سؤال وجواب

الأدلة التي اعتمدت عليها نظرية المصادر؟ وما هو الرد عليها؟

الأدلة التي اعتمدت عليها نظرية المصادر؟ وما هو الرد عليها؟

الأدلة التي اعتمدت عليها نظرية المصادر؟ وما هو الرد عليها؟

الأدلة التي اعتمدت عليها نظرية المصادر؟ وما هو الرد عليها؟
الأدلة التي اعتمدت عليها نظرية المصادر؟ وما هو الرد عليها؟

 23- ما هي الأدلة التي اعتمدت عليها نظرية المصادر؟ وما هو الرد عليها؟

أولًا: الأدلة اللغوية التي اعتمدت عليها نظرية المصادر

ج- أورد أصحاب مدرسة النقد الأعلى ثلاث أدلة لغوية اعتمدوا عليها في القول بنظرية المصادر، وهي اختلاف الأسماء الإلهية، واختلاف الأسلوب الأدبي، واختلاف الألفاظ والأسماء. فيما بلي نورد كل دليل من أدلتهم مع التعليق عليه:

 

أ-اختلاف الأسماء الإلهية:

يقول أصحاب النقد “الواقع الأول: اختلاف الأسماء: تعطي التوراة أسماء مختلفة لله تعالى، وأهمها “يهوه” و”إيلوهيم” ونلاحظ أن بعض أجزاء التوراة تتميز باستخدام أحد الاسمين، بينما تتميز غيرها باستعمال الآخر. وهكذا مثلًا يرد اسم “يهوه” 143 مرة في كتاب التكوين، 394 مرة في كتاب الخروج، 310 مرة في كتاب اللاويين، 387 مرة في كتاب العدد، 547 مرة في كتاب التثنية، أما اسم “إيلوهيم” فيأتي 165 مرة في التكوين، 56 مرة في الخروج، ويغيب تمامًا في اللاويين، ويظهر من جديد 10 مرات في العدد، ثم 8 مرات في التثنية، ويرد اسم “يهوه- إيلوهيم” 20 مرة في التكوين.

الواقع الثاني: اختلاف مكان ظهور الأسماء: ونلاحظ إن اسم “يهوه” و”إيلوهيم” يترددون بالتتابع في التكوين وفي بداية الخروج. ثم يختفي اسم إيلوهيم اختفاء شبه تام اعتبارًا من (خر 6) فنقابل بعد ذلك اسم “يهوه ” بصفة شبه مستمرة..

النتيجة: دخول مصادر مختلفة في تأليف التوراة.. فهناك المصدر اليهوي الذي يستخدم اسم “يهوه ” والمصدر “الإيلوهي” الذي يستخدم اسم “إيلوهيم” ومصدر التثنية والمصدر الكهنوتي اللذان يشتركان مع المصدرين الأولين في استخدام هذه السماء، ولكن يختلفان عنهما في خصائص أخرى..”(1).

 

وكان لأصحاب مدارس النقد آراء خاطئة في تفسير اسم يهوه، فمثلًا:

1- إيل:

وهو أقدم الأسماء المعروفة للبشرية وتشير للألوهية، حتى إن كثير من الشعوب الوثنية كان يستخدم ذات الاسم للتعبير عن آلهتهم، فاسم “إيل ” يدل على الألوهية بصفة عامة سواء لدى شعب الله أو الشعوب الوثنية ويبدو إن اسم “إيل ” عُرِف لدى البشرية عقب الطوفان وقبل بلبلة الألسنة على إنه اسم الله الحقيقي، وبعد بلبلة الألسنة وتفرق الشعوب وانتشار الوثنية دعى هؤلاء الوثنيون آلهتهم باسم إيل، وجاء اسم إيل في العهد القديم بصيغة الجمع “ألوهيم ” كإشارة مبكرة للثالوث القدوس، فاسم إيل هو “اسم جنس يدل على الألوهة بصفة عامة، واسم علم يدل على الشخص الوحيد والمحدود والمحدَّد والذي هو الله. أما ألوهيم فهو صيغة جمع، لا جمع التفخيم- فهذا غير معروف في اللغة العبرية- وليس أيضًا أثرًا وثنيًا، إذ هذا لا يتفق مع العقلية الإسرائيلية، الحساسة جدًا، في مثل هذا الموضوع (تعدد الآلهة).. كان “إيل” معروفًا ومعبودًا خارج إسرائيل كاسم جنس، يدل على الألوهية، تقريبًا في كل العالم السامي، وكاسم علم، هو اسم إله عظيم، يظهر أنه كان الإله الأعلى، وفي القسم الغربي من هذه المنطقة، خاصة في فينيقيا وكنعان”(6).

