هل قيامة السيد المسيح هي من اختراع التلاميذ الذين كانوا مقتنعين أنه مستمر معهم بطريقة روحية؟
77- هل قيامة السيد المسيح هي من اختراع التلاميذ الذين كانوا مقتنعين أنه مستمر معهم بطريقة روحية؟
س77: هل قيامة السيد المسيح هي من اختراع التلاميذ الذين كانوا مقتنعين أنه مستمر معهم بطريقة روحية؟ ويقول القس أندريه زكي ” اتفق لاهوتيو المدرسة التحررية على أن القيامة الجسدية لم تتم، وادَّعوا أن منشأ القيامة، يرجع إلى رؤيا كانت عند التلاميذ، فبعد فترة من الاكتئاب استعاد التلاميذ رباطة جأشهم، وتراءت لهم صورة المسيح التي تعودوها، فقد كانوا مقتنعين أن يسوع لم يؤخذ منهم قط بل أنه مستمر معهم بطريقة روحية جديدة.. وهذا هو السبب في كون المسيح لم يظهر لآخرين بل لتلاميذه فقط”(1).
ج: قال البعض أن حب التلاميذ للمسيح وتعلُّقهم به جعلهم يتوهمون انتصاره على الموت وقيامته، وقد استبدت فكرة القيامة بعقولهم، ولاسيما بمريم المجدلية التي أخرج منها سبعة شياطين، وكانت منهكة القوى ومتأثرة جدًا بسبب صلب المسيح، وقد تأجَّجت عواطفها، وإذ اتجهت إلى القبر في ضوء الفجر الباهت والتقت بشاب حسبته البستاني ظنت أنها رأس المسيح، وراحت تهزي بأن يسوع قام، ونجحت في إشعال فكرة القيامة في قلوب وأذهان التلاميذ الذين طالما تمنُّوا نجاح كرازته وملكه على إسرائيل، وهكذا انتقلت هذه الهلوسة من شخص إلى آخر، وكلما انتشرت زادت قوة واكتسبت مصداقية.
ونقول أيضًا أن هذا التفكير بأن القيامة مجرد أوهام وخيالات وهلوسة هو في الحقيقة خيال مريض وهلوسة من قِبَل أصحاب هذا التفكير وذلك لأسباب عديدة نذكر منها الآتي:
1- من أين تأتي الأوهام والخيالات..؟ تأتي الأوهام والخيالات من كثرة التفكير في حدث معين مع توقع حدوثه، فيتصوَّر الإنسان وقوعه، وهذا أمر لم يتوفر لدى التلاميذ الذين لم يفكروا قط في قيامة المسيح بعد موته، فعندما قال لهم السيد المسيح من قبل ” وبعد أن يُقتَل يقوم في اليوم الثالث. وأما هم فلم يفهموا القول وخافوا أن يسألوه” (مر 29: 31، 32) وأمام أحداث الصلب تحطمت آمال التلاميذ وقلوبهم وضاع رجاؤهم ودفنوا آمالهم وأحلامهم، وصار المستقبل بالنسبة لهم مثل ظلمة مدلهمة، وكلٍ منهم يحاول أن يبحث عن منفذ للهروب من هذا الكابوس المريع، ومع كل هذا فإنه عندما سمعوا عن قيامة المسيح من النسوة أنكروها ولم يصدقوها ” تراءى كلامهنَّ لهم كالهذيان ولم يصدقوهنَّ” (لو 24: 11) وعندما أخبرهما تلميذيّ عمواس ” فلم يصدقوا ولا هذين” (مر 16: 13) ولذلك عندما ظهر لهم السيد المسيح وبخهم لعدم إيمانهم ” أخيرًا ظهر للأحد عشر وهم متكئون ووبَّخ عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم لأنهم لم يصدَّقوا الذين نظروه قد قام” (مر 16: 14) وعلَّق يوحنا الحبيب قائلًا ” لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات” (يو 20: 9) إذًا الهلوسة تولد نتيجة ترسبات مكبوتة أو رغبات ملحة على الإنسان. بينما الواقع يخبرنا بأن التلاميذ لم يفكروا في قيامة معلمهم وظنوا أنهم لن يروه ثانية.
2- أصحاب الهلوسة يمثلون فئة معينة من الناس لهم الحس المرهف والخيال الخصب مع التوتر النفسي، فليس كل الناس مهيئين لاستقبال الهلوسة التي تتطلب نفسيات معينة وسلوكيات معينة، ومن المستحيل أن تتوفر هذه الشروط للهلوسة في جميع الذين رأوا السيد المسيح بعد قيامته وعددهم يُقدَّر بالمئات من مختلفي الأعمار والثقافات والبيئات والأمزجة والنفسيات، وقد رأوه عن قرب وتعاملوا معه وأكلوا وشربوا معه ” الذي أراهم نفسه حيًّا ببراهين كثيرة بعدما تألم. وهو يظهر لهم أربعين يومًا ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت السموات” (أع 1: 3) وقد أوصاهم قبل صعوده بأن لا يبرحوا أورشليم حتى يحل عليهم الروح القدس، وفعلًا حلَّ الروح القدس على التلاميذ بعد عشرة أيام من الصعود.
