Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

هل تكرار بعض الفقرات في الأسفار المقدسة مع اختلاف الأسلوب يعتبر نوعًا من التناقض، وينفي صفة الوحي والعصمة عنها؟

هل تكرار بعض الفقرات في الأسفار المقدسة مع اختلاف الأسلوب يعتبر نوعا من التناقض، وينفي صفة الوحي والعصمة عنها؟

هل تكرار بعض الفقرات في الأسفار المقدسة مع اختلاف الأسلوب يعتبر نوعا من التناقض، وينفي صفة الوحي والعصمة عنها؟

 

ج: الله هو صاحب الكتاب، ولحكمة إلهية رأى تكرار بعض الفقرات سواء على لسان أنبياء مختلفين، أو على نفس لسان النبي أو الرسول، ومثال على التكرار مع اختلاف الكاتب ما تنبأ به ميخا النبي عن العصر المسياني ” ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتا في رأس الجبال ويرتفع فوق التلال وتجري إليه شعوب. وتسير أمم كثيرة ويقولون هلم نصعد إلى جبل الرب وإلى بيت إله يعقوب فيعلمنا من طرقه ونسلك في سبله لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب. فيقضي بين شعوب كثيرين ينصف لأمم قوية بعيدة فيطبعون سيوفهم سككا ورماحهم منآجل. لا ترفع أمة على أمة سيفا ولا يتعلمون الحرب فيما بعد” (مي 4: 1 – 3)

وجاء بعده إشعياء النبي وقال نفس النبوءة مع اختلاف طفيف في الأسلوب ” ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتا في رأس الجبل ويرتفع فوق التلال وتجري إليه كل الأمم. وتسير شعوب كثيرة ويقولون هلم نصعد إلى جبل الرب إلى بيت إله يعقوب فيعلمنا من طرقه ونسلك في سبله لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب. فيقضي بين الأمم وينصف لشعوب كثيرين فيطبعون سيوفهم سككا ورماحهم منآجل. لا ترفع أمة على أمة سيفا ولا يتعلمون الحرب فيما بعد” (أش 2: 1-4) فالوحي في كلا المقطعين يحمل نفس المعنى.

ويقول د. ادوار ج. يونج ” قد تقع في العادة بعض الفروق الطفيفة في الرواية الواحدة التي يتعرض لها أكثر من كاتب في الكتاب المقدس، غير إن هذا لا يعتبر في حد ذاته مأخذا عليها أو دليلا على عدم عصمتها.. قد كان الجاري، على ما يشهد به علم الآثار، كتابة الرواية الواحدة على أكثر من صورة أو أسلوب، وقد جاءت على سبيل المثال نسخ متعددة للسجلات السنوية للملك سنحاريب، وقد كتبت لا على ورق، أو رق، بل على حجر، ومع أنها كانت تتعرض للواقعة الواحدة، إلا أنها كانت توردها في اختلاف يسير بين النسخة والأخرى..

ولم ير الكتاب الذين كتبوا الكتاب المقدس -وهو موحى إليهم- ضرورة النقل الحرفي لما سبق أن كتبه غيرهم للواقعة الواحدة، بل كثيرا ما عرضوها، في شيء من الاختلاف البسيط في كتابتها وعرضها، ولا يمكن أن يقول أحد إن العصمة تتطلب بالضرورة عرض الرواية بنفس الصورة الأولى، مادام من الثابت أن الحق الوارد فيها في شتى الصور هو هو لا يتغير”(1).

فليس مفهوم العصمة أن كل كاتب يكون صورة طبق الأصل من الآخر عندما يعرض لنفس الموقف أو ذات الحادثة، فمثلا في العهد الجديد جرت الأحداث في ظل اللغة الآرامية، بينما جرى التسجيل باللغة اليونانية، وعند التعبير باللغة اليونانية عما حدث وقيل باللغة الآرامية، فإن هذا يعتبر نوعا من الترجمة، ولك أن تتصور أن هناك أكثر من شخص يترجمون أحداث وأقوال من الآرامية لليونانية، فلكل منهم الحق في استخدام بعض المفردات المختلفة عن الآخر، ولكن المحصلة النهائية هو اتفاق المعنى.

ويقول د. ادوار ج. يونج ” إن عقيدة العصمة.. لا تتطلب أن يتحول كتاب الكتاب المقدس إلى مجرد آلات مسجلة، أو أن يسجل جميعهم الواقعة الواحدة تسجيلا موحدا حرفيا، أو أن يرتبوا سرد الوقائع وتتابعها بالصورة الواحدة، إذ يحدث مرات كثيرة، ولأسباب تختص بالتأكد، وليس لمجرد التسلسل التاريخي، أن يأتي العرض بصورة مغايرة، فإذا نقل كاتبان واقعة واحدة مترجمة من لغة إلى لغة، فلا يشترط أن تأتي الترجمة واحدة بنصها وفصها عند الكاتبين -كالنقل من الآرامية إلى اليونانية- بل يجوز أن يستعمل كل منهما حريته في التعبير، وفي الحدود التي ينقل فيها بالضبط الفكر الأصلي، كما إن العصمة لا تتطلب أن يسرد كل كاتب الوقائع بنفس الصورة التي يسردها بها الكاتب الآخر، أو أن يأخذها من الزاوية التي يأخذها منها الآخر.