وقد اقترن اسم “إيل ” بأسماء أخرى وصفيَّة لتشير إلى الله في صفاته “إن الأسباط يسمون إلههم “إيل” وينعتونه بصفات شتى: الإله العلي (تك 14: 22) ، الرائي (تك 16: 13) والله القدير (تك 17: 1، 35: 11، 48: 3) وإله بيت إيل (تك 35: 7) والإله السرمدي (تك 21: 33)”(7).

وبهذا نجد عدة أسماء لله مشتقة من اسم إيل نذكر منها:

أ- إيل عليون (إيليون)
ب- إيل شدَّاي
جـ- إيل رئي
د- إيل أولام
هـ- إيل إله إسرائيل
و- إيل بيت إيل

 

أ- إيل عليون (إيليون) El Elyon

وتترجم في العربية إلى العلي، من الفعل “علا ” أي ارتفع، فإن كان كل إله من آلهة الأمم الوثنية قد دعوه إيل، فإن الله هو الإله العلي فوق جميع هذه الآلهة، وبحسب الفكر اليهودي هو فوق كل الموجودات، ويقول موسى في نشيده “حين قسم العلي (إيليون) للأمم حين فرّق بني آدم” (تث 32: 8) وقال داود النبي “أرعد الرب من السموات والعلي (إيليون) أعطى صوته” (مز 18: 13). وعندما أبصر نبوخذ نصر عمل الله العظيم مع الثلاثة فتية صرخ قائلًا “يا شدرخ وميشخ وعبدنغو يا عبيد الله العلي اخرجوا وتعالوا” (دا 3: 26) ، وفي العهد الجديد نسمع مجنون كورة الجدريين وقد “صرخ بصوت عظيم وقال ما لي ولك يا يسوع ابن الله العلي” (مر 5: 7).

 

ب- إيل شدَّاي El Shaddai

وشدَّاي جمع كلمة “شاد ” أي قوة أو قدرة، وشدَّاي = أصحاب القوات = أصحاب القدرات = المقتدرون، وتُرجم في العربية إلى “القدير”، وإيل شدَّاي أي القدير رب القوات أو الرب القدير، وقد ورد اسم “شدَّاي ” 48 مرة في العهد القديم منها أكثر من ثلاثين مرة في سفر أيوب ومرتين في المزامير “وعندما شتت القدير ملوكًا” (مز 69: 14) “الساكن في ستر العلي في ظل القدير يبيت” (مز 91: 1) وفي إشعياء (أش 13: 6) وفي حزقيال (حز 1: 24) وفي يوئيل (يؤ 1: 15) (دائرة المعارف جـ 1 ص 393، وعلم اللاهوت الكتابي ص 135).

