استخدام مدلولات أثرية تؤكد أن التوراة كتبت في عصر لاحق لعصر موسى
استخدام مدلولات أثرية تؤكد أن التوراة كتبت في عصر لاحق لعصر موسى
استخدام مدلولات أثرية تؤكد أن التوراة كتبت في عصر لاحق لعصر موسى
38- قال بعض النقاد أن كاتب التوراة قد استخدم مدلولات أثرية تؤكد أن التوراة كتبت في عصر لاحق لعصر موسى.. فما هي هذه المدلولات؟ وكيف يمكن توضيح الحقيقة؟
10- مدلولات أثرية:
ج: من أهم المدلولات الأثرية التي استدل بها أصحاب مدرسة النقد الأعلى على أن موسى النبي لم يكتب التوراة ما يلي:
العمر – شاقل القدس – سرير عوج ملك باشان
أ – العمر: قال كاتب التوراة ” وأما العمر فهو عشر الإيفة” (خر 16: 26) ومن المعروف من الناحية الأثرية أن العمر لم يكن معروفًا في عصر موسى.
تعليق:
لم يذكر العمر في الكتاب المقدَّس إلا في هذا الإصحاح، وكان يستخدم كمكيال للمن، فنصيب الفرد في اليوم كله هو مكيال عمر، وفي اليوم السادس يأخذ الفرد عمرين لأن اليوم السابع سبت مقدس للرب لا يعمل فيه الإنسان، وأوضح موسى النبي مقدار العمر هو عشر الإيفة، وكانت الإيفة معروفة في أرض مصر كمكيال للحبوب، وبالتالي عرفها بنو إسرائيل الذين عاشوا في أرض مصر، وقد تكون التسمية “الإيفة – أتت من الكلمة المصرية القديمة ” أويفى “أو ” أوببى”
وكان يطلق عليها في القرن الماضي ” الويبة “وهي تساوى كيلتان، إذًا العمر-5/1 كيلة، وأيضًا الإيفة-البث وهو مكيال للسوائل- 22,961 لتر، وكل من الإيفة والبث يساوى عشر الحومر ” تكون الإيفة والبث مقدارًا واحدًا لكي يسع البث عشر الحومر والإيفة عشر الحومر ” على الحومر يكون مقدارها” (حز 45: 11)(1).
وأيضًا هناك فرق بين العُمِر Omer، وHomer فالعمر هو عشر الإيفة المكيال المصري القديم كما رأينا، أما الـHomer فهو الذي عرف في وقت متأخر بعد موسى ولذلك يؤكد علماء الكتاب استحالة أن تكون عبارة ” أما العمر فهو عشر الإيفة “إضافة تفسيرية من يشوع أو عزرا(2)..
كما تساءل البعض كيف يطلب موسى من هرون أن يضع مقدار العمر من المن أمام لوحي الشهادة بينما موسى لم يكن قد أستلم لوحي الشهادة بعد ” وقال موسى لهرون خذ قسطًا واحدًا وأجعل فيه ملء العمر منًا وضعه أمام الرب للحفظ في أجيالكم، كما أمر الرب موسى وضعه هرون أ/ام الشهادة للحفظ” (خر 16: 33، 34) بينما جاء استلام لوحي الشهادة في الإصحاح العشرين؟
والحقيقة من جهة التسلسل الزمنى أن موسى استلم لوحي الشهادة أولًا ثم طلب هرون أن يضع المن للذكرى أمام لوحي الشهادة، ولكن عند كتابته لسفر الخروج فيما بعد نزول المن واستلام لوحيّ الشريعة، رأى بإرشاد الروح القدس أن يضع هذه العبارات في مجرى حديثه عن المن.
ب- شاقل القدس: يقول كاتب التوراة ” هذا ما يعطيه كل من اجتاز إلى المعدودين نصف شاقل بشاقل القدس” (خر 30: 13) ويقول بعض النقاد أن هذا المقياس للوزن لم يعرف إلا بعد بناء الهيكل في عصر سليمان، مما يثبت أن كاتب التوراة ليس هو موسى النبي.
