الآراء الخاطئة التي ترفضها الكنيسة بالنسبة لتفسير سفر النشيد
الآراء الخاطئة التي ترفضها الكنيسة بالنسبة لتفسير سفر النشيد
الآراء الخاطئة التي ترفضها الكنيسة بالنسبة لتفسير سفر النشيد
57- ما هي الآراء الخاطئة التي ترفضها الكنيسة بالنسبة لتفسير سفر النشيد؟
رابعًا: آراء مرفوضة في تفسير السفر:
ج: رغم صغر سفر نشيد الأناشيد فإنه لقى معارضة كبيرة على مدار التاريخ لم يلقاها سفر مثله، وكثيرون أخذوا السفر بالمعنى الحرفي، ثم تساءلوا إن كان السفر هكذا، فلماذا أُدرج ضمن الأسفار المقدسة، وفيما يلي نعرض لبعض هذه الآراء الخاطئة:
1- في سنة 250م قال “أوريجانوس” بأن هذا السفر هو عبارة عن نشيد زفاف كتبه سليمان على شكل قصة، ولكن قوله هذا لم يجد قبولًا حينذاك.
2- هاجم “ثيؤدور” أسقف موبسويست الذي مات سنة 429م هذا السفر، وقال أنه غزل فاضح وحب شهواني، أنشده سليمان يوم زفافه من ابنة فرعون، ومن الخطأ إدراجه ضمن الأسفار المقدَّسة، ولكن مجمع القسطنطينية الثاني سنة 553 م. أدان ثيؤدور على قوله هذا، بالإضافة إلى هرطقاته الأخرى وحكم بالحرم عليه هو وأوريجانوس، وفي القرن السادس عشر أعاد “سباستيان كاستليو” قول ثيؤدور المبسويستى ولكن جون كالفن رفض هذا، وأمر بطرد سباستيان من جنيف، وللأسف فأنه مازال البعض يؤيدون فكر ثيؤدور، فيقول د.ق. صموئيل يوسف “وربما يكون مثل ثيؤدور على حق في ذلك كما يرى علماء آخرون، لأن السفر يُمجَد الحب الإنساني ويُظهر ماله من قيمة عظمى ونقاوة وطهرًا وقداسة، وهي حقيقة طالما أغفلت من الكثيرين. فالسفر تعليمي أخلاقي، وبهذا المعنى يتحدث إلينا في عالم امتلأ بالخطية والفساد والانحلال والشهوات والتجارب التي تحيط ببني الإنسان، وتدمر العلاقة الزوجية بين الأزواج، وهنا يُقدم السفر نموذجًا رائعًا للعلاقة بين زوجين مخلصين آمنين لبعضهما، كرمز للولاء وتكريس الواحد للآخر”(1).
وربط القس صموئيل يوسف بين ما جاء في هذا السفر وبين ما جاء في الأدب المصري القديم من قصص الحب العاطفي فقال “وهناك تشابه بين سفر النشيد وقصائد الشعر العاطفي في مصر قديمًا (الأسرة 19، و20) ففي سفر النشيد سُمعت أنشودة اليمامة في أرضنا وفصل الربيع هو زمن الحب (2: 12- 13) يقابله في قصائد الحب المصرية قديمًا صوت العصفور الذي ينادى على الفتاة المصرية أن تخرج للتأمل في جمال الطبيعة في الخلاء ليتدفق الحب الحقيقي بلا وجل أو رسميات “مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة والسيول لا تغمرها” (8: 7) كذلك الحال أيضًا مع المحب الإنسان المصري الذي لا تعيقه المياه، ولا التماسيح تقدر أن تفصله عمن أحب {إن غرام حبيبتي يقفز على شاطئ الغدير، في الظلام تمساح رابض، ولكنى أنزل إلى الماء وأواجه الأمواج. ويشتد بأسى فوق الغدير، ويكون الماء هو والأرض تحت قدمي سواء. لأن حبها يملأ قلبي قوة}(2)“(3).
ثم يبرَّر القس صموئيل وجود هذا ا لسفر ضمن الأسفار المقدَّسة “وتتردد الأسئلة العديدة مرات ومرات: إذا كان سفر النشيد لا يزيد عن كونه تعبيرًا عن حب إنساني عميق نقى، ملؤه الطهر وخوف الله بين الأزواج، فلماذا وُضع بين الكتب المقدَّسة؟ وفي هذا يقول إدوارد يونج Y. Young طالما وُجدت النجاسة في هذا العالم، فنحن في مسيس الحاجة إلى سفر النشيد، والسؤال الأصوب هو: ماذا يقول الكتاب المقدَّس عن العلاقة بين الزوجين؟ لقد أراد الله أن يعلَم الإنسان نقاوة وقدسية الزواج الذي أسَّسه هو نفسه في جنة عدن حينما قال أثمروا..