فعندما أعلن الله ذاته لإبراهيم قال له “أنا الله القدير (إيل شدَّاي) سر أمامي وكن كاملًا” (تك 17: 1) وكان هذا هو الإعلان الأول للإنسان عن اسم من أسماء الله في الكتاب المقدَّس(17) وقال إسحق لإبنه يعقوب عندما أرسله إلى فدَّان أرام “والله القدير (إيل شدَّاي) يباركك ويجعلك مثمرًا ويكثرك فتكون جمهورًا من الشعوب” (تك 28: 3) وعندما ظهر الله ليعقوب في عودته من فدَّان أرام وغيَّر اسمه إلى إسرائيل “قال له الله أنا الله القدير (إيل شدَّاي) أثمر وأكثر، أمة وجماعة أمم تكون منك، وملوك سيخرجون من صلبك” (تك 35: 11) وقال يعقوب لأولاده العائدين إلى أرض مصر “والله القدير (إيل شدَّاي) يعطيكم رحمة أمام الرجل حتى يطلق لكم أخاكم الآخر وبنيامين” (تك 43: 14).. “وقال يعقوب ليوسف الله القادر على كل شيء ظهر لفي في لوز في أرض كنعان وباركني” (تك 48: 3) وقال الرب لموسى “وأنا ظهرت لإبراهيم وإسحق ويعقوب بأني الإله القادر على كل شيء” (خر 6: 3) وقالت نعمى “القدير قد أمرَّني جدًا.. الرب قد رذلني والقدير قد كسرني” (را 1: 20، 21)، وتُرجمت في الترجمة السبعينية إلى “كيريوس ” وجاءت في العهد الجديد “بانطوكراطور” أي ضابط الكل.

 

جـ- إيل رئي El Roi

وتعني الله إله الرؤيا أي الذي يرى كل شيء، فعندما ظهر الله لهاجر وأوصاها بالعودة إلى بيت سيدها “فدعت اسم الرب الذي تكلم معها أنت إيل رُئي. لأنها قالت أههنا أيضًا رأيت بعد رؤية. لذلك دُعيت البئر بئر لَحَى رُئي” (تك 16: 13، 14) وفي المكان الذي أصعد إبراهيم ابنه إسحق ذبيحة “فدعا إبراهيم اسم ذلك الموضع يَهَوه يراه، حتى إنه يقال اليوم في جبل الرب يُرى” (تك 22: 14).

 

د- إيل أولام El Olam

وهذا تعبير يشير إلى سرمدية الله أي إنه أزلي بلا بداية، وأبدي بلا نهاية، كما عرفه أبونا إبراهيم “وغرس إبراهيم أثلًا في بئر سبع ودعا هناك باسم الرب الإله السرمدي” (تك 21: 33).

 

هـ- إيل إله إسرائيل El Elohe Israel

فيعقوب في عودته من فدَّان أرام عندما وصل مدينة شكيم، وبعد أن غير الله اسمه من يعقوب إلى إسرائيل “أقام هناك مذبحًا ودعاه إيل إله إسرائيل” (تك 33: 20).

 

و-إيل بيت إيل El Bethel

فعند عودة يعقوب من فدَّان أرام وهو في لوز (بيت إيل) يقول الكتاب “بنى هناك مذبحًا ودعا المكان إيل بيت إيل. لأنه هناك ظهر له الله حين هرب من وجه أخيه” (تك 35: 7) فإيل بيت إيل تعني الله هو إله بيت إيل.

 

2- إلوهيم Elohim

اسم الوهيم جمع “إيل”، ومعنى “إيل ” القدير أو القوي، فالوهيم تعني الله القوي الأزلي الأبدي وهو من أكثر الأسماء التي وردت في العهد القديم، حتى أنه ورد في سفر التكوين نحو مائتي مرة، فجاء في أول آية في الكتاب المقدَّس “في البدء خلق الله (الوهيم) السموات والأرض” (تك1: 1) فاسم الوهيم جاء كإشارة مبكرة للثالوث القدوس، ولهذا ورد في العهد القديم 2310 مرة للإشارة للإله الحقيقي المثلث الأقانيم، ولذلك جاء الفعل في صيغة المفرد. بينما ورد 245 مرة للإشارة لآلهة الأمم وجاء الفعل في صيغة الجمع، ويترجم اسم إيلوهيم في العربية إلى “اللهم” وعندما نستخدم نحن المسيحيين هذا الاسم ونقول “اللهم ارحمني أنا الخاطي” فإننا ندرك المعنى “أيها الثالوث القدوس ارحمني” أما عندما يستخدم هذا الاسم الذين ينكرون الثالوث فلا يجدون تفسيرًا له.

