عمل يسوع في السبت – أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل – مينا كرم
عمل يسوع في السبت – أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل – مينا كرم
في انجيل يوحنا الاصحاح الخامس نجد حوار في غاية القوة بين الرب يسوع المسيح واليهود، فقد شفى يسوع يوم سبت شخص كسيح وبعد شفائه قال له يسوع ” قم. احمل سريرك وامش ع 8) وبالفعل الكسيح تعافى في الحال وحم فراشه ومضى وهنا جاء اعتراض اليهود إذ قالوا للكسيح ” إنه سبت لا يحل لك أن تحمل سريرك ع 10) وبالفعل كان الرد بسيطاً للغاية إذ أوكل الكسيح القضية برمتها ليسوع، وهذا هو دافع مطالبة اليهود بقتل يسوع المسيح.
ع 16- 18 “ولهذا كان اليهود يطردون يسوع، ويطلبون أن يقتلوه، لأنه عمل هذا في سبت فأجابهم يسوع: أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل فمن أجل هذا كان اليهود يطلبون أكثر أن يقتلوه، لأنه لم ينقض السبت فقط، بل قال أيضا إن الله أبوه، معادلا نفسه بالله”
ما أعظم هذه التصريحات التي يُعلن فيها يسوع سيادته على الخليقة ومساواته بالأب أبيه باعتباره أبيه الشخصي.
ولكن تعبير فأجابهم يسوع مُثير حيث غياب تساؤل من اليهود يستدعي رد فعل يسوع، فهل تساءل اليهود من الاساس؟ أم يسوع يعلم ما هو بقلوبهم؟ في الحقيقة لا اعتقد ان هذا التساؤل جدلي ودون جدوى على الإطلاق.
يقول ويليام هيندريكسن & سيمون كيستميكر ” هل بدأ اليهود في هذه اللحظة بالتوجه الى يسوع شخصياً واتهموه بأنه كسر السبت؟ أم قرأ الرب يسوع ما بقلوبهم وبادر بخطابهم؟ في كلتا الحالتين في وقت الدفاع يُشير يسوع إلى أنه بقيامه بهذا العمل هو من الرحمة في السبت [1]
لكن واضح أن عمليه تكرار اضطهاد اليهود ليسوع هي عملية تكرارية حيث أننا نجد ان الفعل في صيغة المُضارع وهذا بالتأكيد ناتج عن تعمد يسوع أنه يعمل في السبت، وأعتقد أن أدق ترجمة للنص اليوناني لتعبير ” لأنه عمل هذا في سبت” هي التي وردت في بعض الترجمات الإنجليزية he was doing these things(أنظر NEB, NAB, Mft, JB) ” كان يفعل هذه الأشياء ” فالرب يسوع في يوم السبت باعتباره رب السبت يكرر عمله يوم السبت، لأنه أعلى من السبت وواضع السبت، وهنا يأتي التساؤل ما قيمة عمل يسوع في السبت على وجه التحديد؟
في الحقيقة هناك جدل فيما بين اليهود، هل الله يعمل في السبت أم لا؟ لأن ورد في سفر التكوين 2:2 ” وَفَرَغَ اللهُ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ مِنْ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ. فَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابعِ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَ.” فهل من الممكن إن الله لا يعمل في السبت؟ وإن كان لا يعمل فكيف سيستمر الكون بدون الله؟ فمن الطبيعي إن توقف الله عن عمله فالكون لا يكون شيئاً من الأساس، وقد ناقش فيلو اليهودي هذه الفكرة وقد قال ان الله لا يُمكن مُطلقاً أن يتوقف عن العمل، فالرأي الحاخامي بين اليهود بشكل عام، أن الله استمر في عمله في السبت، ولكن ليس عمل الخلق لأن الله قد أنهى هذا الخلق بالفعل، ولكن الله يعتني بهذا العمل دون توقف.
