الأدلة التشريعية التي اعتمدت عليها نظرية المصادر؟
الأدلة التشريعية التي اعتمدت عليها نظرية المصادر؟
الأدلة التشريعية التي اعتمدت عليها نظرية المصادر؟
26- ما هي الأدلة التشريعية التي اعتمدت عليها نظرية المصادر؟ وما هو الرد عليها؟
ثالثًا: الأدلة التشريعية التي اعتمدت عليها نظرية المصادر
ج: أورد أصحاب مدرسة النقد الأعلى أربعة أدلة، اعتمدوا عليها في قولهم بنظرية المصادر، وهي مركزية العبادة ووحدة المعبد، والأعياد، والذبائح والتقدمات، والنظام الكهنوتي(1). ونورد هنا الدليل الأول كمثال لهذه الأدلة مع التعليق عليها:
مركزية العبادة أو وحدة المعبد:
قال الأب أنطون نجيب في سياق حديثه عن التوراة في الفكر الحديث تحت عنوان مركزية العبادة أو وحدة المعبد “الواقع الأول: التطور التشريعي: نجد في الشريعة تصورًا واضحًا بالنسبة إلى مكان العبادة. ففي البداية كان من الممكن إقامة المذبح في أي مكان. ولدينا نصوصًا صريحة بهذا المعنى، مثل هذا النص “مذبحًا.. تصنع لي.. وفي كل موضع يذكر فيه اسمي آتيك وأبارك” (خر 20: 24) وفي مرحلة ثانية أتت شريعة وحدة المعبد (تث 12: 11، 17- 18) وفي مرحلة ثالثة يظهر بوضوح أن هذه الوحدة قد تحققت (تث 17: 3-9).
الواقع الثاني: التطور التاريخي: وإذا رجعنا إلى التاريخ المقدس، نجد أن تطور الشريعة كان موازيًا للتطور التاريخي نفسه، وبالفعل خضع تنظيم مكان العبادة لتطور واضح أكيد. ففي البداية لم يكن هناك مكان ثابت لتشييد المذابح، وكان الحال كذلك في زمن القضاة، كما يظهر في أعمال جدعون (قض 6: 19- 21) ومنوح (قض 13: 19) ولم يتغير الوضع في زمن صموئيل، الذي قدم ذبائح في معابد المصفاة، والجلجال، وبيت لحم، وغيرها، كما إنه بنى مذبحًا في الرامة (1 صم 7: 9، 10: 8، 16: 5) وقبل بناء الهيكل كان الشعب يذبح على المشارف (1 مل 3: 2).
وقد استمرت عادة تقديم الذبائح في معابد محلية حتى بعد بناء الهيكل، وهذا نراه في عهد سليمان نفسه (1 مل 11: 7) ثم في عهد خلفائه مثل رحبعام (935- 914 ق. م) (1 مل 14: 23) ونجد ملوكًا أتقياء مثل أسا (911- 780 ق. م) ويوشافاط (871- 847 ق. م) يتركون المشارف قائمة (1 مل 15: 14، 22: 43).
وأكثر من ذلك نجد إيليا النبي نفسه يحتج بشدة ضد هدم معابد يهوه في عهد إيزابل الشريرة، ثم يعيد بناء معبد الكرمل (1 مل 19: 14، 18: 30) وأليشع النبي ذبح عجولًا للرب في حقله أو في بيته (1 مل 19: 21).
يتضح من ذلك أن شريعة وحدة المعبد كانت مجهولة في القديم.. ثم جاءت مرحلة ثانية اختفت فيها المشارف تدريجيًا، وأخذت العبادة تتركز تدريجيًا في هيكل أورشليم، وكان حزقيا (716- 687 ق. م) أول من أمر بالقضاء على المشارف (2 مل 18: 4) ثم اجتهد يوشيا (640- 609 ق. م) في مواصلة هذا الإصلاح.
وأخيرا جاءت مرحلة ثالثة تم فيها القضاء نهائيا على المشارف وعلى المعابد المحلية، وصار هيكل أورشليم مكان العبادة الوحيد، وقد بدأ ذلك بعد اكتشاف “سفر توراة الرب” (2مل 22- 23) ولكن هذا النظام لم يتحقق تماما إلا بعد العودة من الأسر البابلي، أي بعد سنة 538 ق.م..
النتيجة :…. فهناك أولا النصوص التي تجيز إقامة المذابح في أي مكان، أو تروى أحداثا تطابق هذا الوضع، وترجع هذه النصوص إلى المصدرين القديمين، أي المصدر اليهوي والمصدر الإيلوهى، وتسبق بكل تأكيد إصلاح يوشيا (621 ق. م) وتأتى ثانيا النصوص التي تبين محاولات توحيد المعبد، وترجع هذه النصوص إلى مصدر ثالث، وهو مصدر التثنية، الذي ظهر بعد إصلاح يوشيا مباشرة (حوالي 620 ق. م) ولدينا أخيرا النصوص التي تفترض واقع وحدة المعبد وتنتمي إلى المصدر الكهنوتي، وترجع إلى زمن الأسر البابلي أو إلى الزمن اللاحق له مباشرة (حوالي 540 ق.م)(2).
