Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

أخطاء سقط فيها أصحاب مدرسة النقد الأعلى بشأن مفهوم عصمة الكتاب المقدس

أخطاء سقط فيها أصحاب مدرسة النقد الأعلى بشأن مفهوم عصمة الكتاب المقدس

أخطاء سقط فيها أصحاب مدرسة النقد الأعلى بشأن مفهوم عصمة الكتاب المقدس

 

95- ما هي الأخطاء التي سقط فيها أصحاب مدرسة النقد الأعلى بشأن مفهوم عصمة الكتاب المقدَّس؟

ج: وضع أصحاب مدرسة النقد الأعلى مقدمات خاطئة قبل بدء الدراسة والبحث، فافترضوا أنه لا وجود للوحي في الكتاب المقدَّس، وإن الكتاب لا يخلو من بعض الأخطاء، وخضعوا لسطوة العقل على حساب كلمة الله، وعملوا على إخضاع الحقائق الإلهيَّة للأحكام الشخصيَّة، وبالتالي انتهوا إلى أن الكتاب المقدَّس ليس معصومًا في كل أجزاءه، وميزوا بين حديث الكتاب عن الأمور اللاهوتية والعقائدية وبين حديثه عن الأمور التاريخية والجغرافية والعلمية، وافترضوا العصمة في الجزئية الأولى، وعدم العصمة في الجزئية الثانية، وفيما يلي نأخذ أمثلة لبعض الأخطاء التي سقط فيها أصحاب مدرسة النقد الأعلى.

1– اعتقد أصحاب مدرسة النقد الأعلى أن طريقة نظرتنا ودراستنا للكتاب المقدَّس بحسب المنهج التقليدي والتسليم بالوحي المطلق والعصمة الكاملة للكتاب لم تَعد مجدية، وطالبوا بالتخلي عن هذا المنهج..

تعليق: 

لقد أغفل هؤلاء النقاد ما حصلت عليه الكنيسة من خير عميم وبركات لا حصر لها نتيجة عقيدتها بوحي وعصمة الكتاب المقدَّس، وتفسيره بروح الآباء وتعليم الرسل، بينما انقسم أولئك الذين ظنوا أن من حق كل إنسان أن يفسر الكتاب المقدَّس حسبما يشاء إلى مئات الطوائف، ويقول د. إميل ماهر ” فإن الكنيسة الأرثوذكسية تؤمن بأنه ليس من حق كل إنسان أن يفسر الكتاب المقدَّس حسبما يشاء. بل لا بُد للمُفسّر أن يلتزم في تفسيره بروح الآباء وتعليم الرسل. فتكون له النظرة الشاملة في التفسير، المؤسَّسة على وحدة الكتاب المقدَّس بعهديه، والمبنية على كونه موحى به من الله، وهكذا يتفادى مخاطر استخدام الآية الواحدة، فيفصّل كلمة الحق باستقامة ويتحاشى ابتداع عقائد جديدة.. بينما أن أولئك الذين يرفضون التسليم الرسولي ولا يلتزمون به، وينادون بمبدأ أحقية كل إنسان في تفسير الكتاب حسبما يشاء، أو حسبما يلهمه (الروح) – كما يقولون – دون تقيُّد برأي السابقين وتسليم الحواريين، وجدنا إنهم انقسموا ولازالوا ينقسمون ويتفرقون إلى شيع كثيرة يصل عددها إلى بضع مئات. فهل إنقسم المسيح على نفسه ؟! كلاَّ. فالروح القدس لا ينقسم على ذاته، ولا يُعلّم تعاليمًا متباينة تناقض بعضها البعض. وبالتالي فإنه لا يمكن اعتبار تلك الشيع المتباينة كنائس، لأن كنيسة المسيح الحقيقية تتميز بأنها {جسد واحد وروح واحد.. رب واحد إيمان واحد معمودية واحدة} (أف 4: 4، 5)”(1).

عجبًا.. هل المنهج الذي وصل عن طريقه أسلافنا إلى الملكوت منهجًا خاطئًا؟!! وهل نترك هذا المنهج المضمون ونسلك حسب منهج خاطئ مجهول الهوية يقود للجحيم؟!!.

والأمر المدهش أن البعض يقبلون آراء مدرسة النقد الأعلى بشأن العصمة، ويعتبرون هذه الآراء أنها آراء علمية لا يجب رفضها، فمثلًا ادعى “يوليوس ولهاوزن ” وجود أربعة مصادر للتوراة، المصدر اليهوي 950 – 850 ق.م.، والإيلوهيمي 850 – 750 ق.م.، والتثنوي 623 ق.م، والكهنوتي 500 – 450 ق.م.، وأن هذه المصادر أُدمجت معًا سنة 400 ق.م.، وادعى أن شخصيات إبراهيم وإسحق ويعقوب ليست شخصيات تاريخية، وعندما رفض البعض آراؤه وصف أحد مشايعيه وهو القس المشيخي ” وليم روبرتسون سميث ” أن الذين يقاومون ولهاوزن هم في الحقيقة خصوم العلم النقدي الكتابي(2).