يقوق أندريا لينكولن “إن عبارة “أبي يعمل في كل حين ” كان يُنظر إليها في سياق الفكر اليهودي حول عمل الله المُستمر، فكان هناك نقاش حول ما إذا كان من المُمكن أن نقول إن الله يعمل في كل حين على الرغم أن العهد القديم يُصرح بأن الله استراح بعد الخلق؟ كان الرأي العام أن الله استمر في عمله في الحفاظ على الخلق ومنح الحياة، فالله استراح من عمله الأولي للعالم (أي الخلق) ولكن ليس من عمله مع الخليقة التي خلقها ” [2] ويقول كوستنبريجر ” كان الإجماع بين حاخامات اليهود أن الله يعمل بالفعل باستمرار” [3]
وقد استفاض القديس أغسطينوس في شرح هذه النقطة حيث يقول” كيف يُمكن أن يكون كل من القولان صحيح؟ فمن ناحية يقول إن الله استراح في السبت ومن جهة أخرى يقول في الإنجيل أبي يعمل في كل حين وأنا أيضاً أعمل، الرب يسوع الذي تألم في وقت أراده، شدد على الراحة في بدفنه ففي يوم السبت قد استراح في القبر استراحة مُقدسة بعدما أكمل كل اعماله في يوم التهيئة فقد قال قد اُكمل ثم نكس رأسه وأسلم الروح، فما الغرابة إذا اشار الله نفسه إلى اليوم الذي يرتاح فيه في القبر؟
يُمكن لنا أن نفهم أن الله استراح بعدما قام بعمل خلق انواع مُختلفة من الخلائق، لكنه يُتابع عمله بالعناية بها فقواه لا تتوقف، في اليوم السابع عن السيادة على السماء والأرض وليس فقط السماء والأرض بل كل ما خلقه، فإن توقف الله عمله سوف تنهار السماء والأرض ويصيروا عدم، فكل شيء يستمر بقدرة الخالق فلو توقفت هذه القدرة ولو للحظة واحدة عن العناية بالخلائق وتوجيهها لتوقف كل شيء عن الوجود وتحول كل شيء إلى العدم.” [4]
ويقول ايرمان اولشاوزن عبارة ذهبية ” في الحقيقة أن حفظ الله للخليقة هو في حد ذاته خلق مُستمر ” [5] يقول بروس بارتون “إذا أوقف الله كل الاعمال في السبت فأن الطبيعة ستقع في الفوضى، سفر التكوين 2:2 يقول أن الله استراح في اليوم السابع، استراح من عمل الخلق ذاته لكنه بدأ عمل الحفاظ على الخليقة كان الله يعمر ويستمر في العمل وهكذا يسوع، وقد أكد يسوع بهذا التصريح مساواته بالله ” [6]
ونلخص كل هذا أن الله لا يتوقف عن العمل بغض النظر عن نوع هذا العمل، وهنا يأتي تصريح يسوع في العدد 17 ” فأجابهم يسوع: أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل”، هذا التصريح هام جداً ويُعتبر حجر أساس في فهم نصوص أخرى من الجانب اللاهوتي وردت في نفس الأصحاح خصوصا عدد 19، 30.
يقول ماسيفلي ” بعدما شفى يسوع الكسيح وتقدم إليه اليهود واتهموه بكسر السبت جاء الرد، ولكن في مواضع أخرى في العهد الجديد مثل 3-4: 12 يُدافع عن تصرفاته في الست بحالات مشابهة على أسس إنسانية، ولكن هنا يُدافع عن عمله على أساس لاهوته وهويته ومساواته في الطبيعة مع الأب “[7]
ولكن يجب التأكيد أن يسوع هنا لا يرمي التهمة على الأب، بمعنى أن هذا التصريح ليس هدفه أن يجعل اليهود يصمتون بحجة أن الله نفسه يعمل في السبت فلماذا؟ تلومون عليا؟ على عكس هذا تماماً فبهذه الطريقة يصبح يسوع في موضع اتهام اسوء فإن لم يكن بالفعل له نفس عمل الأب فهذه تكون من عظائم التهم.
يرتكز يوحنا ذهبي الفم على هذه النقطة ويقول ” إن لم يكن ابناً حقيقياً لله ومن جوهره نفسه لكان دفاعه أعظم تهمة، قما من مُعاون يُبرئ نفسه من تهمة تغيير قانون ملكي بقوله إن الملك قد خالفه، فلا يستطيع أن يتهرب من التهمة بل سيجعل التهمة أكبر، لكن هنا بما أن كرامته مُساوية لكرامة الأب فدفاعه عن نفسه صائب ” [8]
ويقول رايل “مما يجب ملاحظته هو تأكيد ربنا على الوهيته ومساواته مع الله الأب عندما قال ابي يعمل حتى الآن وانا اعمل مثله، كان مقصده أكثر من تقديم مثال ابيه رغم أن هذا تم تضمينه فعلياً في حجته، وما قصده هوانا ابن الله الحبيب، انا وأبي واحد في الجوهر والكرامة والسلطان فمهما عمل ابي افعله، فالله له السبت وأنا أيضاً باعتباري واحد معه فأنا رب السبت. ” [9]
ويجب أيضاً الأخذ بعين الاعتبار افتتاحية كلام يسوع حيث أنه يستخدم تعبير “ابي” مُشيراً إلى علاقة متميزة وفريده بينه وبين الأب.
