سؤال وجواب

هل العصمة تشمل الأمور اللاهوتية والعقائدية والروحية والأدبية، دون الأمور الأخرى مثل الأمور التاريخية والجغرافية والعلمية؟

91- هل العصمة تشمل الأمور اللاهوتية والعقائدية والروحية والأدبية، دون الأمور الأخرى مثل الأمور التاريخية والجغرافية والعلمية؟

فقد ظن أصحاب مدرسة النقد الأعلى أن هناك بعض الأخطاء التاريخية والجغرافية والعلمية بسبب ضعف الأداة البشرية التي كتبت الأسفار المقدَّسة، وشبهوا الأداة البشرية بزجاج النافذة الذي علق به بعض الأتربة، وبالتالي فإن الشعاع الذي ينفذ منه لا يكون في نقاوته الأولى وضيائه الأول، ومن ثمَ يجب إبراز هذه الأخطاء (بحسب تصوُّرهم) والاعتراف بها، فهي أمر محتوم ولا بُد منه مادامت اليد البشرية الضعيفة هي التي خطت هذه الأقوال الإلهيَّة، ويرى تشارلس. أ. بريجز أن الكتاب المقدَّس معصوم في الأمور اللاهوتية الإيمانية وما يخص الأعمال، وغير معصوم في الأمور التاريخية والجغرافية والعلمية، فيقول ” إن الكتب المقدَّسة معصومة في كل الأمور الخاصة بالإعلان الإلهي، وفي كل ما يحتاجه الناس من إرشاد إلهي معصوم..

على إننا لا نعتقد أن كاتبًا يسكن أرض فلسطين له معرفة معصومة بأقطار لم يزرها، وبتواريخ أحداث لم يختبرها، ويكتب معتمدًا على تقاليد أو سجلات بشرية ناقصة، ويستطيع في الوقت نفسه أن يقدم تقارير دقيقة ومعصومة للكلمات التي قيلت في قرون سابقة، وربما لم يسبق لأحد تسجيلها، أو يعطي وصفًاَ لأحداث جرت في بلاد وعصور بعيدة.. كما لا نعتقد أن كاتبًا يكتب منظومة شعرية عن الخليقة ويعرف في الجيولوجيا والفلك والتاريخ الطبيعي أكثر مما يعرف العلماء المتخصصون في ذلك العصر الحديث، في الوقت الذي يقصد منه أن يعلمنا علم الله والفداء وفن الحياة المقدَّسة والمعيشة الإلهيَّة.. إن الكتاب المقدَّس معصوم فقط في قوانين الإيمان والأعمال”(1).

وكوَّن أتباع كارل بارث Karl Barth المدرسة البارثية Barthian School ويقول ج. و. بروملي ” فتابعْ بارث يهتم جدًا أن يظهر الحقيقة إن الكتاب المقدَّس، إذا نظر إليه من الخارج، فهو كتاب بشري مع الكتب الأخرى. وهذا يعني إنه، إذا أراد، يعتبره غير معصوم.. يستطيع – بضمير صالح – أن يوافق أن فيه أخطاء تاريخية وعلمية.. وتابعْ بارث لا يهمل كلمة الله الموضوعية، ولكنه يميل إلى الاستخفاف بهذه الكلمة، ناظرًا فيها، لا أداة جُهزت قصدًا لغرض الإعلان الذي طبيعته نفسها تعلن أصله الإلهي، بل كتابًا بشريًا غير كامل، غير متناسب، تم اختياره بطريقة متناقضة وربما اعتباطية وأستُعمل لهذا الغرض”(2).

ج: أ – وحي الكتاب المقدَّس وحي مطلق، فكل كلماته هي موحى بها، وبالتالي فإن جميع أقواله وكلماته معصومة تمامًا من أي خطأ يظنه الإنسان، سواء لاهوتي أو تاريخي، سواء إيماني أو جغرافي، سواء خاص بالأعمال أو بالعلوم، ويقول جوش مكدويل ” العصمة تعني أنه عندما تتكشف كل الحقائق وتُترجم الكتب من أصولها، وتفسَّر بشكل صحيح، فإنها حينذاك ستكون كلية الصدق في كل ما يكتب به، سواء كان الكلام عن المعتقدات، أو الأخلاقيات، أو العلوم والمبادئ الاجتماعية، أو الطبيعية للحياة”(3).