ويقول د. ادوار ج. يونج ” وإن المرء ليُصعق من هذه السهولة الظاهرة التي يتقبل بها بعض الناس الآراء المستحدثة المنشورة كما لو أنها الحق النهائي الذي لا مراء فيه..!! أن ينبذون كلمة الله كالمرجع النهائي المعتمد عليه كثيرًا ما نسمعهم يقولون.. لقد أرانا دكتور ” س ” كذا وكذا في الموضوع، وتسأل من هو دكتور ” س ” هذا، فإذا هو شاب صغير حضَّر رسالة الدكتوراة، وأبدى أحدث الآراء في موضوع معين، ويتبعه الكثيرون، وقد فاتهم أن من لا يبني على الصخرة الثابتة لكتاب الله المعصوم سيجد نفسه على الدوام تحت رحمة آخر الأوهام والخيالات..!! إن الفكر البشري أشبه الكل بأمواج البحر الهادرة.. أقرب الكل إلى المزاج البشري المتغير تارة يقبل هذا الرأي، وطورًا يتجه إلى آخر، ومزاج فكري يلاحق مزاجًا آخر، وما يقبله أحد الأجيال بحرارة كأنه الحق يرفضه جيل آخر.. وما يبدو لأحد الأجيال سائغًا مشروعًا مقبولًا، فإن الجيل الآخر قد يلفظه، وما يجلس اليوم على عرش الذهن البشري قد يُطوح به غدًا، ليحل محله آخر أدنى إلى القبول، وأقرب إلى المعقول”(29).

2- تأثر أصحاب مدرسة النقد الأعلى بفلسفة ” عمانوئيل كانت” (1724-1804 م.) الذي تأثر بالمذهب الطبيعي كما رأينا في الجزء الأول من هذا البحث، وأيد آراء ” ليسنج ” Lessing (1729 – 1781 م) التي تحض على فصل الدين عن الكتاب المقدَّس، معتبرًا أن الدين ينبع من عقل الإنسان وقلبه، وأنه ليس بحاجة إلى كتاب معين يُحدَّد طريق الإيمان بالله. كما تزعم ” كانت ” المذهب الأخلاقي، فادعى أن الأولوية للتعاليم الأدبية الأخلاقية التي وردت في الكتاب المقدَّس. أما العقائد والتاريخ والنبوءات فإنها تأتي في المرحلة التالية، بل ويجب تفسيرها بما يتواءم مع المعنى الأخلاقي، وقال بما أن مبادئ الأخلاق هي واحدة في العالم، لذلك لا توجد إلاَّ ديانة واحدة هي الديانة الطبيعية، وأهمل ” كانت ” الأمور الميتافيزيقية(3).

واعتمد ” كانت ” في فلسفته على أن هناك فرقًا بين ما هو ظاهر وما هو موجود، فالظاهر هو ما ندركه بالحواس، أما الموجود فهو لا يمكن إدراكه بالحواس، ودعى ” كانت ” الموجود بالكيان، وقال أنه لا يمكن إدراكه، لأنه شيء غير معروف ولا مألوف لدينا، وكمثال توضيحي لنظرية ” كانت ” تصوَّر أننا نعيش فوق سطح جزيرة، فنحن ندرك ونفهم كل ما هو ظاهر على أرض الجزيرة، ولكننا لا نستطيع أن نقترب إلى البحر ونسبر أغواره، لأنه مغطى بضباب كثيف يعيق الرؤية، وكلما اقتربنا إليه التقينا بالظلمة الحالكة، فنعجز تمامًا عن الإبحار فيه، فالأمور الظاهرة والمدركة فوق الجزيرة تعبر عما هو ظاهر ومفهوم ومدرك بالحواس، والأمور الغامضة في البحر المظلم تعبر عن الموجود أو الكيان الذي لا يمكن للإنسان إدراكه، ويقصد ” كانت ” بالموجود أو الكيان الأمور الخاصة بالله والعالم الآخر، وبنفس المنطق فسَّر أصحاب مدرسة النقد الأعلى معجزات السيد المسيح على أنها تدخل ضمن الموجود الذي لا يمكن إدراكه، وهكذا العقائد المسيحية، وعندما يتكلمون عن القيامة لا يربطونها بقيامة السيد المسيح كحدث تاريخي ثابت، وبهذا ينكرون قيامة السيد المسيح، ويقول ” جون مكاي ” رئيس كلية اللاهوت في برستون ” وفضلًا عن ذلك فإن الكتاب المقدَّس ككتاب فداء له سلطانه فقط من هذه الوجهة، على أنه كوثيقة تاريخية ينبغي أن تُدرس وتبحث بأقصى ما يكون النقد التاريخي والعلمي”(4)(5).

تعليق: 

لقد تجاهل ” كانت ” الأمور الميتافيزيقية التي لم تعد مجهولة بالنسبة للبشرية، إذ عرَّفنا السيد المسيح بالله الآب، ومحبته وحنانه من خلال المعجزات التي أجراها، وكشف لنا أسرار الملكوت، وحدثنا عن الحياة الأخروية، ومات عنا وقام وأقامنا معه، وذهب ليعد لنا مكانًا، ثم يأتي ليأخذنا، وصارت عقيدة موت السيد المسيح وقيامته أساس الإيمان المسيحي، حتى أن بولس الرسول يقول بلسان الوحي الإلهي ” إن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضًا إيمانكم. ونوجد نحن شهود زور لله لأننا شهدنا من جهة الله أنه أقام المسيح وهو لم يقمه إن كان الموتى لا يقومون” (1كو 15: 14، 15).

