أعماق النفس – العظة 41 للقديس مقاريوس الكبير – د. نصحى عبد الشهيد
عظات القديس مقاريوس الكبير - د. نصحى عبد الشهيد - بيت التكريس لخدمة الكرازة
أعماق النفس – العظة 41 للقديس مقاريوس الكبير – د. نصحى عبد الشهيد
أعماق النفس – العظة 41 للقديس مقاريوس الكبير – د. نصحى عبد الشهيد
أعماق النفس عميقة جدًا، وهي تتأثر بمقدار درجة النعمة أو درجة الشر.
إن إناء النفس الثمين هو عميق جدًا، كما هو مكتوب “هو يفحص العمق والقلب” (ابن سيراخ 42: 18). لأنه حينما حاد الإنسان عن الوصية وصار تحت دينونة الغضب فإن الخطية أخذته تحت سلطانها، وحيث إن الخطية هي نفسها. هاوية عميقة من المرارة فقد دخلت إلى داخل أعماق الإنسان واستولت على مراعي النفس حتى إلى أقصى أعماقها.
اختلاط الخطية بالنفس:
وهكذا يمكننا أن نشبه النفس والخطية حينما اختلطت بها كما لو أن هناك شجرة كبيرة جدًا ذات فروع كثيرة وتضرب بجذورها في أقصى أعماق الأرض. هكذا الخطية فقد دخلت إلى الداخل وملكت على مراعي النفس العميقة، حتى إنها صارت مألوفة وملازمة للإنسان وتنمو مع كل شخص منذ طفولته وتعاشره وتعلّمه أمورًا شريرة.
عمل النعمة الإلهيّة والاجتهاد:
لذلك فحينما يظلل عمل النعمة الإلهيّة على النفس بحسب مقدار إيمان كل واحد، وينال الإنسان معونة من فوق فإن النعمة تظلله جزئيًا فقط. لذلك فلا يتصور أحد أن نفسه قد استنارت كلها مرة واحدة استنارة كلّية. فلا يزال يوجد قدر من الخطية في الداخل، ويحتاج الإنسان إلى تعب وكد كثيرين على حسب النعمة المعطاة له. ولهذا السبب تبتديء النعمة أن تفتقد الإنسان جزئيًا مع أنها تملك القوة أن تُطهر الإنسان وتكمله في ساعة من الزمان.
ولكنها تفتقد الإنسان جزئيًا لكي تمتحن قصد الإنسان لترى هل يحفظ حبه نحو الله كاملاً، بحيث لا يتفاوض مع الشرير في أي وقت بل يسلّم نفسه كليةً للنعمة وبهذه الطريقة عندما تنجح النفس مرة بعد مرة، وهي لا تُحزن النعمة في أي أمر، فإن الإنسان ينال معونة متزايدة، والنعمة نفسها تجد مرعى لها في النفس وتضرب بجذورها إلى أعماق أعماقها وفي كل أفكارها، إذ توجد النفس مقبولة وموافقة للنعمة بعد تجارب كثيرة، إلى أن تتشبّع النفس تمامًا بالنعمة السماويّة التي تبدأ منذ ذلك الوقت فصاعدًا أن تملك في الإناء نفسه[1].
التواضع:
ولكن أي شخص لا يثبت في تواضع كثير، فإنه يُسلّم للشيطان ويتعرى من النعمة الإلهيّة التي سبق أن أُعطيت له فيُجرّب بشدائد كثيرة. وحينئذٍ يعرف نفسه على حقيقتها وأنه عريان وشقي. ولذلك فإن الذي يكون غنيًا في نعمة الله ينبغي أن يكون متضعًا جدًا وله قلب منسحق، وأن يعتبر نفسه فقيرًا ولا يملك شيئًا. وأن ما هو له لا يخصه وإنما قد ناله من آخر ويمكن أن يؤخذ منه حينما يشاء الذي أعطاه.
فالذي يتواضع هكذا أمام الله والناس يستطيع أن يحفظ النعمة المعطاة له كما يقول الرب “من يضع نفسه يرتفع” (لو 14: 11) ورغم أنه مختار من الله، فليعتبر نفسه كأنه مرذول. ورغم أنه أمين حقًا فليعتبر نفسه غير مستحق. إن مثل هذه النفوس تكون مرضيّة لله، وتحيا وتنال الحياة بالمسيح، الذي له المجد والقوة إلى الأبد آمين.
[1] إناء النفس أي أعماقها راجع فقرة 1.