3- إن كانت عقول النسوة المرهفات مهيأة للانفعال الشديد الذي قد يؤدي إلى الهلوسة، فما رأيك بالتلاميذ الرجال الذين لم يصدقوا النسوة (لو 24: 11)؟ وما رأيك في مئات الناس الذين رأوه بعد القيامة؟!
4- ترتبط الخيالات والهلوسة بأوقات معينة مثل الفترة المسائية، وبأماكن معينة مثل الأماكن التي تنخفض فيها الإضاءة أو التي تحمل ذكريات معينة، ويقول جوش مكدويل “فمثلًا الأم التي فقدت ابنها في الحرب والتي كانت معتادة أن يرجع إلى البيت كل يوم في السادسة مساء، لو أنها جلست كل يوم في نفس الموعد، في كرسيها المريح تتوقع عودته، فإنها أخيرًا تظن أنها تراه داخلًا وتحدثه، وتكون عندئذ قد انفصلت عن الواقع”(2). بينما ظهورات السيد المسيح جاءت في أوقات مختلفة وفي وضح النهار، وأيضًا في أماكن مختلفة سواء مغلقة أو مفتوحة، وفي وقت لم يكن فيه التلاميذ في حالة ترقُّب لعودة سيدهم.
5- تبدأ الهلوسة أو الخيالات بسيطة ثم تزداد تدريجيًّا حتى تصل إلى أقصى مداها، ولا تنقطع مرة واحدة، وإنما تضعف تدريجيًّا حتى تختفي، وظهورات السيد المسيح لم تتخذ هذا المسلك. إنما كانت في منتهى القوة والوضوح منذ أول لحظة حتى نهاية الأربعين يومًا، وكما بدأت مرة واحدة فإنها انقطعت مرة واحدة.
6- من الصعب أن يتفق اثنان على هلوسة أو خيالات معينة في جميع تفاصيلها لأن نفسية كل إنسان تختلف عن الآخر فمريم المجدلية لم تكف عن البكاء، وبطرس يعاني من تبكيت الضمير، وتوما يعاني من الشك، وتلميذيّ عمواس كانا يرجوان أن هذا المصلوب يُحقّق رجاء إسرائيل، والنسوة كن خائفات، ويقول المحامي فرانك موريسون “وما نظنه من الميسور أن نجمع في هلوسة جامعة قوية بين بطرس الصياد المخشوشن وأخيه أندراوس، وتوما المتشكك المرتاب، ومتى العشار الجامد الحس المرتب الذهن، وفيلبس البطيء في الفهم، الحار في الولاء. ما نظن أنه من الميسور الجمع بين هؤلاء جميعًا في حالة واحدة من الهذيان واختلاط العقل”(3)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. بينما الرسل الأحد عشر والمئات الآخرون اتفقوا على كل تفاصيل ظهور السيد المسيح لهم، ولم يدلي توما بشهادته إلاَّ بعد أن رأى ولمس وتأكد من القيامة تمامًا وصرخ ” ربي وإلهي” (يو 20: 28) وسمع كلام السيد المسيح ” فقال له يسوع لأنك رأيتني يا توما آمنت. طوبى للذين آمنوا ولم يروا” (يو 20: 29) فهل للخيالات أجسام يمكن لمسها؟!.
7- أتت القيامة للتلاميذ من خارجهم، ولم تكن نابعة من تصوُّرهم، ولذلك لما ظهر لهم لم يعرفوه، ومريم المجدلية ظنته البستاني، وتلميذيّ عمواس أمسكتا أعينهما عن معرفته إلاَّ عند كسر الخبز، والتلاميذ خافوا وجزعوا وظنوه روحًا، وهذا يُكذّب الإدعاء بأن القيامة مجرد تهيؤات وهلوسة، ولو كانت القيامة هلوسة ما كان التلاميذ يقدرون قط على الصمود أمام الاضطهادات المرة والعذابات الرهيبة والسجون والموت، وما كان للمهلوسين أن يذهبوا إلى الموت بخطى ثابتة كأبطال شجعان يُسلّمون أنفسهم للموت بنفس راضية من أجل شهادتهم للحق، واقتناعهم بما يشهدون. لم تكن شهادتهم مثل شهادة إنسان “ماشافش حاجة” إنما شهادة يقينية.
8- لو كانت ظهورات السيد المسيح مجرد هلوسة وخيالات لأمتلأوا جميعًا بالفرح والغبطة بمجرد ظهور المسيح القائم لهم، وما كان بعضهم يخاف والآخر يجزع والآخر يضطرب ويشك ” ولما رأوه سجدوا له ولكن بعضهم شكُّوا” (مت 28: 17).