3– أغفل أصحاب مدرسة النقد الأعلى الأمور التاريخية في الكتاب المقدَّس، وفصلوا بين الأمور التاريخية والأمور الإيمانية.

تعليق: 

أنكر هؤلاء النقاد أن الله هو العامل في التاريخ، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولم يدركوا أن من يتخلى عن الأمور التاريخية الكتابية فإنه يتخلى عن الحقيقة التي أعلنها الله من خلال التاريخ، ولم يستوعبوا أن الكتاب المقدَّس هو سجل لأعمال الله عبر الزمن، وأحداث العهد الجديد من تجسد وموت وقيامة وصعود للسيد المسيح ما هي إلاَّ أحداث تاريخية حقيقية لها امتدادها عبر الزمن(6).

وجاء في معجم اللاهوت الكتابي عن وحي الكتاب المقدَّس ” يقوم الدين الذي يقدمه لنا الكتاب المقدَّس على أساس من الوحي التاريخي.. يبدو الوحي من الكتاب المقدَّس أنه حقيقة تاريخية يمكننا التحقق منها.. فالإيمان إذًا بالنسبة إلى المسيحي يعني قبول هذا الوحي الذي يصل إلى البشر محمولًا على أجنحة التاريخ”(7).

ويقول د. ادوار ج. يونج ” لقد قيل أن الدراسة النقدية للكتاب يمكن أن تلقي ضوءًا على الكلمات البشرية فيه، ولكنها لا تستطيع الوصول إلى دائرة الفداء.. فهذه الدائرة كما يؤكدون تتجاوز نطاق المؤرخ الناقد.. ومن ثم لا يستطيع بلوغ دائرة الفداء، والبادي أن هذه هي الفلسفة الكانتية (نسبة للفيلسوف كانت) القديمة، وقد أخذت طابعًا عصريًا لاهوتيًا، وهي مرفوضة إذ تقف على النقيض من المفهوم التاريخي للمسيحية، المفهوم الثابت لما صنع الله في التاريخ، إذ صار ابن الله الأزلي إنسانًا، حُبل به في بطن عذراء، وعاش، وعلَّم، فحكم عليه ظلمًا بالموت، ومات مُعلَّقًا على خشبة الصليب، وقد صنع بموته كفارة لخطايانا، وأتم عدالة الله، وصالحنا معه، وفي اليوم الثالث، في يوم معين حسب التقويم من أيام سنة محددة في التاريخ قام من الأموات وخرج من القبر، وهذه الأفعال العجيبة التي أتمت فداءنا لم تحدث في دائرة أو منطقة مبهمة مجهولة، بل حدثت في أرضنا في زمان ومكان محددين، وفي الواقع إنك إذا انتزعت الأسُّس التاريخية في المسيحية، فلن تكون هناك مسيحية على الإطلاق،  وإذا وضعت الحقائق الكبرى في المسيحية في منطقة ما من ” الفداء ” وفصلتها في نفس الوقت عن التاريخ، فإننا في الحقيقة ما نزال في خطايانا، ولن نستطيع أن نجد دينًا ممتلئًا باليأس والقنوط أكثر من ذلك الدين العصري الذي يمكنه أن يضع فاصلًا في دائرة الخلاص والدائرة التاريخية!!”(8).

4- نادى أصحاب مدرسة النقد الأعلى بفكرة ” التاريخ المقدَّس ” فنظروا للأحداث التي سجلها الكتاب المقدَّس على أنها مجرد رموز، فلم يكن هناك -بحسب تصورهم- حقيقة جنة عدن، ولا آدم وحواء، ولا سقوط، ولا طوفان.. إلخ فالطوفان لم يحدث، لكنه في التاريخ المقدَّس، فهو لقاء الدينونة بين الله والإنسان الخاطئ، ويبلور هذا الرأي ” أوتوبيبر ” في كتابه “الله في التاريخ”(9) فيقول”.. إنها قصة توصف فيها الأحداث في العالم الروحي في لغة الوقائع الأرضية، أو ترى فيها الأحداث الأرضية في ارتباطها بالأصول الروحية..”(10)

تعليق:

يعلق على هذا د. ادوار ج. يونج قائلًا ” إن القارئ لكتابات هؤلاء الناس يتبين أن ما يقصدونه بـ”اللقاءات” العظيمة بين الله والناس لا يشترط بالضرورة أن تكون أحداثًا تاريخية، فإذا سمعناهم يقولون أن الطوفان كان عملًا عظيمًا من أعمال الدينونة الإلهيَّة، عنَّ لنا أن نسأل: وهل غرق أحد في هذا الطوفان..؟!! ونخشى أن يكون الجواب عندئذ بالنفي، وربما مما هو أكثر من عدم الغرق، إذ لم تبتل قدم أحدهم، والسبب يرجع لأن هذا الطوفان يقع في دائرة ” التاريخ المقدس ” أو الفداء أو سمه ما تشاء، أو في أبسط عبارة، إنهم لا يؤمنون بأن هناك طوفان حدث على الأرض، كما سجله الكتاب المقدَّس، إن الطوفان في كلمات أخرى على حد زعمهم لم يكن تاريخيًا، فإذا قيل أن هذا اللقاء العظيم حدث في دائرة أخرى، فإن معنى ذلك بكل بساطة أننا نزيله من صفحات التاريخ..

