المعجزات – هل يجب أن نرفض المعجزات لأنها نادرة الحدوث؟
قال ” دافيد هيوم”.. ” أن المعجزة هي إنتهاك لقوانين الطبيعة.. لن تعتبر تلك معجزة أن يموت فجأة شخص كان يتمتع بصحة جيدة، لكن ما يعتبر معجزة هو أن يقوم ميت من بين الأموات، لأن هذا الأمر لم يُلاحظ ورود مثله على مدى الأزمان، لذلك يجب أن تكون هناك تجربة شكلية للتحقق في الحدث الإعجازي”(1)(2) وبذلك دخل ” دافيد هيوم ” في جدل فلسفي يمكن تلخيصه في الآتي:
1- المعجزات أحداث نادرة.
2- القانون الطبيعي يتكرر بانتظام.
3- دليل المنتظم أقوى من دليل النادر، فمثلًا موت رجل في كامل صحته وشبابه رغم أنه أمر غير عادي بالمقارنة بغيره، لكنه تكرر قبل ذلك مرات عديدة، بينما عودة ميت إلى جدة الحياة هو أمر نادر الحدوث جدًا، وقارن هيوم بين عدد الميتات وبين عدد القيامات.
4- بما أن العقلاء يبنون معتقداتهم على الدليل الأقوى، لذلك فإن العقلاء يجب أن لا يؤمنوا بالدليل النادر أي المعجزات(3).
ج: يناقش ” نورمان جسلر ” فكر ” دافيدهيوم ” الذي بنى اعتقاده على أكثر الاحتمالات ترجيحًا، ورفض ما هو نادر الحدوث مثل المعجزات، فيقول جسلر ” لم يقم هيوم في الحقيقة بقياس الأدلة على قيام المعجزة، بل هو أضاف الدليل ضدها. طالما أن الموت يحدث مرة بعد الأخرى، والقيامة تحدث فقط في مرات نادرة، نجد هيوم يضيف كل الميتات ضد القيامات القليلة ويرفض الأخيرة.. لكن هذا لا يختص بوزن الدليل لكي نحدد ما إذا كان شخص مات فليكن يسوع الناصري.. قد قام من الأموات. أنه ببساطة أضاف أدلة كل المناسبات الأخرى حيث مات الناس، ولم يقوموا واستخدمها لكي يخفي أن دليل ممكن أن شخص ما مات فعلًا ثم قام من الأموات.
ثانيًا: هذه المجادلة تسوي ما بين حجم الدلائل والاحتمالات. إنها تقول: في الواقع أننا يجب علينا دائمًا أن نصدق الأكثر احتمالًا (بمفهوم التمتع بأفضل الترجيحات) لكن هذا أمر سخيف. على هذا الأساس لا يجب على رامي الزهر أن يصدق زهره عندما يظهر ثلاث ستات في الرميات الثلاث الأولى، طالما أن رجحان حدوث ذلك هو 1 إلى 16350135596000 ما يبدو أن هيوم قد أهمله هو أن الحكماء من الناس يؤسسون اعتقادهم على الحقائق وليس ببساطة على المرجح.
أحيانًا ما يكون ” المرجح ” ضد حدث معين غالبًا (طبقًا للملاحظات السابقة) لكن الدليل على قيام الحدث على خلاف ذلك جيدًا (مبنيًا على الملاحظة الجارية أو الشهادات الموثوق بها) مناقشات هيوم تخلط ما بين كميات الدلائل في نوعياتها. الدليل يجب أن يقاس لا أن يُضاف”(4)(5).
ويوضح ” ناش ” أن هيوم عامل المعجزات كما يعامل الاحتمالات فيقول ” أشتكى منتقدو هيوم من أن مسألته مبنية على وجهة نظر إحصائية خاطئة، ولشيء واحد فهيوم يعامل احتمالات قيام أحداث في التاريخ كالمعجزات مثلًا مستخدمًا نظرية الاحتمالات التي تصلح في الأحداث المتكررة والتي تمكن العلماء من بناء نظرية علمية – في حالة النظريات العلمية – فإن الاحتمالات مرتبطة بعدد مرات تكرار الحدث.. لكن الأحداث التاريخية بما فيها المعجزات مختلفة، لأن أحداث التاريخ فريدة من نوعها ولا تتكرر، لذلك فإن معاملة الأحداث التاريخية بما فيها المعجزات بنفس الطريقة التي يستخدمها العلماء لبناء قوانينهم تهمل الاختلافات الجوهرية بين الموضوعين”(6)(7).
ويقول جوش مكدويل ” عندما يواجه الناقد التاريخي ببعض قصص المعجزات هو غالبًا ما يستبعدها.. ولكي يبرر موقفه يلجأ إلى نفس موقف هيوم عندما قال هناك استحالة قاطعة لطبيعة المعجزة”(8).
كما يقول ” ناش ” أيضًا ” اشتكى نقاد هيوم أن مجادلاته مبنية على وجهة نظر معيبة باستخدام الاحتمالات، لسبب وحيد، أن هيوم عامل الاحتمالات التي تقيّم أحداث التاريخ كالمعجزات بنفس الطريقة التي يعامل بها الاحتمالات لحدث جار يؤدي إلى تكوين القوانين العلمية. في حالة القوانين العلمية، الاحتمالات مقيدة بمرات تكرار الحدث، كلما زاد عدد المرات التي يشاهد فيها العلماء نفس الحدث تحت ظل نفس الظروف. فإن الاحتمال يكون عظيمًا إن قانونهم المُنشأ صحيح. لكن الأحداث التاريخية بما فيها المعجزات مختلفة عن ذلك، أحداث التاريخ فريدة ولا تتكرر بحذافيرها. لذلك، معاملة الأحداث التاريخية شاملة المعجزات بنفس فكرة الاحتمالات التي يستخدمها العلماء في صياغة قوانينهم تهمل الفروق الواضحة بين الموضوعين”(9).
_____
(1) Hume, ECHV, 126 – 127.
(2) أورده جوش مكدويل في كتابه برهان يتطلب قرارًا ص 331.
(3) راجع جوش مكدويل – برهان يتطلب قرارًا ص 587.
(4) Geisler , MMM , as cited in Geiwett , IDM , 78 , 79.
(5) أورده جوش مكدويل في كتابه برهان يتطلب قرارًا 588.
(6) Nash, FR, 234.
(7) المرجع العربي السابق ص 331 .
(8) أورده جوش مكدويل في كتابه برهان يتطلب قرارًا ص 331.
(9) المرجع العربي السابق ص 588.