9- لو كانت ظهورات السيد المسيح هلوسة فكيف أكل أمام تلاميذه ” وفيما هم يتكلمون بهذا وقف يسوع نفسه في وسطهم وقال لهم سلام لكم. فجزعوا وخافوا وظنوا أنهم نظروا روحًا. فقال لهم ما بالكم مضطربين ولماذا تخطر أفكار في قلوبكم. أنظروا يديَّ ورجليَّ إني أنا هو. جسُّوني وانظروا فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي. وحين قال هذا أراهم يديه ورجليه. وبينما هم غير مصدقين من الفرح ومتعجّبون قال لهم أعندكم ههنا طعام. فناولوه جزءًا من سمك مشوي وشيئًا من شهد العسل. فأخذ وأكل قدَّامهم” (لو 24: 36 – 43) لقد دخل السيد المسيح بالتلاميذ إلى عام الحسّيات فأكل أمامهم، وسمح للنسوة أن يمسكن بقدميه، وسمح لتوما أن يلمسه وأن يضع أصبعه مكان المسامير ويده مكان الحربة وذلك لتأكيد قيامته.
10- لو كانت القيامة هلوسة وظهورات السيد المسيح خيالات، فكيف نفسر موضع القبر الفارغ؟! وكيف نفسر الأكفان التي تُركت في القبر ؟! ألم تكن هذه الأكفان كفيلة وكافية لإيمان يوحنا الحبيب ” ورأى فآمن” (يو 20: 8)؟!
11- لو كانت القيامة هلوسة ورؤية السيد المسيح خيال، فمن هو الشاب الذي كان في القبر وتحدَّث مع النسوة ” ولما دخلن القبر رأين شابًا جالسًا عن اليمين لابسًا حلة بيضاء فاندهشن. فقال لهن لا تندهشن. أنتنَّ تطلبن يسوع الناصري المصلوب. قد قام وليس هو ههنا. هوذا الموضع الذي وضعوه فيه. لكن اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس أنه يسبقكم إلى الجليل هناك ترونه كما قال لكم” (مر 16: 5 – 7) ألم يكن هذا ملاكًا نزل من السماء لكيما يعلن القيامة؟! وإن قال أحدهم أنه البستاني، فنحن نسأله بدورنا: وما الذي دفع البستاني للجلوس في هذه الساعة المبكرة داخل قبر مهجور بدلًا من أن يتنسم نسيم الصباح المنعش؟!
12- لو كانت القيامة هلوسة، فمن هو الذي التقى بمريم المجدلية في البستان؟ هل هو البستاني كما ظنته؟ ولو كان هو البستاني وليس السيد المسيح، وقد سرت أخبار القيامة، فما بال اليهود لم يستشهدوا بهذا البستاني ليكذّبوا قصة القيامة؟.
13- ولو كانت قيامة السيد المسيح هلوسة، فمن الذي ظهر لشاول الطرسوسي صاحب العقلية الفذة، وقد غير حياته من شاول مُضطهِد الكنيسة إلى بولس الرسول المُضطَهد من أجل الكنيسة.
14- لو كانت القيامة مجرد هلوسة لصارت المسيحية كلها هلوسة لأنه “إن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل أيضًا إيمانكم.. وإن لم يكن المسيح قد قام فباطل إيمانكم. أنتم بعد في خطاياكم” (1كو 15: 14، 17) ولكن القيامة حقيقية، وذلك كان شرط تعيين بديل ليهوذا الإسخريوطي أن يكون قد عاين خدمة السيد المسيح وشاهد صلبه وقيامته حتى يستطيع أن يكرز بما عاين (أع 1: 21، 22).
ويقول “جورح لاد”.. إذا كان النقد التاريخي قادرًا على إثبات أن الحدث العظيم الخاص بالخلاص لم يحدث في التاريخ. فإن أي إيمان إنجيلي آخر سيكون مستحيلًا. وإذا أثبت الناقد التاريخي أن يسوع لم يقم من القبر، فإن الإيمان المسيحي سوف يتبدد. وهذا ما تؤكده الكتب المقدَّسة (1 كو 15: 12-19) قصة المسيحية تقول أن الله تدخل في التاريخ، وهذه التدخلات أو الأعمال خارجة عن نطاق التفسير الطبيعي، عندما نشرع في تحليل أسبابها، والمؤلف يعتقد بكل يقين أن الإله الحي الذي يعمل في التاريخ سوف يكون بشكل واضح بعيدًا عن التفسير الإنساني الطبيعي.. الشخص الذي ينكر وجود الله لا يشترك أيضًا في الإيمان بالكتب المقدَّسة.. البعض يؤمن أن الله ليس شخصًا، لكن هو المطلق.. والبعض الآخر يرفض ما فوق الطبيعة.. والبعض الآخر مازالوا متمسكين بأن الله لا يمكن أن يوصل حقه المعصوم بواسطة رجال خطاة، وحينئذ هم ينظرون إلى الكتاب المقدَّس على أنه ليس أكثر من كتاب إنساني”(4)(5).
_____
(1) المسيح والنقد التاريخي ص 13، 14.
(2) برهان يتطلب قرارًا ص 295.
(3) من يدحرج الحجر؟ ترجمة حبيب سعيد ص 95.
(4) Horn, TBTS I, 10.
(5) أورده جوش مكدويل في كتابه برهان يتطلب قرارًا ص 335.