وماذا يمكن أن نقول عن سقوط الإنسان؟!! ومما لا ريب فيه أن أحداث الإصحاحات الأولى من سفر التكوين كانت لقاءات بين الإنسان والله.. فهل هذه الأحداث تاريخية؟!! هل كانت هناك جنة في عدن وهل كان هناك آدم وحواء؟!! وهل كان السقوط في كلمات أخرى شيئًا حدث على هذه الأرض؟!! إن الجواب على ذلك عند بعضهم أن هذه الإصحاحات كانت في عصور ما قبل التاريخ، وهي أحداث في العالم الروحي، ويمكن اعتبارها من الغيبيات.. والمعنى المستفاد من هذا، إذا صح هذا التعريف أن الإصحاحات الثلاثة الأولى من سفر التكوين لم تحدث على الأرض، إذ أنها حدثت في منطقة ما من ” العالم الروحي ” وصيغت في صورة قصة في لغة الوقائع الأرضية، فهي وإن كانت قد رويت في صيغة قصة وقعت على هذه الأرض، لكنها في الواقع لم تحدث على هذه الأرض، بل حدثت في منطقة ما من ” العالم الروحي”.. ألا يُظهر هذا الطابع الكانتي (نسبة للفيلسوف عمانوئيل كانت) وألا نعود هنا إلى التمييز بين العالم التاريخي الذي نعرفه والمناطق الغيبية أو المبهمة التي يروننا أن نضع فيها حقائق المسيحية العظمى..!! ومن ذلك فنحن نود في الوقت الحاضر أن نشير إلى شيء آخر أكثر من مجرد الأسس الفلسفية التي يريدون أن يبنوا عليها الشرح السالف للإصحاحات الأولى من سفر التكوين، ونسأل هذا السؤال: من هو الجدير بأن يضع حدودًا لهذه الغيبيات وأين تبدأ وأين تنتهي؟!!

وما هي المقاييس أو المعايير التي يمكن أن نقيس بها ما هو غيبي وما هو تاريخي في الكتاب المقدَّس؟! وإذا صح أن هناك تمييزًا بين هذه الأرض والعالم ” الروحي ” فإن السؤال حسب تفكيرنا يبدو غاية في الأهمية، إذ يعتبر من الخطأ الفادح أن نخصص لدائرة ” العالم الروحي ” أو ” دائرة الفداء ” ما هو أصلًا التاريخ في العالم الحاضر، ولن يتفق معنا الكثيرون على سبيل المثال إذا وضعنا غزو سنحاريب لفلسطين في دائرة ” العالم الروحي ” والسبب البسيط الذي يدفع مثل هؤلاء إلى ذلك، هو أن سنحاريب نفسه دوَّن هذا الغزو في سجلاته.. فمن ذا الذي يستطيع أن يبين أين تبدأ دائرة ” العالم الروحي ” وأين تنتهي.. فإذا كانت أحداث ما قبل التاريخ، أحداث الإصحاحات الأولى من سفر التكوين، ترجع إلى ” العالم الروحي ” فأين تقع قيامة المسيح يسوع؟!! وإلاَّ نكون هنا آخر الأمر نتعامل مع غيبيات..؟!! فإن كانت القيامة تقع في نطاق ” العالم الروحي ” أو على حد هذا الزعم، في نطاق دائرة غير دائرة التاريخ، فإنه يبنى على ذلك أن المسيح يسوع لم يقم من الأموات.. وإذا لم تكن هناك قيامة تاريخية فليست هناك مسيحية، ونكون جميعًا حتى الآن تحت لعنة الناموس المخفية..!!

ومن ذا الذي يستطيع الحكم أين تبدأ الغيبيات وأين تنتهي، وما هي أجزاء الكتاب التي بها غيبيات، وتلك التي بها تاريخ؟!! من الواضح أنه لا يوجد من يستطيع أن يعطي الجواب الواضح على هذا السؤال..!! بل لا مهرب في الحقيقة من إدانة أدعياء التعبير العصري ” التاريخ المقدَّس” و”دائرة الفداء ” واستخدامهما مرادفين لما أطلق عليه ” كانت ” دائرة ” الموجود”..”(11)

5- ادعى أصحاب مدرسة النقد الأعلى أن كتَّاب الأسفار المقدَّسة لم يهتموا بتمحيص الحقيقة في الروايات التي سجلوها، وهل هي حقيقية؟ وهل جرت الأحداث هكذا؟ ولكنهم اهتموا بالقصد والهدف من هذه الروايات، فمثلًا تعليقًا على حروب يشوع بن نون يقول الخوري بولس الفغالي ” هذا العنف القاسي من قبل الله، يحيّرنا ويشككنا. لماذا مثل هذا التوحش؟ هنا لا نمزج بين ما حدث حقًا وما يرويه الكاتب البيبلي الذي لا يعمل عمل المؤرخ، بل يحاول أن يُقدّم تعليمًا. يعرف المؤرخون أن قبائل بني إٍسرائيل التي صعدت من مصر تغلغلت بدون حرب في فلسطين، ومعركتا أريحا والعي لم تكونا دمويتين، كما يروي ذلك سفر يشوع. ولم تُهدم أسوار أريحا على أصوات الأبواق، لأن الأسوار كانت قد هُدمت قبل وصول بني إٍسرائيل بمائتي سنة على الأقل. أما الكاتب البيبلي فيسعى إلى إبراز سمو الله، فيدل كيف كانت تقسم الأسلاب. كان الرئيس يقرر الحصة التي تعود له، ويعطي سائر المحاربين حصصًا. ولكن حين يقدم إسرائيل كل الأسلاب لله، فهو يؤكد إنه (الله) وحده الرئيس، وإن النصر هو نصره وحده، ولهذا لا يحتفظ بشيء لنفسه، فيقدم كل شيء لله ويحرقه كدلالة على تجرده. هي نظرة روحية عبر عنها الكاتب بلغة حربية تقز أذاننا لدى سماعها. لهذا، نتجاوز اللغة، ونصل إلى الفكرة اللاهوتية التي تعيد كل شيء إلى الله”(12).