 

3- يهوه Yohweh

ورد اسم “يهوه ” في العهد القديم كاسم شخصي لله، وليس كصفة من صفاته، وهو غير الأسماء العامة (إيل والوهيم وشدَّاي.. إلخ) ويشير اسم “يهوه ” للوجود المطلق وهو يشير للوحدانية، أي لجوهر الله الواحد، وكان اليهود يقرأون اسم “يهوه ” “أدوناي”، وكان الآباء يعرفون الله بهذا الاسم ولكن لا يدركون معناه “وأنا ظهرت لإبراهيم وإسحق ويعقوب بأني الإله القادر على كل شيء وأما باسمي يهوه فلم أُعرف عندهم” (تك 6: 3) فبالرغم من إن الآباء استخدموا الاسم قبل الطوفان وبعده إلَّا إن معناه ومغزاه لم يكن معروفًا، حتى ظهر الله لموسى في العليقة على جبل حوريب “فقال موسى لله ها أنا آتي إلى بني إسرائيل وأقول لهم إله آبائكم أرسلني إليكم.. هكذا تقول لبني إسرائيل يهوه إله آبائكم إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب أرسلني إليكم، هذا اسمي إلى الأبد، وهذا ذكري إلى دور فدور” (خر 3: 13- 15).

ويقول الأستاذ جرجس إبراهيم صالح إن الله حينما أعلن لموسى عن اسمه الممجد (يهوه) لم يكن اسمًا جديدًا لكنه إعلانًا عن تمام عهده الذي قطعه مع إبراهيم أب الآباء وأكده مع إسحق ويعقوب.. (وأيضًا أقمت معهم عهدي أن أعطيهم أرض كنعان أرض غربتهم التي تغربوا فيها.. وأنا أيضًا سمعت أنين بني إسرائيل الذي يستعبدهم المصريون وتذكرت عهدي..) (خر 6: 4، 5) فهو هنا يعلن عن نفسه أنه حافظ العهد وإله العهد ومتمم العهد (تك 15)”(8).

فأهيَه أو يهوه هو اسم ذات لله بمعنى (أكون ويكون) وهما في فعل الكينونة للمتكلم (أكون) وللغائب (يكون) فأهْيَه للمضارع الفرد المتكلم، ويهوه للمضارع الفرد الغائب، أهْيَه الذي أهْيَه = أكون الذي أكون (بصفة المتكلم) = I am who I am = أنا الذي أنا = أنا هو = الذي أنا هو = أنا هو الكائن = I am Being.

يهوه = الكائن (صيغة المضارع الغائب) = الواجب الوجود = القائم بذاته.

وكل من الاسم “أهْيَه ” و”يهوه ” مشتق من الفعل العبراني “هافاه” HAVAH ومعناه “يكون” أو “يصير” أو “يوجد” والأمر الجميل أن السيد المسيح دعى نفسه بكلا الاسمين في آية واحدة عندما قال “أنا هو الألف والياء البداية والنهاية يقول الرب الكائن (يهوه) والذي كان والذي يأتي (أهْيَه الذي أهْيَه) الادر على كل شيء” (رؤ 1: 8) ويتكرر المعنى في (رؤ 11: 17، 16: 5- 7).

وسواء كان اسم أهْيَه أو يهوه فالمقصود منه:

 “1-إن الله هو الكائن وحده الذي لا شريك له في الربوبية، وهذا يعني أن كل آلهة الأمم كاذبة.

2-أنه هو الكائن الواجب الوجود أي الذي لا بد أن يكون.