وكلمات الكتاب بعيدة تمامًا عن أي ضلال لأنها هي كلمات الله ذاته، فلو نسبنا لها أي خطأ أو نقص أو شائبة أو ضلال، ففي الحقيقة نحن ننسب هذا الخطأ أو ذاك النقص، أو هذه الشوائب أو تلك الأضاليل إلى الله ذاته صاحب هذه الكلمات، وهل نصدق إنسانًا يقول أن الله حق، ولكن كلماته خاطئة..؟! إنني أتعجب كيف يعترف الإنسان بأن الله هو الحق ذاته أما كلماته فيشوبها النقصان والخطأ..؟!! كيف يعتقد الإنسان المسيحي بأن كلمة الله نقية وبارة وكالذهب المصفى، وفي باطنه يعتقد أن هناك بعض الأخطاء التي لا تؤثر على قدسية النص؟!.

يقول جوش مكدويل ” لكي نفهم جيدًا الوحي المرتبط بالكتب المقدَّسة، يجب أن يشمل ذلك فهم معنى العصمة، الكتاب المقدَّس هو كلمة الله.. والله لا يخطئ أبدًا (عب 6: 19، تي 1: 2) وإن ننكر عصمة الكتب المقدَّسة، فإننا بذلك نطعن في كمال الله، أو نشك في كون الكتاب المقدَّس هو كلمة الله.

تستلزم صفات الله العصمة، وإذا كانت كل عبارة في الكتاب المقدَّس هي من الله، والله هو الحق، كما أعلن عنه الكتاب، لذا يجب أن يكون الكتاب المقدَّس كله حقيقي وصحيح، وهو معصوم من الخطأ. قال يسوع عن كلام الله ” كلامك هو حق” (يو 17: 17) وذكرت المزامير ” رأس كلامك حق” (مز 119: 160) وأعلن الكتاب ” كل كلمة من الله نقية” (أم 30: 5) وكتب بولس إلى تيطس ” الله المنزَّه عن الكذب” (تي 1: 2) وكاتب الرسالة إلى العبرانيين يُعلن أيضًا ” لا يمكن أن يكذب الله” (عب 6: 18) إذًا فالتحليل النهائي يخلص إلى أن أي هجوم على الكتاب المقدَّس هو هجوم على صفات الله، وكل مسيحي سوف ينضم إلى بولس الرسول وهو يقول ” بل ليكن الله صادقًا وكل إنسان كاذبًا” (رو 3: 4)(4).

ويقول د. إدوار ج. يونج ” يقول الله عن كلمته أنها نقية، فإذا حفَّ بها الخطأ، فمعنى ذلك أننا أدرى منه، أو أنها ليست نقية.. يقول هو أن أحكامه بارة، ولكننا نحن أدرى، نقول أنها مشوبة بالخطأ.. فإذا كان المُؤَلف الذي صدر عنه لا يخلو من الخطأ، فمعنى ذلك أنه لم يقل الحق في كلمته، وإذا أمكن أن نتصوَّر أن الكلمة الخارجة من فمه تحتوي على أخطاء، فمن المتصوَّر أنه يخطئ، وحاشا لله من ذلك.. إننا نعتقد بكل يقين أن النص الأصلي الذي صدر عنه معصوم من الخطأ، للسبب البسيط أنه قد صدر منه مباشرة.. النص الأصلي لكلمة الله، والذي صدر من فم الله، معصوم، وإن أي تهاون، في قبول هذه النتيجة، لا يضع الكتاب نفسه في خطر، بل أكثر من ذلك يضع الله ذاته في كرامته وصدقه ومجده في أدق المواضع.. إن تصوُّر إن النص الأصلي لكلمة الله خاطئ، وغير معصوم يعني أن الكلمة التي خرجت من فم الله ليست كاملة، وإن إله الحق نفسه مُدان بالذنب، وإذا كانت كلمة الله باطلة، وهو مُدان بالبعد عن الحق، فإنه يبتني على ذلك النتيجة التي لا مهرب منها، وهي إن الديانة المسيحية ديانة باطلة”(5).