وأيضًا يرى البعض أن قصص الكتاب المقدَّس مثل أيوب، ودانيال في جب الأسود، والثلاث فتية في أتون النار.. إلخ لم تحدث، لكن الكاتب سجلها ليخلُص منها بنتائج معينة مثل عاقبة الصبر، وحفظ الله لأولاده مهما اشتدت المخاطر، ويقول الخوري بولس الفغالي عن قصة أيوب إنه ” شخص قد يكون وُجِد في أرض حوران في سوريا، أو في بلاد أدوم في الأردن الحالية. ولكن الكاتب جعلنا في إطار من الصور والخيال، وهمَّه أن يقدم لنا تعليما.. ووجه الله كلامه إلى الخصم إلى الشيطان. نحن هنا كما في ” مسرحية ” يبدو الله بشكل ملك يحيط به ” رجاله ” يحيط به الملائكة. وتغلغل الشيطان بينهم، وأشاد الله بفضيلة أيوب”(13).

تعليق:

لو قلنا إن هناك فرقًا بين الأحداث التي حدثت بالفعل، وبين ما دونه الكاتب، وإن هذه الأحداث غير حقيقية قصد منها الكاتب إبراز فكرة روحية أو لاهوتية، فهذا يدفعنا للشك في الكتاب المقدَّس الذي لا يعبر عن الواقع، إنما يقدم خداعًا للقارئ، وأحداثًا وهمية غير حقيقية.. وأين دور الوحي عندئذ؟ هل ترك الروح القدس الكاتب يكتب أمور خيالية ويصوّرها على أنها أحداث حقيقية؟!!

وإن كان الكاتب يسجل روايات وهمية، فلماذا يُوحي للقارئ بأنه يقدم أحداث تاريخية؟! ألا يدخل هذا في نوع من الخداع والتزييف..؟!! وإن كان البعض يشمئز من حروب يشوع، فلماذا لا يتأمل في خطايا تلك الشعوب التي قادتهم إلى هذه النهاية البشعة؟!(14).

ويقول د. ادوار ج. يونج ” لعل العودة إلى مناقشة الإصحاحات الأولى من سفر التكوين مثال الجدل الكثير، يمكن أن تكون برهانًا على ذلك، فهل كان المؤلف البشري لهذه الإصحاحات يؤمن وهو يسجل وقائعها، إنه يسجل وقائع صحيحة؟!! فإذا كان يسجل وقائع لا يعني كثيرًا بالدقة والصحة فيها، فلماذا كان يجهد نفسه في تدوين الحقائق التاريخية منها، وعلى سبيل المثال لماذا اهتم أن يخبر قراءه بأسماء الأنهار التي تسقي الجنة..؟!! بل لماذا اهتم الكاتب بالحديث عن أرض الحويلة وذهبها الجيد والمقل وحجر الجزع فيها؟!! وما الفائدة من ذكر هذه جميعها إذا لم يكن يقصد أن يعرف قراؤه الموقع الحقيقي للجنة..!! إن الأمر الذي لا شبهة فيه أن كاتب سفر التكوين كان شديد الاهتمام بتحري وجه الحقيقة فيما يسجل، وقد بدأ هذا على وجه الوضوح في ذكره النتائج المفجعة التي ترتبت على العصيان المدون في الإصحاح الثالث..!!

فإذا تحولنا إلى العهد الجديد تبينا أن الرسول بولس كان شديد الاهتمام بالحقائق المتضمنة في وقائع السقوط وقد قارن بولس بين عمل آدم وعمل المسيح، وقد فعل هذا على نحو يؤكد إيمانه الذي لا يتزعزع بصدق الوقائع المسجلة عن آدم، كما إن عمل المسيح ذاته، مؤسَّس في عقيدة بولس، على صدق الحقائق المرتبطة بآدم، فإذا لم تكن هذه صادقة، فإن من حقنا أن نعترض على صدق ما يقال عن يسوع المسيح أيضًا.. والبادي أن بولس كان شديد الوثوق بما جاء في سفر التكوين من السقوط”(15).

6- قال أصحاب مدرسة النقد الأعلى أن الذي يهمنا هو أن الكتاب المقدَّس يحوي الحق الإلهي، وليس كونه مُوحى به أو معصومًا من الخطأ،  وقال ” فرانس باتون ” في حديثه عن الأرثوذكسية المسيحية ” إن المرء لا يستطيع في قبول الوحي الآن التمسك بفكرة أنه معصوم”(16) وقال ” إن السؤال الحقيقي هو هل الكتاب حق، وليس هل هو موحى به”(17).

