Site icon فريق اللاهوت الدفاعي

أثناسيوس يحدد أسفار العهد الجديد عام 367؟ – ترجمة فادي جوزيف

أثناسيوس يحدد أسفار العهد الجديد عام 367؟ – ترجمة فادي جوزيف

أثناسيوس يحدد أسفار العهد الجديد عام 367؟ – ترجمة فادي جوزيف

“فأنت تعلم أوامري، افتح أبواب الكنائس بلا شرط لكل من يُريد الدخول، فإن سمعت بأنك قد منعت أي إنسان من شركة الكنيسة أو حرمته من الدخول، سأُرسِل على الفور قوة لخلعك وإرسالك إلى المنفى”.

 

هذه العبارة كتبها الإمبراطور قسطنطين الكبير عام 328 ميلادية إلى أثناسيوس أسقف الإسكندرية الذي بدا وأنه لا يكترث بمجهودات الإمبراطور قسطنطين المسكونية المُتنامية بل أصر على استبعاد كل من رفض مجمع نيقية، وبالتالي تم خلع أثناسيوس عام 335 ونفيه إلى ترير (وموقعها اليوم في ألمانيا الغربية على الحدود مع لوكسمبورغ)، وقد عاد أثناسيوس إلى الإسكندرية بعد عاميّن بعد وفاة قسطنطين ولكنه خُلِع مرة أُخرى عام 339 ولجأ إلى روما إلى البابا يوليوس الأول أحد داعميه، ثُم عاد مرة ثانية عام 346 ولكنه نُفِيَ ثلاث مراتٍ أُخرى لأسبابٍ متعددة، قبل أن يواصِل أسقفيته عام 366 حتى وفاته عام 373 عن عُمرٍ 78 عام.

دافع أثناسيوس في مُعظم كتاباته عن الإيمان الأرثوذكسي ضد المد الآريوسي (كتب ثلاث مقالات ضد الآريوسيين، عام 335 ميلادية)، كما دافع ببراعة عن الإيمان في مواجهة المعارضين من الوثنيين واليهود (في مقالة “ضد الوثنيين” ومقالة “تجسُد الكلمة”، وذلك عام 318 ميلادية). كتب أيضًا سيرة حياة القديس أنطونيوس عام 357 ميلادية، كإحدى المساهمات المرجعية الخالدة في تاريخ الكتابات الكنسية الموثقة، فقد ذاع صيت الكتاب في العصور المبكرة حيث نشر فيه أثناسيوس معلومات عن الرهبنة.

رسالة الأعياد الشهيرة

ربما كانت رسالة الأعياد رقم 39 لعام 367 هيّ إحدى أكثر كتابات أثناسيوس تأثيرًا، فقد اعتاد أساقفة كرسي الإسكندرية بعد عيد الغطاس ]الاحتفال المسيحي الذي يحل موعده بعد 12 يومًا من عيد الميلاد[، كتابة رسائل لتحديد تواريخ الصوم والفصح وبالتالي تحديد جميع الأعياد الأخرى التي تحتفل بها الكنسية في نفس العام، كما ناقش أساقفة الإسكندرية في هذه الرسائل مسائل أُخرى ذات اهتمامٍ عام، وقد كتب أثناسيوس خمس وأربعين رسالة أعياد حُفِظَت منها بالكامل ثلاث عشرة رسالة في الترجمة السريانية.

وقد أعاد العلماء ترميم ما تبقى من النسخة اليونانية والسريانية والقبطية للرسالة التاسعة والثلاثين وتشمل لائحة أسفار العهديّن القديم والجديد التي وصفها أثناسيوس بالقانونية، وتتطابق لائحة أسفار العهد الجديد في رسالة أثناسيوس مع الأسفار السبعة والعشرين المُعتَد بقانونيتها، لذلك تُعَد رسالة الأعياد رقم تسع وثلاثين لأثناسيوس أول بيان مرجعي لقانونية أسفار العهد الجديد.

وقد كتب أثناسيوس هذه اللائحة لإنهاء الخلاف حول بعض النصوص مثل سفريّ “راعي هرمس” أو “رسالة برنابا”، اللذيّن كانا مُتساويان في المرجعية مع الرسائل الرسولية لفترة طويلة من الزمن، كما عَمِدَ إلى إسكات من شككوا في صحة رسائل القديس بطرس أو سفر الرؤيا، ويقول أثناسيوس بشأن هذه الأسفار السبعة وعشرين تلك هي ينابيع. فمن عطش ينعم بالكلمات التي فيها، لأنّها تكرز بتعليم التقوى الذي فيها. فلا يُضِف عليها أحد ولا ينقّص”

 