تعليق:
أ- عندما كان بنو إسرائيل يرتحلون في البرية من مكان إلى آخر كانوا يضطرون إلى إقامة مذبح في كل مكان يحلون فيه، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. وهذا ما قصده الكتاب من قوله “مذبحًا من تراب تصنع لي وتذبح عليه محرقات وذبائح سلامتك غنمك وبقرك. في كل الأماكن التي فيها اصنع لاسمي ذكرا آتى إليك وأباركك” (خر 20: 24).
ب- بعد الوصول إلى أرض كنعان كان هناك وصية مسبقة أن تكون العبادة في المكان الذي يختاره الرب “فمتى عبرتم الأردن وسكنتم الأرض التي يقسمها لكم الرب إلهكم وأراحكم من جميع أعدائكم الذين حواليكم وسكنتم آمنين. فالمكان الذي يختاره الرب إلهكم ليحل اسمه فيه تحملون إله كل ما أن أوصيكم من محرقاتكم وذبائحكم وعشوركم ورفائع أيديكم وكل خيار نذوركم التي تنذرونها للرب” (تث 12: 10، 11) وقد تحقق هذا ببناء هيكل أورشليم.
ج- في أيام القضاة لم يكن الهيكل قد بنى بعد، لذلك قدموا الذبائح في أماكن مختلفة، فقدم جدعون ذبيحة في عفرة بعيدًا عن أورشليم (قض 2: 19- 21) وقدم منوح على صخرة في صرعة (قض 13: 19-20) وقدم صموئيل في المصفاة (1صم 7: 9) وفي الجلجال (1صم 10: 8) وفي بيت لحم (1صم 16: 5) وذكر سفر الملوك سبب تقديم الذبائح على المرتفعات في أيام سليمان الأولى “إلا أن الشعب كانوا يذبحون في المرتفعات لأنه لم يبن بيت لاسم الرب إلى تلك الأيام” (1مل 3: 2).
د- الذبائح التي قدمت بعد بناء الهيكل بعيدا عن الهيكل لم تقدم للرب بل للأصنام، مثل الذبائح التي قدمها سليمان واحتج بها على أصحاب النقد الذين لا فرق عندهم بين ذبائح الله وذبائح الأصنام، فيقول الكتاب “وعمل سليمان الشر في عيني الرب ولم يتبع الرب تماما كداود أبيه. حينئذ بنى سليمان مرتفعة لكموش رجس الموأبيين على الجبل الذي تجاه أورشليم، ولمولك رجس بنى عمون، وهكذا فعل لجميع نسائه الغريبات اللواتي كن يوقدن ويذبحن لآلهتهن. فغضب الرب على سليمان” (1مل 11: 6- 9) وهكذا الذبائح التي قدمت أيام رحبعام بن سليمان “وعمل يهوذا الشر في عيني الرب وأغاروه أكثر من جميع ما علم آباؤهم بخطاياهم التي أخطأوا بها. وبنوا هم أيضًا لأنفسهم مرتفعات وأنصابا وسواري على كل تل مرتفع وتحت كل شجرة خضراء. وكان أيضًا مأبونون على الأرض. فعلوا حسب كل أرجاس الأمم” (1مل 14: 22- 24) أما آسا ويهوشافاط رجال الله فلم يقدموا ذبائح للأصنام على المرتفعات إنما هما لم يستطيعا أن يزيلا هذه المرتفعات لتمسك الشعب بها.
هـ- ذبيحة إيليا (1مل 18: 17: 40) لم يكن من الممكن إقامتها في هيكل أورشليم لأنها كانت نوعا من التحدي مع آلهة البعل، واتفقوا على أن يقدم كل منهم ذبيحة على جبل الكرمل في مملكة بنى إسرائيل الشمالية ليروا أي ذبيحة يقبلها الرب. ذبيحة أنبياء البعل أم ذبيحة إيليا؟ إذا كان هناك ضرورة لمواجهة تحدى الشيطان فاضطر إيليا أن يقدم ذبيحته خارج هيكل أورشليم.
و- لم يقدم إليشع ذبيحة إنما صنع وليمة محبة للشعب بمناسبة دعوته للخدمة “أخذ فدان بقر وذبحهما وسلق اللحم بأدوات البقر وأعطى الشعب فأكلوا. ثم قام ومضى وراء إيليا وكان يخدمه” (1مل 19: 21).
_____
(1) راجع رسالة صديق الكاهن- سبتمبر 1971 م ص 41- 49.
(2) رسالة صديق الكاهن- سبتمبر 1971م ص 41- 44.