3-وهو الكائن بذاته أي الذي لم يوجده أحد ولا يعتمد في وجوده على أحد، فهو إذًا ليس مخلوقًا ولا مصنوعًا مثل آلهة الأمم.

4-وهو الكائن دائمًا أي الأزلي الأبدي”(9).

أما ما جاء من تعليلات عديدة لاسم “يهوه ” على ألسنة أصحاب مدرية النقد الأعلى، من ربط اسم “يهوه ” بآلهة وثنية أو أسماء مصرية أو كنعانية أو أشورية أو بابلية، فجميعها مجرد افتراضات وتخمينات تخالف الحقيقة التي أعلنها الكتاب المقدَّس.. لقد تركوا ينبوع الحياة وذهبوا يحفرون لأنفسهم آبارًا مشققة لا تضبط ماء.

 

4- أدوناي Adonai

أدوناي جمع كلمة “أدون ” ومعناها السيد أو المولى أو المالك أو الرب الملك، وتُرجمت في العربية إلى “السيد ” أو “الرب”، وفي اليونانية إلى “كيريوس”، وفي القبطية إلى “ابتشويس “.. قال الرب لإشعياء النبي “هكذا يقول السيد (أدوناي) الرب” (أش 7: 7) وصلى دانيال النبي “لك يا سيد (أدون) البر وأما لنا فخزي الوجوه.. يا سيد (أدون) حسب كل رحمتك اصرف سخطك وغضبك.. يا سيد (أدون) اسمع. يا سيد (أدون) اغفر. يا سيد (أدون) أصغ واصنع” (دا 9: 7- 19) وقد ورد اسم أدوناي نحو 300 مرة في العهد القديم في صيغة الجمع، و215 مرة بصيغة المفرد وقال الرب يسوع لتلاميذه “أنتم تدعوني معلمًا وسيدًا (أدون) وحسنًا تقولون لأني أنا كذلك” (يو 13: 13) وفي أوشية الإنجيل نخاطب الله الابن “أيها السيد يسوع المسيح إلهنا..”.

وقد تجد في آية واحدة اسمين من أسماء الله، فإلى أي مصدر ننسب مثل هذه الآية، ولا سيما إن الاسمين قد يكونا متلاصقان ويستحيل فصل أحدهما عن الآخر، وكمثال على ذلك ورود اسم “إيل ” و”يهوه ” في آية واحدة، كما قال بلعام “كيف ألعن من لم يلعنه الله (إيل) وكيف أشتم من لم يشتمه الرب (يهوه)” (عد 23: 8) وقال داود النبي “إني أسمع ما يتكلم به الله (إيل) الرب (يهوه)” (مز 85: 8) وقال إشعياء النبي “هكذا يقول الله (إيل) الرب (يهوه) خالق السموات وناشرها باسط الأرض..” (أش 42: 5).

وورد اسم “يهوه ” و”إيلون ” في آية واحدة “فقال إبرام لملك سدوم رفعت يديَّ إلى الرب الإله (يهوه) العلىّ (إيليون) ملك السماء والأرض” (تك 14: 22) وقال المرنم “وأرنم لاسم الرب العالي” (مز 7: 17) ، وأيضًا ورد اسم “الوهيم ” و”يهوه ” في آية واحدة أكثر من مرة “يوم عمل الرب (يهوه) الإله (الوهيم) الأرض والسموات” (تك 2: 4) كما ورد اسم “أدوناي ” و”يهوه ” في آية واحدة في عدة مواضع “فقال إبرام أيها السيد (أدوناي) الرب (يهوه) ماذا تعطيني وأنا ماض عقيمًا” (تك 15: 2) وقال داود النبي “من أنا يا سيدي (أدوناي) الرب (يهوه) وما هو بيتي حتى أوصلتني إلى هنا” (2 صم 7: 18).. “أيها الرب (يهوه) سيدنا (أدوناي) ما أمجد اسمك في كل الأرض” (مز 8: 9).. “قال الرب (يهوه) لربي (أدوناي) اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك” (مز 11: 1) ووردت عبارة “السيد الرب” (أدوناي يهوه) مرات عديدة في سفر حزقيال.

