الرمز والحقيقة – العظة 47 للقديس مقاريوس الكبير – د. نصحى عبد الشهيد
الرمز والحقيقة – العظة 47 للقديس مقاريوس الكبير – د. نصحى عبد الشهيد
الرمز والحقيقة – العظة 47 للقديس مقاريوس الكبير – د. نصحى عبد الشهيد
الرمز والحقيقة – العظة 47 للقديس مقاريوس الكبير – د. نصحى عبد الشهيد
تفسير رمزي للأشياء التي كانت تُصنع تحت الناموس.
المجد على وجه موسى:
إن المجد الذي ظهر على وجه موسى كان رمزًا للمجد الحقيقي وكما أن اليهود لم يستطيعوا “أن ينظروا إلى وجه موسى” (انظر 2 كو 3: 7)، هكذا فإن المسيحيين يحصلون على مجد النور في داخل نفوسهم، أما الظلمة- إذ لا تحتمل لمعان النور- تضمحل وتهرب.
الختان وتطهيرات الجسد:
وأولئك القدماء كانوا يُعرفون أنهم شعب الله بواسطة علامة الختان الظاهر. وأما هنا الآن فإن شعب الله ينالون علامة الختان في قلوبهم من الداخل. لأن السكين السماويّة تقطع الجزء الزائد من العقل، أي غلفة الخطية النجسة. وفي القديم كانت لهم معمودية لتطهير الجسد. أما عندنا نحن فتوجد معمودية الروح القدس والنار. فهذا هو ما كرز به يوحنا “هو سيعمدكم بالروح القدس ونار” (مت 3: 11).
مسكن خارجي وآخر داخلي:
وفي القديم كان هناك مسكن خارجي وآخر داخلي. “وكان الكهنة يدخلون إلى المسكن الأول كل حين صانعين الخدمة. وأما إلى الثاني فرئيس الكهنة فقط مرة واحدة في السنة، بالدم، معلنًا الروح القدس بهذا أن طريق الأقداس لم يكن قد أُظهر بعد” (عب 9: 6-8). وأما هنا من الجهة الأخرى، فإن الذين يُحسبون أهلاً لذلك هم الذين يدخلون إلى “المسكن غير المصنوع بيد، حيث دخل المسيح كسابق لأجلنا” (عب 6: 20).
العصفوران:
إنه مكتوب في الناموس أن الكاهن يأخذ عصفورين ويذبح أحدهما ويرش العصفور الحي بدم المذبوح، ويطلق الحي ليطير حرًا (انظر 14: 4-7). ولكن هذا الذي كان يُصنع قديمًا إنما هو رمز “وظل” للحق، لأن المسيح قد ذُبح، وبدمه المرشوش علينا جعل لنا أجنحة، فإنه أعطانا أجنحة روحه القدوس، لكيما نطير في الجو الإلهي بلا عائق.
الناموس المكتوب على ألواح حجر:
وفي العهد القديم أُعطي لهم الناموس مكتوبًا على ألواح من حجر، وأما لنا نحن فالقوانين الروحانيّة “مكتوبة على ألواح قلب لحمية” (2 كو 3: 3)، لأنه مكتوب: “أجعل نواميسي في قلوبهم، وأكتبها في أذهانهم” (عب 10: 16). وتلك الأشياء كلها كانت إلى وقت معين وقد تلاشت، وأما الآن (في العهد الجديد) فكل شيء يتم بالحق في الإنسان الباطن. فالعهد موجود في الداخل والمعركة أيضًا في الداخل، وبالإجمال “فإن كل الأشياء التي حدثت لهم، إنما كانت مثالاً، وكُتبت لإنذارنا” (1 كو 10: 11).
عبودية مصر:
لقد أنبأ الله إبراهيم بما سيحدث قائلاً: “اعلم يقينًا أن نسلك سيكون غريبًا في أرض ليست لهم ويُستعبدون لهم فيذلونهم أربع مئة سنة” (تك 15: 13)، وقد تحققت هذه النبوءة تمامًا. لأن الشعب تغرّب واستُعبد للمصريين الذين “مرروا حياتهم في الطين واللبن” (خر 1: 14). وقد جعل فرعون عليهم رؤساء تسخير لكي يذلوهم ويسوقوهم قسرًا. وحينما تنهد بنو إسرائيل إلى الله من العبودية (خر 2: 23) فإن الله نظر إليهم وافتقدهم بواسطة موسى (خر 2: 25). وبعد أن ضرب المصريين ضربات كثيرة، أخرج بني إسرائيل من مصر في شهر الزهور عند بزوغ فصل البهجة أي فصل الربيع وبعد انتهاء ظلمة الشتاء.
