لا تكمل زوايا حقلك في الحصاد. ولقاط حصيدك لا تلتقط. وكرمك لا تعلّله ونثار كرمك لا تلتقط. للمسكين والغريب تتركه. أنا الرب إلهكم” (لا 19: 9، 10).

وسمح الله للغريب أن يعمل فصحًا للرب ” فريضة واحدة تكون لكم للغريب ولوطني الأرض” (عد 9: 14) وللغريب أن يعمل وقود رائحة سرور للرب (عد 15: 14) وسمح له بتقديم ذبيحة خطية (عد 15: 29).

22- أوصى الله في العهد القديم بعدم الاستخفاف بذوي العاهات ” لا تشتم الأصم وقدام الأعمى لا تجعل معثرة. بل إخش إلهك. أنا الرب” (لا 19: 14).. ” ملعون من يضل الأعمى عن الطريق. ويقول جميع الشعب آمين” (تث 27: 18).

23- أوصى الله في العهد القديم بالرفق بالحيوان ووحوش البرية فأمر بإراحة الحيوان في اليوم السابع (خر 20: 10) وأوصى الله بترك الأرض في السنة السابقة بلا زراعة فتجد وحوش البرية طعامها في هذه الأرض ” وست سنين تزرع أرضك وتجمع غلتها. وأما في السابعة فتريحها وتتركها ليأكل فقراء شعبك وفضلتهم تأكلها وحوش البرية. كذلك تفعل بكرمك وزيتونك” (خر 23: 10، 11).

ومن مظاهر الرفق بالحيوان ” لا تحرث على ثور وحمار معًا” (تث 22: 10) لأن قوة وسرعة الثور تختلف عن قوة وسرعة الحمار، فحتى لا يُنهك الحمار جاءت هذه الوصية. كما أوصى الله من جهة الثور الذي يدرس ” لا تكمَّ الثور في درسه” (تث 25: 4).

وقد يحتج البعض قائلًا: كيف يأمر العهد القديم برجم الثور النطاح بدلًا من ذبحه وأكل لحمه (خر 21: 28).. نقول: لقد أمر الله بهذا ليؤكد على قدسية النفس البشرية، وملكيتها لله، الذي له الحق أن يأخذها حينما يشاء، ولذلك فإن العقاب لا يقتصر على الثور وحده بل يسري على صاحب الثور أيضًا إن كان يعلم أن ثوره نطاحًا ولم يذبحه، فيُقتل صاحب الثور، أو يدفع الفدية التي يضعها عليه أهل القتيل ” ولكن إن كان الثور نطاحًا من قبل وقد أُشهد على صاحبه ولم يضبطه فقتل رجلًا أو امرأة فالثور يُرجم وصاحبه أيضًا يُقتل. إن وضعت عليه فدية يدفع فداء نفسه كل ما يوضع عليه” (خر 21: 29، 30) ففي رجم الثور وقتل صاحبه عقوبة رادعة لوقف الجريمة، أما الذين يتباكون على الثور، فإن تقديرهم له أكبر من تقديرهم للنفس البشرية.

24- أوصى الله في العهد القديم بعدم البهرجة في ارتداء الملابس “ولا يكن عليك ثوب مُصنَّف من صنفين” (لا 19: 19) وكان النسيج المستخدم حينذاك هما الكتان والصوف ” لا تلبس صوفًا مختلطًا صوفًا وكتانًا معًا” (تث 22: 11) فإن خلطهما يزيد مقدار الكهرباء المنبعثة منهما مما يؤثر على جسم الإنسان وبالذات في الأماكن الحارة.

25- أعلن الله في العهد القديم عن ذاته إنه هو الرب الرحوم “الرب رحيم ورؤوف طويل الروح وكثير الرحمة. كما يترأف الأب على البنين يترأف الرب على خائفيه” (مز 103: 8، 13).

وأعلن عن نفسه إنه الراعي الصالح “هوذا السيد الرب.. كراع يرعى قطيعه. بذراعه يجمع الحملان في حضنه يحملها ويقود المرضعات” (أش 40: 10، 11).

“هكذا قال السيد الرب. هاأنذا أسأل عن غنمي وأفتقدها. كما يفتقد الراعي قطيعه يوم يكون في وسط غنمه المشتَّتة. هكذا أفتقد غنمي وأخلصها من جميع الأماكن التي تشتَّت إليها في يوم الغيم والضباب.. أرعاها في مرعى جيد.. أنا أرعى غنمي وأربضها يقول السيد الرب. وأطلب الضال وأسترد المطرود وأجبر وأعصب الجريح وأبيد السمين والقوي وأرعاها يقول الرب” (حز 34: 11 – 17). وإن احتج أحد قائلًا إن هذه الرعاية تقتصر على شعبه فقط، نقول له إنه كان متاحًا لأي إنسان على وجه الأرض أن يتهود ويصير من شعب الله، وبالتالي يتمتع بهذه الرعاية.

وكل ما سبق ليس هو كل شيء، إنما مجرد أمثلة ونماذج تشرح وتوضح فضل العهد القديم على البشرية عبر تاريخها الطويل.

_____

(1) مركز المطبوعات المسيحية – تفسير الكتاب المقدَّس جـ 1 ص 359.

(2) تفسير سفر اللاويين ص 264.

101- هل شابهت شرائع العهد القديم شرائع عصره، أم إنه ارتقى بالإنسان من جهة علاقاته الأسرية والاجتماعية؟

Exit mobile version