أولاد الله – العظة الثالثة عشر للقديس مقاريوس الكبير – د. نصحى عبد الشهيد
عظات القديس مقاريوس الكبير - د. نصحى عبد الشهيد - بيت التكريس لخدمة الكرازة
أولاد الله – العظة الثالثة عشر للقديس مقاريوس الكبير – د. نصحى عبد الشهيد
أولاد الله – العظة الثالثة عشر للقديس مقاريوس الكبير – د. نصحى عبد الشهيد
“الثمرة التي ينتظرها الله من المسيحيين”
ثمر العهد الجديد:
كل الأشياء المنظورة قد خلقها الله، وأعطاها للبشر لأجل فرحهم وتنعمهم، وقد أعطاهم أيضًا ناموسًا للبر. ولكن منذ أن جاء المسيح إلى العالم، فإن الله يطلب ثمرة أخرى. وبرًا آخر، ونقاوة قلب وضميرًا صالحًا، وكلمات محبة وشفقة، وأفكارًا مقدسة صالحة، وكل تدبير سيرة القديسين. فالرب يقول “إن لم يزد برَّكم عن الكتبة والفريسيين فلن تدخلوا ملكوت السموات” (مت 5: 20) “مكتوب في الناموس، لا تزنِ، أما أنا فأقول لكم: لا تشتهِ، ولا تغضب” فمن يريد أن يكون صديقًا لله، وأخًا وابنًا للمسيح ينبغي أن يفعل شيئًا يفوق بقية الناس، أي أن يكرس قلبه وعقله (لله)، ويرفع إليه أفكاره.
وبهذه الطريقة فإن الله يعطي لقلبه- في الخفاء- حياة وعونًا، بل أن الله يستودع ذاته عينها لهذا الإنسان. فحينما يقدم الإنسان أموره الخفيّة لله، أي عقله وأفكاره، بحيث لا يشغل نفسه في أي اتجاه آخر، ولا يتحول بعيدًا عنه، بل يغصب نفسه لينحصر في الرب، فإن الرب حينئذٍ يحسبه أهلاً للأسرار السماويَّة بأعظم قداسة ونقاوة، ويعطيه الطعام السماوي والشراب الروحاني.
الخدم والأولاد:
وكما يحدث أن إنسانًا عنده خيرات عظيمة، وله أولاد كما أن عنده خدم، فهو يعطي للخدم نوعًا من الطعام يختلف عن الطعام الذي يعطيه لأولاده المولودين منه، لأن الأولاد هم ورثة أبيهم، ويأكلون معه، لأنهم يشبهون آباءهم. هكذا المسيح أيضًا، رب البيت الحقيقي، الذي خلق كل الأشياء بنفسه، فإنه ينعم على الأشرار وغير الشاكرين. وأما الأولاد، الذين ولدهم منه، والذين منحهم نعمته، والذين يتصور هو فيهم، هؤلاء يزودهم- أفضل من الآخرين- بتنعم وغذاء مخصوص طعامًا وشرابًا.
وإذ يذهبون مع يسوع والدهم في كل مكان، فإنه يعطيهم ذاته، كما يقول الرب “من يأكل جسدي، ويشرب دمي يثبت فيَّ وأنا فيه” وأيضًا “لا يرى الموت” (يو 6: 56، 8: 51). فأولئك الذين يمتلكون الميراث الحقيقي، قد ولدوا كبنين للآب السماوي، ويقيمون في بيت أبيهم، كما يقول الرب: “العبد لا يبقى في البيت إلى الأبد، أما الابن فيبقى إلى الأبد” (يو 8: 35).
فإذا أردنا إذًا أن نُولد من الآب السماوي، فينبغي أن نفعل شيئًا يفوق ما يفعله سائر البشر، بالاجتهاد والجد والغيرة والمحبة، والسيرة الصالحة، وأن نكون في الإيمان ومخافة الرب، كأناس يشتهون الحصول على خيرات عظيمة بهذا المقدار، وأن نرث الله نفسه. كما يقول الكتاب “الرب هو نصيب ميراثي وكأسي” (مز 16: 5).
وهكذا إذ ينظر الرب قصدنا الصالح وصبرنا وثباتنا، فإنه يسكب رحمته علينا ويطهرنا من دنس الخطية، ومن تلك النار الأبديّة التي في داخلنا ويجعلنا مناسبين وملائمين للملكوت. والمجد لحنانه الرقيق، وللمسرة الصالحة التي ظهرت من الآب والابن والروح القدس. آمين.