دم الحمل على الأبواب:
وقد أمر الرب موسى أن يأخذ حملاً بلا عيب، ويذبحه ويرش دمه على القائمتين والعتبة العُليا “لئلا يمسهم الذي أهلك أبكار المصريين” (عب 11: 28)، وعندما رأي الملاك الذي أُرسل، علامة الدم من بعيد عَبَرَ (عن تلك البيوت)، ولكنه دخل إلى البيوت التي ليست عليها علامة الدم وأهلك الأبكار.
نزع الخمير وأكل خروف الفصح:
وأمرهم الله أيضًا أن ينزعوا الخمير من كل بيت، ويأكلوا خروف الفصح المذبوح، مع فطير، على أعشاب مُرّة، ويأكلوه وأحقاؤهم مشدودة وأحذيتهم في أرجلهم وعصيهم في أيديهم. وهكذا أمرهم أن يأكلوا فصح الرب بكل عجلة في المساء، وأن لا يكسروا عظمًا منه.
“وأخرجهم بفضة وذهب” (مز 105: 37)، إذ أمرهم أن يستعير كل منهم من جاره المصري أواني ذهب وفضة، وخرجوا من مصر بينما كان المصريون يدفنون أبكارهم، وخرجوا فرحين بتحررهم من العبودية القاسية، أما الحزن والبكاء فكان من نصيب المصريين بسبب هلاك أبكارهم. ولذلك قال موسى: “هذه الليلة هي للرب” (خر 12: 42) التي وعد أن يفتدينا فيها.
فكل هذه الأشياء إنما هي سرّ النفس التي افتُديت بمجيء المسيح، لأن كلمة “إسرائيل” تُفسر بمعنى: العقل الذي يعاين الله- لذلك فالعقل يتحرر من عبودية الظلمة، أي من المصريين روحيًا.
فإنه منذ أن مات الإنسان بالمعصية ذلك الموت الخطير، ونال لعنة فوق لعنة: “شوكًا وحسكًا تنبت لك الأرض” (تك 3: 18) وأيضًا: “متى عملت الأرض لا تعود تعطيك قوتها” (تك 4: 12)- فمنذ ذلك الوقت نبتَ الشوك والحسك وظهر في أرض القلب. وجرده أعداؤه من مجده بالخديعة وألبسوه العار والخزي.. نزعوا عنه نوره وألبسوه لباس الظلمة، وقتلوا نفسه وشتتوا أفكاره وقسموها، وأحدروا عقله من الأعالي حتى صار الإنسان- إسرائيل- عبدًا لفرعون الحقيقي، فجعل عليه مسخّرين ليعمل أعماله الشريرة وليكمل بناء الطين واللبن.
وهذه الأرواح الشريرة أبعدته عن حالة حكمته السماويّة، وهبطت به إلى الأعمال الماديّة الأرضيّة في الطين أي أعمال الشر وإلى الكلمات والرغبات والتصورات الباطلة الشريرة. لأن الإنسان لما سقط من علوه، وجد نفسه في مملكة مُعادية تكره الإنسان، وفي هذه المملكة يغصبه حكامها على أن يبني لهم مدنًا شريرة للخطية.
الصراخ إلى الله ودم الخروف:
ولكن إذا صرخ الإنسان وتنهد إلى الله، فإنه يرسل إليه موسى الروحاني الذي يخلّصه من عبودية المصريين. ولكن ينبغي على النفس أن تصرخ أولاً وبعد ذلك تبتديء أن تحصل على الفداء والتحرر، وهي أيضًا تتحرر في شهر الزهور الجديدة، في الربيع حينما تستطيع أرض النفس أن تنبت أغصان البرّ الجميلة المزهرة، وحين تكون عواصف شتاء جهالة الظلمة قد انتهت وقد تلاشى العمى الخطير الناشيء عن الخطايا والأعمال الشرير. وحينئذٍ يأمر الرب أيضًا بنزع كل خميرة “عتيقة” (1 كو 5: 7)، من كل بيت أي بطرد كل أعمال وأفكار “الإنسان العتيق الفاسد” (أف 4: 22) وكل أفكاره الشريرة ورغباته الدنيئة.
ثم أن الخروف كان ينبغي ذبحه وتضحيته وأن تُرش الأبواب بدمه: لأن المسيح الحمل الصالح الذي بلا عيب قد ذُبح من أجلنا، وبدمه رُشت أبواب القلب، حتى أن دم المسيح المسفوك على الصليب يصير حياة وفداء للنفس وأما للشياطين فإنه يصير حزنًا وموتًا. لأن دم الحمل الذي بلا عيب هو حقيقة حزن لهم، أما للنفس فهو فرح وبهجة.
