العائلة السماوية وسلاح الروح – العظة 23 للقديس مقاريوس الكبير
العظة 23 للقديس مقاريوس الكبير – العائلة السماوية وسلاح الروح – د. نصحى عبد الشهيد
“كما أن الجوهرة الملوكيّة الثمينة لا يستطيع أحد أن يلبسها إلاَّ المولودين من نسل الملوك، هكذا فإن أولاد الله فقط هم الذين يسمح لهم أن يلبسوا الجوهرة السماوية”.
المولودون من الروح:
إن الجوهرة العظيمة الثمينة الملوكيّة، والتي تختص بالتاج الملوكي، إنما تليق بالملك وحده. والملك فقط هو الذي يستطيع أن يلبس هذه الجوهرة ولا يسمح لإنسان آخر أن يلبس مثل هذه الجوهرة. هكذا أيضًا، إذا لم يولد الإنسان من روح الله الملوكي، ويصير من أعضاء العائلة السماويّة الملوكيّة وابنًا لله بحسب المكتوب:
“وكل الذين قبلوه أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله” (يو 1: 12)، فلا يستطيع أن يلبس الجوهرة السماوية الثمينة جدًا، أي صورة النور الذي لا يعبر عنه- الذي هو الرب نفسه، وذلك لأنه ليس ابنًا للملك. لأن أولئك الذين يمتلكون الجوهرة ويلبسونها، إنما يحيون مع المسيح ويملكون معه إلى الأبد. لهذا يقول الرسول “كما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضًا صورة السماوي” (1 كو 15: 41).
وكما أن الجواد طالما هو يرعى مع الحيوانات الوحشية في البريّة، فإنه لا ينقاد للناس ولا يطيعهم. ولكن بعد أن يمسك لكي يروض، فإنهم يضعون عليه لجامًا ثقيلاً إلى أن يتعلم أن يسير بنظام وانضباط. بعد ذلك يمكن أن يركبه راكب ماهر ليدربه لكي يصير نافعًا في الحروب. وبعد ذلك يضعون عليه السلاح: الدرع الزرد[1] وبعد أن يرفعوا عنه اللجام ويهزونه أمام عينيه لكي يتعود عليه ولا يخاف منه.
وهكذا يعلّمه الفارس، حتى يستطيع أن يشترك في الحرب. لأنه بدون درع ولجام فإن الحصان لا يكون ذو نفع في الحرب. ولكن بعد أن يتدرب ويعتاد الحرب، فإنه بمجرد أن يشم رائحة المعركة ويسمع صوت الحرب فإنه في الحال يهجم على العدو من نفسه حتى أن الصوت الذي يصنعه الجواد يكون كافيًا لإلقاء الرعب في قلب العدو.
روح المسيح يغير الإنسان:
وبنفس الطريقة فإن الإنسان منذ السقوط صار متوحشًا وغير مطيع وهو يتجول في بريّة العالم مع الوحوش، التي هي أرواح الشر. وهو تحت الخطية ويرفض أن يخدم ويطيع. ولكن حينما يسمع كلمة الله، ويؤمن فإن الروح يلجمه ويجعله يخلع عنه عاداته الوحشية وأفكاره الجسديّة إذ يصير الآن تحت قيادة المسيح الذي يسوقه ويقوده.
وبعد ذلك يتعرّض الإنسان لشدائد ويختبر ضيقات في ترويضه للخضوع لنير المسيح. وهذا يكون كامتحان للنفس حتى تصبح بالتدريج مطيعة رقيقة سهلة الانقياد بواسطة الروح. والخطية التي فيها تتناقص بالتدريج إلى أن تتلاشى كلية. وهكذا إذ يلبس الإنسان “درع البر” و”خوذة الخلاص” و”ترس الإيمان” و”سيف الروح” (أف 6: 14)، فإنه يتعلّم أن يحارب ضد أعدائه.
وهكذا إذ يتسلّح بروح الرب فإنه يقاتل أرواح الشر، ويطفيء سهام الشرير الملتهبة. ولكن بدون سلاح الروح لا يتقدم إلى خط القتال، ولكن، حينما يحصل على سلاح الرب فإنه بمجرد أن يسمع ويحس بوجود الحروب فإنه يتقدم، “بصياح وهتاف” كما يقول في أيوب (أي 39: 25)، لأن مجرد صوت صلاته يوقع الأعداء ساقطين على الأرض. وهكذا إذ يقاتل وينتصر في الحرب بقوة الروح، فإنه ينال أكاليل الغلبة بثقة عظيمة وهكذا يجد راحة ويستريح مع الملك السماوي، الذي يليق به المجد والقدرة إلى الأبد آمين.
[1] الزرد هي قطعة من السلاح مصنوعة من حلقات حديدية على شكل ضفيرة تغطي الصدر تمامًا.