سؤال عن موضوع الجسد والدم وتحولهما حرفياً.
- الرب قال جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق، فهل نحن نأكل أعضاء جسد المسيح مثل الرجل والإصبع وكل ما هو مادي، يعني هل التحول المادي يتم بحيث أن المعجزات التي تقول أنه ظهر لحم أو اتخذ شكل لحم في التقدمة على المذبح كما كُتبت بعض المعجزات، أنها صحيحة فعلاً، وهل من هنا ظهر الصراع بين الناس على ما هو مادي وما هو معنوي أو روحي !!!
في الواقع أن مشكلة الإنسان الحقيقية في أنه لا يستطيع أن يتجه نحو الله ببساطة طفل يؤمن بكل ما يخرج من فمه، وكل النقاشات احتدمت على مر العصور بسبب فلسفة الإنسان وعدم بساطة قلبه وإيمانه الصريح في قبول السرّ الظاهر في التدبير، لذلك نرى الصراعات القائمة والتي نراها في الانقسامات الظاهرة في الكنيسة على مر العصور كلها وإلى اليوم بين الخدام وبعضهم البعض (ملحوظة انا لا اتكلم عن الجميع بل عن البعض فقط – فلا يوجد أي تعميم في الكلام)، وظهور الأفكار المتضاربة أحياناً والمتقاربة أحياناً أخرى بين الناس وبعضها البعض، وذلك كله في غياب الدخول في السرّ نفسه بروح الوداعة وتواضع القلب في صراحة إيمان حي عامل بالمحبةناتج من قبول ملكوت الله مثل ولد:
[ الحق أقول لكم من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد فلن يدخله ] (مرقس 10: 15)
[ الحق أقول لكم: أن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأولاد فلن تدخلوا ملكوت السماوات ] (متى 18: 3)- فأسرار الله الذي أعطاها لنا لا يتجادل فيها أحد إنما يدخلها فتكون يقين في داخله لأنها صارت له ترياق الخلود
طبعاً لا أقصد أن أنتقص من أي نقاش ولا أقلل من ضرورته قط، ولكني أُريد أن أُظهر عمق ما أعطاه لنا في سرّ، لأن النظرة الروحية الآبائية العميقة من جهة خبرة الإفخارستيا في حياة المؤمن الحقيقي، تنطلق من لفظة هامة وهي [الاتحاد بالله سراً]، أو الشركة والتشرب من [طهارة الابن الوحيد]، وهذا ظاهر في القسمة في القداس الإلهي، ولنلاحظ في الأفعال الموجودة في الكلام:
- [ اشفِ أيها الرؤوف نفوسنا الشقية بمراهم أسرارك المُحيية.. عند استحالة الخبز والخمر إلى جسدك ودمك (لا يتكلم بالمعنى المادي الحرفي إنما بمعنى السرّ)، تتحول نفوسنا إلى مشاركة مجدك وتتحدنفوسنا بألوهيتك (لا يقصد اننا نتحول لنصير الله بل يتكلم عن وحدتنا معه ويتكلم بالتفصيل بعد ذلك)… لكي بذوق لحمك نؤهل لذوق نعمتك، وبشرب دمك نؤهل لحلاوة محبتك. وهبت لنا أن نأكل لحمك علانية، أهلنا للاتحاد بك خفية. وهبت لنا أن نشرب كأس دمك ظاهراً، أهلنا أن نمتزج بطهارتك سراً. وكما أنك واحد في أبيك وروحك القدوس نتحد نحن بك وأنت فينا ]
فالمعنى المادي الحرفي للكلام – بدون الدخول في خبرة السرّ نفسه بإيمان حي – لا يليق قط بالأسرار الإلهية، لأننا لا نأخذ مسيح الجسد الميت، ولا كل واحد فينا يأخذ قطعة من جسد لحمي، بل نتناول مسيح القيامة والحياة، بحيث أن كل واحد يأخذ المسيح الواحد بكامله [ في بيت واحد يؤكل لا تخرج من اللحم من البيت إلى خارج وعظماً لا تكسروا منه ] (خروج 12: 46)، [ وأما يسوع فلما جاءوا إليه لم يكسروا ساقيه لأنهم رأوه قد مات… عظم لا يكسر منه ] (يوحنا 19: 33و 36)
لأننا لو دخلنا في المنطق البشري الميت، سنقول أن الكاهن يقطع ابن الله الحي ويعطي كل واحد قطعة من لحمة، مثل واحد يأخذ صباع وآخر قطعة من قدم وندخل في المعجزات الملفقة والمهينة للسرّ حينما يقول واحد أنه رأى في الصينية طفل (والمسيح الرب القيامة والحياة لا يعطينا طفولته بل ذاته قائم من الأموات) أو لحمة جسد، وهذا هو الموت عينه الذي يوضح أن الإنسان لازال خارج الإيمان ولم يعرف مسيح القيامة والحياة الجديدة بعد، لأنه لم يدخل فيه ويرتبط بشخصه كإله حي وحضور مُحيي، ولا زال حبيس الجسد الميت، والجسد الذي في القبر، لأن المسيح إلهنا الحي لا يعطينا جسده ما قبل القيامة قط، لئلا لن نستفاد شيئاً، وسنكون مثل مريم الذي كانت تبحث عن الجسد الميت وحاولت أن تلمس الرب مثلما ما كان قبل القيامة فكان لها القول [لا تلمسيني]
فينبغي علينا أن لا ندخل للأسرار الإلهية بمفهوم المادة ومنطق الإنسان العقلي ونجرد الموضوع من السرّ الإلهي، فعلينا أن نقبل الموضوع ببساطة قلب في إيمان حي لندخل في سرّ عمل الله فينا، لأنه يبقى كلام الرب نفسه لنا [ أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي ] (متى 26: 26)، وهذا يكفينا، فنحن نؤمن ونصدق ونتناول على كلمة الرب، ونرى فعله فينا الذي يعمله سراً ونتيقن من الحياة الأبدية التي أعطاها لنا، وان لنا الثقة لدخول مجده لأنه فينا ونحن فيه قائمون بالسرّ والذي سيُعلن في مجيئه الأخير حسب وعده الصادق الأمين:- [ من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أُقيمه في اليوم الأخير ] (يوحنا 6: 54)
- [ من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه ] (يوحنا 6: 56)
وفي هذان الآيتان يظهر مضمون السرّ وعمله فينا بالإيمان، لأن بدون إيمان لا يُمكن إرضاؤه ولن يفعل فينا شيئاً، فلا ينبغي أن ندخل في الجدل الظاهر عند الناس ولا ندخل في موضوع المعجزات التي صارت لوثة العقل الشرقي، مع أنها دائماً وأبداً هي لغير المؤمنين حتى يؤمنوا، وليست فخراً للمؤمن الحقيقي ولا موضوع اهتمامه من الأساس، بل موضوعه أن يثبت في الله والله فيه، وأن ينمو في الإيمان معطياً حياته برمتها لله الحي، خادماً اسمه القدوس، أما موضوع كيف يكون هذا نتركه لنيقوديموس وكل من يدخل في جدل عقلي عقيم فيهرب منه السرّ ويتيه الآخرين ويدخلهم في متاهات لا طائل من ورائها سوى أن يخيب كل من يدخل فيها من النعمة.. كونوا معافين في سر مجد الله الحي آمين.