يقول ماسيفلي ” يقول يسوع أبي وليس أبانا، لأن الأبوة التي يتحدث عنها لم يشترك فيها أحد غيره، فالبشر ابناء بالتبني ولكن يسوع هو ابن الله بالطبيعة ” [10] ويقول لينسكي ” يسوع يقول أبي وليس ابانا وبالتالي يضع نفسه في مستوى أعلى من اليهود أو البشر بشكل عام ولكنه يقول بشكل واضح ابي، واليهود في نفس اللحظة فهموا معنى أن يسوع يُعلن أن الله أبوه بمعنى أن لا يستطيع أي إنسان أخر يدعو الله بأنه أبيه” [11]
يقول ليون موريس يُبرز يوحنا العلاقة الشخصية الوثيقة بين يسوع وأبيه، إم تعبير “ابي” هو تعبير جدير بالملاحظة فهذه لم تكن الطريقة التي أشار بها اليهود دائما لله، فإنهم يقولون ” ابانا” لكن يسوع لم يقل مثل هذا لا في هذا الموضوع ولا أي موضع اخر ” [12]
يقول دونالد كارسون ” أن استخدام يسوع تعبير أبي يُزيد من إدراك ما يقوله، في الصلوات المشتركة بين اليهود في بعض الأوقات حينما يتحدثون عن الله يقولون ” ابانا ” حينما يتحدثون عن الله في الصلوات المُشتركة، لكن الطريقة الفردية التي تحدث بها يسوع هنا عن الله تُظهر علاقة يسوع الفريدة بالأب ” [13] يقول ثيؤدور المبسوستي ” لو دعا الله أنه أبًا بالمُطلق لما ثاروا، لكنه دعى الله أنه أباه الخاص لكونه جاء منه مباشرة ومساوياً له ” [14]
فهذه الافتتاحية المميزة حيث استخدم يسوع تعبير ” ابي ” كانت تمهيد لما سيتحاجج به يسوع في عمل السبت.
يقول كينيث باركر ” أن حجة يسوع الدفاعية لقيامه بالشفاء في يوم السبت كانت أن الله لا يتوقف عن عمله في السبت فقوانين الطبيعة لا تأخذ أي عطله لكن الذي كان أكثر أهمية لليهود أن يسوع قام بوضع العمل الذي يعمل مع العمل الذي يعمله الأب، هنا قد صرح يسوع انه يستمر في العمل مثل الله ” [15]
يقول القديس هيلاري “فالنتأمل جواب الرب حينما قال ابي يعمل في كل حين وانا أيضاً اعمل إنه يتكلم لنُدرك فيه قوة طبيعة الأب التي لها القدرة على العمل حتى في السبت، فالأب يعمل في السبت وحينما الأب يعمل يسوع يعمل ايضاً، ولكن يجب علينا أن نوضح ونؤكد أن يسوع أشار إلى عمل الأب الذي كان يعمله فعمل الأب حاضر في اثناء كلامه، فإذا كان الأب يعمل والإبن يعمل أيضا هذا لا يجعلهما أقنوما واحداً في الثالوث ” [16] ويقول ويستكوت ” تعبير ” حتى الأن ” يوضح أن عمل المسيح الذي قوي عداء اليهود له مهما كان هذا العمل قليل ولكنه متوافقاً مع عمل الله الذي لا يعرف أي انقطاع ” [17]
يقول القديس أثناسيوس “حينما قال هذا فإنه يُظهر وجود الابن الأزلي في الأب باعتباره الكلمة، فمن خواص الكلمة أن يعمل أعمال الأب ولا يكون خارجاً عنه فلو كان العلة الخالقة وفي ذات الوقت موجوداً في خلائق أبدعها لما كانت له القدرة على خلق أي شيء، فما من خليقة من المُمكن أن تكون علة خالقها؟، بل كل خليقة كانت بالكلمة فلو كان هو نفسه من ضمن الخلائق لما خلق أي شيء فكل ما هو غير كائن فبالكلمة صار، فإذا كان بلابن يخلق الأب فإن الابن ليس من ضمن الخلائق ” [18]
يقول فون اوربان ” لم يكن يسوع مدعياً فقط ان الله ابيه حينما قال وأنا أيضا اعمل، بل أيضا أن له وضع مميز وفريد يتعلق بعمل السبت مثل الله يهوه فأن ادعاء يسوع بذلك هو أمر واضح أنه يُعلن ألوهيته ” [19]
يقول كولين كروس ” قد أجاب يسوع على خصومه من اليهود قائلا أبي يعمل حتى الأن وأنا اعمل مثله أي أنه يعمل مثل الله حتى في السبت وهو شيء يجب أن يعترفوا به، فكما يعمل الأب في السبت عن طريق عنايته الإلهية للكون وأمور أخرى، كذلك يسوع يعمل في السبت لرعاية وخلاص المُتأثرين بالخطية ” [20] يقول كوستنبريجر ” كان بإمكان يسوع أن ينتقد أو يعترض على تفسير اليهود الغير دقيق لكن بدلا من ذلك يضع يسوع عمله في يوم السبت على نفس المستوى تماماً لله الخالق فإن كان الله فوق السبت وأومره فكذلك يسوع” [21]