وعندما نقرأ سفر النشيد تتطهر قلوبنا أكثر. وندرك حقيقة التجربة وبشاعتها التي يسقط فيها عدد غير قليل من جراء عدم الأمانة بين المتزوجين. فالسفر هدفه أخلاقي تعليمي، وبه ندرك لماذا أعطانا الله إياه، لأن الجميع زاغوا وفسدوا، والمحبة التي يتحدث عنها السفر تعد في ذاتها صدى للمحبة الإلهية، ومحبة الله أساس كل محبة نقية طاهرة بل هو نبعها”(4) ويقف ضد هذا التفسير الحرفي آيات عديدة في السفر تتعارض مع الحب الطبيعي كما سنرى.
3- قال البعض أنها قصة حب فاشلة للملك سليمان، فقالوا “في إحدى رحلات سليمان إلى شمال إسرائيل ولبنان شاهد فتاة جميلة تُدعى شولميث (6: 13) وكانت تعمل في الحقل (6: 11) فأمر جنوده أن يحضروها إلى مركبته (6: 12) قاصدًا أن يأخذها معه إلى أورشليم (4: 8) ليتزوجها وبالفعل ضمها إلى مجموعة نساءه وجواريه وكان عددهن في ذلك الوقت قد وصل إلى ستين ملكة وثمانين سرية (6: 8) ولكن قلب شولميث كان متعلقًا بحبيبها الذي يعمل راعيًا للغنم في لبنان (6: 3) فرفضت أن تتزوج سليمان حتى بعد أن بدأ سليمان في إقامة الاحتفالات الفاخرة استعدادًا للزفاف (3: 11) وحاولت الفتاة الهرب فمنعها الحراس (5: 7) واستمرت مراسم العرس عدة أيام كعادة ذلك الزمان وخلالها حاول سليمان استمالتها تارة بالغزل وتارة بالوعود وبكل الوسائل (6: 4- 11) واشتركت بنات القصر وجواريه في محاولة التقليل من شأن حبيبها (5: 9) إذا قورن بسليمان ولكن نظرًا لشدة حبها له وكثرة كلامها عنه تبدل موقفهن للتعاطف معها (6: 1) وفي كل مرة كان سليمان يحدثها بكلامه الجميل ويبثها أشواقه كانت تجيبه بحبها للراعي وأن قلبها معه، لذلك اضطر سليمان بعد أن فشل في استمالة قلبها أن يطلق سراحها (6: 13) فأسرعت إلى بلدتها وإلى حبيبها الراعي في لبنان، وظهرت مع حبيبها وفرح الناس هناك عندما رأوها لشدة إخلاصها وحبها له ورفضها لسليمان (8: 5) فقالت للناس أن كل ما فعلته هو بسبب الحب الذي يكنه قلبها للراعي وأن ذلك الحب لا تطفئه أي قوة (8: 6-7)(5). ثم يقول هاني ماهر أن شولميث مثال للمؤمن والراعي الغائب مثال للسيد المسيح.
4- وقال البعض أن الملك سليمان رأى امرأة جميلة تحرس الكروم، فهربت من أمامه، فتنكَر في زى راعى وفاز بحبها فجاء في التفسير التطبيقي “ونشيد الأنشاد هو قصة علاقة حميمة بين رجل وامرأة، قصة الحب بينهما وتوددهما وزواجهما. إن نشيد الإنشاد قصة درامية حيَّة، تصوَر حوار المحبة بين فتاة يهودية بسيطة (من شولميث) وحبيبها (الملك سليمان) ويصف السفر بالتفصيل مشاعرهما من نحو أحدهما الآخر، وأشواقهما للالتقاء معًا وطوال الحوار نجد الجنس والزواج في موضعهما الصحيح كما قصدهما الله. لقد دار جدل كثير حول معنى النشيد، فيقول البعض أنها قصة رمزية عن محبة الله لشعبه القديم أو الكنيسة. ويقول البعض الأخر أنها قصة واقعية عن المحبة الزوجية. وهي في الحقيقة تعبر عن كليهما معًا.. كثيرًا ما كان الملك سليمان يزور المناطق المختلفة في مملكته. ويومًا ما عند زيارته لبعض الكروم الملكية في الشمال، وقع بصره فجأة، وهو وسط حاشيته، على امرأة فلاحة جميلة تحرس الكروم، فارتبكت وجرت منهم، ولكن سليمان لم يستطع أن ينساها. وأخيرًا تنكر في شكل راع، ورجع إلى الكروم وفاز بحبها، وأعلن لها حقيقته. وطلب منها أن تعود إلى أورشليم معه، وأن تصبح ملكة معه.. وكانت الفتاة التي استرعت انتباه سليمان، من شولم (يرى الكثيرون أنها شونم) وهي منطقة زراعية تبعد نحو تسعين كيلو مترًا إلى الشمال من أورشليم، وتدل بشرتها السمراء على أنها كانت تعمل في الخلاء في الكروم (1: 6)(6).