تعليق:
كان كهنة قدماء المصريين يحفظون مكاييل وأوزان مضبوطة في معابدهم، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وسلك كهنة اليهود نفس المسلك إذ احتفظوا بمكاييل وأوزان مضبوطة في القدس بخيمة الاجتماع ولذلك سمى بشاقل القدس، فالمقصود من القدس هنا هو القدس الكائن بخيمة الاجتماع التي عملها بنو إسرائيل أيام موسى النبي، وعند بناء هيكل سليمان تم الاحتفاظ بهذه المكاييل والأوزان المضبوطة، وفي بداية المسيحية احتفظ الآباء الكهنة بمكاييل وأوزان مضبوطة في الكنائس منعا للغش…
وكان شاقل القدس يساوى 20 جيرة “وكل تقديمك يكون على شاقل القدس عشرين جيرة يكون الشاقل” (لا 27: 25) والجيرة تعادل 16 حبة شعير (هامش الكتاب المقدس) أو حبة خروب كبيرة(3) وقال البعض أنه يساوى نحو 15 جرام، ومما يذكر أنه عندما أحصى بنو إسرائيل الأبكار الخارجين من أرض مصر كان عددهم 22273 نفس، قد اختار الرب سبط لاوي بدلًا منهم ليكون مكرسًا للرب وكان عددهم 22000 نفس..
والفرق وقدره 273 نفس دفع عنهم بنو إسرائيل خمسة شواقل لكل رأس “فتأخذ خمسة شواقل لكل رأس على شاقل القدس تأخذها. عشرون جيرة الشاقل” (عد 3: 47) ولأن استخدام شاقل القدس كان جديدًا أيام موسى لذلك أوضحه عدة مرات كما رأينا في (خر 30: 13، لا 27: 25، عد 3: 47).
ج- سرير عوج ملك باشان: قال بعض النقاد أن كاتب التوراة تحدث عن عوج ملك باشان وسريره الحديدي (تث 3: 11) وكأن الذين يسمعونه لم يعرفوه، بينما بنو إسرائيل أيام موسى عرفوا عوج جيدًا لأنهم حاربوه وغلبوه وقتلوه.
تعليق:
قال موسى ” أن عوج ملك باشان بقى من بقية الرفائيين. هوذا سريره سرير من حديد. أليس هو في ربه بنى عسون. طوله تسع أذرع وعرضه أربع أذرع بذراع رجل” (تث 3: 11) فكان معروفًا أيام موسى أن بنى عمون انتصروا على عوج وأخذوا سريره الذي يبلغ طوله نحو أربعة أمتار وعرضه نحو متران، ووضعوه في مدينتهم ” ربة ” وكتب موسى وأشار لهذه الحادثة ليظهر عمل الله معهم الذي منحهم النصرة على عوج العملاق الجبار ” فخرج عوج ملك باشان للقائهم هو وجميع قومه إلى الحرب في أذرعي، فقال الرب لموسى لا تخف منه لأني قد دفعته إلى يديك..
فضربوه وبنيه وجميع قومه حتى لم يبق شارد وملكوا أرضه” (عد 21: 33-35) وبينما كان الناس يفترشون الأرض، وينام الملوك على أسرة من خشب، فإن عوج بسبب ضخامة جسمه صنعوا له سريرًا من حديد، فسجل موسى هذا الحدث ليعرفه كل شعبه من الجيل الجديد الذي ولد في أرض سيناء، والأجيال القادمة، ويمجدوا إله إسرائيل.
_____
(1) راجع نجيب جرجس – تفسير سفر الخروج ص 186.
(2) راجع القس عبد المسيح بسيط – التوراة.. كيف كتبت؟ وكيف وصلت إلينا؟ ص 127، 128.
(3) نجيب جرجس – تفسير اللاويين ص 390.