Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

هل يمكن أن يصح إدعاء البعض (مثل هيوج شوتفيلد) بأن التلاميذ قد سرقوا جسد المسيح في غفلة من الحراس؟

75- هل يمكن أن يصح إدعاء البعض (مثل هيوج شوتفيلد) بأن التلاميذ قد سرقوا جسد المسيح في غفلة من الحراس؟

ج: موضوع سرعة التلاميذ للجسد يدخل في ضرب المستحيلات وذلك للأسباب الآتية:

1- هذا كان مجرد إشاعة أشاعها رؤساء الكهنة، وانتشرت بين اليهود في القرون الأولى، ففي محاورة يوستين مع تريفو رقم 108 في القرن الثاني الميلادي نجد قول اليهود ” عن واحد اسمه يسوع جليلي مخادع صُلِب، ولكن تلاميذه سرقوا جسده ليلًا من القبر الذي وضعوه فيه بعد إنزاله من على الصليب وأعلن التلاميذ أنه قام ثم صعد إلى السماء”(1). وفي دفاع ترتليان رقم 21 يقول ” وُجِد القبر فارغًا إلاَّ من الأكفان، ولكن شيوخ اليهود الذين أرادوا إخضاع الناس لأفكارهم، نشروا الكذبة التي تقول أن تلاميذه سرقوه، أو أن البستاني أخفى الجسد حتى لا يجئ الزوار ويدوسوا على الخس الذي كان يزرعه في البستان”(8).

2- يقول الإنجيل ” حينئذ تركه التلاميذ كلهم وهربوا” (مت 26: 56) وبطرس المعروف بالجرأة خاف وأنكر وشتم وسب الاسم المملوء بركة، ومرقس عندما أرادوا الإمساك به ترك أزاره وهرب عريانًا، وعاد بعض التلاميذ إلى ذويهم، والبقية غاصت في أحضان العلية المُغلَّقة، وقد حلَّ بهم الخوف والرعدة والرعب، وقد فقدوا رجاءهم في ملك إسرائيل.. فكيف يقدر التلاميذ وهم في حالة نفسية سيئة كهذه أن يخططوا بين عشية وضحاها لسرقة الجسد رغم العوائق الصعبة التي تقف لهم بالمرصاد من جنود رومان مدجَّجين بالسلاح وحجر ضخم على فم القبر.. ومن أين أتتهم الشجاعة حتى يقتحموا موقعًا كهذا؟! ومن أين جاءتهم الشجاعة لتحطيم الأختام الرومانية وعقوبتها الموت المؤكد؟!

3- لم يكن التلاميذ من رجال العصابات وقطَّاع الطرق حتى يفكروا في الانقضاض على الجنود الرومان المسلحين الأشداء، والأدهى من هذا كله أنهم يجدون الوقت الكافي لنزع الأكفان عن الجسد، وهي عملية في منتهى الصعوبة لالتصاق هذه الأكفان بالجسد بواسطة الأطياب والحنوط.

4- صُلِب السيد المسيح وقت عيد الفصح، وكانت أورشليم مكتظة باليهود القادمين من كل حدب وصوب، وكانوا يقضون ليالي العيد السبع في تراتيل على ضوء القمر الساطع، سواء كانوا في خيامهم أو في سيرهم بالشوارع، فكيف يقدر التلاميذ على سرقة الجسد في هذا الزحام دون أن يراهم أحد وهم يحملون الجسد من القبر إلى أي مكان آخر؟!

5- كانت عقوبة نوم الجندي الروماني في نوبة حراسته تعني الحكم عليه بالإعدام سواء بالسيف أو بإلقائه من على جبل مرتفع، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.. فكيف يستهين ليس حارس واحد بل كل الحراس وحتى قائدهم إلى هذه الدرجة فينامون جميعًا؟! وكيف يفعلون ذلك ولديهم تحذيرًا مسبقًا بأن الجسد قد يتعرض للسرقة ولذلك كانت حراستهم على القبر؟! ولماذا لم يتبعوا النظام السائد في دورات الحراسة بحيث ينام البعض ويظل البعض مستيقظًا؟!

6- كيف أمكن للتلاميذ دحرجة الحجر الضخم دون أن يستيقظ الحراس من غفوتهم..؟! لقد أجرى اثنان من أساتذة كلية الهندسة بجامعة جورجيا دراسة على نوعية الأحجار التي كانت مستخدمة في زمن المسيح، فوجدوا أن وزن الحجر الذي يغلق فتحة القبر (4,5 × 5 م) يبلغ حوالي من 5ر1 إلى 2 طن.. تُرى يحتاج إلى كم رجل لدفعه؟!(2).

