روح النعمة وروح الشر – العظة 42 للقديس مقاريوس الكبير – د. نصحى عبد الشهيد
روح النعمة وروح الشر – العظة 42 للقديس مقاريوس الكبير – د. نصحى عبد الشهيد
ليست الأشياء الخارجيّة هي التي تنمي الإنسان أو تؤذيه، بل الداخليّة أي روح النعمة أو من الجهة الأخرى روح خبث.
الروح القدس حصن النفس:
إذا افترضنا أن هناك مدينة عظيمة ولكنها هُجرت وهُدمت أسوارها وأخذها الأعداء، فإن عظمتها لا تنفعها شيئًا. بل لابد من عناية وحرص كثيرين يتناسبان مع عظمة المدينة، لذا ينبغي أن يكون لها أبواب قوية حتى لا يستطيع العدو أن ينفذ إليها.
وبنفس الطريقة فإن النفوس المُزينة بالمعرفة والفهم وحِدّة الفهم هي مثل المدن العظيمة. ولكن ينبغي أن نسأل هل هذه النفوس مُحصّنة بقوة الروح القدس حتى لا يستطيع الأعداء أن يدخلوا إليها ويخرّبوها. فإن حكماء العالم مثل أرسطو وأفلاطون وسقراط الذين كانوا ماهرين في المعرفة كانوا مثل مدن عظيمة ولكنهم كانوا في حالة خراب بسبب الأعداء لأن روح الله لم يكن فيهم.
ولكن كثيرين من بسطاء الناس الذين صاروا شركاء في النعمة، هم مثل مدن صغيرة ولكنها مُحصنة بقوة الصليب، وهؤلاء لا يسقطون من النعمة إلاَّ لسببين: إما لأنهم لا يحتملون الشدائد التي تأتي عليهم، أو لأنهم يتذوقون لذّات الخطية ويستمرون فيها بلا توبة؟ فإن أولئك الذين يسيرون في طريق الملكوت لا يستطيعون أن يمضوا فيه بدون تجارب.
فلاحة النفس بالاحتمال والصبر:
وكما أنه في حالة الحمل وولادة الأطفال فإن المرأة الفقيرة والملكة كلتاهما تتوجعان بأوجاع مخاض واحدة، وأيضًا أرض الإنسان الغني مثل أرض الفقير إن لم تنل التفليح اللازم لها فإنها لا تأتي بالثمر المناسب.
هكذا أيضًا في فلاحة النفس فلا الإنسان الحكيم ولا الإنسان الغني يملك في النعمة إلاَّ بالصبر والاحتمال والشدائد والأتعاب، فإن حياة المسيحيين ينبغي أن تتحمل كل هذه، وكما أن العسل إذ هو حلو لا يظهر منه سم أو مرارة، هكذا فإن مثل هؤلاء المسيحيين هم مملؤون حلاوة وخيرًا لكل الذين يقتربون منهم سواء كانوا صالحين أو أشرارًا كما يقول الرب “كونوا صالحين مثل أبيكم السماوي” (لو 6: 36، مت 5: 48).
خلع الإنسان العتيق ولبس الجديد:
إن الذي يؤذي الإنسان ويلوثه هو من الداخل لأنه “من القلب تخرج الأفكار الشريرة” (مت 15: 19) هكذا يقول الرب، فإن الإشياء التي تنجس الإنسان هي من الداخل.
فإنه من الداخل يزحف روح الشر في داخل النفس، وهو يحاور العقل، وهو يغري، هذا هو حجاب الظلمة، أي الإنسان العتيق (2 كو 5: 17)0 الذي ينبغي أن يخلعه أولئك الذين يهربون إلى الله، وينبغي أن يلبسوا الإنسان السماوي الجديد، الذي هو المسيح (أف 4: 22، كو 3: 8). إذن فلا يضر الإنسان أو يؤذيه شيء من الخارج وإنما يؤذيه فقط روح الظلمة الذي يسكن في القلب، حيًا ونشطًا. لذلك ينبغي على كل واحد في هذه المعركة أن يحارب في أفكاره ضد الشر لكي يضيء المسيح في قلبه، الذي له المجد إلى الأبد، آمين.