التفسير الحرفي لسفر نشيد الأنشاد كتعبير عن حب طبيعي
59- لماذا نرفض كل الآراء السابقة التي أخذت بالتفسير الحرفي، وادعت أن السفر يعبر عن قصة حب طبيعي، أو قصة عشق، أو غزل فاضح واخترعوا في هذه حكايات وروايات عن مغامرات سليمان وقصة حبه الناجحة أو الفاشلة.. إلخ؟
والآن نأتي للسؤال الهام:
ج- إننا نرفض الآراء السابقة للأسباب الآتية:
1- لو كان السفر يعبر عن قصة زفاف، فأين دور الأب؟! فبينما ظهرت الأم (3: 4، 8: 1) وظهر الأخوة والأخوات (1: 6، 8: 8) فإننا لا نجد أي إشارة للأب، مع أهمية دور الأب في الزفاف في منطقة الشرق.
2- هناك عبارات عديدة تتعارض مع الحب الطبيعي أو العشق الجسدي، فالحب في سفر النشيد بعيد كل البعد عن الحب الجنسي، لأن الحب الجنسي يتميز بالغيرة ولا يقبل معه شريكًا قط، بينما نجد عروس النشيد لا تشوبها هذه الغيرة، ففي فاتحة السفر تقول “ليقبلني بقبلات فمه لأن حبك أطيب من الخمر” (نش1: 1) فهل يُعقل أن العروس تنظر إلى عريسها وتقول له حبك أطيب من الخمر، وفي نفس الوقت تطلب قبلات آخر “ليقبلني بقبلات فمه ” أليست هذه النفس البشرية التي تخاطب عريسها السماوي يسوع المسيح الذي خطبها بدمه الثمين، وتطلب قبلات الآب..؟!
وتقول العروس لعريسها “لرائحة أدهانك الطيبة أسمك دهن مهراق. لذلك أحبتك العذارى” (نش1: 2) فأي عروس هذه التي تفتخر بمحبة الأخريات لعريسها، بينما العروس تغير غيرة مرة من أي فتاة تنافسها على محبة العريس؟! كل عروس تُريد أن يكون العريس ملكًا لها فقط. أما النفس البشرية فإنها تُسرُ بمحبة المؤمنين لعريسها وإلهها.. ثم تقول له “اجذبني وراءك فنجرى” (نش1: 4) فكيف تطلب العروس من عريسها أن يجذبها، وعندما يجذبها لا تختلي به لوحدها، إنما تطلب أن يكون معها بقية العذارى الحكيمات؟! وبصيغة الجمع وروح الجماعة تظل العروس تناجى عريسها “نبتهج ونفرح بك.
نذكر حبك أكثر من الخمر. بالحق يحبونك” (نش1: 4) كما تقول “أحلفكن يا بنات أورشليم بالظباء وبأيائل الحقل ألا تُيقظنَ ولا تنبهنَ الحبيب حتى يشاء” (نش3: 5) فهي لم تغر من العذارى بنات أورشليم السمائية، ولا تحتد علينْ ولا تزجرهن بعيدًا عن حبيبها، إنما تشعر أنهم شركاء معها في حب العريس السمائي؟!
3- الصفات التي خلعها العريس على عروسه لا يمكن أن تُرضى أي فتاة. ومن هذه الصفات:
“شبهتك يا حبيبتي بفرس في مركبات فرعون” (نش1: 13).
“شعرك كقطيع المعز في جلعاد. أسنانك كقطيع نعاج” (نش6: 5، 6).
“عنقك كبرج داود المبنى للأسلحة، ألف مجن غلق عليه كلها أتراس الجبابرة” (نش4: 4).
“مرهبة كجيش بألوية” (نش6: 4).
“عيناك كالبرك في حشبون.. أنفك كبرج لبنان الناظر تجاه دمشق” (نش7: 4) فالفتاة التي تتميز بالرقة كيف تقبل أن يشبهها عريسها بفرس في مركبات فرعون بدلًا من أن يشبهها بحمامة أو يمامة أو عصفورة أو غزال؟! وكيف تقبل أن يقول عنها حبيبها أنها مرهبة ومخيفة مثل جيش عظيم مكوَن من عدة لواءات..؟! وكيف تقبل وصف حبيبها بأن شعرها كقطيع الماعز، وأسنانها كقطيع النعاج، وعنقها كبرج داود، وعيناها كالبرك، وأنفها كبرج لبنان؟! بينما نجد هذه الصفات تنطبق على النفس البشرية أو الكنيسة في قوتها وعظمتها فهي تُرهب الشياطين.