وعندما أعلن المحفل العام للكنيسة المشيخية في الولايات المتحدة ” أن الروح القدس أوحى وأرشد وحرك كتَّاب الكتاب المقدَّس وصانهم من الخطأ..”(18) وجد هذا الإعلان معارضة شديدة، وأصدرت جماعة بمدينة أوبرن تصريحًا دُعي ” تصريح أوبرن ” جاء فيه ” ليس هناك تأكيد من الكتب المقدَّسة أن كتَّابها قد حُفظوا من الخطأ ” وقال كارل بارت ” إذا كان الله لم يأنف من التكلم من خلال الكتب المقدَّسة بما فيها من كلمات بشريَّة غير معصومة، أو هنَّات تاريخية وعلمية أو متناقضات لاهوتية، مع عدم التأكد من تحويلها، وبالأكثر بالطابع اليهودي فيها، ولكنه بالأحرى قبلها بكل ما تردت فيه من غير عصمة، إذ جعلها لخدمته، فإننا لا يجمل بنا أن نأنف منها أو بشهادتها مع ما هو غير معصوم فيها، ويكون من التعنت وعدم الطاعة أن نبحث في الكتاب عن عناصر العصمة فيها”(19)(20).

ولخص ” كرنيليوس فان تل ” رأي ” كارل بارت ” فقال ” عندما نقول أن الكتاب المقدَّس كلمة الله، فنحن نعبر بهذا عن إيماننا بعمل الله الفدائي للإنسان في الحاضر، فالكتاب المقدَّس يصبح في هذا العمل كلمة الله، وتصبح الكلمة الصغيرة بهذه الصورة كلمة الله أي أن الكتاب بهذا المعنى كلمة الله”(21) ويقولون أننا عندما نقرأ الكتاب المقدَّس فإن حق الله أو كلمة الله ستحدثنا وتلتقي معنا.

تعليق: 

أ – إن لم يكن الكتاب المقدَّس هو هو كلمة الله، بل أجزاء منه فقط هي كلمة الله، فكيف نُحدّد هذه الأجزاء من غيرها؟! ومن الذي يحكم أن هذه القطعة هي كلام الله وهذه القطعة ليست هي كلام الله؟! وهل من الممكن أن يتفق الكل في هذه الأحكام، أم أن كل شخص يحكم كيفما يشاء، ويحدد كيفما يرى كلام الله من غيره؟!

ب- الأمر المدهش أن الذين يؤمنون بهذه الأفكار يستشهدون بآيات الكتاب المقدَّس على أنه كلمة الله، ولها السلطان الإلهي، فمن أدراهم أن الآيات التي يستخدمونها لا تكون كلها أو بعضها ليست كلمة الله؟!

ج- عندما قال فرانس باتون ” أن السؤال الحقيقي هو هل الكتاب حق، وليس هل هو مُوحى به ” حمل سؤاله مغالطة كبيرة لأن هناك كتبًا كثيرة تتكلم عن الحق، ولكن ولا واحد منها مُوحى به من الروح القدس، ويقول د. ادوار ج. يونج ” يتساءل دكتور باتون: هل يلزم أن يكون أي كتاب مُوحى به ليكون حقًا..؟ والجواب على ذلك بالتأكيد لا..!! لأنه توجد كتب كثيرة لا حصر لها تتناول الحق، ولكنها ليست مُوحى بها، ولكن السؤال على ذلك جانبه التوفيق، لأن هذه الكتب مهما يكن نوعها في الحق الذي نورده، ليست الكتاب المقدَّس، إذ أن أساسها بشري، وتتعرض لحقائق تاريخية في متناول النظر، وتعرض وقائعها على أساس المشاهدات، ولا ترجع إلى مصادر إلهية، أو تزعم ذلك، بل تعالج أمورًا تقع تحت الملموس العلمي، وتقرر ذلك..!! وعلى غير ذلك يقع الأمر في الكتاب المقدَّس، لأنه إذا لم يكن الكتاب مُوحى به، فإن لا يمكن أن يكون حقًا كاملًا.. هو مؤتمن لسبب واحد بسيط، إنه كلمة الله..!! إن القول أنه ينبغي أن ندرك الحق في الكتاب، وبعدئذ تتحول إلى السؤال عن وحيه، كما يريدنا دكتور باتون أن نفعل، هو من باب مخادعة النفس، وهو في الواقع أسلوب دفاع من أوشك أن ينهزم في المعركة. إن الروح القدس هو الذي ترك طابعه الإلهي على الكتاب حتى يمكننا قبوله كالتسالونيكيين القدامى (1تس 2: 13)”(22).

7- قال أصحاب مدرسة النقد الأعلى أن لوثر أحلَّ عصمة الكتاب المقدَّس بدلًا من عصمة الكنيسة، ويعتبر في نظر هؤلاء النقاد أنه أمر سئ، لأن السلطة المطلقة ينبغي أن تكون للمسيح وليس للكتاب ولا للكنيسة، وبالتالي فإن كان لوثر حرَّر المسيحية من عصمة الكنيسة، فقد حان الوقت لتحريرها من عصمة الكتاب، وجاء في تصريح أوبرن سنة 1923م ” إن عقيدة العصمة المقصود بها إعلاء سلطان الكتاب المقدَّس، توهن في الواقع من السلطان الأعلى للإيمان والحياة، وتضعف شهادة الكنيسة عن قوة الله للخلاص في المسيح يسوع”(23) ويقول وليم نبيل ” عندما أطلق الإصلاح القط بين الحمام الكنسي، كان من المحتوم ألاَّ ينقضي وقت طويل حتى يأخذ الكتاب نفس المكان الزائف الذي كان للكنيسة من قبل”(24)(25).