الأعشاب المُرّة والأحقاء المشدودة:
وبعد رش الدم يأمر الرب بأكل الحمل مساءً مع فطير وأعشاب مُرّة وبأحقاء مشدودة والأحذية في الأرجل والعصا في الأيدي- لأنه إن لم تستعد النفس من كل ناحية أن تمارس الأعمال الصالحة بأقصى ما تستطيع من قوة، فإنه لا يُعطى لها أن تأكل من الحمل. ورغم أن الحمل لذيذ وحلو والفطير حسن المذاق إلاَّ أن الأعشاب مُرّة وخشنة فإنه بتعبٍِ كثير ومرارة تأكل النفس من الفطير الصالح، لأن الخطية التي تسكن فيها تسبب لها ضيقًا ومرارة.
أكل الفصح مساءً:
ويقول الكتاب أيضًا إن الرب أمرهم أن يأكلوا خروف الفصح في المساء وهي الفترة المتوسطة بين النور والظلمة. هكذا النفس أيضًا حينما تقترب من الفداء والتحرر فإنها توجد بين النور والظلمة، وفي هذه الأثناء تقف قوة الله بجوارها وتسندها، ولا تسمح للظلمة أن تدخل إلى النفس وتبتلعها.
وكما أن موسى قال: هذه هي ليلة موعد الله، هكذا المسيح أيضًا حين دُفع إليه الكتاب في المجمع- كما هو مكتوب في الإنجيل- دعا تلك السنة “سنة الرب المقبولة” ويوم الفداء، فهناك في (العهد القديم) كانت الليلة، ليلة عقاب، وأما هنا فاليوم هو نهار فداء. وهكذا هو الأمر بالحقيقة لأن كل تلك الأشياء كانت رمزًا وظلاً للحق، وكانت ترسم- بطريقة سرية- صورة الخلاص الحقيقي للنفس التي كانت مغلقًا عليها في الظلام. مقيدة في “الجب الأسفل” (مز 88: 6) ومحبوسة وراء “مصاريع نحاس” (مز 107: 16). ولم يكن لها القدرة على أن تنطلق حرّة بدون فداء المسيح.
المسيح يُخرِج النفس من العبودية:
فإنه يُخرج النفس من مصر- من العبودية التي فيها- ويقتل أبكار مصر عند الخروج. فإن جزءً من قوة فرعون الحقيقي قد سقط واستولى الحزن على المصريين- لأنهم كانوا يئنون حزنًا على انفلات الأسرى من بين أيديهم. وقد أمر الرب الشعب أن يستعيروا أواني ذهب وفضة من المصريين، وأن يأخذوها معهم عند خروجهم. لأن النفس عند خروجها من الظلمة فإنها تسترد أواني الفضة والذهب، وأعني بها أفكارها الصالحة “مُطهرة سبع مرات في النهار” (مز 12: 6).
وهذه هي الأفكار التي تُقدم بها العبادة لله وفيها يجد مسرته. لأن الشياطين الذين كانوا قبلاً جيرانًا للنفس، قد شتّتوا أفكارها واستولوا عليها وخربوها. فطوبى للنفس التي تُفتدى من الظلمة، وويل للنفس التي لا تصرخ وتئن إلى الله الذي يستطيع وحده أن يخلصها من أولئك الولاة القساة الظالمين.
بدء التحرك بعد أكل الفصح:
لقد بدأ بنو إسرائيل يتحركون بعد أن صنعوا الفصح. وهكذا فإن النفس تتحرك إلى الأمام حينما تنال حياة الروح القدس، فتأكل من الحمل، وتكون قد مُسحت بدمه، وأكلت الفصح الحقيقي، الكلمة الحي.
عمود النار وعمود السحاب:
وكما أن عمود النار وعمود السحاب كانا يسيران أمام بني إسرائيل ليحفظانهم، هكذا فإن الروح القدس يشدّد المؤمنين الآن ويقويهم، ويشعلهم، ويرشد النفس بطريقة ملموسة.
وحينما علم فرعون والمصريون أن شعب الله قد هرب فإنهم تجاسروا أن يقتفوا أثرهم حتى بعد قتل أبكار المصريين. فإن فرعون جهز مركباته بسرعة وسعى مع كل شعبه وراء شعب الله لكي يهلكه. ولما كاد أن يلحقهم، انتقل عمود السحاب من أمام بني إسرائيل ووقف خلفهم، بينهم وبين فرعون. فأعاق فرعون، وكان عمود السحاب ظلامًا بالنسبة للمصريين ولكنه كان نورًا ومرشدًا وحاميًا لبني إسرائيل. ولكي لا أطيل الحديث عليكم بسرد القصة كلها دعونا نطبق كل التفاصيل على الأمور الروحيَّة.