ب – كيف يعترف الإنسان بأن الله مطلق القوة، أما كلماته أو بعضها فقد أصابها الوهن، وشابهتها الأخطاء، لأنها خُطت بواسطة الأداة البشرية الضعيفة التي تشبه الزجاج غير النقي ..؟!! ألا يتهم مثل هذا الناقد الله بالضعف والعجز عن عصمة كلمته، وحماية أقواله من الأخطاء والضلال؟! وهل هذا الإله الذي يؤمن به أصحاب مدرسة النقد الأعلى هو هو الإله الخالق القوي الجبار القادر على كل شيء.

ويقول د. ادوار ج. يونج ” ما أبعد الفرق بين هذا الإله والإله الذي يتكلم عنه الكتاب المقدَّس، الإله الذي يعبده المسيحي كخالق ويصنع ما يشاء {ولا يوجد من يمنع يده أو يقول له ماذا تفعل} (دا 4: 35) والمذخَّر فيه كل كنوز الحكمة والعلم، ويستطيع حمل الكتَّاب الذين يكتبون على الكتابة بما يشاء أو يريد على أكمل وجه من الدقة والانضباط، هذا الإله الذي في قدرته اللانهائية يستطيع أن يستخدم الأداة البشرية الساقطة بكل ما تملك من هبات ووزنات وخصائص لتكون القلم الذي يكتب كلمته، وفي الوقت نفسه يعزل هذه الكلمة، ويصونها من كل خطأ، قد يتسرب إليها من الطبيعة الخاطئة للكاتب البشري الذي يقوم بكتابتها!!”(6).

ويصحح ” وورفيلد ” تشبيه الضوء والزجاج قائلًا ” كما أن الضوء الذي يمر في الزجاج الملون لنافذة الكاتدرائية يتأثر بألوان الزجاج الذي يمر فيه، هكذا كلام الله يمر بعقل ونفس الإنسان، فيخرج وهو يحمل طابع الشخصية التي مرَّ بها، وإنه عند هذه الدرجة يكف عن أن يكون كلمة الله النقية الصافية – كقول النقاد – ولكن ماذا لو أن هذه الشخصية قد شكلتها وصاغتها يد الله، بحيث تصبح منسجمة تمامًا مع كلمته، وبحيث يخرج الضوء منها محتفظًا بخواصه الأصلية، وبحيث يتحقق بذلك قصد الله في توصيل كلمته صافية للناس؟”(7).

ج – لو سلمنا بضعف الأداة البشرية التي استخدمها الله في توصيل كلمته، فلماذا نقصر إمكانية الخطأ على الأمور التاريخية والجغرافية والعلمية؟ وما الذي يضمن لنا إن الأمور الإيمانية لم يشبها هذه الأخطاء أيضًا ..؟! الذين يقولون الكتاب معصوم في الحقائق الإيمانية والأعمال، وغير معصوم في الأمور التاريخية والجغرافية والجيولوجيا والفلك والتاريخ الطبيعي، وقولهم هذا غير منطقي إذ كيف يكون الكتاب معصوم وغير معصوم في آن واحد.. وإذا نظرنا للإصحاح الأول من سفر التكوين، فما هو المعصوم وما هو غير المعصوم؟!، وإن كانت الآية الأولى تحدثنا عن الله الخالق.. أليس هذا من الإيمان..؟! فهل هذه الآية معصومة وبقية الإصحاح غير معصوم..؟!! متى يبدأ الإيمان ومتى ينتهي..؟! متى ينتهي الإيمان ويبدأ التاريخ أو الفَلك؟!