ويتصوَّر الدكتور القس فايز فارس بأنه بسبب الفهم الخاطئ لمفهوم الوحي بدأ البعض يعبد الكتاب المقدَّس أكثر من عبادته لله، فهو يريد أن يصرّح بطريق غير مباشر أنه ينبغي أن تكون السلطة المطلقة للمسيح، وليس للكتاب الذي قد تختلف رواياته مع الحقائق التاريخية (أي أن الكتاب يشمل بعض الأخطاء التاريخية) وأنه قد يتفق مع الأساطير.. إلخ فيقول ” فكثيرون من المسيحيين – متأثرين بأفكار غريبة عن المسيحية عن الوحي والنصوص الكتابية، وبعض الناس أصبحوا يعبدون الكتاب المقدَّس أكثر من عبادتهم لله، وذلك بسبب النظرة الحرفية إلى النصوص الكتابية.. فهم (الكتَّاب) لم يكتبوا كتبًا في التاريخ أو الجغرافيا أو العلوم، وإنما كتبوا رسالة مضمونها تعليم الإنسان وتأديبه وتقويمه ليكون كاملًا متأهبًا لكل عمل صالح. فالعبرة إذًا ليست في المعلومات التاريخية أو العلمية، إنما في مضمون الرسالة الروحية في الكتاب المقدَّس.. لا يزعجنا إذا وجدنا اختلافات أو شبه تناقضات في هذه النصوص، ولا يضعف من إيماننا اختلاف روايات أسفار الكتاب المقدَّس في بعض الحقائق التاريخية، أو تشابهها مع ما ورد في ثقافات أخرى مثل أساطير بعض الديانات، أو كتابات بعض الحضارات الأخرى كبابل أو مصر. ولا يضيرنا إذا كان موسى قد استفاد من حكمة المصريين التي تعلمها في بعض ما كتبه، أو إذا كانت نصوص كاملة في المزامير موجودة في كتابات وصلوات أخناتون، أو كانت بعض الأمثال موجودة بالنص في حكم وكتابات بعض الحكماء في مختلف الحضارات”(26).

تعليق: 

كان للكتاب المقدَّس دائمًا وأبدًا المكانة الأولى في الكنيسة، ويشهد د. ادوار ج. يونج بهذه الحقيقة قائلًا “ليس صحيحًا أن الكنيسة ظلت في تاريخها الطويل حتى عصر الإصلاح صاحبة السلطة المعصومة، وإن الكتاب عاش تأليًا لها.. ومن الحق أن السلطان الكنسي أخذ في التزايد والقوة خلال السنين الطويلة لنمو الكنيسة، غير أنها في الوقت عينه كانت تتمسك باحترامها للكتاب، والرجوع إليه كلما لزم الأمر في موضوع عقائدي”(27).

وهل يوجد تعارض أو تنافر بين سلطة الكتاب وسلطة المسيح كما تصوَّر هؤلاء النقاد..؟! كلاَّ. بل يستحيل معرفة المسيح بعيدًا عن الكتاب المقدَّس، وحتى هؤلاء النقاد الذين يدعون الغيرة على سلطان المسيح لم يكن لهم أن يعرفوا شيئًا عن المسيح بدون الكتاب المقدَّس، وهل الرفيق الذي يصاحبنا من فجر حياتنا، وعلى كلماته نتغذى ونعيش، وعن طريقه ملك المسيح على قلوبنا وحياتنا. يمكن أن نطرحه خارجًا؟! لك يا صديقي أن تتصوَّر حياة إنسان يهمل في قراءة الكتاب أو ينظر إليه على أنه كتاب بدون عصمة يحوي بعض الأخطاء..!! حقًا قال أحد الأفاضل ” يوجد رجاء لأعظم خاطئ يقرأ الكتاب المقدَّس، وتوجد خطورة على أعظم قديس يهمل الكتاب المقدَّس”.

ونختتم هذا السؤال بعرض بسيط للندم البروتستانتي على ما بدر من مدرسة النقد الأعلى، فيقول د. ادوار ج. يونج ” ذلك الإفلاس الظاهر الذي أحس به الكثيرون من المفكرين في النتائج التي وصلت إليها الدراسة النقدية المجردة التي اجتاحت النقاد في القرن التاسع عشر.. إذ أنهم لا يقبلون بالتأكيد الإقرار بتدخل الله المثلث الأقانيم في قصة التاريخ البشري، وتحدثه إلى الناس في كلمات.. ولعل السؤال الآخر هو أنه إذا كانت الدراسة النقدية في القرن التاسع عشر قد صاحبها ذلك الإفلاس الذي وضحت رؤيته، فلماذا لم يكتشف هذا الأمر مبكرًا؟!! ولماذا لم يتبين الذين إنصرفوا إليها في وقت مبكر، مدى المحنة التي تلاحق هذا الإفلاس في التاريخ البروتستانتي.. من المؤكد أنهم لو أصاغوا السمع إلى الكتاب لتبينوا أنهم يسيرون في الاتجاه الخاطئ..

