من هم أصحاب نظرية المصادر القديمة للتوراة؟ وكيف برزت للوجود؟
10- اعتمدت نظرية المصادر القديمة على افتراض وجود مصدرين للتوراة، فمن هم أصحاب هذه النظرية، وكيف برزت هذه النظرية للوجود؟
أولًا: نظرية المصادر القديمة The Old Documents Hypothesis
ج: في سنة 1711 م لاحظ “هيننج فيتر” H.B.Witter أن اسم الجلالة المستخدم في هذه الأسفار ذُكِر مرة “الوهيم” Elohim ومرة أخرى “يهوه ” Jehovah، كما إن قصة الخليقة ذُكرت مرتين في سفر التكوين (تك 1- 3: 24) وهذا جعله يعتقد أن موسى استمد معلوماته من مصدرين سابقين أحدهما المصدر الألوهيمي، والآخر المصدر اليهوي.
ثم ظهر “جان استروك” Jaen Istruc (1684- 1766 م) الطبيب الفرنسي الكاثوليكي، وكان والده بروتستانتي ذو أصول يهودية، واحتل جان مركزًا اجتماعيًا مرموقًا لأنه كان الطبيب الخاص لملك فرنسا لويس الخامس عشر، وأيضًا للملك البولندي أغسطس القوي، وفي سنة 1753 م وهو في سن السبعين من عمره كتب مذكرة باسم “أحداث عن المذكرات الأصلية التي يبدو أن موسى استخدمها في تأليف كتاب التكوين ” ولم يوضح في هذه المذكرة اسمه كمؤلف لها، واعترف في مذكرته هذه بأن موسى هو كاتب الأسفار الخمسة، ولكنه قال أن موسى استمد مادة الكتاب من مصدرين سابقين له، ولهذا استخدم موسى اسمي “يهوه ” و”إيلوهيم”، ولكن كتابه هذا لم يترك سوى انطباعًا ضعيفًا.
وتبع جان استروك العملاق المحافظ “جون دافيد ميكائيليس” (1719- 1791 م) الذي أكد على أن موسى هو كاتب الأسفار الخمسة مُدلِّلًا على هذا بعلم تطور اللغات وعلم الآثار.
وفي سنة 1780 م. ظهر أستاذ اللغات الألماني “ايخهورن” J.G. Eichern (1752- 1827 م) وكان والده قسًا ألمانيًا وكان تلميذًا لدافيد ميكائيليس، كما درس ايخهورن فكر جان استروك وأيده وبلوَّره، وأكد في كتابه “مقدمة للعهد القديم ” Introd The O- T (1780- 1783 م) على أن موسى استخدم مصدرين سابقين له، وهما المصدر الأيلوهيمي والمصدر اليهوي في صياغة أسفاره بدليل اختلاف الأسلوب ووجود نوعين من الأفكار، ثم جاء مُحرّر آخر بعد موسى أعاد صياغة النص، وأطلق ايخهورن على القصص التي تذكر اسم إيلوهيم “الألوهيمية” والتي تذكر اسم يهوه “اليهوية”، وقال ايخهورن مع بعض النقاد الآخرين أن سبب تكرار بعض القصص في التوراة هو وجود مصدرين للقصة، وقالوا إن من القصص التي تكرّرت قصة الخليقة، والطوفان، والعهد بين الله وإبراهيم، وتفسير تسمية إسحق، وقول إبراهيم عن سارة أنها أخته، ورحلة يعقوب إلى آرام النهرين، وظهور الملاك ليعقوب في بيت إيل، وتغيير الرب لاسم يعقوب، وإخراج الماء من صخرة صماء، وتمرد قورح وداثان، وأنكر ايخهورن المعجزات الواردة في الكتاب المقدَّس ونسبها إلى الطبيعة، وقال أن الذين كتبوا مثل هذه القصص كانوا أشخاصًا بدائيون يجهلون الأسباب الحقيقية والطبيعية للأحداث، ولذلك نسبوا كل عمل إلى الله العلة الأولى، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. ودُعى ايخهورن أيضًا بأبو النقد، فهو أول من استخدم عبارة “النقد العالي ” في كتابه مقدمة للعهد القديم فيقول “لقد وجدتُ نفسي مضطرًا لبذل هذا القدر الكبير من الجهد في مجال غير مسبوق حتى الآن، وهو فحص التركيب الداخلي لكل سفر من أسفار العهد القديم بمساعدة النقد العالي”(1) وهو يقصد بالتركيب الداخلي للسفر أي معرفة المصادر التي استخدمها الكاتب، وطريقة استخدام هذه المصادر، ومعرفة كاتب السفر، وتاريخ كتابة السفر عن طريق ربط الأحداث الواردة في السفر بالتاريخ المدني، فمثلًا يقولون أن أهم مصادر
سفريّ أخبار الأيام هو سفريّ صموئيل وسفريّ الملوك، وقال “لاشمان” C.L. Lachmana أن أهم مصدر لإنجيليّ متى ولوقا هو إنجيل مرقس.
وهكذا أخذت نظرية المصادر دورها في التطور، ففي سنة 1792 أنكر الكاهن الكاثوليكي “ألكسندر جيدس” Alexander Geddes الاسكتلندي نسبة التوراة لموسى النبي، وقال إنها كتبت في أرض كنعان في زمن سليمان الملك، وأن الكتاب المقدَّس لم يصل إلينا في صورته الحالية الكاملة، إنما وصل إلينا على شكل أجزاء متفرقة، والمُحرِّر جمع هذه الأجزاء المتفرقة حتى وصلتنا بشكلها وترتيبها الحالي، وبلغ به الانحراف إلى القول بأن موسى استمد شريعته الشفاهية من المصريين بعد تنقيحها، لأن الله لم يكلمه، وبذلك أرجع الشريعة للوثنية المصرية. كما أنه أنكر المعجزات العظيمة التي أجراها الله على يد موسى، وللأسف فإن بعض غير المؤمنين يستشهدون به وبأمثاله على أنهم من أفاضل المسيحيين.
_____
(1) دائرة المعارف الكتابية ج 6 ص 319.