لم يكتب موسى آراءه الخاصة، إنما كتب ما أُعلن له بواسطة الوحي الإلهي، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ولهذا لم يسقط في تسجيل خرافات عصره، ولذلك فشل النقاد في العثور على خطأ علمي واحد، بل إن النظريات الجيولوجية والفلكية قد تتغير وتتبدل بينما الكتاب يذكر ببساطة الحقيقة التي لا يمكن أن تتغيَّر، وقد يقع خلاف بين العلماء وبعض النظريات، ولكن لا يمكن أن يقع خلاف بين الكتاب المقدَّس والحقيقة، لأن كلاهما من الله، والكتاب المقدَّس هو كتاب الله الحق.

ويقول د. ادوار ج. يونج ” إن الذين يعتقدون بأن هناك أخطاء في الكتاب، وإن هذه الأخطاء المزعومة ترجع في أصلها إلى قصور الكتَّاب البشريّين، ومادام هؤلاء الكتَّاب قاصرين، فلابد وأن يتناول القصور الكتاب أيضًا، وإن صح هذا الزعم فإن القصور، لا يتناول أجزاء من الكتاب فحسب بل يتناول الكتاب كله، لأن كلمة الله وقد صارت إلينا جميعها خلال الأداة الإنسانيَّة القاصرة، وكل ما يمر خلال القاصر، على حد زعمهم، لا بُد أن يكون قاصرًا، ومن ثم فلا مهرب من النتيجة أن الكتاب كله أضحى قاصرًا، وليس مجرد المزاعم التاريخية أو الجغرافية على حد تصوُّرهم..!! والقول بغير ذلك فيه مجافاة واضحة للمنطق.. إن الخطأ المزعوم يفرض احتماله في هذه الحالة على كل الأجزاء في الكتاب، ويكون شأنه شأن الغبار الذي ينتشر في الجو، ولا يُستطاع رفعه وإزالته..!!

إنهم بذلك لم يتمكنوا من حل المشكلة، في حد ذاتها، بل على العكس، خلقوا مشاكل أقسى وأفدح وهم لا يدرون”(8).

د- الذين يفصلون بين الأمور الإيمانية والأمور التاريخية نقول لهم من المستحيل أن نجد الإيمان بمعزل عن التاريخ، ومن المستحيل الفصل بين الإيمان والتاريخ، فإذا محوت التاريخ أزلت الإيمان، والإيمان لا يكون صحيحًا إن لم يبنى على أُسس تاريخية.. الإيمان هو قصة الله مع الإنسان من خلال التاريخ، ومعرفة الإنسان لله تمت عن طريق استعراض عمل الله في التاريخ، فقال الله لموسى ” أنا إله أبيك إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب.. إني قد رأيتُ مذلَّة شعبي الذي في مصر وسمعت صراخهم من أجل مُسخريهم. إني علمت أوجاعهم. فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين وأصعدهم من تلك الأرض إلى أرض جيدة وواسعة. إلى أرض تفيض لبنًا وعسلًا..” (خر 3: 6 – 8) وقال الله لإسرائيل ” أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من بيت العبودية” (خر 20: 1) أليس التجسد وافتقاد الله لنا أمرًا تاريخيًا..؟! أليست حياة السيد المسيح على الأرض وكرازته وموته وقيامته أمورًا تاريخية..؟!! حقًا إن الله بحسب إيماننا، هو العامل في التاريخ، وهذا التاريخ قد دوَّنه الكتاب المقدَّس، وبالتالي فإن جميع الروايات التاريخية معصومة من الخطأ.