وقال جورديس Gordis بأن السفر كُتب بمناسبة إحدى زيجات سليمان من أميرة أجنبية، وقال “ديليش” Delitysh أنها ليست أميرة لكنها فتاة من عائلة متواضعة في مكان أقصى من الجليل(7).
5- اعتبر البعض هذا السفر أنه نشيد من أناشيد الزفاف، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فجاء في التفسير الحديث. وفي سنة 1873م قام قنصل ألمانيا في سوريا (ج. ج. وتزستين Wetzetein) بنشر مقال عن عادات الزواج عند أهل الريف في المنطقة، ووصف العديد من الممارسات التي تشبه ما جاء في النشيد “كتتويج ” العروس والعريس كملك وملكه (1: 4) وأغاني الحرب كجزء من الاحتفالات (3: 6 – 8) ورقص السيوف تقوم به العروس (6: 13) وقصائد وصفية تسمى (الأوصاف) (7: 1-5) تُنشد تكريمًا لهما، كل ذلك كان سمة احتفالات الزواج والتي كانت تمتد لمدة أسبوع.. بالطبع ليس هناك دليل على وجود أي علاقة بين الاحتفالات العربية في القرن التاسع عشر والحياة العبرية القديمة(8)..
وقال البعض أن السفر عبارة عن رواية مسرحيَة، والبعض رفض هذا الرأي، فيقول القس ج. لويدكار أستاذ الدراسات الكتابية واللاهوتية كلية غورنون والذي وضع التفسير الحديث لهذا السفر. وخبرتي الشخصية في مجال الإنتاج والإخراج المسرحي قد أقنعتني أن النشيد بوضعه الحالي غير قابل للتمثيل، ومن المستحيل أيضًا أن يكون النشيد صالحًا لأن يكون رواية مسرحيَة ذات مغزى دون إعادة كتابته ككل من جديد. ثم أنه بحاجة للتأثير الدرامي الذي يجذب الجمهور..”(9) بالإضافة إلى أن الأدب العبري لم يعرف الرواية المسرحيَّة كما عرفها الأدب اليوناني، ولذلك يمكن أن نطلق على السفر شعر مسرحي وليس رواية مسرحيّْة.
كما أدعى البعض أن السفر مجرد رسالة عشق من الملك سليمان إلى عشيقته، وهذا أمر مردود عليه، لأن العشق يتولد من الرغبات بعيدة المنال، بينما سليمان كملك لم تكن هناك رغبة بعيدة المنال بالنسبة له، فهو القائل “اتخذت لنفسي مغَنين ومغنيات وتنعمات من بنى البشر سيدة وسيدات.. ومهما اشتهته عيناي لم أمسكه عنهما” (جا2: 8، 10) فمادام كل شيء سهل المنال بالنسبة له، فلا يوجد الدافع للعشق، ولذلك قالوا أن الملوك لا يعشقون لأنهم عندما يشتهون يملكون، وعندما نرى سليمان الملك يعشق فلابد أنه يعشق العشق الإلهي “أنا لحبيبي وإلىْ اشتياقه” (نش 7: 10).
_____
(1) المدخل إلى العهد القديم ص343.
(2) دول ديورانت قصة الحضارة – ترجمة محمد بدران- المجلد الأول من ج 2 ص113 – 116.
(3) المرجع السابق ص 344.
(4) المدخل إلى العهد القديم ص344.
(5) د. هانى ماهر – دراسات تفسيرية في سفر نشيد الأناشيد ص20، 21.
(6) التفسير التطبيقي ص: 1364-1366.
(7) التفسير الحديث ص15.
(8) التفسير الحديث للكتاب المقدس – نشيد الإنشاد ص25.
(9) المرجع السابق ص23.