فهل هناك مصادر أخرى للتوراة يمكن أن يتخيلها أصحاب نظرية المصادر مثل مصدر أدوناي، ومصدر إيليون، ومصدر شدَّاي؟

وأيضًا هناك أسماء وألقاب أخرى لاسم الجلالة في العهد القديم مثل “يهوه صباءوت” (1 صم 1: 3) أي رب الجنود، و”الرب يرأه” (تك 22: 14) أي الرب يدبر، و”يهوه دفا” (خر 23: 25) أي الرب شافينا، و”يهوه نسّى” (خر 17: 15) أي الرب رايتي، و”يهوه شلوم” (قض 6: 24) أي الرب سلامنا، و”يهوه روعي” (مز 23: 1) أي الرب راعينا، و”يهوه صدقينو” (أر 23: 5، 6) أي الرب برنا، و”يهوه شمة” (خر 48: 35) أي الرب هناك(10).

لو أن كاتب سفر التوراة أخذ من أكثر من مصدر وخرج بمؤلف جديد ما كان يستخدم لقبين لاسم الجلالة (يهوه وإيلوهيم) إنما كان يستخدم لقب واحد للحفاظ على وحدة كتابه، ولو أنه اضطر إلى استخدام اللقبين، فلا بد أنه سيفضل لقب عن الآخر، فيستخدم أحد اللقبين بكثرة وبصفة شائعة، ويقلل من استخدام اللقب الآخر، ولا سيما في المواقع التي يستخدم فيها اللقب الأفضل، وهذا لم يتحقق، ففي قصة الخليقة يستخدم موسى النبي لقب إيلوهيم (تك 1: 1- 2: 4) وأيضًا يستخدم لقب يهوه (تك 2: 4- 5) ، وكذلك في قصة الطوفان (تك 6: 5- 9: 19) يستخدم الاسمين إيلوهيم ويهوه، وهذا ما يدل على أن إيلوهيم ويهوه هما لقبان حقيقيان متساويان لله.

والأمر الذي يشكل معضلة لنظرية المصادر أنه في الآية الواحدة يستخدم الكاتب الاسمين “الرب الإله ” كما في تك 2: 4- 3: 24، خر 9: 3، وهذا الأمر يعجز عن تفسيره أصحاب نظرية المصادر.

ويرى ر. د. ولسن R. D. Wilson أن استخدام الاسم إيلوهيم “الله ” الذي هو أساس نظرية المصدر {E} في (تك 1: 1- 2: 3، 6: 9- 12، 7: 2- 14، 20.. إلخ) وكذلك استخدم الاسم يهوه “رب ” الذي هو أساس نظرية المصدر {J} في (تك 4، 7: 1- 5، 11: 1- 9، 15، 18: 1- 19: 28 وغيرها) هو نوع من أسلوب الكتابة الذي كان شائعًا ومنتشرًا في الكتابات الأدبية القديمة.. كما أن أسلوب الكتابة هذا يعكس محاولة الكاتب أن يؤكد أفكاره المرتبطة والمتعلقة بهذا الاسم(11).

ب- اختلاف الأسلوب الأدبي:

 “الواقع: أربعة أساليب متميزة: يختلف أسلوب التوراة من جزء إلى جزء.. فهناك أجزاء تتميز بأسلوب تصوري بسيط وشيق، ولا تتردد في تصوير الله تعالى بأوصاف بشرية وإنسانية. وهناك أجزاء أخرى تتميز بالدقة، وبوفرة الأخبار والمشاهد، وبالتسامي عند الكلام عن الله تعالى وعن الأخلاق.