هـ – فقد الثقة في جزء من الكتاب يؤدي إلى فقد الثقة في الكتاب كله، فإن القضية التي تفقد مصداقيتها في جزء منها تفقد مصداقيتها كلية، وفقد الثقة في الكتاب المقدَّس يقود حتمًا إلى فقد الثقة في الله صاحب الكتاب. ويقول د. ادوار ج. يونج ” إذ كان الكتاب المقدَّس غير معصوم، فلن يكون هناك يقين البتة سواء كان الحديث عن الله أو عن الأسس والمبادئ الأخلاقية التي نعيش بها على هذه الأرض، بل ستكون النتائج المخفية المترتبة على هذا التصوُّر، بغير حدود ولا نهاية.. ليس لنا أن نساير منطقًا يمكن أن يقود إلى مثل هذا التخبط. إن رأْينا الذي نحمد الله عليه، إن كلمته المباركة لا يمكن أن تكون ناقصة وهي تجتاز الأداة البشرية.. على العكس تخضع له (هذه الأداة البشرية) تحت سلطان روحه، وتتمم مشيئته كاملة وعلى وجه دقيق منضبط!!”(9)

و – إن كان هؤلاء النقاد يعترفون أن ليس كل الكتاب شابه أخطاء، إنما الأخطاء انصبت فقط على بعض الأمور التاريخية والجغرافية، نظرًا لعجز الإمكانات وقلة المعرفة في تلك العصور التي دُوّنت فيها كتاباتهم.. إذًا هم يعترفون أن الأمور العقيدية والروحية والأدبية هي صحيحة تمامًا، لم تتأثر قط بالضعف البشري، فإن كانت مثل هذه الأمور قد وصلت إلينا دون أن تتأثر بالضعف البشري، فما المانع إذًا أن تكون الأجزاء الأخرى قد وصلت إلينا أيضًا دون أن تتأثر بالضعف البشري ولاسيما إن الكاتب لم يكتب من عندياته، بل بوحي من الروح القدس؟!!

ويرد جوش مكدويل على القائلين بأن الوحي يقتصر على الأمور الإيمانية والعقائدية والأخلاقية فقط بدون الأمور التاريخية والعلمية، فيقول:

“أولًا: الكتاب المقدَّس لا يفصل ما بين الأمور المتعلقة بالعقائد، والأمور التاريخية، فكل شيء وارد فيه هو حقيقي.

ثانيًا: في كل التعليمات الكتابية ليس هناك وسيلة لفصل الأمور الروحية عن التاريخية أو الطبيعية: مثلًا، تعليم السيد المسيح عن الطلاق لا ينفصل عن تأكيده بأن الله خلق آدم وحواء (مت 19: 4) وكيف يتيسر للإنسان أن يفصل ما بين الروحي والتاريخي في موضوعي الصلب أو القيامة؟.

ثالثًا: هذا التمييز المزيف ما بين الأمور الروحية والتاريخية يظهر عدم الوعي بما قاله الرب يسوع لنيقوديموس {إذا قلت لكم الأرضيات ولستم تؤمنون. فكيف تؤمنون إذا قلت لكم السماويات} (يو 3: 12) وهذا يعني، إذا كنا لا نثق في الكتاب المقدَّس وفي أقوال سيدنا عندما تكلموا عن الأحداث التاريخية، فكيف نثق فيهم إذا درجوا نحو الأمور الروحانية؟

أخيرًا فإن هؤلاء الباحثين الذين ينكرون العصمة لا يحددون رفضهم فقط على الأمور المختصة بالتاريخ والعلم والتقاويم، فهذا بول جويت ينكر تعاليم بولس الرسول الخاصة بالنساء، ودافيز ينكر صدق أمر الرب بطرد وقتل الكنعانيين، وهكذا يتضح أن السماح بوجود أخطاء في الكتاب، هذا يدعو أي إنسان وكل إنسان لأن يختار الأجزاء التي تناسبه من أمور الله ويرفض الباقي”(10).

كما يقول جوش مكدويل أيضًا ” أما روبرت ديك ويلسون الملم بأكثر من خمس وأربعين لغة، فبعد أن أمضى حياته في دراسة العهد القديم خلص إلى ما يلي: يمكنني القول بأن دراستي للكتاب المقدَّس التي دامت لخمسة وأربعين عامًا كانت تؤدي أكثر فأكثر إلى تعميق إيماني بأن لدينا من خلال العهد القديم سجلًا تاريخيًا صحيحًا لتاريخ الشعب الإسرائيلي””(11)(12).

