ما معنى الوحي؟ وما هي طرقه؟
46- ما معنى الوحي؟ وما هي طرقه؟
أولًا: تعريف الوحي:-
ج: قال الشهيد يوستين عن الأسفار المقدسة “أنها لغة الله بعينها ” وقال القديس غريغوريوس أسقف نيصص أنها “صوت الروح القدس ” وقال القديس أغسطينوس عن الكتاب المقدَّس “إنه رسالة من الله القدير موجهة إلى خلائقه”(1) وقال بولس الرسول “كل الكتاب هو موحى به من الله” (2تى 3: 16) وتعبير “موحى به ” في اليونانية θεόπνευστος “ثيوبنوستوس” Theopneustas أي “نفس الله ” أو “تنفس الله ” أو “الله تنفس ” فكل الكتاب موحى به من الله، أي كل الكتاب هو نفس الله، كما قال المزمور عن خلقة الملائكة “بكلمة الرب صنعت السموات وبنسمة فيه كل جنودها” (مز 33: 6) وعندما خلق الله آدم “نفخ في أنفه نسمة حياة. فصار آدم نفسا حية” (تك 2: 7) إذا الكتاب المقدَّس كتب بذات القدرة التي خلق بها الله الملائكة وآدم، والكتاب المقدَّس هو نسمة من الله نفخها في قلوب الكتاب، ولذلك دعى الآباء القديسون الكتاب المقدَّس بأنفاس الله، فالكتاب المقدس هو نتاج شركة بين روح الله والإنسان، وهذا ما قصد الكتاب نفسه أن يوضحه “ورفع بلعام عينيه ورأى إسرائيل حالا حسب أسباطه، فكان عليه روح الله. فنطق بمثله وقال…” (عد 24: 2 و3).. “لكنني أنا ملأن قوة روح الرب وحقا وبأسا لأخبر يعقوب بذنبه وإسرائيل بخطيته” (مى 3: 8)… “ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله. التي نتكلم بها أيضًا لا بأقوال تعلمها حكمة إنسانية بل بما يعلمه الروح القدس” (1كو 2: 12 و13).
وعبر قاموس وبستر عن الوحي قائلًا “هو تأثير روح الله الفائق للطبيعة على الفكر البشرى، به تأهل الأنبياء والرسل والكتبة المقدسون لأن يقدموا الحق الإلهي بدون مزيج من الخطأ ” وجاء في قاموس شامبرز عن الوحي أنه “التأثير الذي بواسطته أرشد كتبة الكتاب المقدَّس القديسون “.
أي إننا نستطيع أن نقول أن الوحي هو مصطلح لاهوتي يدل على هيمنة روح الله القدوس على كتبة الأسفار المقدسة أثناء كتابتهم للأسفار مع إرشادهم للحق، وعصمتهم من الخطأ، وفي العهد القديم كانت هناك طرق مختلفة للوحي مثل:
1- الحديث فما لفم: وحدث هذا مع موسى النبي “أما عبدي موسى.. فما إلى فم وعينا أتكلم معه لا بالألغاز. وشبه الرب يعين” (عد 12: 7 و8).
2- بالكلام الصريح المباشر: مثلما كلم بقية أنبياء العهد القديم، وتحاور معهم، وكالبهم بتوصيل رسائله للشعب.
3- بالرؤى والأحلام: كما قال الله لهرون ومريم “إن كان منكم نبي فبالرؤيا استعلن له في الحلم أكلمه” (عد 12: 6).
4- بإلهام داخلي يصعب وصفه: كما قال أرميا النبي “قد أقنعتني يا رب فاقتنعت وألححت على فغلبت… فقلت لا أذكره ولا أنطق بعد باسمه. فكان في قلبي كنار محرقة محصورة في عظامي فمللت من الإمساك ولم أستطع” (أر 20: 7 و9).
أما في العهد الجديد فكان كمال الوحي الإلهي في ظهور شخص ربنا يسوع المسيح ابن الله الحي، ولذلك يقول معلمنا بولس الرسول “الله بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديما بأنواع وطرق كثيرة. كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه” (عب 1: 1 و2) ولذلك كان السيد المسيح يتكلم ويعلم “كمن له سلطان” (مر 1: 22) وقد أوضح مرارا وتكرار أن كلامه من الله الآب “لأن الذي أرسله الله يتكلم بكلام الله” (يو 8: 28).. “لأني لم أتكلم من نفسي لكن الآب الذي أرسلني هو أعطاني وصية ماذا أقول وبماذا أتكلم، وأنا أعلم أن وصيته هي حياة أبدية. فما أتكلم أنا به فكما قال لي الآب هكذا أتكلم” (يو 12: 49، 50)… “الكلام الذي به لست أتكلم به من نفسي لكن الآب الحال في هو يعمل الأعمال” (يو 14: 10) ثم تكلم التلاميذ القديسون والرسل الأطهار بهذا الكلام وهذه الشبارة المفرحة للبشرية كلها مسوقين من الروح القدس.
إذا الوحي في المسيحية هو ظهور كلمة الله مدونة بلغة بشرية، وعندما ينطق الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله بكلمة الله فإنه لا يضعفها، فيقول الأب جورج فلورفسكي “الكتاب هو موحى به من الله، فهو كلمته. لكن بحث ماهية الوحي بدقة فهو أمر مستحيل، لأنه محاط بسر مواجهة الله لإنسان، إننا لا نستطيع أن نفهم الطريقة التي سمع بها قديسوا الله كلمة سيدهم، ولا كيفية تعبيرهم اللغوي عما أوحى به الله إليهم. وحتى في عملية تعبيرهم الإنساني كان صوت الله معهم. هذه هي معجزة الكتاب وأسراريته. إنه ظهور كلمة الله مدونة في لغة بشرية… إن الكتاب ينقل إلينا كلمة الله في لغو بشرية. فالله كلم الإنسان بالفعل، وهذا يفترض وجود من يسوع الكلمة ويعيها… لا مجال هنا لانزلاق نحو الضعف البشرى، لأن اللسان البشرى لا يفقد خصائصه الطبيعية عندما يصير عربة (سيارة) للإعلان الإلهي… إن الإلهام الإلهي لا يمحو العنصر البشرى… ومادام الإنسان مخلوقا على صورة الله ومثاله فهو يقدر أن يعبر عن كلمة الله بكلماته البشرية بشكل كاف وصحيح، لأن كلمة الله لا تخفت عندما ينطق بها لسان بشرى… وعندما ينفخ الروح القدس في نظام اللغو البشرية يقدر الإنسان أن ينطق بكلام الله”(2).
_____
(1) راجع دائرة المعارف جـ 6 ص 324 و326.
(2) الكتاب المقدس والكنيسة والتقليد – ترجمة الأب ميشال نجم ص 31، 32.