الأسفار القانونية محل الجدل

توجد وثيقة تدعم موقف أثناسيوس وهيّ المخطوطة الفاتيكانية الشهيرة بمكتبة الفاتيكان، وهيّ مخطوطة يونانية للعهدين القديم والجديد، وتتألف من نفس الأسفار المذكورة في رسالة الأعياد رقم 39 التي كتبها أثناسيوس وبنفس الترتيب أيضًا، حيث يُلاحَظ الترتيب المميز للأسفار في رسالة أثناسيوس كما يلي: الأناجيل، أعمال الرسل، رسائل الكاثوليكون (رسالة يعقوب، وبطرس الأولي والثانية، ورسائل يوحنا الثلاث، ورسالة يهوذا) ثُم رسائل القديس بولس (وتتضمن الرسالتيّن الأولى والثانية إلى أهل تسالونيكي والرسالة الأولى إلى تيموثاوس وبينهما الرسالة إلى العبرانيين)، ثُم سفر الرؤيا.

ومن المُرجح قيام بعض الناسخين السكندريين بكتابة المخطوطة الفاتيكانية في روما للإمبراطور كونستانس عام 340 خلال فترة نفي أثناسيوس في المدينة والتي امتدت لسبعة أعوام، وبالتالي فهيّ تسبق رسالة الأعياد، لكن بالرغم من تواجُد أثناسيوس المُحتمَل خلال تلك الفترة، يستطيع أي شخص أن يُدرِك بأن عملية التحقق من قانونية الأسفار لم تكُن قرارًا فرديًا اتخذه أحد الأساقفة الجالسين على الكرسي السكندري، بل كانت عملية مُطوّلة من الفحص والتمحيص وُثِقَت في المخطوطة اليونانية للكتاب المقدس، كما دوُنَت في رسالة الأعياد التي كتبها أثناسيوس بعد سبعة وعشرين عامًا.

 على الجانب الأخر لم تتمتع رؤية أثناسيوس بدعم منقطع النظير حتى في الإسكندرية نفسها، فبعد بضعة وعشرين عامًا من كتابة رسالة الأعياد التاسعة والثلاثين، لم يقبل العلامّة السكندري ديديموس الضرير بقانونية رسالتي يوحنا الثانية والثالثة ولكنه دّعم قانونية رسالة بطرس الثانية بل واقتبس منها، وهيّ التي كانت محلًا للخلاف في بعض الأحيان بين كثيرين، كما اعتبر بشكلٍ واضح “راعي هرمس” و”رسالة كليمندس الأولى” على نفس القدر من المرجعية مثل الأسفار القانونية المذكورة. وفي الواقع فقد تعددت الأمثلة عن اختلاف الآراء في جميع أنحاء الإمبراطورية بجزئيها الشرقي والغربي، ومع ذلك فلم تُغيِّر هذه الاختلافات غير دائمة الوقوع من التقليد المُتسلَّم.

كيف إذًا لم يتمكن أثناسيوس والأخرون من تحديد “أسفارًا قانونية” يقبلها الجميع؟ قد تكون التعاليم الغنوصية وبعض الكتابات اللاهوتية غير السليمة، مثل إنجيل توما” قد تسللت مما أدى إلى خلط الرسالة التاريخية للمسيح بما نُطلِق عليه في زمننا الحالي تيار العصر الجديد، أو قد تكون مجموعات الضغط التي تكونت لاحقًا قد استبعدت بعض الكتابات غير المُلائمة لأغراضٍ خاصة بها، مثل سفر الرؤيا على سبيل المثال، أو رسالة بطرس الثانية (التي حاولت بعض الكنائس السريانية استبعادها).

تجدُر الإشارة أيضًا أن مارتن لوثر في زمنٍ لاحق ودّ وأن يستبعد رسالة يعقوب حيث اعتبرها مناقضة لما ذُكِر في رسائل بولس الرسول. لمَ لا نُضيف أيضًا “رسالة من سجن برمنغهام” لمارتن لوثر جونيور التي كتبها عام 1964 حسب اقتراح بعض كتاب العصر الحديث، أو لمَ لا نستبعد الرسائل التي يعتبرها كثيرون في الوقت الحالي غير قانونية؟

ففكرة “انتهاء الأسفار” السائدة في جميع الكنائس المسيحية تُشكِّل إجماعًا عامًا من شأنه أن يحول دون تسلُل مثل هذه الأفكار الغريبة، وتعود عملية تحديد قانونية أسفار الكتاب المقدس إلى أثناسيوس في عام 367، الذي يظل تاريخًا هامًا على مدار التاريخ الكنسي الممتد.

كتبها كارستن بيتر تييد

أثناسيوس يحدد أسفار العهد الجديد عام 367؟ – ترجمة فادي جوزيف

Exit mobile version