ويقول د. ادوار ج. يونج ” عندهم، كما يقولون، بعض أجزاء الكتاب، نقية، وحقيقية، وعلى سبيل المثال الوصية بمحبة الأعداء والتي يقبلها اللاهوتيون العصريون، ويؤكدون أنها كلمة الله الواجبة الطاعة، على أنهم بهذا القول، يهدمون وهم لا يدرون، القاعدة التي بنوها، لأنه إذا كان من الممكن أن يأتي ولو جزء واحد من الكتاب نقيًا، ومعصومًا، وموثقًا به من خلال الأداة البشرية الساقطة (بحسب تصوُّرهم) فإنهم بهذا يعترفون بإمكانية مجيء المعصوم من غير المعصوم، دون أن تؤثر فيه الأداة البشرية الساقطة.. إنه إذا جاز أن يكون هذا الجزء من الكتاب صحيحًا، وهو يجتاز الأداة البشرية الناقصة، فلماذا لا يكون غيره من أجزاء الكتاب كذلك.. أما أن يُقصر الأمر على البعض دون الآخر، فهو طرح للقضية بكاملها، فإذا كان من الممكن صيانة بعض الأجزاء وحفظها من النقص، فمن المؤكد إمكانية حفظ غيرها”(13).

ويقول د. أميل ماهر عن عصمة الكتاب المقدَّس ” لا يكفي فقط أن نقرر أن الكتاب موحى به وله سلطان، إنما لا بُد أن نعترف أيضًا بأنه منزَّه عن الخطأ (Inerrancy) ومعصوم (Infallibility). ونعني بذلك أنه بدون أخطاء في مخطوطاته الأصلية. فهو منزَّه عن الخطأ في كل ما يؤكده، سواء كانت هذه أمور تاريخية أو علمية أو أخلاقية أو عقائدية. والتنزُّه عن الخطأ يمتد إلى الكتاب كله، ولا يقتصر على تعاليم معينة في الكتاب”.

ثم يتحدث د. أميل ماهر عن نظرية الوحي الجزئي فيقول ” فالأسفار المقدَّسة -من وجهة نظرهم- معصومة في أمور الإيمان والممارسة، ولكنها ليست كذلك في الأمور التي لا يكون لها صبغة دينية مباشرة. هذه النظرية سائدة بين جماعات بروتستانتية كثيرة.. وقد تمسك بها لوثر، وكالفن، وباكستر، ودودريج، وآخرون كثيرون.. وتترك (هذه النظرية) مجالًا (في).. إمكانية وقوع الخطأ من مؤلفي الأسفار في تصريحاتهم المتعلقة بالتاريخ والعلوم الطبيعية، والمفهوم الذي تقدمه هذه النظرية ليس لها ما يسانده في الكتاب ومشاكله واضحة:

كيف نستطيع أن نقبل عبارة من الكتاب، ونرفض عبارة أخرى؟

ومن هو الذي يقدر أن يخبرنا عن الجزء الذي هو صحيح أو الجزء الذي ليس بصحيح؟

ومن هو أيضًا يستطيع أن يعرفنا كيف نميز بين الأمور التي هي جوهرية للإيمان (الممارسة) وبين تلك التي ليست كذلك؟”(14).

وعندما نقول أن الكتاب المقدَّس معصوم تمامًا بدون أية أخطاء -ولو بسيطة جدًا- في مخطوطاته الأصلية.. لعل أحد يتساءل لماذا سمح الله باختفاء النسخ الأصلية؟

1- حتى لا ينجرف الإنسان لدرجة تقديم العبادة لها، كما عبد من قبل الحيَّة النحاسية فسحقها حزقيا الملك ” وسحق حيَّة النحاس التي عملها موسى لأن بني إسرائيل كانوا إلى تلك الأيام يوقدون لها ودعوها نحشتان” (2مل 18: 4).

2- حتى لا يتلاعب فيها أحد، أما الآن فمن المستحيل أن يتلاعب أحد في آلاف وملايين النسخ الموجودة بمعظم لغات العالم.