فإنه حينما تبدأ النفس أولاً بالهروب من الشيطان، فإن قوة الله تقترب منها لتعينها وتقودها إلى الحق. ولكن حينما يعرف فرعون الروحاني- أي ملك ظلمة الخطية- أن النفس قد تمردت عليه وبدأت تهرب من مملكته فإنه يلاحق الأفكار التي كانت ملكه قبلاً- فإن الأفكار كانت هي ممتلكاته، ويحاول بخبثه ويأمل أن ترجع إليه النفس مرة أخرى. ولكن حينما يدرك أن النفس قد هربت من طغيانه هروبًا بلا رجعة- وهذا بالنسبة إليه ضربة أقوى من قتل الأبكار وسرقة المقتنيات- فإنه يجري وراءها لأنه يخاف لئلا بعد هروب النفس منه تمامًا، لا يبقى له من يتمم إرادته ويعمل أعماله.
لذلك فهو يسعى وراءها بالشدائد والتجارب والحروب غير المنظورة. وبهذه الشدائد والحروب تُمتحن النفس وتُجرّب، وبواسطتها تُظهر محبتها نحو من أخرجها من مصر (العبودية). لأنها تُسلّم (للتجارب) لكي تُوضع موضع الاختبار وتُمتحن بطرق متنوعة.
تدخل الله للإنقاذ:
وترى النفوس قوة العدو وهو يسعى أن يقتلها ولكنه لا يستطيع، لأن الرب يقف بينها وبين أرواح الشر. وترى أمامها بحرًا من المرارة والشدائد واليأس. وهي من ناحية لا تستطيع أن تعود إلى الوراء لأنها ترى العدو مستعدًا لقتلها، ومن ناحية أخرى لا تستطيع أن تتقدم إلى الأمام لأن خوف الموت، والشدائد المؤلمة المحيطة بها، يجعلها ترى الموت أمام عينيها.
لذلك فإن النفس تيأس من ذاتها، “إذ يكون لها حكم الموت في نفسها” (2 كو 1: 9) بسبب كثرة أرواح الشر المحيطة بها. وحينما يرى الله النفس وهي محصورة بخوف الموت، والعدو مستعد أن يبتلعها، فإنه حينئذٍ يأتي لمعونتها ويترفق بها، وهو يتأنى عليها لكي يختبرها، ويرى هل تثبت في الإيمان، وهل عندها حب صادق له. لأن الله هكذا قد رسم “الطريق المؤدي إلى الحياة” (مت 7: 14) أن يكون كربًا ضيقًا وفيه امتحانات وتجارب مُرة لكي تصل النفس بواسطة هذا الطريق فيما بعد إلى الأرض الحقيقيّة- أرض أولاد الله.
لذلك فحينما يكف الإنسان عن الاعتداد بنفسه ويجحد ذاته بسبب الشدة العظيمة والموت الذي يراه أمام عينيه، ففي تلك اللحظة يمزق الله- بيد شديدة وذراع رفيعة- قوة الظلمة بواسطة إنارة الروح القدس، وتعبر النفس خلال الأماكن المخيفة، تعبر بحر الظلمة، وتخلُص من النار المحرقة.
عبور البحر والفرح والتسبيح:
هذه هي أسرار النفس التي تحدث حقًا في الإنسان الذي يسعى باجتهاد أن يأتي إلى موعد الحياة ويُفتدى من مملكة الموت، وينال العربون من الله، وتكون له شركة في الروح القدس. وهكذا فإن النفس إذ تتخلّص من أعدائها، بجورها البحر المُر، بقوة الله، وإذ ترى أعداءها الذين كانت مستعبدة لهم، وقد هلكوا أمام عينيها، فإنها تفرح فرحًا لا يُنطق به ومملوء مجدًا (1 بط 1: 8) وتتعزى بالله وتستريح في الرب.
وحينئذٍ فإن الروح الذي نالته يسبح فيها تسبيحًا جديدًا لله بالدُف الذي هو الجسد، وبأوتار القيثارة الروحيَّة التي هي النفس، وبأفكار النفس السامية وبمفتاح النعمة الإلهيّة الذي يضرب على الأوتار، فترتفع التسابيح للمسيح الحي ومعطي الحياة. لأنه كما أن نفخة الفم هي التي تنطق وتتكلم حينما تسري فيها آلات النفخ، هكذا فإن الروح القدس هو الذي يسري في القديسين الذين يحملون الروح، وهو يسبح فيهم تسابيح ومزامير فيصلون لله بقلب نقي.