7- لو كان الجنود الرومان كلهم كانوا مستغرقين في النوم وقت سرقة الجسد مثل أهل الكهف، والضجيج الذي نتج عن دحرجة الحجر لم يوقظهم، فكيف عرفوا أن التلاميذ هم الذين سرقوه وليس شخص آخر؟ ولو كان بعضهم مستيقظًا فلماذا لم يمنعوا التلاميذ من السرقة ويقبضون عليهم..؟! يقول القديس أوغسطينوس عن هؤلاء الجنود ” أنهم إما كانوا نائمين أو مستيقظين، فلو كانوا مستيقظين لما سمحوا بسرقة الجسد، ولو كانوا نائمين لما استطاعوا أن يحكموا بأن الجسد قد سُرِق، وأن سارقيه هم التلاميذ. فإن النائم لا يدري بما يحدث من حوله! إنها أكذوبة تهدم نفسها، إذ أن نصفها الأول يكذب نصفها الثاني لأن الحراس النائمين لا يمكنهم معرفة ما حدث. لقد كان العذر الذي ساقه العسكر عذرًا سخيفًا، فكيف ينام كل الحراس؟ وكيف ينامون كلهم ونوبة الحراسة هذه هامة لأن هناك تحذيرًا مسبقًا من احتمال سرقة الجسد”(3).

8- كيف نأخذ بشهادة الإنسان النائم، وهي مرفوضة قانونًا.

9- لو كان التلاميذ قد سرقوا الجسد فعلًا، فلماذا لم يُقاد الحراس للموت كما حدث للجنود الذين كانوا يحرسون بطرس (أربعة أربع) وحكم عليهم هيرودس جميعًا بالقتل، وليس رجلًا بدل رجل؟!

10- ما الذي دفع التلاميذ لهذه المخاطرة؟ هل الدافع إكرام معلمهم ..؟ كلاَّ لأن يوسف الرامي ونيقوديموس قد أكرماه وضخما جسده بأطياب كثيرة، ووضعوه في قبر جديد.

11- لو كان التلاميذ قد نجحوا في الوصول إلى القبر وتحريك الحجر والدخول داخله والحراس نيام نوم الموت.. ألم يكن من المنطقي أنهم يحملون الجسد ويهربون به بأقصى سرعة ممكنة..؟! ما الداعي لنزع الأكفان عنه وهي عملية في منتهى الصعوبة وتستغرق وقتًا طويلًا؟! وهل التلاميذ الذين يحبون معلمهم إلى هذه الدرجة يرتضون أن يُعرّضوا جسده إلى مهانة العري؟! وأيهما أسهل حمل الجسد بالأكفان الملتصقة به أم حمله عريانًا..؟! يقول القديس يوحنا ذهبي الفم في القرن الرابع أن الذي يسرق كان سيأخذ الجسد ملفوفًا بأكفانه، لا لكي يستر الجسد العزيز عليه وحسب بل ليسرع بالجسد ملفوفًا حتى لا يلقوا القبض عليه. إن المرَّ يلصق الكفن بالجسم، فلم يكن هناك وقت لتخليص الجسد من كفنه، وإن قصة سرقة الجسد غير معقولة(4).

ويقول “جرينليف” أستاذ القانون “أن يوحنا وهو يرى الأكفان صدَّق أنه قام، فلا يمكن أن عدوًا أو صديقًا يترك المكان بمثل الترتيب الذي كان القبر عليه، لو أن جسد المسيح سُرِق منه”(5).

12- لو كان التلاميذ هم الذين نزعوا الأكفان وسرقوا الجسد.. ألم يكن من المنطقي تمزيق هذه الأكفان بآلة حادة لإنهاء العمل بأقصى سرعة ممكنة؟! ولكن الأكفان وُجِدت كاملة موضوعة في القبر ملفوفة كما كانت بالضبط وكأن جسد المسيح مازال بداخلها، وهكذا المنديل كان ملفوفًا لوحده وكأن الرأس داخله، فلا شك أن هذه الأكفان هكذا هي شهادة في منتهى القوة لمن يعترض على قيامة المسيح إذ انسحب الجسد منها وهي كما هي، كما خرج من القبر وهو مُغلق، ودخل العلية وهي مغلقة.

13- كيف يذيع التلاميذ قيامة المسيح، وأصلًا فكرة قيامته لم تكن تخطر لهم على بال، ورغم أن معلمهم حدثهم عنها مرارًا وتكرارًا لكنهم لم يفهموا ما هي القيامة من الأموات، فعقب التجلي حدثهم عن آلامه وقيامته ” وبعد أن يُقتل يقوم في اليوم الثالث. وأما هم فلم يفهموا القول وخافوا أن يسألوه” (مر 9: 31، 32) ولذلك عندما سمعوا أنه قام لم يصدقوا النسوة ” فتراءى كلامَهنَّ لهم كالهذيان ولم يُصدقوهن” (لو 24: 11) ” وبعد ذلك ظهر بهيئة أخرى لاثنين منهم وهما يمشيان مُنطلقين إلى البرية. وذهب هذان وأخبرا الباقين فلم يصدقوا ولا هذين” (مر 16: 12) ولذلك عندما ظهر لهم السيد المسيح وبخهم بسبب عدم إيمانهم ” أخيرًا ظهر للأحد عشر وهم متكئون ووبخ عدم إيمانهم وقساوة قلوبهم لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام” (مر 16: 14).