وتتميز مجموعة ثالثة من أجزاء التوراة بالصبغة الواعظية والسلوكية، وأخيرًا نجد مجموعة رابعة تتميز بأسلوبها الفقير، وبالاستفاضة في الأوصاف، وبكثرة المراجعات، وبالعبارة المجردة الخالية من الجمال الأدبي، وفي أحيان نادرة تفاجئنا هذه المجموعة بصفحات رائعة مثل رواية الخلقة الواردة في (تك 1) ومساومات إبراهيم لشراء حقل مكفيلة في حبرون (تك 23).

النتيجة: أربعة مصادر في مجموعة واحدة.. وهكذا ميَّز العلماء بين المصدر اليهوي الذي يتكون من المجموعة الأولى التي سبق الكلام عنها، والمصدر الإيلوهي الذي يتكون من المجموعة الثانية، ومصدر التثنية الذي يشمل المجموعة الثالثة، والمصدر الكهنوتي الذي يضم المجموعة الرابعة”(12).

تعليق: لا يوجد اختلاف بل يوجد تنوع في الأسلوب، وهذا أمر متعارف عليه لدى كبار الكتَّاب، فأسلوب الكتابة يتوقف على المرحلة التي يكتب فيها الإنسان، ولا سيما لو استمرت هذه المرحلة نحو أربعين عامًا كما حدث مع موسى النبي الذي كتب بعض الأسفار بعد الخروج من مصر وكان عمره نحو ثمانين عامًا، مثلما كتب سفر اللاويين في بداية السنة الثانية من الخروج من مصر، بينما كتب بعض الأسفار في نهاية حياته وكان عمره نحو مائة وعشرين عامًا، مثلما كتب سفر التثنية في الشهر الأخير من حياته.

وفي خلال السفر الواحد قد يتباين أسلوب الكتابة بحسب الحالة النفسية للكاتب، ومدى انفعاله بالحدث، وطبيعة الموضوع إلى يتناوله في الكتابة وهلم جرا..

جـ -اختلاف الألفاظ والأسماء:

قال أصحاب النقد “نلاحظ أيضًا في التوراة وجود ألفاظ وأسماء مختلفة تأتي للدلالة على أشياء واحدة.. ويبين الجدول الآتي بوضوح اختلاف الألفاظ والأسماء باختلاف المصادر التي تنتمي إليها:

م

الموضوع

اليهوي

الإيلوهي

التثنية

الكهنوتي

1

سكان الأرض

الكنعانيون

الأموريون

  

2

حمو موسى

راجيل

يثرو

  

3

جد الأسباط الاثني عشر

يعقوب

يعقوب

  

4

جبل الرب (الظهور لموسى)

سيناء

حوريب

حوريب

سيناء

5

الأرض

أديم

 

أرض

أرض

6

حبرون

حبرون

  

قرية أربع

7

أرض النهرين

أرام النهرين

  

فدان آرام(13)

تعليق:

1- الأموريين هم قبيلة من قبائل الكنعانيين “وكنعان ولد صيدون بكره وحثّا. واليبوسي والأموري والجرجاشي” (تك 10: 15، 16) فلا يوجد اختلاف فيمكن تسمية سكان الأرض بالكنعانيين أو بالأموريين.

2- حمى موسى له اسمان رعوئيل باسمه، ويثرون بلقبه مثلما كان سمعان بطرس فاسمه كان سمعان ودعاه الرب يسوع بطرس أي صخرة، ودُعي أيضًا صفا، فهوذا ثلاثة أسماء لشخص واحد.

3- كذلك يعقوب وإسرائيل اسمان لشخص واحد، فعند ولادته دعوه يعقوب ودعاه الرب إسرائيل “فقال لا يُدعى اسمك في ما بعد يعقوب بل إسرائيل” (تك 32: 28) فلا يوجد خلاف في الأسماء.