فالمجد لذلك الذي أنقذ النفس من عبودية فرعون وجعلها عرشًا له، جعلها بيتًا وهيكلاً وعروسًا نقية له، وأحضرها إلى ملكوت الحياة الأبديّة، وهي لا تزال في هذا العالم. وبحسب الناموس كانت الحيوانات غير العاقلة تُقدم كذبائح. ولكن التقدمات لا يمكن أن تكون مقبولة ما لم تُذبح. وهكذا الآن إن لم تُذبح الخطية فإن تقدمتنا لا هي مقبولة أمام الله، ولا هي تقدمة حقيقيّة.
المياه المرّة تصير حلوة:
وعندما جاء الشعب في القديم إلى مارة (خر 15: 22) كانت هناك عين ماء تنبع ماءً مرًا، لا يصلح للشرب. فلما تحير موسى وصرخ إلى الرب، أمره الرب بأن يلقي شجرة أراه إياها، في الماء المرّ، فحينما أُلقيت الشجرة هكذا في الماء، صار الماء عذبًا، إذ تحول عن مرارته وصار مناسبًا وصالحًا ليشرب منه شعب الله. وبنفس الطريقة، فإن النفس صارت مُرّة من شرب سم الحيَّة، وصارت مشابهة لطبيعة الحيَّة المُرّة وأصبحت خاطئة.
لذلك فإن الله يلقي شجرة الحياة في داخل ينبوع القلب المُرّ فيتحول القلب من مرارته، ويصير حلوًا باتحاده بروح المسيح. وهكذا يصير نافعًا جدًا ويذهب في خدمة سيده لأنه يصير لابسًا للروح. فالمجد لذلك الذي يحوّل مرارتنا إلى حلاوة الروح وصلاحه. والويل لمن لا تُلقى فيه شجرة الحياة، فإنه لا يستطيع أن يتغيّر إلى الصلاح أبدًا.
عصا موسى والصليب:
إن عصا موسى كان لها وجهان: فإنها كانت بالنسبة للأعداء حيّة تلدغ وتُهلك، وأما بالنسبة لبني إسرائيل فقد كانت عكازًا يستندون عليها. هكذا أيضًا، فالخشبة الحقيقيّة، خشبة صليب المسيح، فإن صليب المسيح إنما هو موت لأرواح الشر، وأما لنفوسنا فهو سند وملجأ أمين فيه نطمئن ونستريح.
إن الرموز والظلال في العهد القديم كانت تشير إلى الحقائق الحاضرة لأن خدمة العبادة القديمة كانت ظلاً وصورة للعبادة الحاضرة. فالختان، والخيمة، والتابوت، والمن، وقسط المن، والكهنوت والبخور، والغَسْلات، وباختصار كل ما كان يُصنع في إسرائيل وفي ناموس موسى وفي الأنبياء، إنما كان إشارة إلى هذه النفس المخلوقة على صورة الله، والتي سقطت تحت نير العبودية وسلطان ظلمة المرارة.
عروس كاملة لعريس كامل:
فإن الله أراد أن يقيم شركة مع النفس البشريّة. ويخطبها لنفسه كعروس للملك، ويغسلها ويطهّرها من كل دنس. ويجعلها بهية مضيئة بدلاً من سوادها وعارها، ويحيّيها من الموت، ويشفيها من انكسارها ويعطيها السلام ويصالحها لنفسه من بعد العداوة.
ورغم أن النفس مخلوقة، إلاَّ أن الله يخطبها عروسًا لابن الملك ويضمها إليه بقدرته الخاصة، ويغيّرها شيئًا فشيئًا وينميها ويزيدها بفيض نعمته. فهو يوسع النفس ويقودها إلى نمو وازدياد بلا حدود ولا قياس، إلى أن تصير عروسًا بلا عيب وبلا لوم تليق به.
فإنه يلد النفس فيه أولاً، ثم بنفسه ينميها بفعل نعمته، إلى أن تصل إلى قامة محبته الكاملة، فلأنه هو عريس كامل، لذلك فهو يأخذها كعروس كاملة له إلى شركة العرس المقدسة، الشركة السرّية الطاهرة، وحينئذٍ فإنها تملك معه إلى أبد الدهور آمين.
المذيع محمود داود يُعلن إيمانه بالمسيح
المذيع محمود داود يُعلن إيمانه في الكتاب المقدس
القديسة مريم العذراء – دراسة في الكتاب المقدس