إن هناك شيئًا واضحًا على أي حال في أيامنا هذه، وهو إن الليبرالية التي جاءت وليدة مفاهيم الحياة والعالم في القرن التاسع عشر قد كشف إلى حد بعيد عن سطحيتها، ولعل لركيجارد ووستوفسكي قد كشفا عن هذه الحقيقة بفكرهما النفاذ وتحليلهما البارع للحياة البشرية..!! فإذا أضفنا إلى ذلك المأساة المروعة للحربين العالميتين وعجز هذه الليبرالية عن إيجاد الحلول النافعة للمحن البشرية، تبين لنا لماذا بات من الضروري التطويح بها، وإيجاد البديل الذي يمكن أن يحل محلها لمواجهة الاحتياجات المختلفة للنفس البشرية، ومن ثمَ تغيرَّ المناخ الفكري بالتمام، وأضحي التركيز في الوقت الحالي على أمور تختلف تمامًا عما كانوا يهتمون به منذ ثلاثين عامًا خلت!!

إنهم يتحدثون اليوم عن إعادة كشف الكتاب المقدَّس، وهي لغة لا معنى لها بالنسبة للمسيحي الكتابي المؤمن، الذي كان يعلم من البداءة من هم الذين وأدوا الكتاب ويحتاج إلى الخروج من تحت الركام ليعاد اكتشافه، ولعلها الطريقة النقدية التي سادت القرن الماضي والجزء الأول من القرن العشرين هي التي دثرته تحت أطباق الغموض، أو عدم الحرية التي تناولها بعض القادة ” التقدميين ” في الكنائس البروتستانتية أو هو الإيمان المهزوز لبعض خدام الدين الذين حاولوا المساومة مع ما يوصف ” بالنتائج المؤكدة للنقد العصري”..

إن الكتاب في الوقت الذي انغمس فيه النقاد في محاولة تصيُّد ما يزعمون أنه أخطاء وهنَّات، والسعي لإخضاع كلمة الحق لسلطان الذهن البشري وأحكامه، كان هو الكتاب الذي منح بركته لأعداد لا تنتهي من المؤمنين الودعاء الذين علَّقوا قلوبهم وحياتهم به، إذ هو المُحذّر وقت التجربة، والمشجع في مواجهة الصعوبة، والمعزي في وجه المنية والموت.. ومن ذا الذي يستطيع أن يُحدّد مدى ما فيه من غنى وخير وبركة في كل وقت وإزاء كل ظرف..!!

إن الكتاب الذي يريد اللاهوتي العصري إعادة اكتشافه هو كتاب ” النقد ” وليس كتاب المسيحية التاريخية.. وعلى الإنسان أن يتخير إما التمسك بمبادئ النقد أو الإيمان بالمسيحية الإنجيلية.. إن الكتاب في مفهوم العلماء العصريين يختلف تمامًا عما ألف المسيحي أن يراه ككلمة الله المعصومة”(28).

_____

(1) الكتاب المقدَّس أسلوب تفسيره السليم وفقًا لفكر الآباء القويم ص 35.

(2) العهد القديم والكنيسة الإسرائيلية لوليم روبرتسون سنة 1883م.

(3) راجع الجزء الأول من هذا البحث ص 229، 230.

(4) الحياة المشيخية مجلد 8 رقم 25 في 24 ديسمبر 1955م ص 18.

(5) أصالة الكتاب المقدَّس – ترجمة القس الياس مقار ص 274.

(6) راجع الجزء الأول من هذا البحث ص 236 – 240.

(7) معجم اللاهوت الكتابي ص 840.

(8) أصالة الكتاب المقدَّس – ترجمة القس الياس مقار ص 276، 277.

(9) كتابه “الله في التاريخ” طبعة سنة 1939م ص 61 .

(10) أصالة الكتاب المقدَّس – ترجمة القس الياس مقار ص 284.

(11) أصالة الكتاب المقدَّس – ترجمة القس الياس مقار ص 283 – 286.

(12) في رحاب الكتاب 1- العهد الأول ص 232، 233.

(13) في رحاب الكتاب 1- العهد الأول ص 237، 239.

(14) راجع الفصل الرابع عشر الخاص بالرد على الذين يهاجمون إله العهد القديم.

(15) ترجمة القس إلياس مقار – أصالة الكتاب المقدَّس ص 288.

(16) المرجع السابق ص 65.

(17) المرجع السابق ص 65.

(18) المرجع السابق ص 62.

(19) العقائد الكنسية لكارل بارت مجلد 1، 2 ص 590 ترجمة كرنيليوس فان تل في كتاب العصرية الحديثة سنة 1946م ص 386.

(20) أصالة الكتاب المقدَّس – ترجمة القس الياس مقار ص 254، 255.

(21) المرجع السابق ص 255.

(22) أصالة الكتاب المقدَّس – ترجمة القس الياس مقار ص 66، 67.

(23) أصالة الكتاب المقدَّس – ترجمة القس الياس مقار ص 62.

(24) إعادة اكتشاف الكتاب طبعة سنة 1954م.

(25) المرجع السابق ص 123.

(26) حول أزمة الدين والأخلاق في المجتمع المعاصر ص 78.

(27) أصالة الكتاب المقدَّس – ترجمة القس الياس مقار ص 123.

(28) أصالة الكتاب المقدَّس – ترجمة القس الياس مقار ص 236 – 239.

(29) أصالة الكتاب المقدَّس – ترجمة القس الياس مقار ص 211 – 213.

 

أخطاء سقط فيها أصحاب مدرسة النقد الأعلى بشأن مفهوم عصمة الكتاب المقدس

Exit mobile version