14- هل يُعقل أن التلاميذ الذين تتلمذوا على يد أفضل معلم، وتهذبوا بيد أقنوم الحكمة ذاته، وتعلموا الوداعة وحياة الفضيلة ومكارم الأخلاق أن يلجأوا إلى هذه الحيلة الدنيئة فيسرقون الجسد ويخدعون البشرية..؟! وإن كان يهوذا الأسخريوطي من الاثني عشر وفعل فعلته الشنعاء فإن فاحص القلوب والكلى كان يعرفه وقال لتلاميذه ” أليس أنا اخترتكم الاثني عشر وواحد منكم شيطان” (يو 6: 7) فبقوله واحد منكم شيطان ينفي هذه الصفة عن بقية التلاميذ.

15- لو قام التلاميذ بسرقة جسد المسيح.. تُرى هل كان رؤساء الكهنة الذين اهتموا بضبط القبر يصمتون صمت الموت الرهيب؟! أيتركون التلاميذ يصولون ويجولون في المدينة المقدَّسة، وأكثر من هذا يوجهون لهم تهمة قتل المسيح المسيا المنتظر..؟! لماذا لم يقبضوا عليهم ويحاكمونهم..؟! لماذا لم يشكونهم للوالي الروماني لكيما يحكم عليهم كلصوص؟! وإن كانوا قد ضربوا من قبل الراعي فهل سيشفقون على الرعية؟! وإن كانوا فعلوا هكذا بالعود الأخضر فكم باليابس..؟! بل إننا نرى ما يحدث عجبًا إذ بدلًا من القبض على التلاميذ بتهمة السرقة ونبش القبور نرى بعض كهنة اليهود يؤمنون بالمسيح القائم من الأموات.

16- القول بأن التلاميذ سرقوا الجسد هو مجرد اتهام بلا دليل، فأين هو جسم الجريمة؟ وهل يصعب على القيادات اليهودية وتضافر السلطات الرومانية معها العثور على الجسد المسروق..؟! أنهم يستطيعون نبش كل شبر في أورشليم حتى يعثروا عليه.

17- كيف يًصدق التلاميذ قصة هي من اختراعهم؟! وكيف يتحملون في سبيلها شتى أنواع الآلام الشنيعة وشتى أنواع العذابات، ويقدمون أنفسهم فدية من أجل هذه الكذبة؟ هل هم أغبياء إلى هذه الدرجة التي يقدمون فيها ذواتهم للموت ثمنًا لقصة ملفقة؟!

18- لو كانت القيامة خدعة وقد سرق التلاميذ جسد المسيح وادعوا قيامته، فكيف تشهد السماء لجماعة من اللصوص، وتؤيدهم بالمعجزات الباهرات؟

19- كثير من علماء اليهود يرفضون هذه النظرية، فيقول جوش مكدويل ” إن كثيرًا من علماء اليهود اليوم يرفضون فكرة سرقة التلاميذ للجسد، قال اليهودي ” كلاونز ” أن التلاميذ كانوا أشرف من أن يأتوا بمثل هذه الخديعة”(6). ويقول فرانك موريسون ” إن كانت هذه الأكذوبة الجريئة على شيء من الحق. فكيف استطاعت الكنيسة المسيحية الأولى أن ترفع رأسها، وتقيم دعامتها وتشق طريقها في بحر خضم من الاضطهاد والآلام، كيف يتم كل هذا على أساس واهٍ يعلم الرسل الأحد عشر أنه أكذوبة مختلقة صاغوها بأيديهم”(7).

_____

(1) جوش مكدويل – برهان يتطلب قرارًا ص 282.

(2) راجع د. فريز صموئيل – قيامة المسيح حقيقة أم خدعة ص 159.

(3) جوش مكدويل – برهان يتطلب قرارًا ص 285.

(4) راجع جوش مكدويل – برهان يتطلب قرارًا ص 286 – 287.

(5) جوش مكدويل – برهان يتطلب قرارًا ص 287.

(6) برهان يتطلب قرارًا ص 289.

(7) فرانك موريسون – من دحرج الحجر؟ ترجمة حبيب سعيد ص 78.

(8) جوش مكدويل – برهان يتطلب قرارًا ص 282.

Exit mobile version