وقد يتساءل آخر:

وما الذي يضمن لنا أن النسخ التي بين أيدينا خالية من الأخطاء؟

يرد عليه جوش مكدويل قائلًا “وفرة النسخ المختلفة مع الاكتشافات الأثرية، والملاحظات والتعليقات على النصوص، والأدوات الأخرى، ساعدتنا جميعًا على أن تكون هناك قناعة داخلنا تؤكد أن الترجمات التي بين أيدينا دقيقة وتمثل كلمة الله المعصومة.

قال جودريك {أنت تستطيع أن تثق في الكتاب الذي بين يديك لأنه هو كلمة الله المعصومة، فالسهو الذي لحق بنسخ ونقل الكتاب بسيط للغاية، وتمت السيطرة عليه، ويتلاشى. لذلك أقول مطمئنًا بأن الكتاب المقدَّس الحالي موثوق به}”(15)(16).

أما بالنسبة للأمور العلمية في الكتاب المقدَّس، فإننا نقول لأن الكتاب المقدَّس هو كتاب كل عصر، وكتاب كل إنسان مهما كانت ثقافته بسيطة أو عميقة، لذلك لم يستخدم الكتاب اللغة والمصطلحات العلمية لأنها تتغير من جيل إلى جيل، ولذلك لا نتعجب عندما يقول لنا الكتاب أن الشمس قد وقفت ساكنة في حادثة حرب يشوع على الأموريين “يا شمس دومي على جبعون ويا قمر على وادي أيلون – فدامت الشمس ووقف القمر” (يش 10: 12، 13) فهو يكتب بحسب ما هو ظاهر للعين البشرية، كما أن علماء اليوم وكبار الكتاب مازالوا يستخدمون بعض التعبيرات الدارجة مثل شروق الشمس وغروبها، وعندما قال السيد المسيح عن ملكة سبأ أنها ” أتت من أقاصي الأرض” (تث 12: 42) فإنه كان يتكلم بحسب ما هو متعارف عليه حينذاك، وعندما قال لوقا البشير أنه في يوم الخمسين كان بأورشليم شعب من ” كل أمة تحت السماء” (أع 2: 5) فأنه كان يتكلم بحسب ما كان متعارف عليه حينذاك. ومع أن الكتاب المقدَّس لم يستخدم اللغة العلمية، فأنه لا يتعارض قط مع العلم الحقيقي الصحيح.

_____

(1) برهان يتطلب قرارًا – طبعة 2004م ص 117، 118.

(2) مركز المطبوعات المسيحية – تفسير الكتاب المقدَّس جـ 1 ص 25، 26.

(3) برهان يتطلب قرارًا طبعة 2004م ص 313.

(4) برهان يتطلب قرارًا – طبعة 2004م ص 312، 313.

(5) أصالة الكتاب المقدَّس – ترجمة القس الياس مقار ص 101 – 103.

(6) المرجع السابق ص 85، 86 .

(7) أورده صموئيل كريج – ترجمة باقي صدقة جرجس – المسيحية الحقيقية ص 91.

(8) أصالة الكتاب المقدَّس – ترجمة القس الياس مقار ص 86.

(9) أصالة الكتاب المقدَّس – ترجمة القس الياس مقار ص 87.

(10) برهان يتطلب قرارًا طبعة 2004م ص 320.

(11) Wilson. WB. 42.

(12) المرجع العربي السابق ص 58.

(13) ترجمة القس الياس مقار – أصالة الكتاب المقدَّس ص 89.

(14) الكتاب المقدَّس – أسلوب تفسيره السليم وفقًا لفكر الآباء القويم ص 43، 44.

(15) Goodrick , IMBIWG. 113.

(16) برهان يتطلب قرارًا طبعة 2004م ص 58.

91- هل العصمة تشمل الأمور اللاهوتية والعقائدية والروحية والأدبية، دون الأمور الأخرى مثل الأمور التاريخية والجغرافية والعلمية؟