يقول برنارد ” أن تعبير وأنا أيضاً اعمل، لا يُعني فقط أن يحق ليسوع أن يدعوه الله أنه ابيه الشخصي بمعنى البنوة الفريدة ولكن أيضاً أن علاقته بالسبت لا تختلف عن علاقة الله نفسه بالسبت ” [22]
وعلى الرغم من ذلك فقد أخطأ اليهود أيضاً في فهمهم إذا حتى بتصريحهم ان يسوع مساوي لله قد اخطأوا وهذا ما يقوله بولتمان نقلاً عن بيسلي موراي، انهم نظروا لمساواة يسوع بالله انه مستقل ومنفصل عن طبيعة الله، فصحيح أن الابن والأب متساويين ولكن طبيعة الابن والاب هي طبيعة واحدة، فيسوع ليس مساوي لله باعتباره كائن منفصل عن الكينونة الإلهية، لكنه مساوي للأب والروح القدس في طبيعة واحدة.
- انجيل توما الأبوكريفي لماذا لا نثق به؟ – ترجمة مريم سليمان
- مختصر تاريخ ظهور النور المقدس
- عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان – الجزء الأول – ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث
- عندما يحتكم الباحث إلى الشيطان – الجزء الثاني – ترتيب التجربة على الجبل ردًا على أبي عمر الباحث
- المذيع محمود داود يُعلن إيمانه بالمسيح
عمل يسوع في السبت – أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل – مينا كرم
[1] Hendriksen, W, & Kistemaker, s, j. Vol.1-2: New Testament Commentary: Exposition of the Gospel According to John, Accompanying biblical text is author’s translation. New Testament Commentary: vol,1 ,P,195-194
[2] Lincoln, A. T, Black’s New Testament commentary: The Gospel according to saint john. Originally published: A commentary on the gospel according to St. John: London: Continuum,2005,,P,196
[3] Kostenbrger,A,(2004).John, Baker Exegetical Commentary on The New Testament, P.184
[4] WSA 1 13: 253,254
[5] Olshausen, H., Ebrard, J. H. A., & Wiesinger, A. (1857-1859). Biblical Commentary on the New Testament by Dr. Hermann Olshausen, Volumes 1-6 (A. C. Kendrick & D. Fosdick, Jr, Trans.) vol,2 P.392
[6] Barton, B. B. (1993). John. Life application Bible commentary, P.106
[7] MacEvilly, J, An Exoposition of the Gospel of St. john, P.94
[8] NPNF 1 14:133
[9] Ryle, J, C. Expository Thoughts on john Vol.1 P. 280
[10] MacEvilly, J, An Exoposition of the Gospel of st. john, P.94
[11] Lenski, R, C, H.The interpretation of St. john’s gospel. P.373
[12] Morris, L. (1995). The Gospel According to John. The New International Commentary on the New Testament, P. 273
[13] Carson, D, A. The Gospel according to john, P.246
[14] CSCO 4 3:105
[15] Barker, K. L. (1994). Expositor’s Bible Commentary (Abridged), P.311
[16] NPNF 2 9:170
[17] The Gospel according to St. John Introduction and notes on the Authorized version. 1908. Greek text and “Revised version” on opposite pages.; Edited by Arthur Westcott. (B. F. Westcott & A. Westcott, Ed.), P. 83
[18] NPNF 2 4:389-60
[19] von Wahlde, U. C. (2010). The Gospel and Letters of John, Volume 2: Commentary on the Gospel of John. The Eerdmans Critical Commentary, P.221
[20] Kruse, C. G. (2003). Vol. 4: John: An introduction and commentary. Tyndale New Testament Commentaries, P.152
[21] Kostenbrger, A, (2004). John, Baker Exegetical Commentary on The New Testament, P.184
[22] Bernard, J. H. (1929). A critical and exegetical commentary on the Gospel according to St. John. Paged continuously. (A. H. McNeile, Ed.) Vol 1, P.237
[23] Beasley-Murray, G. R. (2002). Vol. 36: Word Biblical Commentary: John. Word Biblical Commentary, P.74