إن العصمة في كلمات أخرى تسمح بالاستخدام الكامل للمواهب والوزنات التي أعطاها الله للكاتب أن يتحلى بها، بالشرط الواحد أن يكون هذا الكاتب محمولا بالروح القدس، وأن يسجل بالضبط ما يريده روح الله أن يسجل.. إن الكتاب المقدس في لغة أخرى هو السجل المضبوط لكل ما يتكلم به من وقائع وحقائق”(2).

وكمثال على تكرار بعض الفقرات والأحداث على لسان الكاتب الواحد قصة لقاء السيد المسيح مع شاول الطرسوسي، فقد ذكرها لوقا الطبيب ثلاث مرات في سفر الأعمال، مرة بلسانه، ومرتين بلسان بولس الرسول:

أ – قال القديس لوقا ” وأما الرجال المسافرون معه فوقفوا صامتين يسمعون الصوت ولا ينظرون أحدا” (أع 9: 7).

ب – قال بولس الرسول لليهود ” والذين كانوا معي نظروا النور وارتعبوا ولكنهم لم يسمعوا صوت الذي كلمني” (أع 22: 9).

ج – قال بولس الرسول للملك أغريباس ” رأيت في نصف النهار في الطريق أيها الملك نورا من السماء أفضل من لمعان الشمس قد أبرق حولي وحول الذاهبين معي. فلما سقطنا جميعا على الأرض سمعت صوتا يكلمني ويقول باللغة العبرانية شاول شاول لماذا تضطهدني..” (أع 26: 13، 14).

وبالقطع لا يوجد أي تناقض بين الروايات الثلاث، كما ذكرنا أيضا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. بل إن الوحي أضاف في كل مرة صورة جديدة، ففي الصورة الأولى أوضح الوحي أن المصاحبين لشاول الطرسوسي سمعوا الصوت ” يسمعون الصوت”، وفي الصورة الثانية أوضح أنهم لم يميزوا الكلام، فقال ” لم يسمعوا صوت الذي كلمني”. كما أوضح الوحي في الصورة الأولى أنهم لم ينظروا أحدا أي أنهم لم ينظروا شخص المتكلم، وفي الصورة الثانية أوضح أنهم نظروا النور، وأيضا أوضح الوحي في الصورة الثالثة سقوط شاول ومن معه ” سقطنا جميعا على الأرض”، ثم نهض الذين معه ووقفوا صامتين وهذا ما أوضحته الصورة الأولى ” فوقفوا صامتين”.

وقد نجد تكرارا بالمعنى واللفظ مثل تطابق الإصحاح السابع والثلاثين من سفر إشعياء مع الإصحاح التاسع عشر من سفر الملوك الثاني، ولا عجب في هذا لأن إشعياء النبي كان يمثل شخصية هامة في هذا الحدث العظيم، فالملك حزقيا التجأ إليه لكيما يصلي من أجل نجاة أورشليم الضعيفة من جيش سنحاريب ملك أشور الذي يحاصرها، وصنع الله خلاصا عظيما إذ أرسل ملاكه فأهلك 185 ألفا من جيش سنحاريب، فعندما كتب إشعياء سفره سجل هذا الحدث العظيم (أش 37) وعندما كتب سليمان وحزقيال وناثان وجاد وأرميا سفري الملوك الأول والثاني، سجل أيضا إشعياء النبي هذا الحدث العظيم كحدث تاريخي.

كما نجد تكرارات أخرى مثل الإصحاح الثاني والعشرون من سفر صموئيل الثاني مع المزمور الثامن عشر، والمزمور الرابع عشر مع المزمور الثالث والخمسين، وأخبار الأيام الأول 16: 8 – 36 مع مز 105: 1 – 15، مز 96: 1 – 13، وكل تكرار له حكمة معينة يقصدها الوحي.

وبالرغم من أنهم يقولون أن القرآن وحي من الله فإن بعض الأحداث والقصص تكررت فيه بصورة كبيرة، فقصة آدم تكررت في سور البقرة، وص، وطه، والأعراف، وتكررت قصة نوح في إحدى عشر سورة، وقصة إبراهيم في تسع سور، وقصة لوط في ثمان سور، وقصة موسى في سبع سور علاوة على إنه ذكر في القرآن في 502 فقرة(4) وتكررت عبارة ” بأي آلاء ربكم تكذبان ” 31 مرة في سورة الرحمن(3).

 

 

(1) أصالة الكتاب المقدس – ترجمة القس الياس مقار ص 139، 140.

(2) أصالة الكتاب المقدس – ترجمة القس الياس مقار ص 160، 161.

(3) راجع كتابنا أسئلة حول صحة الكتاب المقدس ص 137 – 139.

(4) الخوري بولس الفغالي – المدخل إلى الكتاب المقدس جـ 2.

هل تكرار بعض الفقرات في الأسفار المقدسة مع اختلاف الأسلوب يعتبر نوعا من التناقض، وينفي صفة الوحي والعصمة عنها؟

Exit mobile version