4- الجبل الذي ظهر عليه الرب لموسى يُدعي حوريب بالنسبة للمقاطعة الجبلية، فالجبل وما حوله يُدعى حوريب، ولذلك قال الكتاب “ها أنا واقف أمامك هناك على الصخرة في حوريب” (خر 17: 6) وقال المرنم عن إسرائيل “صنعوا عجلًا في حوريب” (مز 106: 19) أما قمة الجبل فتدعى سيناء ولذلك قال الكتاب “ونزل الرب على جبل سيناء على رأس الجبل” (خر 19: 20) ودُعي الجبل باسم قمته “وكان جبل سيناء كله يُدخن” (خر 19: 18) ولشهرة جبل سيناء دُعيت المنطقة كلها من خليج العقبة وخليج السويس باسم شبه جزيرة سيناء.

5- الأديم هو وجه الأرض(14) والأديم والأرض هما شيء واحد.

6- حبرون كانت تُدعى أولًا قرية أربع على اسم الشخص الذي أسسها وهو “أربع” جد العناقيين وقد أوضح الكتاب هذا عندما قال “وماتت سارة في قرية أربع التي هي حبرون في أرض كنعان” (تك 23: 2) وقال يشوع بن نون “واسم حبرون قبلًا قرية أربع الرجل الأعظم في العناقيين” (يش 14: 15).

7- سميت أرض النهرين آرام النهرين وجاء في قاموس الكتاب المقدَّس ص 43 “آرام النهرين” (تك 24: 10) والنهران هما الدجلة والفرات، ويظن البعض أنهما نهرا خابور والفرات، وكان فدان آرام يقع في هذا الإقليم (تك 28: 2، 5) وقد سكن ناحور بن تارح ونسله في مدينة حاران في فدان آرام (تك 29: 4، 5) وقد دعا العبرانيون هذه البقعة “آرام التي في عبر النهر” (2 صم 10: 16) وجاء في دائرة المعارف “آرام النهرين.. للدلالة على المنطقة التي يحدها نهر الفرات الأعلى من الغرب، ونهر خابور من الشرق، وتشمل مدينة حاران التي سكن فيها تارح بعد أن ترك أور الكلدانيين (تك 11: 31) وهي نفسها فدان آرام التي ذهب إليها عبد إبراهيم ليأخذ زوجة لإسحق” (تك 24: 10)”(15) وجاء في القاموس عن فدان آرام “اسم سامي معناه سهل آرام، موقع يوجد على ما يظهر في آرام النهرين (تك 24: 10، 25: 20، 28: 5)”(16) ولذلك فلا يوجد خلاف في دعوة هذه المنطقة آرام النهرين أو فدان آرام.

_____

(1) الأب أنطون نجيب – رسالة صديق الكاهن سبتمبر 1971 م ص 31، 32.

(2) علم اللاهوت الكتابي ص 188.

(3) المرجع السابق ص 188.

(4) الأب أنطون نجيب – رسالة صديق الكاهن سبتمبر 1971 م ص 41.

(5) الأب أنطون نجيب – رسالة صديق الكاهن يونيو 1972 م ص 84.

(6) معجم اللاهوت الكتابي ص 91.

(7) معجم اللاهوت الكتابي ص 91.

(8) أسماء الله ص 13.

(9) جرجس صالح – أسماء الله ص 3.

(10) راجع كتابنا أسئلة حول ألوهية المسيح ص 85-96، وكتابنا شهود يهوه.. هوة الهلاك ص 42- 44.

(11) راجع د. صموئيل يوسف – المدخل إلى العهد القديم ص 89.

(12) رسالة صديق الكاهن – سبتمبر 1971 م ص 33.

(13) رسالة صديق الكاهن – سبتمبر 1971 م ص 34.

(14) مختار الصحاح ص 10.

(15) دائرة المعارف جـ 1 ص 155.

(16) قاموس الكتاب المقدَّس ص 672.

(17) أ. جرجس صالح- أماء الله ص 7.

الأدلة التي اعتمدت عليها نظرية المصادر؟ وما هو الرد عليها؟